] ملف : إسرائيل «قاصرة» أمام جنين - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
الخميس 14 نيسان (أبريل) 2022

ملف : إسرائيل «قاصرة» أمام جنين

الخميس 14 نيسان (أبريل) 2022

تتواصل الهَبّة الشعبية والمسلّحة في مختلف أنحاء الضفة الغربية المحتلّة إسناداً لجنين ومخيّمها، في مشهد لا يبدو أنه سينحسر قريباً، بينما يجد العدو نفسه عاجزاً إلّا عن اقتحامات محدودة للمخيّم، بات الفلسطينيون متمرّسين في مواجهتها. وإلى جانب الحسابات المتّصلة بتراجع قوّة السلطة الفلسطينية، وتطوّر قدرات المقاومين في جنين على نحو مدهش، وتصدّي حركة «الجهاد» للدفاع عن أهالي الفدائيين وحمايتهم، يأتي تحسّب سلطات الاحتلال لإمكانية انخراط قطاع غزة في المواجهة، في حال الإقدام على خطوة واسعة أو تصعيد خطير. ومن هنا، تدرس إسرائيل خطواتها جيّداً، ممتنعةً - إلى الآن - عن أيّ اقتحام واسع النطاق في جنين، ومُوجِّهةَ أجهزتها بالحيلولة دون أيّ استفزازات «غير مطلوبة» في القدس والمسجد الأقصى، في ترجمة شديدة الوضوح والقوّة للمعادلات التي ثبّتتها معركة «سيف القدس»

- الضفّة تُصعّد هَبّتها: المقاومون يتكاثرون

نابلس | شهيد جديد في نابلس، اقتحامات إسرائيلية، إصابة 180 فلسطينياً في نابلس وحدها خلال يوم، اشتباكات مسلّحة مستمرّة، مواجهات ليلية عنيفة، مسيرات عارمة وعفوية إسناداً لجنين، وفي المقابل تنسيق أمني متواصل بلا خجل... هذا هو الوضع في الضفة الغربية خلال اليومين الماضيين. عاود جيش العدو اقتحام نابلس، ووفّر الحماية لقادة المستوطنين لإنجاز ترميم أجزاء من قبر يوسف بعد تحطيم شبّان فلسطينيين له، فيما اندلعت مواجهات عنيفة استمرّت طيلة ليلة الثاني عشر من رمضان وحتى ساعات الصباح الباكر، استشهد بنتيجتها المحامي محمد حسن عساف (34 عاماً) متأثّراً بإصابته برصاص الاحتلال. والشهيد هو أمين سرّ حركة «فتح» في قرية كفر لاقف قرب قلقيلية، ويعمل مستشاراً قانونياً في «هيئة مقاومة الجدار والاستيطان» (هيئة رسمية تنتهج المقاومة السلمية، وتتبع السلطة الفلسطينية، ورئيسها مصنَّف على أنه وزير في الصلاحيات والامتيازات، لكن رسمياً مسجّلة كهيئة وليس كوزارة)، ويسكن في شارع عمان في مدينة نابلس.

كذلك، سقط شهيدٌ و125 إصابة خلال مواجهات قرب قبر يوسف، و60 إصابة في بلدة بيتا جنوب نابلس، في حين أصيب شابّان برصاص قوّة خاصة في طولكرم. ويُلاحظ استخدام جيش العدو لوتيرة أعلى من القمع والقوّة، إذ تضاعفت أعداد الإصابات بالرصاص عن المواجهات السابقة في الأماكن نفسها. ففي قبر يوسف، من بين الإصابات، 9 بالرصاص الحيّ، و12 بالرصاص المعدني المغلّف بالمطاط، و9 شبّان دهستهم آليات عسكرية إسرائيلية، بينما في بلدة بيتا، سُجّلت 4 إصابات بالرصاص الحيّ، و8 أخرى بالرصاص المعدني. أمّا في طولكرم، فإن المستعربين نفّذوا اقتحاماً لمدخل جامعة فلسطين التقنية «خضوري»، وأصابوا شابَّين بالرصاص من مسافة بعيدة نسبياً، ثمّ اعتقلوا أحدهما وهو دانيال الجابر، أحد موظّفي أمن الجامعة.

في هذا الوقت، تُواصل جنين الإعداد للمواجهة، بعدما أصبح إغلاق مداخل المخيم طقساً يومياً يمارسه الشبّان ليلاً استعداداً لاقتحام جيش العدو. وعلى رغم أن الاقتحام الأخير كان كالمعتاد في ساعات الصباح الباكر، إلّا أنه لم يمرّ من دون إطلاق نار تجاه قوات الاحتلال. ويتعمّد العدو اختيار هذا التوقيت لتحييد أكبر عدد ممكن من المسلّحين المقاومين وشبّان المواجهات، إذ إن الجميع يكون نائماً أو ذاهباً لعمله ودوامه في وقت الصباح، لكن في كلّ مرّة تثبت جنين فشل «الشاباك» في اختياراته. وتَركّز الاقتحام الأخير داخل الحيّ الشرقي من جنين، وتخلّلته اشتباكات مسلّحة متقطّعة عدّة مرات، ثمّ لاحق المقاومون آليات العدو بالرصاص خلال انسحابها من الحيّ. أمّا في قلقيلية، فقد أكد العدو إصابة أحد جنوده إثر رشقه بالحجارة صباحاً.

تُواصل جنين الإعداد للمواجهة، بعدما أصبح إغلاق مداخل المخيم طقساً يومياً يمارسه الشبّان ليلاً

وتضاعف عدد نقاط المواجهة خلال اليومين الماضيين، إذ قفز بعد الإفطار وحتى الفجر من 15 إلى 27 على الأقلّ في الليلة الواحدة، وامتدّ ليصل إلى مناطق جديدة، بعد غيابها لأشهر، كما في: مدخل بيت فوريك شرق نابلس، قرية بدرس غرب رام الله، جامعة «خضوري»، والمدخل الشمالي لمدينة البيرة. وفي ليلة الثاني عشر من رمضان، تعرّض جيش العدو لسبع عمليات إطلاق نار خلال اقتحاماته للضفة الغربية في ساعات الفجر، وسُجّلت هذه العمليات في كلّ من: الحي الشرقي في جنين، وبلدة قباطية جنوب جنين، ومحيط قبر يوسف، ومنطقة بلاطة البلد في نابلس. وقَبْلها بليلة (ليلة الحادي عشر)، تعرّضت قوات الاحتلال لإطلاق نار في قرى جديدة، مثل: اليامون غرب جنين، طمون قرب طوباس في الأغوار الشمالية، وفق مصادر لـ«الأخبار». كما أطلقت مركبة مسرعة النار في اتّجاه آلية عسكرية إسرائيلية جنوب نابلس، وأحدثت فيها أضراراً من دون إصابات، بحسب وسائل إعلام إسرائيلية. وخلال اليومين الماضيين، وبعد هدوء لعدّة أيام في داخل الأراضي المحتلة عام 1948، كسرت الهدوءَ عمليةُ طعن في عسقلان نفّذها الشهيد عبدالله سرور من الخليل، وأصاب خلالها أحد عناصر شرطة العدو.
في غضون ذلك، تستمرّ الفعاليات والمسيرات الداعمة لجنين منذ أيام في مختلف محافظات الضفة، كما يتواصل انخراط النقابات والمؤسّسات المجتمعية في حملة دعم أهالي جنين لصدّ العقوبات الإسرائيلية، إذ أعلنت نقابة المهندسين تنظيم مسيرة حافلات دعماً لجنين ومخيمها يوم الأحد المقبل، حيث ينطلق المشاركون من مدينة نابلس نحو جنين، ثمّ ينظّمون وقفة جماهيرية أمام المخيم، ويتجوّلون في أسواقها، وفي نهاية الجولة يتناولون وجبة الإفطار الرمضاني في واحد من المطاعم الشعبية. وأمام تصاعد الفعاليات الجماهيرية العفوية، وجدت حركة «فتح» نفسها مجبرة على الانخراط في هذه الهَبّة، إذ نظّمت في رام الله، لأوّل مرّة، مسيرة حاشدة إسناداً لجنين، جرى توجيهها إلى نقاط التماس بعد صلاة التراويح يوم أمس.

هكذا، جدّدت الأحداث والعمليات الفدائية الأخيرة الاشتباك، وأشعلت المواجهات ووسّعتها في الضفة الغربية، فيما لا يبدو أن هذه الهَبّة ستنتهي قريباً، بالنظر إلى أن مشعلها الرئيس هو جنين ومخيّمها والمقاومون فيهما، والذين يجعل عددهم الكبير احتواءهم أو «غلق ملفّهم» صعباً ومعقّداً ولا يمكن إنهاؤه جذرياً في أسابيع. فالحديث يجري عن نحو 35 مطلوباً معروفين لـ«الشاباك» وأجهزة أمن السلطة، لكن الأخطر على العدو هو وجود مجموعات أخرى من المقاومين ليست مكشوفة. ويبدو صمت السلطة الفلسطينية في جنين دليلاً على أنها رفعت يدها عن الملاحقة على الأرض، ليس لأنها لا تريد، بل لأنها باتت عاجزة عن التصدّي للمقاومين وحدها.

- العقاب الجماعي يتعقّد: إسرائيل «قاصرة» أمام جنين / يحيى دبوق

تُواجه إسرائيل تحدّياً أمنياً قد تكون مركّباته غير مسبوقة في العقود الأخيرة من تاريخ الصراع مع العرب: موجة عمليات يقودها فلسطينيون ضدّ الاحتلال، فيما أحد أبرز محفّزاتها هو الإجراء العقابي نفسه الذي يسعى من خلاله العدو لمنع العمليات. معضلةٌ تغذّي نفسها بنفسها، من دون آفاق حلّ منظورة. وفقاً لتقدير الاستخبارات الإسرائيلية، المرجّح أن تتواصل الهجمات، وإن كانت تل أبيب تأمل الحدّ منها، من خلال سلسلة إجراءات، يتعذّر حصْر التعقيدات التي تمنع العدو من الذهاب بعيداً فيها. وإلى جانب تلك التعقيدات، تأتي الإشكالية الإسرائيلية المتمثّلة في التركيز، في «المعالجة»، على الحوافز بدلاً من الدوافع، والأولى ظرفية ومتغيّرة، بينما الثانية، وهي الأصل، ثابتة ولا تكاد تتبدّل، والمقصود بها أصل وجود الاحتلال، بما يعنيه من سلب للحق والهُوية، وسياساته الاستيطانية الإحلالية العنصرية. على أن مسألة التعامل مع الحوافز نفسها لا تبدو مضمونة من الجهات كافّة.

على مستوى مبدأ «الردع عبر العقاب»، لا تكتفي إسرائيل بقتْل منفّذي العمليات حتى لو لم يتمكّنوا من إتمامها، بل تعمل على معاقبة كلّ من يحيط بهم، عبر هدم منازل ذويهم، واعتقال آبائهم وإخوتهم والتنكيل بهم، وسلبهم مواردهم المالية، وتغيير ظروفهم إلى الأسوأ على كلّ صعيد. كما يطاول هذا العقاب الجماعي البلدة أو المدينة بأكملها التي ينطلق منها المنفّذ، خاصة في الأراضي المحتلّة خارج الخط الأخضر، وهو ما يمثّل استراتيجية إسرائيلية ثابتة في مواجهة العمليات الفدائية، وإن كانت الهجمات الأخيرة حملت عنصراً مغايراً، كونها نُفّذت من دون أيّ توجيه أو قيادة من تنظيمات فلسطينية مقاوِمة. ويُضاف إلى تلك السياسة، الدور الوظيفي الذي تضطلع به الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية، والموكَلة بتحقيق ما يعجز عنه الاحتلال، أو يمكن أن يتسبّب له بأثمان وخسائر عملياتية، إضافة إلى دورها في تحصيل المعلومات الاستخبارية عن المقاومين، لصالح العدو.

إلّا أنه في الموجة الأحدث من العمليات، شخّصت إسرائيل عوامل إضافية لم تكن مرصودة في السابق، كما في هجمات الطعن والدهس الارتجالية. فالهجمات الأخيرة نفّذ جزءاً منها فلسطينيون من الداخل، أي من حاملي الهوية الإسرائيلية، يجمع بينهم ما يُسمّى إسرائيلياً «التعصّب الديني»، والتماهي بقدْر أو بآخر مع جماعات إسلامية تحمل «فكراً متطرّفاً»، مع التشديد في المقاربة الإعلامية على حضور تنظيم «داعش»، بهدف خدمة استراتيجية الاحتلال في أكثر من اتجاه. أمّا الجزء الآخر، فقد نفّذه فلسطينيون انطلقوا من شمال الضفة الغربية المحتلة، وتحديداً من منطقة جنين، وهو ما يمثّل تحدّياً مركّباً بالنسبة إلى إسرائيل، لعدّة أسباب أهمّها ما يلي:
أوّلاً: تُعدّ جنين منطقة خارجة نسبياً عن السطوة الأمنية لأجهزة السلطة الفلسطينية، لأسباب يصعب حصرها، من بينها تراجع تأييد السلطة حتى داخل تنظيم «فتح»، سواءً في المخيم أو المدينة أو القرى المحيطة. ويعبّر هذا التراجع عن نفسه في فقدان القدرة على التحرّك والتحكّم والجمع الاستخباري لمصلحة الاحتلال، كما تسهيل مهامّه والتمهيد لها.
ثانياً: تُعدّ «حركة الجهاد الإسلامي» هي الجهة التي تستقطب الشبّان الفلسطينيين في هذه المنطقة، وتحديداً من المنشقّين عن «فتح»، أو من المتململين من أداء السلطة، وهو ما أتاح توفير وسائل قتالية في المخيم ومحيطه، بمستوى بات يدعو الاحتلال إلى القلق، خصوصاً أن «الجهاد» تنظيم لا يُستهان به، عدداً وعتاداً.

تُعدّ جنين منطقة خارجة نسبياً عن السطوة الأمنية لأجهزة السلطة الفلسطينية

ثالثاً: منطقة جنين، التي تقع في شمال الضفة المحتلة، قريبة جدّاً من وسط إسرائيل، حيث الوجود «المديني» للعدو، بما يشمل غوش دان وفي وسطها تل أبيب. وأهمية هذا المعطى أنه يؤكد وجود ثقوب في الجدار الأمني - على اختلاف أشكاله - في هذه المنطقة، ما أتاح للفلسطينيين الانتقال من وإلى أراضي عام 1948 بسهولة نسبية، لأغراض وأهداف مختلفة، ليس في أساسها شنّ عمليات.
بناءً على ما تَقدّم، يمكن القول إنه باتت متعذّرة على الاحتلال مباشرة عقابه الجماعي ردّاً على العمليات التي ينطلق منفّذوها من جنين، حيث تتصدّى «الجهاد» بنفسها لتأمين عائلات الشهداء من الأذى الجسدي والمادّي وكذلك الاقتصادي، وهو ما يثقب الاستراتيجية العقابية الإسرائيلية، ويهشّم فاعليتها، ويحوّل جنين ومخيّمها إلى نموذج للمحاكاة، وهنا الأخطر بالنسبة إلى إسرائيل. كما أن ضعف السلطة البنيوي، والرفض الجماهيري لها، يلزمان العدو بالعمل مباشرة في المخيم والمدينة والمناطق المحيطة بهما، الأمر الذي يعني مزيداً من الاحتكاك مع الفلسطينيين، والذي قد يحفّز بدوره على تنفيذ مزيد من العمليات، ناهيك عن التهديد المتمثّل في إمكانية سقوط خسائر بشرية إسرائيلية، ولا سيما أن صور اقتحام المخيم عام 2002، والذي كبّد الاحتلال خسائر بشرية بالعشرات، لا تزال ماثلة في الذاكرة الإسرائيلية. يُضاف إلى ما تَقدّم، أن أيّ ردّ موسّع يستبطن خطر جرّ قطاع غزة إلى المواجهة، على غرار ما جرى في معركة «سيف القدس» العام الماضي.

كيف يمكن للاحتلال تحقيق مطلبه إذاً؟ لا يبدو أن لدى إسرائيل، إلى الآن، خطّة بديلة، باستثناء تحويل والد الشهيد رعد حازم، إلى هدف استراتيجي أوّل، يكاد يصبح الشغل الشاغل لأجهزة العدو الأمنية والعسكرية، على رغم أنه، من ناحية واقعية، يُفترض أن يكون مجرّد هدف تكتيكي. لكن، إذا كان من المتعذّر الوصول إلى والد الشهيد، فكيف بأهداف إسرائيل الأخرى المتعلّقة بحوافز العمليات، وعلى رأسها تحوُّل مخيّم جنين الذي يسمّيه الاحتلال «عشّ الدبابير»، إلى قِبلة للمقاومين ونموذج مُلهم لهم؟

- رسائل المقاومة آتت أُكُلها... / رجب المدهون

غزة | رسمت المقاومة الفلسطينية خطوطاً حمراء عريضة أمام العدو بخصوص المسجد الأقصى، مؤكّدة للوسطاء المصريين جدّية تهديداتها، ومحذّرة من أن سوء التقدير لدى الاحتلال سيفجّر الأوضاع من جديد، وعلى نحو أكثر ضراوة ممّا جرى في أيار الماضي. وبحسب ما علمته «الأخبار»، من مصادر «حمساوية»، فإن الاتّصالات مع المصريين تواصلت بشكل مكثّف خلال الأيام الأخيرة، وسط تشديد فلسطيني على أن لا تراجع عن قواعد الاشتباك السابقة في ما يتّصل بمدينة القدس المحتلّة، وأن الضغط الذي يمارسه اليمين المتطرّف على حكومة الاحتلال لتمرير انتهاكاته الجسيمة ضدّ الأقصى، لن يتمّ السكوت عليه أبداً. وخلال الاتّصالات، نبّهت «حماس» إلى أن أيّ انتهاك خطير مِن مِثل ذبح القرابين داخل المسجد، سيدفع إلى معركة مع قطاع غزة، فيما اقتحام مخيم جنين وتنفيذ عملية عسكرية كبيرة فيه، سيكون هو الآخر وصفة سريعة لإشعال المواجهة. في المقابل، طلب المصريون من الفصائل الحفاظ على الهدوء في القطاع، مؤكدين وجود تطمينات إسرائيلية بعدم استفزازها، وإدامة التحسينات، وتسريع عملية إعادة الإعمار في غزة، وهو ما ردّت عليه المقاومة برفضها الفصل بين الساحات.

في هذا الوقت، وبينما عقدت الفصائل اجتماعاً موسّعاً في مكتب قائد حركة «حماس» في غزة، يحيى السنوار، بحضور حركة «فتح»، علمت «الأخبار» أن الأجنحة العسكرية دخلت في حالة استنفار قصوى تشبه تلك التي تسود في مرحلة ما قبل المعركة، تحسّباً لاندلاع مواجهة جديدة مع العدو. وتحت عنوان «هذا بيان للناس»، حذّرت حركة «حماس»، قادة الاحتلال والجماعات الصهيونية، من تنفيذ مخطّط «ذبح القرابين» في باحات المسجد الأقصى، مشددةً على أن ذلك يمثّل تصعيداً خطيراً يتجاوز كلّ الخطوط الحُمْر، كما أنه «اعتداء مباشر على عقيدة ومشاعر شعبنا وأمّتنا في هذا الشهر الفضيل، نحمّلهم مسؤولية تداعياته كافّة». وأكدت الحركة أن جماهير الشعب الفلسطيني بكلّ مكوّناته «لن تسمح بتنفيذ هذا المخطّط الإجرامي، وستقف بكلّ قوّة وبسالة لإحباطه، والتصدّي له». من جهته، حذّر عضو «اللجنة المركزية في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين»، ماهر مزهر، الاحتلال من «أيّ محاولة استفزاز لمشاعر الفلسطينيين»، معتبراً سيناريو «ذبح القرابين» «بمثابة إعلان حرب، سيكون ردّ شعبنا ومقاومته عليه سريعاً وقاصماً». كما جزم مزهر أن الفلسطينيين «جاهزون لمواجهة أيّ جرائم صهيونية بحقّ مخيماتنا ومدننا وقرانا في الضفة، وخاصة في مدينة جنين القسام».

- .تل أبيب تحظر «الذبح» في الأقصى /يحيى دبوق

تبدو المعادلة التي تَحكم قرارات إسرائيل وأفعالها حالياً، والمتمثّلة في معاقبة الفلسطينيّين من دون المخاطرة باستدراج عمليات فدائية جديدة أو ردّ فلسطيني موسّع، حاكمة في كلّ الساحات الفلسطينية، وعلى رأسها مدينة القدس المحتلّة والمسجد الأقصى، حيث تُشخّص استخبارات العدو إمكانية تدحرج أيّ احتكاك هناك، إلى تصعيد لن يكون قطاع غزة بعيداً منه، مع ما يعنيه ذلك من أضرار ممتدّة. ومن هنا، تعمل تل أبيب على اتّخاذ سلسلة إجراءات بهدف الحيلولة دون الاحتكاك مع الفلسطينيّين، سواءً عبر الحدّ من الوجودَين اليهودي والفلسطيني في أكثر من نقطة اشتباك، أو عبر الحدّ بأكبر قدْر ممكن من سياسة التضييق على المصلّين.

وسواءً صحّت الأنباء عن نيّة جماعات استيطانية اقتحام الحرم القدسي، وذبح القرابين داخله بمناسبة «عيد الفصح اليهودي»، أم لا، فإنّ معظم المعطيات تؤشّر إلى تَعذُّر فعل كهذا. إذ لا تبدو إسرائيل معنيّة بالانجرار إلى استفزاز غير مسبوق وغير مطلوب ولا طائل منه، في ظرف يُعدّ أكثر من حسّاس بالنسبة إليها، ويستبطن احتمال اشتعال المناطق الفلسطينية كافة، وعلى رأسها قطاع غزة. وعليه، يُرجّح أن تمنع الأجهزة الأمنية الإسرائيلية أيّ استفزاز من ذلك النوع، بل وأن تعمد إلى منع المستوطنين من الإتيان بأفعال كان الاحتلال حتى وقت قريب يرعاها ويؤمّنها، خاصة في يوم الجمعة الثاني من شهر رمضان. كما سيكون العدو معنيّاً، نسبياً، بتقديم تسهيلات للفلسطينيّين، من أجل تخفيف حالة الاحتقان لديهم، ومنعهم من تصعيد حالة الاشتباك.

بناءً على ما تَقدّم، يمكن تفسير مسارعة مكتب رئيس حكومة العدو، نفتالي بينيت، أمس، إلى التنصّل من «رواية الذبح»، بالقول إنّ «المزاعم التي ادّعت أن هناك يهوداً ينوون ذبح القرابين في هار هابيت (الحرم)، كاذبة تماماً، وروّجتها تنظيمات فلسطينية وجهات أخرى بغية التحريض وتأجيج الخواطر وارتكاب عمليات». لكنّ خلافاً لتعليق بينيت، أعلنت الشرطة الإسرائيلية، في وقت لاحق، إبعاد المسؤول عن نشر دعوات إلى تقديم القرابين في الحرم القدسي، عن البلدة القديمة، حتى منتصف أيار.

- جيلٌ «أشدّ رقبة» / منير شفيق
يجب التوقّف والتأمّل طويلاً أمام ما نقله المراسل العسكري الصهيوني، أور هلير، قائلاً: «كنتُ داخل إحدى مركبات الجيش التي دخلت جنين الساعة العاشرة صباحاً (9/4/2022)، ولم أصدّق أن أكثر من 1000 شاب يلقون الحجارة والحارقات ويهتفون ضدّنا، وأن أحد الفتية ضرب باب الجيب العسكري، وقال: افتح، افتح وبيده حجر!». وتابع: «غريب جداً هذا الجيل، لا يخاف أبداً رغم إصابة سبعة منهم بالرصاص الحيّ وكثرة الجنود، أكثر من 50 دورية وجرّافة دخلنا ولم نُرعب هؤلاء!».

التوقّف والتأمّل المطلوبان ليسا أمام مجموعة شباب تلقي الحجارة على جيب عسكري، فهذه ظاهرة مكرَّرة منذ عشرات السنين في الضفة الغربية، وإنّما خروج أكثر من ألف شاب ليهاجموا بالحجارة والمولوتوف، اقتحاماً من خمسين آلية لمخيّم جنين، وذلك دعماً لمقاومين بالسلاح، وقد تكرّر الهجوم والصدّ ثلاث مرّات خلال أسبوع.
إن العمليات التي حدثت في بئر السبع والخضيرة وحيّ «بني براك» وشارع «دوزينغوف» في تل أبيب، عبّرت عن تصعيد في هجمات المقاومة المسلّحة من حيث المهارة في الأداء والشجاعة والإنجاز، وفي المقابل، أحدثت مفاجآت وإرباكات في صفوف العدو، وزيادة في نسبة القتلى والجرحى، إلى جانب ظاهرة الهروب الجماعي والفزع، كما شوهدت مصوَّرة في «دوزينغوف» في أثناء هجوم الشهيد رعد حازم الفذّ والمدهش، على رغم أن سلاحه مجرّد مسدّس، لكن لا تخرج الطلقة منه إلّا في الوقت المناسب، والمكان المناسب، لتُحدث إصابة دقيقة. وقد دامت مشاهد الهروب والفزع تلك أكثر من 8 ساعات، واقتضت إرسال قوات مطاردة وملاحقة لم يسبق لها مثيل إلى قلب تل أبيب، لتنتهي المواجهة باستشهاد البطل في مسجد في يافا بعد أدائه الصلاة، وعلى بُعد 6 كيلومترات من مسرح العملية. ثمّ تلت ذلك مواجهة ذات دلالة، تمثّلت في صدّ هجمة عسكرية ثالثة على مخيم جنين، استشهد فيها البطل الجهادي أحمد السعدي. هذه المواجهات الثلاث في المخيّم عبّرت عن مستوى جديد من المقاومة، وهو الاشتباك المسلّح، في ظلّ وجود قاعدة تلتفّ حولها الجماهير ويشارك فيها، في الآن نفسه، آلاف الشباب المدجّجين بالشجاعة والحجارة والقذائف الحارقة. هذا يعني أن العمليات الفردية الشجاعة والاشتباكية دخلت مرحلة أعلى من الناحية العسكرية.

وبعد، فَلْنتوقّف إزاء الصورة التي نقلها هلير، لنلحظ خروج ألف شاب لمواجهة اقتحام واسع النطاق في مخيم جنين، ثمّ إقدام أحد الفتية من بينهم ليطرق بحجره على باب الجيب، ويطلب من جنوده المدجّجين بالسلاح فتحه. هذا الفتى الصغير ينبئ بأننا أمام جيل قادم سيواصل المقاومة التي بلغت أوجها في «سيف القدس»، وانتفاضات أيار 2021، وامتدادهما من خلال العمليات الأربع، والتصدّي للاقتحامات في جنين. نحن أمام جيل «أشدّ رقبة» من الجيل الذي مثّلته صواريخ «سيف القدس»، وبطولات المواجهة في المسجد الأقصى، وباب العَمود، والشيخ جراح، وانتفاضة شباب الـ48 التي هزّت الكيان الصهيوني هزّاً، ثمّ تظاهرات الضفة الغربية وخروج مقاومين من «فتح» للمساهمة في ظاهرة العمليات البطولية، ما جعل قيادة السلطة الفلسطينية في رام الله تقف على قارعة الطريق، مرتبكة وعاجزة، ولا مفرّ.

الكيان الصهيوني وأميركا والغرب عموماً أضعف من أن يتحمّلوا مقاومة وانتفاضة حازمتَين وطويلتَي النفَس

فعمليات الشهداء الأفذاذ الأبطال الخمسة، شهيد عملية بئر السبع محمد غالب أبو القيعان، وشهيدَي عملية الخضيرة أيمن وخالد أغبارية، وشهيد عملية حيّ «بني براك» ضياء حمارشة (الذي ألهم آلاف الفتية ليكون قدوتهم)، وشهيد عملية «دوزينغوف» رعد حازم زيدان، أوجدت مناخاً جديداً يحثّ على تأجيج المقاومة المسلّحة في الضفة الغربية، لتصبح ظاهرة بارزة من جديد في المواجهة مع الاحتلال والاستيطان، وليلتقي هذا التطور مع المواجهات المندلعة في باب العَمود والشيخ جراح والمسجد الأقصى، حيث تمارَس ضغوط هائلة دولية وعربية وصهيونية لتهدئة الوضع، فيما جاء تعميم مدير الأوقاف الأردنية في القدس بمنع الاعتكاف في المسجد الأقصى قبل الـ20 من رمضان، والذي دعمته سلطة رام الله، من أجل أن تُمرّر الاقتحامات الصهيونية التي كانت مُقرّرة في 15 رمضان، وهو ما يجب التراجع عنه، حفاظاً على وحدة الموقف في القدس في مواجهة الاقتحامات الصهيونية، ومحاولة فرض وقائع تهويدية على المسجد الأقصى.
إن التطوّر نحو تأجيج المقاومة المسلّحة، والذي أحدثته المواجهات في مخيم جنين والعمليات الأربع، وما يجري وسيجري في القدس والمسجد الأقصى، راح يدفع الضفة الغربية والقدس ليصبحا مركز الثقل في المعارك القادمة مع الاحتلال والاستيطان، جنباً إلى جنب، مع قاعدة المقاومة الجبّارة في قطاع غزة. وهذا ما يوجب على فصائل المقاومة، وفي مقدّمها «حماس» و«الجهاد» و«الجبهة الشعبية»، أن تتقدّم باللحظة الراهنة، وتدفع بها إلى أمام، سواء من ناحية توحيد الموقف المقاوم والشعبي في جبهة وطنية، أو من ناحية الارتفاع إلى مستوى المرحلة الجديدة التي يدخلها الصراع مع العدو. لقد حانت مرحلة الحسم مع الاحتلال والاستيطان والاعتداءات في الضفة الغربية والقدس، وهي مرحلة توحيد الموقف الفصائلي والشعبي وأشكال المقاومة الفردية والانتفاضات الشبابية، وذلك للانتقال من الصمود والمقاومة إلى الهجوم والإنجاز، وإنزال الهزيمة بالاحتلال ودحره، بلا قيد أو شرط.

إن موازين القوى السائدة الآن عالمياً وإقليمياً، وما يعانيه العدو الصهيوني وأميركا من تراجع وإرباك، وما حلّ بظاهرة التطبيع من فشل وعار، وما وصلت إليه سياسات «اتفاق أوسلو» و«حلّ الدولتين» من سقوط في الوحل وتمرّغ فيه، كلّ ذلك يشكّل دافعاً جديداً ومهمّاً للانتقال بوحدة الشعب الفلسطيني إلى مرحلة الحسم بقوّة ضدّ الاحتلال والاستيطان والاعتداءات على القدس والمسجد الأقصى. وهي أهداف قابلة للتحقيق، في ظلّ التقاء موازين القوى الراهنة مع التصميم على مواصلة المقاومة والانتفاضة. فالكيان الصهيوني وأميركا والغرب عموماً أضعف من أن يتحمّلوا مقاومة وانتفاضة حازمتَين وطويلتَي النفَس، ولا سيّما في ظروف غرقهم المضطرب في الحرب في أوكرانيا. كما لن يكون من السهل على بعض الأنظمة العربية التصدّي للإرادة الفلسطينية وللشعوب العربية والإسلامية ولأحرار العالم في دعم المقاومة والانتفاضة.
وبالمناسبة، فلْيحذر كلّ من أيَّد المقاومة المسلّحة في أوكرانيا، من أن يسمّي المقاومة المسلّحة في فلسطين إرهاباً.

- الأخبار


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 668 / 2342879

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أحداث و متابعات  متابعة نشاط الموقع ملفات   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

8 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 8

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28