] «مسيرة الأعلام» في الميزان: ثقوا بالمقاومة - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
الثلاثاء 31 أيار (مايو) 2022

«مسيرة الأعلام» في الميزان: ثقوا بالمقاومة

الثلاثاء 31 أيار (مايو) 2022

سجّلت إسرائيل، أوّل من أمس، «انتصاراً بالنقاط»، علنياً وواضحاً، لن تتردّد جماعات أقصى اليمين في توظيفه لصالحها في الكباش الداخلي، خصوصاً على أبواب الانتخابات المقبلة لـ«الكنيست». على أن هذا «الانتصار» لا يعني انهيار المعادلة التي أفرزتها معركة «سيف القدس»، بقدْر ما يقتضي تشذيبها وتخليصها من «الحمولات الزائدة» التي رسخت في الوعي الفلسطيني، وقادت إلى خيبة الأمل التي أعقبت أحداث الأحد. وعلى رغم أهمية تلك المراجعة وطابعها الملحّ، إلّا أن الأكيد أيضاً أن العدو، وإن لامس الخطوط الحمر، فقد حرص على عدم تجاوزها، وأنّ «مسيرة الأعلام»، وإن منحتْه انتصاراً معنوياً، غير أنها أظهرت في المقابل تراجُع سقوفه، إلى حدّ اضطراره إلى استنفار كلّ طاقته لتنظيم مسيرة في مدينة يحتلّها منذ أكثر من خمسة عقود

- يحيى دبوق

«مسيرة الأعلام» في الميزان: فلْنشذّب معادلة «سيف القدس»

سجّلت إسرائيل، أوّل من أمس، «انتصاراً بالنقاط»، علنياً وواضحاً، لن تتردّد جماعات أقصى اليمين في توظيفه لصالحها في الكباش الداخلي، خصوصاً على أبواب الانتخابات المقبلة لـ«الكنيست». على أن هذا «الانتصار» لا يعني انهيار المعادلة التي أفرزتها معركة «سيف القدس»، بقدْر ما يقتضي تشذيبها وتخليصها من «الحمولات الزائدة» التي رسخت في الوعي الفلسطيني، وقادت إلى خيبة الأمل التي أعقبت أحداث الأحد. وعلى رغم أهمية تلك المراجعة وطابعها الملحّ، إلّا أن الأكيد أيضاً أن العدو، وإن لامس الخطوط الحمر، فقد حرص على عدم تجاوزها، وأنّ «مسيرة الأعلام»، وإن منحتْه انتصاراً معنوياً، غير أنها أظهرت في المقابل تراجُع سقوفه، إلى حدّ اضطراره إلى استنفار كلّ طاقته لتنظيم مسيرة في مدينة يحتلّها منذ أكثر من خمسة عقود

في حكمة ما بعد الفعل، الكلّ حكماء. هذا هو واقع عدد من المحلّلين والمعلّقين بعد «مسيرة الأعلام» الصهيونية في القدس، والتي انتهت من دون تدخُّل عسكري من قطاع غزة، ومن ثمّ من دون حرب يتعذّر تقدير مستواها. هل أخطأت فصائل المقاومة حيث أصابت إسرائيل؟ أيّ إجابة تخلو من استحضار مقدّماتها، لن تكون على قدْر الحدث ودلالاته. نجحت أجهزة الأمن الإسرائيلية، على اختلافها، في إنهاء المسيرة من دون أن تتسبّب بالانزلاق نحو مواجهة مع القطاع، ما كانت لتقتصر على مناوشة فحسب. وهو نجاحٌ، وإن تضافرت في تحقيقه إجراءات قمعية بحقّ الفلسطينيين عبر منع تجوّلهم في الأرض المحتلّة وتسجيل اعتقالات لعدد كبير منهم، وكذلك وساطات الدول المطبّعة مع العدو، والتي طرحت أمام قيادات فصائل المقاومة في الداخل والخارج «العصا والجزرة»، إلّا أن أحد عوامله الرئيسة أيضاً هو حرص العدو على أن لا تكون إصبعه رخوة على زناد البندقية - بالنظر إلى أن أيّ ارتخاء من هذا النوع كان سيشكّل الشرارة التي ستشعل المواجهة مع غزة، كما في القدس والأراضي المحتلّة عموماً -، وفي الوقت نفسه تلقّي الفصائل وعوداً عبر الوسطاء العرب ظلّت مكتومة إلى الآن.

وعلى أيّ حال، سجّلت إسرائيل «انتصاراً بالنقاط»، علنياً وواضحاً، شكّل موضع تبجّح في تل أبيب، وتحديداً لدى اليمين المتطرّف، الذي تعامل مع نجاح المسيرة على أنه مكسب له في المواجهة الداخلية، من شأنه تعزيز مكانته في السباق نحو اليمينية، التي باتت تُعدّ واحدة من أهمّ سمات أحزاب إسرائيل وتكتّلاتها السياسية. وهو مكسبٌ سيحصد عائده المتطرّفون من أقصى اليمين في الانتخابات المقبلة لـ«الكنيست»، والحديث هنا تحديداً عن حزب إيتمار بن غفير، تلميذ الإرهابي الحاخام مائير كاهانا. في موازاة ذلك، سُجّلت غلبة للصهيونية الدينية على حساب الأحزاب العلمانية، من يمينية أو يسارية أو وسط، وأيضاً على حساب الأحزاب «الحريدية». ومردّ هذه الخشية، التي جرت المبالغة في تنميتها، ردّ الفعل المحتمل من الفلسطينيين، سواءً من قطاع غزة أو الأراضي المحتلة، ما يحتّم على جزء من جمهور تلك الاتجاهات الاصطفاف إلى جانب الصهيونية الدينية. وإذ نجحت المؤسّسة الأمنية الإسرائيلية في تقدير نيّات الطرف الآخر، فإن ما ساعدها في تثمير تقديراتها هذه، الإجراءات التعسّفية والقمعية التي سبقت المسيرة وأعقبتها. والحديث هنا عن إقفال المحالّ التجارية للفلسطينيين في القدس، وإبقائهم في منازلهم ومنعهم عبر التهويل والاعتقالات من الخروج منها، ومنع أفراد وجماعات فلسطينية من خارج القدس من الوصول إليها، بما يشمل فلسطينيّي عام 48. على ضوء ما تَقدّم، يمكن توقّع أن تبدأ «مسيرة الأعلام»، العام المقبل، من المكان الذي انتهت إليه هذا العام: تكرار تجربة القمع على قاعدة «العصا والجزرة» التي ستظلّ ممدودة إلى قطاع غزة، رفع عدد المشاركين المتطرّفين في المسيرة بما قد يفوق الـ70 ألفاً الذين شاركوا العام الجاري، إلى أكثر من مئة ألف، وفق بعض التقديرات، علماً أنه في أعقاب مسيرة 2010، التي فاق عدد المشاركين فيها 100 ألف، قرّرت تل أبيب منع «مسيرات الأعلام» من 2011 إلى 2016، لتعود مع 50 ألفاً وبضوابط خاصة عام 2017. وأيّاً يكن، فالمسألة مرتبطة بتقدير المؤسّسة الأمنية لتداعيات الخطوة ومدى إمكانية احتوائها.

سجّلت إسرائيل «انتصاراً بالنقاط»، علنياً وواضحاً، شكّل موضع تبجّح في تل أبيب

في المقلب الآخر، ضربت الوعيَ الفلسطيني موجة خيبةُ أمل وإحباط، قد توازي فرحة المتطرّفين الإسرائيليين. ويعود ذلك إلى جملة أسباب، منها ما هو فلسطيني في الأداء والوعود، والتقديرات المثقلة بعوامل ثقة زائدة. إذ تَوقّع عامّة الفلسطينيين أن تقرّ إسرائيل، في اللحظة الأخيرة، إلغاء «مسيرة الأعلام» أو حرف مسيرها عن الأحياء الفلسطينية. وقد كان هذا التوقّع مبنيّاً على المفاعيل النفسية للمعادلة التي أرستها معركة «سيف القدس»، وعنوانها الربط بين قضايا القدس والحرم القدسي والتدخّل العسكري من قطاع غزة. على أن الحقيقة أن أيّ معادلة تُفرض على العدو، تظلّ معادلة سيّالة في ذاتها، وما لم يتمّ تثبيتها أو تنميتها فستكون عرضة للانكسار أو الثقوب، وهو ما يوجب التمييز بين اتّجاهَين متقاربَين جدّاً: أن تكون المعادلة موجودة وفاعلة، وأن يُتوقّع منها تأثير زائدٌ عليها، وهنا وجه اللغط على الأرجح. معادلة «سيف القدس» لا تزال قائمة، لكنها تتحرّك تحت سقوف معيّنة، محدّدها الرئيس الإضرار الفعلي بالمقدسيين والحرم القدسي، وهو ما لم يحدث في واقع الأمر، وما حرص العدو أيضاً على مجانبته وإن لامسه. وعليه، يمكن القول إن خيبة الأمل مرتبطة بتثقيل زائد للمعادلة المشار إليها، تولّته تصريحات ومواقف وكتابات وعدت بما يتعذّر تنفيذه، أو أن تنفيذه غير يقيني، علماً أن صدقيّة التهديد هي الأصل فيه، وإلّا لكان وجوده كعدمه، بل إنه قد يتحوّل إلى مصدر إضرار كبير، من شأنه أن ينسحب على قضايا أخرى في الصراع أيضاً.

على رغم ما تَقدّم، يجدر الإقرار بأنه يتعذّر على الفصائل أن تفعّل قوّتها العسكرية لمجرّد خروج مسيرة إسرائيلية، وإن كانت استفزازية، وهي مسيرة تُقام كلّ عام منذ 1968، على رغم ما طرأ عليها لاحقاً من تطوّرات، بل إن ما سُجّل هذا العام يُعدّ، في وجه من وجوهه، نجاحاً فلسطينياً بلا أثمان فعلية مقارنة بمسيرات الماضي؛ إذ إن العدو، بكلّ قوّته وأجهزته الأمنية والعسكرية وعلاقاته مع الحليفَين العربي والدولي، إضافة إلى سياسات «العصا والجزرة»، وقف مستنفراً كي يمكّن مستوطنين من الخروج في مسيرة في مدينة يحتلّها منذ أكثر من خمسة عقود. وهذه مفارقة تستدعي البحث والتأمّل طويلاً.

من ملف : «مسيرة الأعلام» في الميزان: ثقوا بالمقاومة

- يوسف فارس

غزة في اليوم التالي: العتب على قدْر العشَم

غزة | على رغم أن المقاومة في غزة استطاعت أن تفوّت مخطّطاً مدروساً لجرّها إلى حرب مدمّرة، استعدّت إسرائيل لها طوال شهر كامل من مناورات «عربات النار»، إلّا أن ذلك لا ينفي الشعور الجمْعي بخيبة الأمل، خصوصاً في ظلّ تأكيد المقاومة، منذ عام كامل، أن معادلة «القدس - غزة»، و«الأقصى - محور المقاومة» صارت أمراً واقعاً لن يُسمح بكسره. ظهرت إسرائيل، عقب الحدث وخلاله، كَمَن استطاع إعادة عقارب الساعة إلى الخلف، وأَنجز في يوم واحد ما عجز عنه خلال عشرة أعوام. وسط ذلك، يكثر اللوم والعتاب والجدل، ليس حول الشعار العالي السقف الذي رفعته المقاومة عقب معركة «سيف القدس» ولم تستطع حمايته فقط، وإنّما أيضاً عن دور محور المقاومة، الذي انخرط في تعزيز الأمل بالقدرة على حماية المكتسبات، وإن تطلّب ذلك حرباً إقليمية

لا يبدو أن مفاعيل «مسيرة الأعلام»، بكلّ ما عزّزته من صور السيادة على المدينة المقدسة، ستمّحي قريباً من ذاكرة حاضنة المقاومة وجمهورها. ثمّة نقاش لا يهدأ، في الشوارع والمقاهي ومواقع التواصل الاجتماعي، حول تردّي الحالة المعنوية في أعقاب إحجام المقاومة عن الردّ. هناك من يتقبّل التعقيد الذي يحيط بالموقف، مع اشتهائه الذهاب إلى الجنون المطلق، وآخرون يرون في خطاب العقلانية والحكمة غطاءً للضعف وعدم القدرة على المبادرة. ووسط هؤلاء، يَكثر الحديث عن الدور الذي كان منوطاً بمحور المقاومة أن يؤدّيه في موقف كهذا، لم تُترك فيه القدس وحيدة فحسب، وإنّما أيضاً غزة، التي لم تتعافَ بعد من آثار حرب مدمّرة، وكان مطلوباً منها أن «تنتحر» بالمعنى الحرفي للكلمة. أكثر ما سيبقى حاضراً على موائد الجدل، هو سقف المقاومة المرتفع، والذي ظلّ السمة الأبرز لتصريحات قائد حركة «حماس» في غزة، يحيى السنوار (مثلاً)، الذي كرّر حديثه أكثر من مرّة عن الضربة الأولى التي سيتجاوز عدد صواريخها الـ1111، وعن استعداد «محور القدس» للذهاب إلى حرب إقليمية، في حال أقدمت إسرائيل على المساس بالأقصى.

يعلّق الكاتب السياسي، عبد السلام حايك، على هذه النقطة، في منشور له عبر «فيسبوك» بقوله: «اليوم عرفنا أنّنا لسنا قوّة عظمى، وأن حدود قدرتنا لا تمنحنا الأريحية لوضع سقوف عالية جدّاً. هذا درس جيّد، فخطاب المناشدة والمظلومية المقترن بالفعل أفضل ألف مرّة من خطاب التحدّي الذي لا يرقى إليه الفعل». ويتابع حايك مُوجّهاً حديثه إلى المقاومة: «نحن نعرف أنّكم أهل أفعال، وهذا كافٍ بالنسبة إلينا، ولكن التحرير مسار طويل جداً، ينبغي أن نتعلّم كيف نمشي خطواته الطويلة خطوة خطوة، بثقة ومن دون غرور ولا استحقاقات وهمية». من جهته، يذهب الأديب والكاتب محمد نصار، بعيداً في نقده أداء المقاومة، قائلاً عبر صفحته في «فيسبوك»: «على فرْض أنّكم التزمتم بعدم الردّ على النحو الذي قد يجرّنا إلى حرب، نتيجة لحسابات بعينها أو ضغوط لم تستطيعوا تحمّلها، فهل عجزتم عن إيجاد بدائل تقينا هذا الخزي وتؤتي ثمارها على نحو أفضل ولا تحمّلنا وإيّاكم أثر ارتداداتها، كما حصل في مواقف قريبة وكان لها وقعها المدوّي وصداها الذي زلزل كيانهم».

يرى الكثيرون أن حدث القدس لم يمرّ بعد، وأن المقاومة ستردّ بتوقيتها، لا بتوقيت جيش الاحتلال

أمّا الصحافي معز كراجة فينتقد، في منشور طويل، ما يسمّيه «ثقافة النضال بالوكالة»، ويرى أن تحميل غزة عبء تحرير البلاد بوصفها تمتلك جيشاً، هو «أعلى مستويات الوهم»، ويقول: «واهم من يعتقد أن في غزة جيشاً قادراً على تحريرنا في المواجهة القادمة، وواهم مَن يعتقد أن بمقدور غزة أن تتصدّى لكلّ اعتداء في الضفة». لكنّه يستدرك: «واهم أيضاً من لا يرى أن الفلسطيني في غزة يصنع المستحيل (...) وواهم من يرى أن التصدّي للاحتلال ممكن من دون مقاومة شعبية عامة في عموم فلسطين، كما كان الحال في الثمانينيات. هنالك حالة شعبية إيجابية جديدة يجب البناء عليها أهمّ من المطالبة بصواريخ غزة». وفي إطار انتقاده لشكل الحرب التي يريدها البعض محصورة في «الفعل ورد الفعل»، يشدّد كراجة على أهمية نقْد المقاومة وسلوكها وأدائها بشكل بنّاء، معتبراً أن «النقد واجب، فقد قدّسنا منظّمة التحرير حتى أصبحت اليوم على ما هي عليه، منظّمة التحرير أصبحت واحدة من أهم عقبات التحرير. لذلك، هناك نقد لحماس وخطابها وتحالفاتها الإقليمية، وكيفية استثمارها للمواجهات التي تخوضها ويدفع الناس ثمناً باهظاً فيها... ولكن عليك أن تكون أنت نفسك جزءاً من هذا النقد».
كنّا ننتظر... ولو صافرة إنذار

حتى الساعة التاسعة مساءً، المعروفة شعبياً بـ«تاسعة البهاء» - نسبة إلى الساعة التي اعتادت فيها «سرايا القدس» أن تطلق الصواريخ سيراً على نهج قائد لواء غزة بهاء أبو العطا -، وعلى رغم مرور ساعات على انتهاء «مسيرة الإعلام»، وعودة الهدوء إلى أحياء مدينة القدس كافة، كان محمود جميل يرى أن ثمّة أملاً في أن تترك المقاومة توقيعها على الحدث. يقول جميل الذي يعمل ممرّضاً في أحد المستشفيات الحكومية، لـ«الأخبار»: «كنْت على يقين بأن الصواريخ ستنطلق في تمام الساعة التاسعة، لكن الوقت كان يمضي سريعاً، مضت الثامنة والتاسعة والعاشرة، من دون أيّ فعل يشفي الغليل». وعلى النحو نفسه، كان محمد ديب، الذي يسكن مدينة طولكرم في الضفة المحتلّة، يرى أنه من المستحيل أن يمضي حدث كبير كهذا، من دون تدخّل محور المقاومة. يقول محمد لـ«الأخبار»: «بقي في عقولنا قبل نومنا الليلة الفائتة، ما كشفه القائد محمد السنوار في برنامج ما خفي أعظم، عن تشكيل غرفة عمليات مشتركة بين المقاومة في غزة وحزب الله وحرس الثورة في إيران، لمتابعة معركة سيف القدس واتّخاذ القرار الأنسب، لذا، كان اليقين قطعياً بأن الصمت الذي تَرافق مع ضجيج رقصات المستوطنين في باب العَمود، يخفي حدثاً كبيراً... مضى الوقت، من دون شيء». ويتابع: «لم تكن جموع المستوطنين في ساحات القدس بحاجة إلى صواريخ باليستية لكي يصيبها الذعر وتهرب أمام كاميرات العالم، كانت بحاجة إلى صاروخ واحد من دون رأس متفجّر حتى، يتولّى مهمّة تشغيل صافرات الإنذار، وسيكون مشهداً يخلّده التاريخ».

بالنسبة إلى الباحث السياسي، إسماعيل محمد، فإن يوم أول من أمس هو «يوم خذلان كبير، ليس لأن غزة عجزت عن الفعل فقط، إنّما لأن محور المقاومة الذي يمتلك مساحات واسعة، وقدرة على المناورة، في ميادين تمتدّ من لبنان إلى سوريا إلى العراق إلى اليمن، لم يستطع أن يحرّك ساكناً». ويتساءل إسماعيل في حديث إلى «الأخبار»: «لماذا ذخّر هؤلاء شعار محور القدس، ولم يستطيعوا حمايته، لو أن صاروخاً أو مسيّرة واحدة أُطلقت من منطقة محايدة، لقلبت المشهد بكلّه، وسيكون على جيش الاحتلال أن يحقّق طويلاً في المنطقة التي انطلقت منها، ما يعطي مساحة للمناورة والتحرّك قبل حدوث ردّ». ويعتقد الشاب محمد المصري، من جهته، أن «يوم الأحد كان فرصة للجميع من حيث التوقيت لتصفية حسابات، منها ما هو قديم، ومنها ما هو طازج»، متسائلاً: «ألم يكن من المناسب أن تطلق سوريا ولو صاروخاً واحداً، ردّاً على انتهاك أجوائها وقوائم شهداء الدفاع الجوي الذين يقضون كلّ يوم؟ أليس للجمهورية الإسلامية ثأر لمسيرة القادة الذين يغتالهم الموساد سنوياً، وكان آخرهم صياد خدائي؟ ألم يكن أكبر تشريف لدمائهم أن يتمّ الانتقام لهم بتنغيص منجز صهيوني كالذي حدث أوّل من أمس (...)».
وسط كلّ ما سبق، يرى الكثيرون أن حدث القدس لم يمرّ بعد، وأن المقاومة «ستردّ بتوقيتها، لا بتوقيت جيش الاحتلال»، خصوصاً في ظلّ تأكيد مستشار قائد حركة «حماس»، إسماعيل هنية، أن المقاومة رفضت إعطاء ضمانات للوسطاء بعدم الردّ على تجاوزات الأحد، وهو ما يفسّر عدم مفارقة الطائرات المسيّرة لأجواء القطاع، على رغم الإعلان عن انتهاء مناورات «عربات النار».

من ملف : «مسيرة الأعلام» في الميزان: ثقوا بالمقاومة

- ابراهيم الأمين

ثِقوا بالمقاومة

حتى مساء الأحد، كان كثيرون يتوقّعون انفجاراً عسكرياً كبيراً في فلسطين، وتوقّعوا أيضاً أن يتمدّد إلى خارجها. واستند هؤلاء إلى تقدير بأن «مسيرة الأعلام» ستدفع المقاومة إلى ردّ عسكري حتميّ، ينطلق من قطاع غزة، ما سيؤدّي إلى مواجهة قاسية مع العدو، تستوجب تدخّل «محور المقاومة» من جبهات أخرى. وعندما مرّ الوقت ولم يكن التوقّع في مكانه، تنازعت الجمهورَ ــــ وحتى المراقبين ــــ؛ مناخاتٌ تداخَل فيها الإحباط بالخيبة والحسابات الخاطئة.

مَن يراجع تجارب المواجهة بين المقاومة الجادّة والعدوّ، في لبنان أو فلسطين، يدرك أن أبرز عناصر قوّتها تكمن في أن العقل، لا الانفعال، هو ما يتحكّم بخطواتها وقراراتها. وكلّ حساب خاطئ ينجم عن حماسة أو سعي لمكاسب خارج ميدان المقاومة، يقود حُكماً إلى نتائج سلبية.

فقط للعلم، لم يبقَ مسؤول عربي أو إقليمي أو دولي تربطه صلة بالمقاومة، إلا مارس كلّ أنواع التهويل ضدّ قيادات المقاومة في فلسطين، في حال تدخّلت لنصرة أهل القدس. ولم تبقَ جهة رسمية عربية إلا هدّدت أهل غزة بالجوع والقهر والحصار، إن حصلت المواجهة. وجرَت خطوات عملانية تهدّد بزيادة الضغط على الناس، ليس حياتياً فقط، بل حتى عبر تغطية عدوان إسرائيلي كان رئيس حكومة العدو نفتالي بينت، يريده قاسياً أكثر من أيّ وقت سابق، ضدّ القطاع ومقاومته وأهله.

طبعاً، لا يمكن تجاهل أخطاء الإدارة الإعلامية والسياسية لفصائل المقاومة خلال السنة الماضية. لم يكن انتصار «سيف القدس» أمراً عابراً، وما جرى خلال سنة من موجة عمليات ومواجهات في القدس والضفة الغربية وحتى داخل الأراضي المحتلّة عام 1948 كان مذهلاً، وهو يمثّل اليوم مركزَ القلق عند العدو. لكنْ، ثمّة مَيلٌ إلى المبالغة، برز عند نشطاء وإعلاميين ومؤثّرين من أنصار المقاومة، وكذلك عند قيادات فيها، وتمظهر في الحديث عن الربط التلقائي لأيّ مواجهة بين أهالي القدس والعدوّ، وبين مقاومة غزة. لكن هذه الأخطاء لا تبرّر مناخ الإحباط الذي يُراد له أن ينتشر بقصد النيل من قرارات قيادات المقاومة في «حماس» أو «الجهاد الإسلامي»، أو بقية الفصائل.
ومَن لا يعرف عن تفاصيل إدارة هذا النوع من المعارك، عليه أن يرجع إلى الخلف قليلاً، ويتذكّر أن القادة الحاليين للمقاومة في لبنان أو فلسطين أو بقية المنطقة، يستنِدون في قراراتهم إلى حسابات يحكمها العقل. وكما بيّنت التجارب، أنّهم لا تنقصهم الشجاعة والإقدام والاستعداد لتحمّل المسؤولية والتضحيات، فهم أيضاً لا تنقصهم الحكمة التي تحتاج إليها كلّ مقاومة عاقلة.
ولمن لم يرَ المشهد جيداً، فليتذكّرْ بأن إسرائيل التي كانت تجتاح وتقتل وتهدم وتقوم بكلّ ما يحلو لها، صار جُلّ مبتغاها أن تنجح في تنظيم مسيرة لم تجذب سوى متطرّفي المستوطنات في الضفة الغربية، دون بقيّة مستوطني المدن. وانظروا إلى هذه الدولة التي تملك جيشاً جباراً كانت تستخدمه عندما يحلو لها، وأينما تريد، انتهى بها الأمر بأن تدرس كيفية تنفيذ عمليات أمنية في هذه المنطقة أو تلك، من دون ترك بصمات، لكي تحول دون تدفيعها الثمن.

ليس أمامنا سوى الثقة بالمقاومة وقيادتها... ونحن نثق بها!

من ملف : «مسيرة الأعلام» في الميزان: ثقوا بالمقاومة

- رجب المدهون

المقاومة لا تعطي ضمانات: حالة الاستنفار قائمة

غزة | على الرغم من تمرير دولة الاحتلال «مسيرة الأعلام» في مدينة القدس، وإحجام المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة عن الردّ المباشر على هذا الانتهاك، إلّا أن حالة الاستنفار على المقلبَين الفلسطيني والإسرائيلي لا تزال في أعلى مستوياتها، وخاصة في منطقة غلاف غزة. وفي ضوء المباحثات التي أجراها الوسطاء، والتي رفضت خلالها المقاومة إعطاء أيّ تعهّدات بعدم الردّ على انتهاكات الأحد، كثّف جيش العدو من إجراءاته على حدود القطاع في اليوم التالي لـ«مسيرة الأعلام»، خشية ردّ غير متوقَّع من المقاومة. وأفادت مصادر ميدانية، «الأخبار»، بأن قوات الاحتلال لا تزال متخفّية عن الأنظار على طول الحدود، فيما تمنع السلطات الإسرائيلية المستوطنين من الوصول إلى المناطق الزراعية القريبة من غزة، بعد إخلائها عدداً من مستوطنات الغلاف بشكل شبه كامل، تحسّباً لإمكانية وقوعها في مرمى نيران المقاومة. وكشفت المصادر أن دبّابة تابعة للاحتلال اقتربت من السلك الفاصل شمال مدينة بيت حانون شمال القطاع، ومن ثمّ انسحبت، وقد تبيّن لعناصر المقاومة أن هذه الدبّابة مزوّدة بمنظومة «معطف الريح» التي تتصدّى للصواريخ المضادّة للدروع. في المقابل، لا تزال المقاومة في أعلى درجات تأهّبها واستعداداتها لأيّ خيار تقرّره القيادة السياسية والعسكرية وفق تقديرات الموقف الخاصة بها، بحسب المصادر. ويأتي ذلك فيما قرّر رئيس هيئة أركان جيش الاحتلال، أفيف كوخافي، أمس، تعيين قائد جديد للتحرّك الهجومي على غزة في الجولة المقبلة، وهو العميد احتياط تشيكو تامير، في خطوة يُنظر إليها على أنها تهديد جديد للقطاع.

في غضون ذلك، كشف الناطق باسم حركة «حماس»، فوزي برهوم، أن الحركة تلقّت سيلاً من الاتّصالات خلال الأيام الأخيرة لمنع الوصول إلى «حالة حرب حقيقية» مع الاحتلال، على خلفية «مسيرة الأعلام» في مدينة القدس، لافتاً إلى أن «الفصائل لديها حساباتها في التعامل مع الاحتلال وتقدير المواقف المناسبة في عملية الردع»، مضيفاً أن «تهديدات المقاومة وضعت حدّاً لمسار المسيرة، والتغييرات الكبيرة التي طرأت عليها بقرار من حكومة العدو». من جهته، كشف مستشار رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» إسماعيل هنية، طاهر النونو، أن هنية أكد لجميع الأطراف التي تواصلت معه أن ما جرى في القدس والمسجد الأقصى «لن يُغتفر»، «رافضاً إعطاء أيّ تعهّد أو ضمانات لأيّ طرف حول ما يمكن أن تكون عليه الأوضاع داخل فلسطين المحتلة»، مضيفاً أن «المقاومة ستُواصل طريقها حتى اجتثاث الاحتلال من الأرض الفلسطينية والقدس». بدوره، اعتبر رئيس الوزراء الفلسطيني، محمد اشتية، أن «إسرائيل تجاوزت كلّ الخطوط الحمراء والخطوط الدولية والاتفاقيات من خلال عدوانها المتكرّر على الأقصى والقدس، ومحاولتها فرض واقع يناقض (الستاتيكو) التاريخي للحرم القدسي الشريف»، مشيراً إلى أن دولة الاحتلال «احتاجت إلى أكثر من 3000 شرطي وجندي وحوالى 40 ألف مستوطن، لترفع علماً في شوارع القدس».

في هذا الوقت، تواصلت تهديدات الاحتلال لقائد حركة «حماس» في غزة، يحيى السنوار؛ إذ قال عضو «الكنيست» عن حزب «الليكود»، الجنرال احتياط يوآف غالنت، إن «السنوار من منظورنا هو في حُكم الميت، ويجب أن يتمّ ذلك في أسرع وقت ممكن مهما كانت العواقب». كذلك، استمرّت المزايدات الداخلية بين أطراف في حكومة نفتالي بينت، وبين المعارضة بقيادة بنيامين نتنياهو، حيث رأى وزير المالية، أفيغدور ليبرمان، أن «مسيرة الأعلام تسلّط الضوء على الفرق بين حكومة التغيير وحكومة «كلام فاضي» بزعامة نتنياهو»، مضيفاً «(أننا) اتّخذنا القرار الصحيح، وأرسلنا تحذيراً صارماً إلى حماس، هذا هو كلّ الفرق بين القول والفعل».

من ملف : «مسيرة الأعلام» في الميزان: ثقوا بالمقاومة

- بيروت حمود

50 عاماً على عملية اللدّ: تحرير «البطلة» بعيون إسرائيليين

بعد خمسين عاماً بالضبط على عملية «مطار اللد» التي أسفرت عن مقتل 24 شخصاً، بينهم سبعة إسرائيليين، تحرّرت مؤسِّسة «الجيش الأحمر الياباني»، فوساكو شينغوبو، من سجنها. وعلى الرغم من قضائها محكوميّتها البالغة 20 عاماً كاملةً، غير أن الإسرائيليين، وخصوصاً أولئك الناجين من العملية أو أقرباء قتلاها، لا يزالون غاضبين، معتبرين أنه «لا يجب أن ترى قيصرة الإرهاب النور أبداً»

أُطلق سراح فوساكو شينغوبو، أحد مؤسِّسي «الجيش الأحمر الياباني» الأممي، السبت الماضي من سجنها في اليابان، قبل يومين بالضبط من مرور 50 عاماً على عملية مطار اللدّ التي نفّذها جيشها. وعلى رغم أن شينغوبو لم تكن حاضرة بنفسها خلال العملية، التي نفّذها ثلاثة فدائيين بينهم كوزو أوكوموتو، إلّا أنها تُعتبر العقل المدبّر للحادثة «الشنيعة» - بتعبير موقع «واي نت» العبري -، والتي أسفرت عن مقتل 24 شخصاً بينهم سبعة إسرائيليين وعدد من الأجانب، إضافة إلى جرح أكثر من 70 آخرين. وبالعودة إلى تفاصيل العملية التي وقعت في الـ30 من أيار 1972، فإن طائرة تابعة لخطوط «إير فرانس»، قادمة من باريس، مروراً بروما، حيث استقلّها ثلاثة فدائيين يابانيين من «الجيش الأحمر»، التابع لـ«الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين»، هبطت في حدود الساعة العاشرة في مطار اللد. وعلى إثر ذلك، عبَر الفدائيون مراكز ختم الجوازات، ثمّ بدأوا بإطلاق النار في كلّ اتجاه، ليستشهد اثنان منهم، ويصاب أوكوموتو قبل اعتقاله على يد قوات أمن العدو.

وفي أعقاب إطلاق سراح شينغوبو (76 عاماً)، ادّعت وسائل إعلام عبرية أن «قيصرة الإرهاب اعتذرت» عن فعلها، بقولها إنها «ألحقت ضرراً بأشخاص أبرياء. كان ذلك في زمن مختلف... أريد الاعتذار من أعماق قلبي». غير أن مصادر مقرّبة من مؤسّسة «الجيش الأحمر» أوضحت، لـ«الأخبار»، أن اعتذار «مريم» (الاسم الحركي لفوساكو) «قد يكون بشأن الضحايا غير الإسرائيليين، فطوال أعوام طويلة لم تغيّر السيدة اليابانية موقفها من القضية التي دافعت عنها، ولو أنها كانت ترغب في الاعتذار لاعتذرت عند تسليم السلطات اللبنانية، اليابان، فوساكو ورفاقها». وعلى أيّ حال شكّل نيل شينغوبو حرّيتها بعد 20 عاماً من الاعتقال، مثار غضب للإسرائيليين، وخصوصاً «أولئك الناجين من العملية»، أو أقرباء مَن قُتلوا فيها، ومن بين هؤلاء نجل أحد أهم العلماء الإسرائيليين، أهرون كتسير، الذي هو أيضاً شقيق أفرايم كتسير الذي انتُخب بعد عام من الهجوم رئيساً للكيان.

ادّعت وسائل إعلام عبرية أن «قيصرة الإرهاب اعتذرت» عن فعلها

وقال أفراهام أهرون كتسير، وهو عالم فيزيائي في جامعة تل أبيب، لـ«واي نت»، مستذكراً العملية: «لقد وصلْت إلى المطار لاستقبال أبي (أهرون)، الذي كان عائداً من جولة في أوروبا قدّم فيها المحاضرات... لقد قُتل أمام عيني». وأضاف: «في ذلك اليوم، كان عمري 31 عاماً، أخذت أمي وذهبنا إلى المطار لاستقبال أبي. وفي ذلك الوقت، كان يمكن رؤية المسافرين وهم يتسلّمون حقائبهم من نوافذ في داخل قاعة الاستقبال في المطار. وبينما كنت أقف وأمي بالقرب من النافذة، رأيت أبي، وفي ثانيتَين فقط بدأ الزجاج - حيث نقف - يتشظّى. فهمت أننا نتعرّض لإطلاق نار، أصيبت أمي بفعل الزجاج المتطاير، وقُتل أشخاص كُثر من دون أن يفهموا ما الذي حصل». وتابع: «لا أعرف كم من الوقت ظلّوا يطلقون النار، حوالي دقيقة أظن. وعندما حلّ الصمت، ركضت باتجاه قاعة المسافرين ورأيت أجساداً ملقاة على الأرض، كان أبي من بينهم. لقد أصبْت بصدمة. ولاحقاً فهمْت أن الحظّ السيّئ أدّى إلى مقتل أبي، إذ إن موظّفة ختم الجوازات، والتي كانت تعرفه بسبب كثرة أسفاره، طلبَت منه أن يتقدّم إلى بداية الطابور، وفي خلال ذلك لم ينجح في الهرب، وقُتل». وأشار إلى أنه بالرغم من مرور 50 سنة على الحادثة، غير أن «الصدمة النفسية والألم لا يزالان قائمَين... هذا الأمر لا يتركني أبداً. أَذكر جنازة أبي، فيها حضر بن غوريون (أول رئيس وزراء إسرائيلي) ورثاه قائلاً لم ألتقِ في حياتي مع شخص مثله (أهرون). كما حضر الجنازة سفير اليابان وزوجته، وبعد ذلك زارانا في منزلنا واعتذرا باسم الشعب الياباني. بنظري هذا شيء جميل، فليس من الصواب اتّهام شعب كامل بالإرهاب لمجرّد قيام أشخاص منفردين منه بأعمال إرهابية». ورأى أن «فوساكو شينغويبو كانت تستحقّ أن تُسجن مدى الحياة»، وأضاف: «لقد تحرّرت، وهذا الأمر لا يعجبني. ومن الصعب أيضاً تقبّل اعتذارها، فأنا أرى أنه اعتذار مزيّف لكونها على مدى أعوام طويلة جنّدت اليابانيين في جيشها».

أمّا راحيل تسوكرمان-ليفي (74 عاماً)، والتي كانت في حينه موظّفة مسؤولة عن استقبال الشخصيات المهمّة المسافرة على متن «إل عال»، فقالت: «في ذلك المساء، كان عليّ استقبال مسافري الدرجة العليا، وبينهم بروفيسور أهرون كتسير، ورئيس البوندستاغ الألماني. طلب مني ربّ العمل استقبال ثلاث شخصيات أتت على متن إير فرانس، دقائق قليلة قبل أن تهبط إل عال. وبالفعل، رافقت هؤلاء إلى طابو ختم جوازات السفر، بينما كان ثلاثة يابانيين يقفون بجانبنا، وعندئذ تساءلت ما الذي جاء بهؤلاء اليابانيين إلينا؟ طوال فترة عملي في المطار لم أرَ يابانيين يزوروننا. وعندما انتهيت، ذهبت لاستقبال الشخصيات التي قدِمت على متن إل عال». وتابعت: «ظننت أن رئيس البوندستاغ الألماني لم يصل بعد؛ إذ لم يكن هناك مستقبِلون ولا حتى ممثّلون رسميون. وصلت إلى الطائرة، فنزل منها بروفيسور كتسير، ثمّ اصطحبته مشياً على الأقدام إلى قاعة الوصول ثمّ وقفنا في الطابور. وخلال ذلك قلت إنه على الأرجح وصل الألماني، وعليّ الذهاب لاستقباله. طلبت الإذن من كتسير ومشيْت بضع خطوات، وعندئذ بدأ إطلاق النار، لكن موظّفاً في المطار رمى بي تحت أحد المكاتب... وهكذا أنقذ حياتي». وتصِف ليفي ما حصل بالقول: «كانت هناك صرخات، وفجأة سمعنا حشرجة الموت. استلقيْت تحت المكتب، وبعد دقائق ركضت إلى أحد المكاتب الأخرى لكي أتّصل بأهلي وأقاربي وأخبرهم بأنني ما زلت على قيد الحياة... رأيت كلّ شيء ولكن عقلي لم يكن يستوعب». وأشارت إلى أن ما حدث «غيّر عالم الطيران، وكل ما عرفه الناس عن هذا العالم من قبْل». وأضافت أن «على الناس أن يتذكّروا ما حدث، ومن كان هؤلاء الأشخاص. إنني أجرّ معي ما حدث منذ 50 عاماً. لم يتحدّث أيّ أحد معي عمّا جرى. بعد يوم من وقوع العملية، ذهبت أنا وزوجي إلى المطار، لم تكن هناك قطرة دم واحدة، كلّ شيء كان نظيفاً وكأن أمراً لم يحدث». ورأت أنه «كان من الأجدر أن تبقى فوساكو شينغوبو في السجن، وألّا ترى النور إطلاقاً».

من ملف : «مسيرة الأعلام» في الميزان: ثقوا بالمقاومة

- الاخبار

قفزة «نسبية» في الضفة: الشباب يسبق الفصائل

رام الله | مرّت «مسيرة الأعلام» الإسرائيلية كما خُطّط لها، لكن مع دفع الاحتلال والمستوطنين ثمناً مضاعفاً في الضفة والقدس المحتلّتَين. كان يوم المسيرة أشبه باستفتاء تترقّبه الأطراف كافّة: الإسرائيليون تجهّزوا جيداً على الجبهات كافة، والمقاومة راقبت المشهد عن كثب لتتبلور لديها صورة حول وضع «المدّ الشعبي والمقاومة الجماهيرية»، أمّا السلطة الفلسطينية فدعمت الفعاليات الشعبية ومسيرات رفع الأعلام الفلسطينية بالنظر إلى أن حركة «فتح» هي التي دعت إليها بشكل مباشر عبر الأقاليم المختلفة في الضفة. قد يبدو المشهد «سوداوياً» بالنسبة إلى كثير من الفلسطينيين، بالقياس إلى حجم التفاعل غير المسبوق مع المواجهات والفعاليات خلال معركة «سيف القدس» العام الماضي، لكن عند إجراء مقارنة سريعة بين تداعيات «مسيرة الأعلام» الإسرائيلية قبل عام 2021 من جهة، وتداعياتها لهذا العام من جهة ثانية، تُظهر المؤشّرات والإحصائيات المتوفّرة «قفزة نوعية» في المواجهة في الضفة، مع أن المقارنة بين السنة الحالية وسابقتها لا تظهر هذه القفزة أو الإيجابية على صعيد توسُّع دائرة الاشتباك. ومردّ ذلك إلى أن معركة «سيف القدس» أشعلت فتيل المواجهة بشكل أكثر قوّة، لم تشهده الضفة خاصة وفلسطين عامة منذ انتهاء الانتفاضة الثانية.

قبل 2021، كانت تداعيات «مسيرة الأعلام» تقتصر على القدس وحدها، حيث يمرّ يوم 29 أيار كأيّ يوم يشهد اقتحاماً اعتيادياً من قِبَل المستوطنين للأقصى. بتعبير آخر، لم تكن هناك أيّ ردّة فعل فلسطينية قوية خارج ساحة القدس. لكن هذا العام، وخلال يوم المسيرة نفسه، سُجّلت نحو 190 نقطة مواجهة في الضفة منذ الفجر وحتى منتصف الليل. وبحسب إحصائية حصلت عليها «الأخبار»، فقد أصيب 17 جندياً ومستوطناً إسرائيلياً خلال المواجهات. وتشير الإحصائية نفسها إلى أن مقاومين نفّذوا 11 عملية إطلاق نار أوّل من أمس، في حين برز استخدام الشبّان للقنابل المصنّعة محلّياً بكثافة، إذ أُلقيت 60 قنبلة من هذا النوع نحو حواجز عسكرية إسرائيلية وشوارع استيطانية، في حين تَركّز إلقاؤها في جنين بواقع العشرات منها على حاجزَي الجلمة ودوتان، و12 قنبلة باتّجاه جنود العدو في بلدة عزون قرب قلقيلية. أمّا على صعيد المسيرات والتظاهرات، فسجّلت الضفة خروج 28 فعالية جماهيرية لنصرة القدس، تخلّلها رفع الأعلام الفلسطينية، وأصيب خلالها 163 شخصاً بجروح، إلى جانب 79 آخرين في القدس.
ad

أثبتت مواجهات الأحد الماضي تقدُّم الشعب الفلسطيني وشبابه على كلّ الفصائل

في خضمّ ذلك، بدا صمت حركة «حماس» غريباً؛ إذ اكتفت بإطلاق مسيرات وفعاليات في عدد من محافظات غزة، ودعوات عامة عبر تصريحات قادة سياسيين وناطقين باسم الحركة للرباط والمواجهة على امتداد فلسطين وخاصة في القدس، بعكس مراحل سابقة قريبة كانت فيها الحركة تُوجّه دعوات ميدانية محصورة في كلّ منطقة من الضفة. ويفسّر مراقبون هذا التراجع باعتبارات عدّة، أبرزها: الضربات الاعتقالية المتتالية والملاحقة المستمرّة لـ«الحمساويين» في الضفة وحتى القدس، إضافة إلى تغييب عشرات القيادات المحلّية من الحركة في السجون الإسرائيلية. ففي رام الله مثلاً، غاب حسين أبو كويك، حسن يوسف، وجمال الطويل الذين يُعدّون «دينامو حماس» هناك، إضافة إلى غيرهم في المناطق الأخرى في الضفة. وفي القدس، استبق العدو «مسيرة الأعلام» بشنّ حملة واسعة من الاعتقالات والاستدعاءات للتحقيق وقرارات الإبعاد، شملت مناصري «حماس» وغيرها. مع هذا، يلاحَظ تصاعد عمليات الدفاع عن الفلسطينيين في وجه اعتداءات المستوطنين بشكل فردي داخل البلدة القديمة في القدس، حيث باتت المقاومة بغاز الفلفل أسلوباً مجدياً ومستخدماً بكثرة أخيراً.

أمّا فصائل «منظمة التحرير»، باستثناء «فتح»، فقد بدت وكأنها «صامتة صمت القبور»، ولم تطلق بمعظمها دعوات إلى التصدّي والمواجهة، بما فيها تلك الفصائل الصغيرة الممثَّلة في المنظمة، بينما نشطت «فتح» في الفعاليات الجماهيرية داخل عدد من المدن والمحافظات والأرياف، وتَركّز نشاطها في نابلس ورام الله تحديداً. والظاهر أن الحركة كانت تحاول، من خلال تجييش الجماهير، ردم الفجوة بينها وبين الفلسطينيين، مستندة إلى الفراغ الكبير الذي تركته «حماس» و«الجهاد الإسلامي» و«الجبهة الشعبية» وبقيّة الفصائل، من دون أن تعترضها في ذلك السلطة الفلسطينية التي تريد تحصيل مكاسب في ظلّ تراجُع شعبيّتها بشكل كبير، فضلاً عن كوْن المسيرات والمواجهات المدعوّ إليها مصنّفة «سلمية وشعبية». على أن المشاركة الخجولة نسبياً في تلك الفعاليات أظهرت عدم تفضيل الشباب الفلسطيني لهذا النوع من المقاومة، ورغبته في الالتحام على نقاط التماس مع جيش العدو والمستوطنين.
وأيّاً يكن، فقد أثبتت مواجهات الأحد الماضي تقدُّم الشعب الفلسطيني وشبابه على كلّ الفصائل، وهذا ما بات «عرفاً معتاداً» أخيراً في الضفة والقدس، حيث أثبت جيل الشباب الجديد قدرته على تنظيم نفسه عفوياً من دون انتظار دعوة من أحد. وبذا، تكون الفصائل أمام تحدّي إجراء مراجعة سريعة، لكن معمّقة، لتداعيات «مسيرة الأعلام» على الضفة، بهدف استخلاص الدروس، وربّما التركيز على دور الشباب هناك، في ظلّ عدم وجود قيادة جامعة لإدارة المواجهات.

من ملف : «مسيرة الأعلام» في الميزان: ثقوا بالمقاومة


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 25 / 2342227

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أحداث و متابعات  متابعة نشاط الموقع ملفات   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

37 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 37

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28