] جولة أخرى حول الدولة الفلسطينية وسمك البحر الميت - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
الاثنين 6 أيار (مايو) 2024

جولة أخرى حول الدولة الفلسطينية وسمك البحر الميت

لا تشتروا سمكاً من البحر الميت
الاثنين 6 أيار (مايو) 2024 par منير شفيق

لعل من الدروس المهمة التي يمكن تعلمها من تجربة الثورة الفلسطينية المعاصرة، هو درس خطأ طرح الحلول لتسوية الصراع. وهو درس مهم جدا لتعلمه، والإفادة من عدم تكرار الخطأ بحلل جديدة.

بدأت الضغوط تتراكم على قيادة فتح منذ تسلمت قيادة م.ت.ف، وكانت في منطلقاتها قد أكدت على تحرير فلسطين كل فلسطين، باعتماد استراتيجية الكفاح المسلح. وكُرسّت هذه المنطلقات في ميثاق م.ت.ف 1968، واختلف هذا الميثاق الأخير عن ميثاق 1964، بالتركيز على استراتيجية المقاومة المسلحة، وإبراز البُعد الفلسطيني المقاوم، مقارنة بميثاق 1964 الذي ركز على البُعد العربي.

تمثلت الضغوط من قِبَل نخب فلسطينية مهاجرة في الغرب، بضرورة التقدّم بحلّ إنساني وأخلاقي للصراع بعد التحرير، ابتعادا عن تهمة “رمي اليهود في البحر”. وذلك لكسب الرأي العام الغربي، وإحداث اختراق في الكيان الصهيوني نفسه.

وبالفعل نجحت الاستجابة لهذه الضغوط، بالإعلان عن أن الحلّ الذي تتبناه فتح هو “إقامة دولة ديمقراطية علمانية يتساوى فيها المسلمون والمسيحيون واليهود”، طبعا بعد إنجاز التحرير، وتفكيك الكيان الصهيوني، بكل مؤسساته العسكرية و“الدولتية”، والسياسية والاقتصادية.

وما أن أعلن عن هذا الحلّ، حتى قوبِل بالترحيب على نطاق واسع، خاصة من بعض مثقفي الغرب، حتى من قِبَل بعض الأحزاب والدول، ولكن دام هذا “البرنامج” أو “مشروع الحل” أقل من سنتين، حتى انهالت الضغوط، من حيث كونه “غير عملي”، و“غير واقعي”.

هنا بدأ يتدخل بعض اليسار والسوفييت للتقدّم بحلّ مرحلي، يتضمن تحويل الهدف إلى إقامة سلطة فلسطينية (دولة) على حدود الرابع من حزيران/ يونيو 1967. وكان هذا التنازل الثاني، بعد التنازل الذي حمله برنامج “الدولة الديمقراطية العلمانية”، الذي قدّم تنازلا غير مرئي: وهو مساواة المستوطنين غير الشرعيين بالمسلمين والمسيحيين في فلسطين، ومن جانب واحد، جانبنا، فيما القيادة الصهيونية والغرب صفقوا لهذه المساواة المجانية، من دون أن يقابلها اعتراف صهيوني بأن المسلمين والمسيحيين متساوون مع اليهود في فلسطين. (انتبه إلى البُعد المجاني في التنازل من جانبنا، حتى نكون “إنسانيين” و“أخلاقيين”، فيما نتعاطى مع غزاة، استولوا على فلسطين، بدعم حِراب الاستعمار البريطاني، واقتلعوا ثلثي الشعب، واستولوا وحلوا فوق 78 في المئة من فلسطين، يعني أعطيت “شرعية” لمستوطنين غير شرعيين).

أما التنازل الثاني، فالقبول باقتسام فلسطين، وبإجحافٍ صارخ، كما إعطاء شرعية للوجود غير الشرعي للكيان الصهيوني الذي قام بالقوة، وبمخالفة صارخة للقانون الدولي، ولميثاق هيئة الأمم، وذلك حين قررت الجمعية العامة تقرير مصير فلسطين الذي هو حق حصري للشعب الفلسطيني، وفقا للقانون الدولي.

على أن هذه المرحلية تحوّلت إلى تنازل خطير من جانبنا، عندما رفع شعار إقامة دولة على قطاع غزة والضفة الغربية وشرق القدس، والذي حلّ عمليا مكان أولوية دحر الاحتلال من دون قيد أو شرط، أي أولوية تحرير الأراضي التي احتلت عام 1967، وصدرت قرارات دولية بعدم شرعية الاحتلال والاستيطان فيها.

هذا الحل المرحلي تغطّى في بداية طرحه بأنه لا يعني الاعتراف بالكيان الصهيوني، وإنما كما لفلفه بعض “اليسار” أنه مثل تحرير فيتنام، الذي بدأ أولا بدولة في الشمال، وأخرى في الجنوب بعد معركة ديان بيان فو 1954، ثم حُرّر الجنوب 1975. ولكن الجنوب هنا كان انقسام شعب واحد في فيتنام، أما في فلسطين، فعندنا كيان صهيوني يريد التهام كل فلسطين، وطرد كل أهلها، أو أغلبيتهم منها.

المشكلة الجوهرية كانت بعد إقامة الكيان الصهيوني بالقوة، وهي إصباغ شرعية حقه بالوجود، والاعتراف به؛ لأن فرضه بالقوّة، أو بالاعتماد على قرار التقسيم رقم 181لعام 1967، لا يعطيانه الشرعية، التي يملكها الشعب الفلسطيني وحده، وفقا للقانون الدولي.

لهذا كان المقصود الأول من القبول بحلّ الدولتين، أو مطالبة الفلسطينيين بدولة وفقا لقرار التقسيم، أو وفقا لقرار حدود حزيران/ يونيو 1967، هو الإقرار واقعيا أو من حيث المبدأ بتقسيم فلسطين، من حيث إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة وشرقي القدس.

هنا ارتكبت قيادة م.ت.ف (فتح أساسا) ولا سيما من خلال قرار المجلس الوطني 1988 في الجزائر، خطأها الفادح، وتفريطها الفاضح لثابت الحق الفلسطيني بكل فلسطين، وحق تحرير فلسطين من النهر إلى البحر.

وكان ذلك خطأ وتفريطا لو جاء مقابل إعطاء دولة فعلا، فكيف إذا جاء مجانا، بل من خلال تنازل بلا مقابل واقعي، فيما الكيان الصهيوني، وبدعم غربي ودولي، يعمل على تنفيذ مشروعه، بالاستيلاء على كل فلسطين، وتهويدها، واقتلاع أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين منها.

والأنكى أن هذا القرار تحوّل إلى أولوية، فيما كانت الأولوية هي تحرير الأرض من الاحتلال والاستيطان (دحر الاحتلال، وتفكيك المستوطنات، بلا قيد أو شرط) كخطوة راهنة على أرض الصراع، كما هو مفروض واقعيا من 1967 إلى اليوم، وذلك على طريق تحرير فلسطين من النهر إلى البحر، وإبقاء الكيان الصهيوني فاقدا لشرعية حق الوجود، والوجود نفسه.

- لا تشتروا سمكاً من البحر الميت

نحن الآن في قلب احتدام الحرب في قطاع غزة. وقد اقتربت من لحظة الحسم فيها، أياماً أو أسابيع، أو أكثر. وذلك فيما أخذت تنتشر، من بين ما أخذ ينتشر، مقولات ومخططات للمرحلة القادمة.

ولعل من أخطر هذه المقولات والمخططات، تجدّد الحديث عن إعطاء الشعب الفلسطيني دولة. وقد راحت تزداد القناعة لدى عدد من النخب الفلسطينية بأن أمريكا، نتيجة هذه الحرب، وما كابدته، بسببها، من أزمات عالمية وداخلية وإقليمية، صارت تميل إلى اعتبار، أن حلّ الدولتين في مصلحة الكيان الصهيوني، ووجوده ومستقبله.

وبهذا طفقت بعض النخب الوطنية، أو حتى القريبة من المقاومة، تتحدث عن ضرورة تشكيل قيادة فلسطينية موحدة حتى تستقبل الخطوة الأمريكية المتوقعة. لأن من الخطأ أن تأتي تلك الخطوة، ولا تجد قيادة فلسطينية موحدة تستقبلها. وإلاّ ضاعت “فرصة العمر”.

تُعلِّم التجربة الفلسطينية التاريخية، منذ طرح هدف إقامة دولة فلسطينية، فوق الأراضي المحتلة في الخامس من حزيران/يونيو 1967، بأن المطالبة بإقامة دولة فلسطينية ستحمل في طياتها، فوراً، تنازلات مبدئية وسياسية، مثلاً القبول، موضوعياً، بتقسيم فلسطين بيننا وبين الكيان الصهيوني الذي جاء تحت حماية الحراب البريطانية من 1917 إلى 1948، وبلا شرعية دولية. واستولى على 78% من فلسطين. وشرّد ثلثي شعبها. وهو الآن يحتلها كلها. وقد راح يهوّدها، حتى لم يترك جزءاً تقام عليه “دويلة” للفلسطينيين.

محصلة تجربة المطالبة بإقامة دولة فلسطينية كانت وهماً وفشلاً، فضلاً عما حملته من تنازلات مبدئية واستراتيجية. وذلك بالرغم من القبول بأيّة شروط يفرضها الكيان الصهيوني أو أمريكا والغرب، لإقامة الدولة.

وها هو ذا قد مرّ 75 عاماً، ولا دولة ولا ما يحزنون.

لذلك إن أول ما يجب أن تواجَه به أمريكا والغرب، بل وكل من يضغط على المقاومة بتبني إقامة دولة فلسطينية، أو القبول بحلّ الدولتين، بالقول لهم: كيف تصرون على هذين المطلبين، أو أحدهما، وتجربة الخمسة والسبعين عاماً أثبتت أن الكيان الصهيوني لن يقبل بحلّ الدولتين. وقد فعل ذلك بغطاء أمريكي- أوروبي- دولي، بدليل عدم ممارسة أيّ ضغط عليه من أمريكا، أو أيّة دولة أخرى. فمن يتوقع إعطاءه دولة حتى بشروط الكيان الصهيوني وأمريكا، كمن يتوقع أن يشتري سمكاً من البحر الميت.

تأكدت هذه الحقيقة، بصورة خاصة، بعد اتفاق أوسلو حتى اليوم، بما لا يسمح لعاقل أن ينجرّ إلى المطالبة بإقامة دولة فلسطينية في حدود ما قبل حرب 1967، مكرراً عملياً التجربة نفسها التي خاضتها فتح وم.ت.ف. وذلك ما دام أمرها بيد الكيان الصهيوني، وأمريكا والغرب.

لهذا فإن الموقف الصحيح، مبدئياً وسياسياً وتكتيكياً، أن يوضع موضوع الدولة في موقع الكذبة الكبرى، والوهم الفاضح من جانب أمريكا، وقولوا لها ولكل من يضغط بهذا الاتجاه، "قبل أن تطالبونا بأن نجرّب المجرب، هاتوا موافقة الكيان الصهيوني، أو مارسوا ضغطاً عملياً ملموساً عليه، لإجباره على قبول إقامة الدولة. وبعدئذ يطرح الموضوع على الفلسطينيين للمناقشة، فيقبله من يقبله، ويرفضه من يرفضه. ويتحمل كل مسؤوليته، ليس في مواجهة مشروع دولي وهمي، وغير قابل للتطبيق، كما حدث طوال 75 عاماً. وإنما مشروع مفروض للتنفيذ مهما كان مجحفاً، (ويجب رفضه). أما شراء سمك من البحر الميت، فكفى.

وبكلمة، يجب بعد الانتصار في غزة، التركيز على تحرير الأرض المحتلة في 1967، بلا قيد أو شرط. فموضوع مقاومة الاحتلال بالسلاح غير قابل للنقاش، وفقاً للقانون الدولي، وأعراف الشعوب كافة. وهنالك قرارات من هبئة الأمم المتحدة ضد الاحتلال والاستيطان، وقد أقرت بحق الشعب الفلسطيني بالمقاومة المسلحة. وهذا كله تفتقر لمثله، المطالبة بدولة فلسطينية، والتي طريقها التسوية والمفاوضات والفشل.

هذا مع التأكيد دائماً على أن كل فلسطين لنا، والتمسك بهدف تحريرها من النهر إلى البحر. والذي، من إباهم، يعتبر أن هذا تطرفاً، قولوا له: المشروع الصهيوني يعتبر فلسطين كلها له، ويريد تهجير كل الفلسطينيين.


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 69 / 2350403

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع المراقب العام   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

41 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 43

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28