] «ملف الأخبار» رام الله: حُكم الجواسيس - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
الثلاثاء 29 حزيران (يونيو) 2021

«ملف الأخبار» رام الله: حُكم الجواسيس

الثلاثاء 29 حزيران (يونيو) 2021

ليس نزار بنات الأوّل في قائمة المقتولين على أيدي «سلطة دايتون»، ولن يكون الأخير. لكن مع اغتياله، تنفتح صفحة جديدة في سجلّ هذه السلطة الأسود، عنوانها تصعيد عمليات القمع بحق المقاومين والمناضلين وكلّ من تُسوّل له نفسه التفوّه بكلمة بحقّ محمود عباس ورجاله. عملياتٌ تظلّ محميّة ومرعيّة من قِبَل «الشريك» الإسرائيلي، الذي لا تملّ السلطة من لعب دور المقاول الأمني لديه، بما يتجاوز بأشواط كثيرة عنوان «التنسيق» الذي أقرّته «اتفاقات أوسلو». إلا أن مأزق السلطة، اليوم، أنها تُشرّع باب «التوحّش» على مصراعَيه، في وقت تبدو هي فيه في أضعف حالاتها، في ظلّ التراجع المستمرّ في مكانتها لصالح فصائل المقاومة، وفق ما كرّسته معركة «سيف القدس» الأخيرة. ولذا، ليس من المبالغة توقّع ارتفاع صوت المتمرّدين والمتجرّئين على «حكم الجواسيس»، الذي ينكبّ حالياً على تدبيج تلفيقة لواقعة اغتيال نزار بنات، رفضت عائلة الأخير أن نكون شاهدة زور عليها، مُعلنة انسحاب ممثّلها من «لجنة تحقيق منقوصة عرجاء معظم أعضائها يمثّلون السلطة»، وفق البيان الصادر أمس عن العائلة.

- عباس أمَر فرج بتصفية بنات: «خلصونا منه»!

فلسطين رجب المدهون الثلاثاء 29 حزيران 2021

لم تكن واقعة اغتيال الناشط السياسي الفلسطيني، نزار بنات، غريبة عمّن يعرفون كيف تُدار الأمور في أروقة السلطة الفلسطينية، وكيف يتعامل الرئيس محمود عباس مع معارضيه الذين يهدّدون استمراره في قيادة حركة «فتح» والسلطة و«منظّمة التحرير»، لتكون تصفية بنات حلقة جديدة في مسلسل الإقصاء عن طريق القتل، بعد محاولات عدّة لإسكاته طيلة السنوات الماضية. مصادر رفيعة المستوى في السلطة الفلسطينية، طلبت عدم ذكر اسمها، روت لـ«الأخبار» تفاصيل متعلّقة بعملية اغتيال المرشّح للمجلس التشريعي، وما سبقها من خطّة قُدّمت إلى الرئيس محمود عباس بخصوصه، وما أعقبها من أوامر بالتخلّص منه، في ظلّ واقع سياسي بات يشكّل تهديداً للسلطة بعد المواجهة العسكرية الأخيرة بين المقاومة والعدو، وتدهور شعبية حركة «فتح» وفق ما أظهرته استطلاعات الرأي أخيراً.

قبل أيام من عملية الاغتيال، قدّم مسؤول جهاز المخابرات العامة الفلسطيني، ماجد فرج، لعباس، ورقة تقدير موقف حول تراجع مكانة السلطة وتدنّي التأييد الشعبي لها إلى مستويات تاريخية في استطلاعات الرأي العام. وأشار فرج إلى عدّة عوامل تسبّبت بهذا التراجع، من ضمنها وجود أشخاص دأبوا على مهاجمة السلطة وقادتها وحكومة حركة «فتح» وإثارة القضايا ضدّها، وآخرها قضية صفقة اللقاحات منتهية الصلاحية. وذَكر من بين أبرز هؤلاء نزار بنات، الموجود في مدينة الخليل في الضفة الغربية المحتلة، والذي بات محرّكاً رئيساً للرأي العام ضدّ السلطة في الأراضي الفلسطينية، بحسب الورقة. ولفت فرج إلى أن نتائج المعركة الأخيرة في قطاع غزة، وما رافقها من تجرّؤ الكثير من الفلسطينيين على السلطة، يشكّل تهديداً حقيقياً للأخيرة، ويُضعف دورها والدعم الدولي المُقدَّم لها من عدّة جهات أبرزها الاتحاد الأوروبي، ويولّد ضغطاً كبيراً عليها، في ظلّ محاولات من قِبَل خصوم «فتح» لوراثتها والسيطرة على القرار والقيادة الفلسطينيَّين.
بعدها بيومين، وخلال اجتماع عقده عباس وضمّ عدداً من كبار قادة السلطة وحركة «فتح»، ذكر «أبو مازن»، بحسب المصادر الرفيعة نفسها، الناشط نزار بنات، متسائلاً عن سبب عدم إسكاته إلى الآن، ليجيب عليه ماجد فرج بأن بنات «مختفٍ عن الأنظار حالياً، وسنصل إليه قريباً»، ليردّ عباس: «خلصونا منه!». وفُهم من كلام عباس أنه يوفّر غطاءً لقتل نزار بعد عشرات المحاولات لإسكاته عن طريق الاعتقالات عبر النيابة العامة وتلفيق الاتّهامات له، واتصالات التهديد والوعيد، وصولاً إلى إطلاق النار على منزله وغرفة نومه وتكرار اقتحام بيته من قِبَل الأجهزة الأمنية خلال الفترة الماضية. وبعد الاجتماع، صدرت الأوامر لـ«اللجنة الأمنية المشتركة»، التي تتشكّل من قوى أمنية مختلفة أبرزها جهاز المخابرات العامة وجهاز الأمن الوقائي، بالبحث عن بنات لإسكاته بأيّ وسيلة، ليتبيّن أنه غير موجود في منزله منذ فترة، وأنه يقيم لدى أقاربه في الخليل في منطقة خاضعة لسلطة الاحتلال الأمنية بشكل كامل (ضمن مناطق ج).

فُهم من كلام عباس أنه يوفّر غطاءً لقتل نزار بعد عشرات المحاولات لإسكاته عن طريق الاعتقالات

بعد وقت قصير، وليلة تنفيذ الاغتيال، نسّقت الأجهزة الأمنية الفلسطينية مع الاحتلال للسماح بدخول دورية تابعة للسلطة لاعتقال «مطلوبين» من المنطقة، على جري ما كان معتاداً طيلة السنوات الماضية، وأيضاً بعد عودة التنسيق بقوّة العام الفائت. كما تمّ إبلاغ العدو بأن الهدف هو نزار بنات الذي أصبح مثيراً للرأي العام، وعاملاً مساعداً على اشتعال الوضع الأمني في الضفة عبر استمرار انتقاده للسلطة ودعوته إلى إدامة المواجهات مع الاحتلال، لتسمح السلطات الإسرائيلية باعتقاله، وتتوجّه قوّة مكوّنة من 6 جيبات عسكرية تضمّ 25 عنصراً من «اللجنة المشتركة» إلى المنزل الذي يقيم فيه بنات. وقبل ساعة من فجر الخميس الماضي، حاصرت القوّة المنزل، ومن ثمّ اقتحمته، حيث اعتقلت نزار وضربته بشدّة حتى فارق الحياة.

- رجلٌ يعرف كلّ شيء: عن نزار... المثقّف الذي يشبهنا
فلسطين بورتريه يوسف فارس الثلاثاء 29 حزيران 2021

لم تتدخّل الصدفة بالمطلق في شهرة نزار بنات. ابن مدينة الخليل كان رجلاً استثنائياً. فهو النجّار المثقّف الذي يشتري من أسواق الناس، ويركب سيارات الأجرة... النجّار المنتمي إلى الطبقة البسيطة التي تتدخّل المعجزات في ذيوع سيرة أحد أبنائها. لكن «أبو كفاح» امتلك ما كان يفقده كلّ أشباهه، الذين قد يفوقه بعضهم «كاريزما» وعلماً، لكنه يتفوّق عليهم ليس بالوعي، إنما بالجرأة في تصدير هذا الوعي. «كنت عارفة أن أمثاله لا يعيشون طويلاً»، بهذه الكلمات، وباللغة البسيطة التي غالبها البكاء، رثت «أمّ نزار» بنات ابنها وهي على شاهد قبره، مُحمّلةً إيّاه أمانة السلام لِمَن سبقه من شهداء العائلة، أخواله ووالده «سبع الليل»، وأبناء عمومته... أسماء كثيرة ذكرتها الحاجّة المكلومة، وهي تؤكد أن شهيدها كان رجلاً منذ صغره.

النجّار، وفنّيّ الديكور المحترف، ابن بلدة دورا (27/09/1978)، كان قد سطع نجمه كناشط سياسي في مطلع عام 2010، أي في الفترة التي اتّسع فيها حضور مواقع التواصل الاجتماعي التي رافقت «فورتها» انتفاضات الشعوب العربية. كان بنات يقدّم، على نحو دوري، قراءات جريئة لمستقبل المنطقة في ظلّ طوفان التغيير، غير أن تلك الجرأة لم تلقَ دائماً استحسان الجمهور المندفع بأطرافه الأربعة مع رياح التغيير. لكن «أبو كفاح» الذي حصل على معدّل مرتفع في الثانوية العامّة، كان لديه من الجرأة والاطّلاع المعلوماتي - الذي لم يتحصّل عليه من تعليم أكاديمي لم يكمله بسبب تحمّله أعباء العمل مبكراً، إنّما من نهمه الشديد بالقراءة والاطّلاع، واستقاء الشواهد التاريخية من أمّهات الكتب والمراجع - ما مَكّنه، إلى جانب ذاكرة حديدية و«لسان سليط»، ليس من إسكات معارضيه ومنتقديه فقط، بل من اختراقهم، وتحويل قطاع عريض منهم إلى «مريدين» له، ينتظرون بفارغ الصبر منشوراته ومقاطعه المُسجّلة.
برز «فنّان الفقراء» كما سمّاه واحدٌ من أبناء بلدته، في صورة «الصوت العالي»، بل «صوت الوعي العالي»، ليس في ما يخصّ مشروع السلطة الفلسطينية فحسب، إنما أيضاً في ما يتعلّق بأحداث الإقليم، حيث طرح موقفاً متقدّماً من الحدث السوري، وحَمَلت مقابلاته ومنشوراته المكتوبة مقاربات جريئة عن «مؤامرات إسقاط سوريا بوصفها آخر قلاع القومية العربية» كما يقول. فضلاً عن ذلك، يمتلك الرجل إحاطة مدهشة عن حروب الأنظمة العربية مع إسرائيل، وتاريخ «منظّمة التحرير». يُغرقك وأنت تستمع إليه، بفيض مذهل من الشخصيات التي بالكاد سمع عنها أحد. وعن ذلك كتب واحد من خصومه عقب اغتياله: «فيديوهات نزار بنات هي الوحيدة التي تحتاج حين تستمع إليها إلى جهازَين محمولَين، أحدهما تستمع به، والآخر تبحث فيه عبر جوجل عن أسماء الشخصيات والتواريخ والأحداث والمصطلحات التي يُضمّنها في كلّ جملة يتكلّم بها».
بالعودة إلى فنّان الفقراء، الحالة الفريدة التي لا تتكرّر وفق ما يقوله ابن بلدته محمد العجوري، فهو مجترح الحلول العبقرية في مجاله. يشرح العجوري: «يَدخل إلى المنزل، ثمّ يُحوّله إلى تحفة فنّية بأقلّ التكاليف، وليس على الطراز الغربي الصامت الخالي من الروح، هو يصنع الأشكال والمنحوتات بيده، يعكس فيها رومانسيّته الدمشقية، يترك شيئاً من روحه على كلّ حائط وجدار». وعند الحساب، يُظهر «أبو كفاح» مرونة قلّ نظيرها، على رغم أنه من الكادحين الذين يعتاشون من قوت يومهم، إلّا أنه فائض الكرم. يكمل العجوري: «لا يطالبك نزار بما لا تمتلك، ينهي الموقف الحرج بجملة واحدة: هات شو معك والباقي حلوان العروس». «حنون جدّاً، ومحبّ لعائلته، على عكس ما تراه منه من شراسة في فيديوهاته». يقول صديقه الصحافي أحمد البديري إن بنات نزار «هنّ كنوز الدنيا بالنسبة إليه»، وإن زوجته «أم كفاح» هي «صديقته ورفيقته وأخته التي لم يخدش قلبها قطّ»، ويضيف متحدّثاً عن صديقه الراحل: «مثقّف كأفضل بروفيسور، ويدرس كأنه تلميذ، صدح بصوته العالي ولم نعرف عليه الكذب قطّ».
يَذكر البديري واحداً من مواقفه الجريئة، التي يفوق ما لم تُسجّله الكاميرا منها أضعاف ما ظهر للناس، حيث وقف في مواجهة النائب العام في إحدى المرّات الثماني التي جرى اعتقاله فيها، واشترط عليه أن يُحقّق معه محقّقٌ تحصّل على مجموع مرتفع في الثانوية العامة، وكان له ما أراد، حتى أُخلي سبيله، بعدما لم تَثبت عليه أيّ تهمة. فهو وفق صديقه، أخبر الناس بالقانون الذي قرأه وحفظه وفهم تفاصيله عن ظهر قلب، حتى أن القضاة لم يستطيعوا أن يثبتوا عليه تهمة قطّ. رحل سليل ناجي العلي كما يرى فيه الكثيرون، يوم الخميس الماضي، بعدما كان تنبّأ في أكثر من مناسبة بمقتله. لكن هذا الخطر لم يُثنه عن مواصلة مشواره، الذي كان يؤكّد دائماً أنه سلكه «لأجل أولاده الذين يجب أن يعيشوا بكرامة» في البلاد التي لم يقبل على نفسه مغادرتها، على رغم أن إرهاصات اغتياله بدأت منذ سنوات، ليس في شكل التهديدات التي رافقته خلال الأعوام الأخيرة، بل في محاولات القتل التي كان آخرها قبل شهرين من استشهاده، عندما هاجمت وحدة مسلّحة تابعة للسلطة منزله، وأطلقت عليه النار، ليظلّ متخفّياً في أعقاب ذلك لشهرين.

- كسَر التابوهات... ولم يخشَ الكومبرادور
فلسطين يوسف فارس الثلاثاء 29 حزيران 2021

ليس التوقيت الذي تمّت فيه عملية اغتيال نزار بنات، مثالياً لمغامرة كهذه. السلطة التي تعيش جملة من الأزمات المركّبة، كان آخرها فضيحة اللقاحات منتهية الصلاحية، كان بإمكانها أن تؤجّل فعلاً كهذا لأيّام أو لأشهر، خصوصاً أنها لا تزال تواجه تداعيات انتصار المقاومة في غزة وتجدّد معركة التمثيل السياسي التي تخوضها فصائل العمل الوطني. لكن مطّلعين على طريقة اتّخاذ القرار في الغرف المغلقة يوضحون أن المعارض «ذا اللسان السليط» داس بقدمه أخيراً مناطق محظورة، ليس في حظيرة الفساد التي ترعاها السلطة منذ سنوات، إنما في مساحات محمود عباس ورئيس شرطته المظلمة التي لا يُسمح بأن يقترب منها أحد. هنا، يبرز اسم المعارض السعودي الشهير ناصر السعيد، كواحد من الخيالات المزعجة التي لا يحب أن يتذكّرها عباس حتى في أحلامه. والسعيد هو أوّل المعارضين لنظام الحكم في السعودية، وقد عاش حياة حافلة بالأحداث التي انتهت بمقتله بطريقة غامضة، كُشف عن بعض تفاصيلها حديثاً.

هنا، تُرجّح مصادر مطّلعة أن السلطة، مُمثَّلة بكلّ شخصياتها المتنفّذة، ضاقت ذرعاً بالحضور المتنامي الذي حقّقه المغدور بنات في الشارع الفلسطيني، غير أن ذلك الإزعاج لم يكُن ليؤدي إلى اغتياله بتلك الطريقة، لولا دخوله في المساحات المحرّمة عند عباس، وقائد شرطته حازم عطا الله. إذ ذَكر بنات، في آخر المقاطع التي بثّها قبل ليلة واحدة من اغتياله في معرض انتقاده سلوك السلطة القائم على المتاجرة بكلّ شيء، قضية المعارض ناصر السعيد الشمري، وقال في ما يتعلّق بفضيحة استبدال اللقاحات منتهية الصلاحية مع الاحتلال بحصّة الفلسطينيين الفعّالة منها: «القيادة الفلسطينية طول عمرها هيك، إذا بنرجع للتاريخ، فهم تاجروا حتى بسلاح الثورة، كانت المنظّمة تبيع أسلحة الفدائي الفلسطيني لحزب الكتائب اللبنانية، باعوا معارض سعودي مناصر للقضية الفلسطينية هو الشهيد ناصر السعيد، باعوه للسعودية بدراهم معدودات، طول عمرهم مرتزقة وشغّالين هيك؛ ففضيحة اللقاحات ليست سلوكاً جديداً».
تُقدّر أوساط مطّلعة أن المقطع الذي لا تتجاوز مدّته ستّ دقائق، ولّد ردّة فعل انتقامية، ليس من قِبَل ناصر عطا الله، الذي يُتّهم والده عطا الله عطا الله (أبو الزعيم) الذي كان يشغل منصب رئيس المخابرات العسكرية في المنظّمة، بأنه المُنفّذ لعملية اختطاف السعيد في بيروت عام 1979، فحسب، بل حتى من «أبو مازن» نفسه، الذي يسجّل عليه الكثير من معاصريه بأنه كان ممثّل المنظّمة في دمشق، وهو مَن تولّى بشكل شخصي مهمّة استدراج السعيد وإقناعه بالسفر إلى بيروت، مقابل مبلغ اقتسمه مع «أبو الزعيم».

داس بنات أخيراً مناطق محظورة ليس في حظيرة الفساد إنما في مساحات محمود عباس ورئيس شرطته المظلمة

هنا، يلفت أسامة فوزي، وهو مؤسّس مجلة «عرب تايمز»، إلى أن «أبو الزعيم» الذي أبعده الراحل ياسر عرفات، بعد أن كشف أنه يخطّط للانقلاب عليه، أعاد عباس الاعتبار إليه بتعيين نجله ناصر عطا الله مديراً للشرطة في محافظات الضفة، ليضحي الاثنان شريكَين في جريمة اغتيال بنات، كما كان أبو مازن شريكاً لـ«أبو الزعيم» في استدراج السعيد الذي لم يكن يغادر حتى بيته في دمشق حينها. التهمة ذاتها سبق أن ألمح إليها الكاتب المصري، رفعت سيد أحمد، في كتابه «قدّيس الصحراء»، إذ أكد أن ناصر السعيد اختُطف بتدبير من السفير السعودي في بيروت وقتها وبعض «المجموعات المدّعية للنضال والثورة التي نفّذت العملية، وهي غالباً من داخل منظّمة التحرير الفلسطينية». وخلال إعداد هذا التقرير، سألت «الأخبار» واحداً من القيادات «الفتحاوية» الوازنة عمّا إن كانت تلك الفرضية صحيحة، ليجيب الرجل الذي يشغل منصباً قيادياً بارزاً في قطاع غزة، طالباً عدم ذكر اسمه، بالإيجاب، مستذكراً ما سأله العقيد سعيد موسى مراغة (أبو موسى)، وهو أمين سرّ «فتح الانتفاضة»، عقب الانتقال من بيروت إلى تونس، لخليل الوزير، عن مصير الأموال التي تلقّتها المنظّمة مقابل تسليم «أبو الزعيم» ومحمود عباس لناصر السعيد!

قطط السلطة السمان
أمّا «التابوه» الأبرز الذي داسه بنات، فكان فتحه ملفّ «قطط السلطة السمان»، وهي الطبقة الرأسمالية أو «الكومبرادور»، التي يرى فيها «أبو كفاح» واحداً من المبرّرات الشخصية التي تدفع محمود عباس إلى المحافظة على السلطة. ووفقاً لعدد كبير من التدوينات ومقاطع الفيديو، فإن كبريات الشركات الفلسطينية التي تقيم علاقات اقتصادية مع العدو، ويرتبط وجودها واستمرار أرباحها ببقاء الاحتلال، تتبع لابنَي عباس، ورجل الأعمال الشهير منيب المصري. وقد انتقد بنات، في أكثر من مقطع مسجّل، الاتفاقيات السرّية التي بنتها هذه الشركات مع نظيرتها الإسرائيلية، وقدّم تفسيرات وافية عن وحدة المصير الاستثماري بين شركات «حاشية عباس» التي تتحكّم بالسلطة، ووجود الاحتلال، ما يدفع السلطة إلى إجهاض أيّ فعل شعبي أو مقاوم، وعرقلة أيّ حراك جماهيري من شأنه أن يعكّر استقرار تلك البيئة الاستثمارية.

- القتل تحت التعذيب... سجلّ السلطة يتوسّع

فلسطين رجب المدهون الثلاثاء 29 حزيران 2021

ليس قتل الناشط الفلسطيني نزار بنات تعذيباً أثناء اعتقاله، النموذج الوحيد من ممارسات السلطة في قمع معارضيها والمنتمين إلى المقاومة في الضفة الغربية، بل سبقه العديد من الأشخاص الذين قُتلوا أثناء التحقيق معهم نتيجة ممارسة التعذيب الجسدي عليهم بهدف كسرهم أو انتزاع معلومات منهم عن المقاومة.

مجد البرغوثي
في عام 2008، قُتل مجد البرغوثي، وهو أحد عناصر حركة «حماس» في مدينة رام الله المحتلّة، خلال التعذيب في أحد سجون جهاز المخابرات العامّة الفلسطينية، بعد اعتقاله بعشرة أيام على خلفية نشاطه في مقاومة الاحتلال وانتمائه إلى «حماس». إذ تقول عائلته إن الأجهزة الأمنية اعتقلته وهو صائم، من منزله، وعرّضته على مدى أيّام طويلة لضرب شديد متواصل لا يتوقف إلّا عند الصلاة وتناول الطعام. وتشير العائلة إلى أن مجد أُخضع لجلسات استجواب تخلّلها تعذيب شديد نُقل على إثره إلى مستشفى خالد الجراحي، حيث كان يعاني من آلام شديدة في البطن، لكن لم يُسمح له بالبقاء في المشفى، بل أعيد مباشرة إلى التحقيق، ليُتوفّى في اليوم التاسع لاعتقاله. ولم تكتفِ أجهزة السلطة بقتل البرغوثي، بل قمعت الجنازة التي خرجت لتشييعه، واعتقلت عدداً من المشاركين فيها، وحظرت على الصحافيين تصويرها، وصادرت كاميرات بعض الصحافيين والمصوّرين، فيما لم يُسمح بالمرور سوى لسيّارتَي إسعاف وعدد محدود من السيّارات الشخصية لا تتجاوز الخمس، لتُقلّ أفراداً من عائلته إلى قريته. وبعد تحقيق مستفيض تولّته «الهيئة الفلسطينية المستقلّة لحقوق الإنسان» ولجنة تحقيق برلمانية مستقلّة، ورفعت تقريراً به إلى رئيس السلطة محمود عباس، خلصت الهيئة إلى تحميل جهاز المخابرات التابع للسلطة كامل المسؤولية عن وفاة البرغوثي وهو رهن الاعتقال، إلّا أنه لم تتمّ معاقبة أحد من الجهاز المذكور على خلفية الحادثة.

محمد الحاج
وهو أحد عناصر حركة «حماس»، اعتقله جهاز الأمن الوقائي التابع للسلطة الفلسطينية عام 2009، على خلفية نشاطه العسكري ضدّ الاحتلال وانتمائه إلى الجناح العسكري للحركة وامتلاكه أسلحة، ليتعرّض لتعذيب متواصل على مدار 48 ساعة منذ لحظة اعتقاله، ما أدى إلى وفاته على الفور. في المقابل، أعلن جهاز الأمن الوقائي أن الحاج انتحر في سجنه، في حين رفضت عائلته وحركة «حماس» هذا الادّعاء بشكل قطعي لأن خلفية الرجل الدينية والثقافية لا يمكن أن تدفعه إلى ذلك، متّهمة السلطة بإعدامه خلال التعذيب.

سبق بنات العديد من الأشخاص الذين قُتلوا أثناء التحقيق معهم

وحينها، ادّعى محافظ جنين أن الحاج استغلّ بعض الدقائق التي غاب فيها الحارس عن غرف التوقيف، ليعمد إلى شنق نفسه بشريط قماش، في حين زعم مدير الأمن الوقائي في جنين أن الحاج صلَّى الظهر وبعدها وُجد متوفًّى في غرفته. وفنّدت مراكز حقوقية وسياسية فلسطينية تلك الادّعاءات عبر طرح عدّة تساؤلات من بينها: «لماذا تُرك لدى السجين شريط قماش، والأصل ألّا يُترك مع أيّ معتقل ما يمكن أن يستخدمه للانتحار؟ وكيف انتحر السجين ويداه مكبّلتان؟ ولماذا تُرك من دون رقابة؟». وطالبت القوى الوطنية والفلسطينية، من جهتها، آنذاك، بتشكيل لجنة تحقيق محايدة، لكن لم تتمّ الاستجابة لتلك المطالب.

هيثم عمرو
بالطريقة الهمجية نفسها التي اقتُحم بها منزل نزار بنات، اقتحمت قوة كبيرة من أجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية (مخابرات عامة وأمن وقائي وأمن وطني)، مساء الخميس الواقع فيه 11/ 6/ 2009، منزل عائلة الشهيد هيثم عمرو، وعاثت فيه فساداً. ولم يكن هيثم متواجداً في المنزل، إلّا أنه وصل إليه أثناء تفتيش القوة له، ليُختَطف ويُقتاد إلى مبنى المخابرات العامة في الخليل. وبعد أربعة أيام، أبلغت الأجهزة الأمنية عائلة عمرو أن ابنها قُتل أثناء محاولته الهروب من الطابق الثاني لمبنى المخابرات، ما أدّى إلى سقوطه على الأرض ومقتله، فيما جرى إرسال جثّته إلى التشريح من دون حضور أهله أو أيّ جهات حقوقية. لكنّ العائلة تؤكد أن آثار التعذيب بشتّى أنواعه كانت واضحة على جثته، بالإضافة إلى علامات إطفاء السجائر في بطنه ومناطق حسّاسة من جسمه، وآثار الكدمات، وجروح كبيرة. وطالبت الفصائل الفلسطينية، حينها، بإجراء تحقيق حيادي حول الحادثة، وهو ما رفضته السلطة، إلا أن العائلة لا تزال تؤكد أن التقارير الطبّية ملفّقة، وتمّ إعدادها تحت إشراف الأجهزة الأمنية للتغطية على الجريمة.

- ملاحقة وتهديد وابتزاز: أن تعيش تحت حُكم الجواسيس

فلسطين الأخبار الثلاثاء 29 حزيران 2021

الخليل | يُعدّ قمع المعارضة أو الخصوم استراتيجية ثابتة تنتهجها السلطة الفلسطينية منذ تأسيسها، لكنها دائماً ما تكثّف العمل عليها خلال فترات الهدوء و»اللاانتفاض». اقتصر القمع في بداية نشوء السلطة على حركتَي «حماس» و»الجهاد الإسلامي» لأنهما إسلاميّتان وخارج إطار «منظّمة التحرير»، لكن سرعان ما امتدّ ليطاول نشطاء المعارضة من كلّ التيارات السياسية بما فيها حركة «فتح» نفسها، وأيضاً المستقلّون. أمّا آخر حلقات هذا المسلسل وأخطرها فهي جريمة اغتيال المعارض والناشط نزار بنات في الخليل.

يرتبط نهج القمع الذي تعتمده السلطة، عضوياً، بـ»اتفاق أوسلو» الذي هو أساس وجودها، إذ كان القمع في البداية يستهدف مَن يقاوم العدو الإسرائيلي ويعارض «عملية السلام»، لكن اليوم أصبحت حتى الكلمة ممنوعة، ويمكن أن يواجهها الأمن بـ»مواسير حديدية» على رأس صاحبها لتقتله عند اعتقاله. ومع أنه ليس كلّ قتيل على يد السلطة معارضاً سياسياً بالضرورة، لكن قتله بحدّ ذاته جريمة وانتهاك لحقوق الإنسان. والمقصود هنا ليس نزار بنات طبعاً، بل عناصر محسوبون على حركة «فتح» تعرّضوا للقتل في السنوات الأخيرة في مخيم بلاطة وداخل البلدة القديمة في نابلس، وهؤلاء ليسوا معارضين سياسياً، لكنهم قُتلوا أثناء حملهم السلاح في وجه السلطة، وكان بإمكان الأخيرة اعتقالهم من دون تصفيتهم، من مثل أحمد حلاوة «أبو العز»، الذي قُتل ضرباً بعد اعتقال أمن السلطة له. عندما قُتل حلاوة، ثار الرأي العام، وغضبت نابلس لأن الرجل على رغم تزعّمه مجموعة تحمل السلاح، إلّا أنه محسوب على «فتح» وشخصية قيادية محلية في البلدة القديمة، والأمر الأهم أنه قُتل أثناء اعتقاله، وهو ما اعترف به محافظ نابلس آنذاك أكرم الرجوب، لكن ما لم يتوقّعه الرأي العام بعد سنوات أن يُقتل نزار بنات على رغم كونه لا يحمل سلاحاً ولا يملك سوى فكره ولسانه ليعبّر عن رأيه، و»بطريقة وحشية، بقضبان حديدية وهراوات». يوثّق مقطع فيديو قصير نُشر أمس على مواقع التواصل الاجتماعي، جانباً من حادثة اعتقال بنات، حيث يظهر فيه عدّة عناصر يحملون الشهيد في مركبة غير قانونية «مشطوبة» ــــ ليست مسجلة ولا مرخّصة وغير معروف صاحبها ــــ، ثمّ يخفون مواسير حديدية في صندوق المركبة الخلفي، وعندما يدفعون نزار إلى داخل المركبة يركله أحدهم بقدمه عدّة مرات لإدخاله.
تتعدّد أشكال قمع المعارضين والخصوم. فمثلاً، الحرمان من الوظيفة والفحص الأمني يُعدّ شكلاً من أشكاله، وهو موجود حتى الآن في كلّ المؤسسات الحكومية وكثير من المؤسسات الخاصة أو المجتمعية التي تقودها شخصيات مرتبطة بأمن السلطة، أي عندما تتقدّم كفلسطيني لوظيفة ما وتلتقي بلجنة المقابلة، يتدخّل جهاز أمن في السلطة في فحص ملفّك والسؤال عنك، فإذا كان لك ملفّ عند الأمن واعتُقلت سابقاً فالوظيفة بمثابة مجرّد حلم عابر، وإذا لم يكن لك ملفّ فهذا لا يعني حصولك على الوظيفة حتماً، إذ يستفسر أمن السلطة عنك لدى ضبّاطه ومصادره في منطقة سكناك، وبناءً عليه يكون قرار توظيفك حكومياً نافذاً أو لا. ويتّصل الفحص الأمني بوظائف أدقّ تحتاج إلى شهادة حسن سلوك، وأمن السلطة لا يمنحها للمعارضين في أحيان كثيرة، بل تجرى مساومات للفلسطيني مقابل حصوله على هذه الشهادة، وفي الوظيفة الحكومية قد يكون الفصل مصيرك إذا تمرّدْت أو قلْت رأيك بقوة، وهذا ما جرى مع مجموعة معلّمين قادت إضراباً مطلبياً وشاركت فيه وحدها، ونظّمت نفسها بعيداً عن اتحاد المعلمين، ومطالبها كانت حقوقية ومالية فقط وغير سياسية، لكن اتهمت السلطة والحكومة تلك المجموعة بأنها مدفوعة خارجياً وذات أجندات، وبناءً عليه تمّ فصل قسم منها والقسم الآخر أحيل إلى التقاعد القسري.
لكن التهديد والاستدعاء يُعدّان الأسلوبين الأكثر تداولاً في القاموس القمعي للسلطة، ولولا وجودهما لامتلأت سجونها بالمعتقلين. وفي حالة التهديد، يتمّ الاتصال هاتفياً بالمعارض أو الناشط، وإنذاره مباشرة بالاعتقال أو بالفصل من الوظيفة أو بالاستدعاء. كما يُستعمل الهاتف كبديل من ورقة الطلب للاستجواب، حيث يسمع المعنيّ العبارة الآتية: «مرحبا، معك الضابط، تفضّل لشرب القهوة ولمناقشة موضوع». وقد يكون التهديد غير مباشر، أي من جهة أمنية، لكن باسم مجهول أو من حساب وهمي عبر موقع التواصل أو من رقم خاص مجهول. أمّا الاستدعاء فهو الاستجواب، وفيه يتمّ الترغيب والترهيب بحسب الموقف، إذ قد يطلب أمن السلطة من الناشط المستدعى أن يعمل كمصدر أمن غير رسمي، أو يتمّ اعتقاله عند استدعائه بدلاً من إحضار قوة أمنية إلى بيته، وقد يكون الاستدعاء نفسه مقدّمة لتعب أكبر، من خلال طلب الأمن من الناشط أن يعود للمراجعة أو التحقيق مجدّداً خلال الأسابيع المقبلة بواقع مرّة كلّ أسبوع. وعندما ينشر المعارض أو الناشط منشورات تنتقد السلطة، فإن البيئة المحيطة به تتحكّم بمدى تعرّضه للتهديد أيضاً، وبحسب طبيعة جهاز الأمن الذي رصده. ففي أحيان كثيرة، يتلقّى الناشط اتصالاً من قريب له أو من ضابط أمن في الحيّ يطلب منه حذف المنشور، تارة بالترغيب وتارة أخرى بالترهيب.

الاغتيال والقتل
لا يقتصر مفهوم الاغتيال على التصفية الجسدية على رغم خطورتها، فالاغتيال قد يكون معنوياً أيضاً. يقول مصدر لـ»الأخبار» إن «هناك شخصيات من المعارضة ومع السلطة في آن واحد، تتعرّض للابتزاز والإسقاط والتهديد، عبر رصد فضائح عليها، وتتعمّد بعض أجهزة أمن السلطة تصوير فضائح لشبّان وفتيات، إمّا لكونهم معارضين بهدف إذلالهم وتحطيم صورتهم، أو من أجل إجبارهم على العمل مع السلطة كمصدر أمني سرّي وغير رسمي». على أن الأمر تجاوز اليوم مسألة الإسقاط، إذ مع التطوّر التكنولوجي، وتشكيل فرق إلكترونية أو «جيوش أمنية» للسلطة، لا يعود الابتزاز بحاجة إلى تصوير ومعدّات وخطط، بل تكفي رسالة «واتسآب» على إحدى المجموعات لتنطلق حملة ترهيب وتهديد ونشر لفضائح وشائعات عن شخصيات محدّدة، وهو ما تُخصّص له صفحات عبر مواقع التواصل وأيضاً مواقع تابعة لمخابرات السلطة، لكن بغطاء إخباري محلي.
النوع الآخر من الاغتيال هو التصفية الجسدية، وفي حالات كثيرة كان غير مقصود وبإمكان السلطة تجنّبه، لكنه حصل، كوفاة معتقلين تحت التعذيب أو بسبب مضاعفات التعذيب. محمود الجميل مثلاً، الذي كان من قادة «صقور فتح» برفقة الشهيد أحمد الطبوق في الانتفاضة الأولى، اعتُقل هو ورفيقه وآخرون بعد الانتفاضة بتهمة محاولة تفعيل تنظيم «صقور فتح» ومقاومة العدو الإسرائيلي مجدداً، إضافة إلى حيازة أسلحة. واعتُقل الجميل في 18 كانون الأول 1995 في سجن أريحا، وفي نهاية تموز 1996 نُقل إلى مقرّ الشرطة البحرية في نابلس للتحقيق، وفي الليلة نفسها تمّ تعذيبه بشدة وإدخاله إلى المستشفى، حيث فارق الحياة بعد ثلاثة أيام.

يُعدّ التهديد والاستدعاء الأسلوبَين الأكثر تداولاً في القاموس القمعي للسلطة، ولولا وجودهما لامتلأت سجونها بالمعتقلين

كما أن تاريخ السلطة سجّل عدداً من الضحايا المعارضين الذين قتلوا لأسباب غير التعذيب أو ليس داخل مراكز الاعتقال. والحديث عن القتل يطول، ليشمل التصفية من دون مبرر، أي في غير اشتباكات مسلحة مع السلطة، كما حدث في منتصف التسعينيات، حيث قُمعت مسيرات لحركتَي «الجهاد الإسلامي» و»حماس»، وقُتل عدة فلسطينيين على يد الأمن. وفي السنوات الأخيرة، كثّفت السلطة استخدام قنابل الصوت والغاز خلال قمع التظاهرات وفضّها في الضفة الغربية، وهذا الأسلوب بدأ بعد الانقسام عام 2007 وسيطرة «حماس» على غزة، وزيادة الدعم الأميركي لأمن السلطة، فيما تولى جهاز «الشرطة الخاصة» فضّ التظاهرات من خلال مهمّة ما يعرف بـ»مكافحة الشغب»، بالتزامن مع تدخّل أجهزة أمنية مختلفة في أحيان كثيرة، من مثل: المخابرات، الأمن الوقائي، الأمن الوطني، وحتى الاستخبارات العسكرية التي تختصّ بمساءلة الموظفين وجنود السلطة من العسكريين.

الزي المدني والتظاهرة المضادة
يُعدّ أسلوبا الزي المدني والتظاهرة المضادة من أكثر الأساليب رواجاً لدى السلطة الفلسطينية لقمع التظاهرات والمعارضة. ويوضح مصدر لـ»الأخبار» أن أمن السلطة استلهم الأسلوبين من تجارب الأنظمة العربية في قمع الاحتجاجات أو ما يعرف بـ»الربيع العربي». ويعتمد أسلوب الزيّ المدني على وجود عناصر أمن بزيّ مدني يندسّون بين المتظاهرين أو يهاجمونهم ويعتقلونهم ويعتدون عليهم، بهدف إسقاط المسؤولية القانونية عن أجهزة الأمن، لكن هذا الأسلوب فشل، ورغم ذلك كرّرت الأجهزة الأمنية اللجوء إليه مراراً، كما في ما عُرف بـ»عملية البيجامات» حيث ظهر عناصر أمن يرتدون ملابس رياضية أو «بيجامة» ويحملون هراوات للاعتداء على متظاهرين، وقبل أيام ظهروا يرتدون «كمامات» كي لا يكشفوا هوياتهم، لكن نشطاء وصفحات عبر مواقع التواصل سارعوا إلى كشف هوية عدد منهم.
وللتملّص من الملاحقات القانونية خارجياً وداخلياً، ومحاولة إقناع ما تبقّى من الرأي العام الفلسطيني، يلجأ أمن السلطة إلى أسلوب «التظاهرة المضادة» على رغم عدم جدواه الكبيرة، إذ ما يجري يشبه «موقعة الجمل» في الثورة المصرية لإسقاط حسني مبارك، حيث يتجمّع عناصر من «الفصيل الحاكم» وهو حركة «فتح» التي تقود السلطة، في تظاهرة مضادة لتظاهرة المعارضة، وهو ما استخدمه أمن السلطة في يومين متتاليين خلال تظاهرات رام الله المنددة باغتيال نزار بنات. وتتذرّع السلطة بوجود أطراف خارجية تدعم التظاهرات المندّدة باغتيال بنات، لكن هذه الحجة ليست جديدة. فحتى إضراب المعلمين مثلاً، استعملت فيه السلطة الذريعة ذاتها، وأيضاً عند كل تظاهرة أو وقفة تكون الشمّاعة جاهزة: «أجندات خارجية»، «أعوان الاحتلال»، «مصلحة الاحتلال في هذا الوقت»، «مدفوعين خارجياً مقابل مبالغ مالية»، لكن ما يجري على الأرض يوحي بعدم وجود جهة محدّدة خلف الحراك الشعبي، لأن الهتافات متنوعة ومتعدّدة، فيما المتظاهرون من تنظيمات وفصائل ومؤسّسات وحراكات مختلفة.


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 55 / 2342227

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أحداث و متابعات  متابعة نشاط الموقع ملفات   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

28 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 28

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28