] عن الرجال والبنادق! - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
الخميس 8 حزيران (يونيو) 2023

عن الرجال والبنادق!

الخميس 8 حزيران (يونيو) 2023 par رنا علوان

يقول غسان فى إهدائه :

[ هذه تسع لوحات ، أردتُ منها أن أرسم الأفق الذى أشرق فيه الرجال والبنادق ، معًا ، سيرسمون اللوحة الناقصة فى هذه المجموعة]

غسان كنفاني ، الذي اجتمعت فيه كل الصفات التي يمتاز بها الكُتاب ، فكان أن سجّل بقلمه نتاج هذا المزيج على الورق ، فخرجت لنا كلماته المعطرة بنسيم روحه الطاهرة ، تحكي عن رجالٍ رغم شقائهم في الحياة ، إلا أنهم اتفقوا على شيء واحد .. النضال
يرى كنفاني أن البطولة لا تصدر عن البنادق ولا عن الرصاص ، بل عن الانسان ، فهو المسؤول وهو الذي يجب ان يعرف ويتسلح بالعزيمة كما الوعي والإرادة
وأن يُدرك تمامًا ، لماذا يُقاتل ، ومن يُقاتل ، وكيف يُقاتل ، وكلها شروط ضرورية ومهمة ، تسبق تعلم إطلاق الرصاص

عن [ الرجال والبنادق ]
لا بل عن المقاومة ، عن الجهاد ، عن الفدائية ، عن التضحية ، عن الكرامة ، عن المروءة ، عن الشجاعة ، و عن الحب

وما أبهاه من حب ، الحب وسط الحرب والدمار والجثث والأشلاء ، ووسط انتهاك الحرمات والتعدي على الأبرياء ؟

فكيف يبزغ الحب من وسط أكوام التراب ومن تحت الأنقاض ، فهو قبسٌ من نور يحرك بقايا أرواح معذبة نحو وجهة واحدة ، وغسان كنفاني كفيل بهذه المهمة

فالحب الذي نتحدث عنه هنا ، هو بالتأكيد ليس الحب الذي يربط الذكر بالأنثى ، بل هو حب الوطن ، و حب التراب الذي يسير عليه كل فسطيني ، و حب الحياة رغم قوة الموت المسيطرة على الأجواء
عن حب الوسيلة التي توصلهم للغاية ، عن البندقية ، عن المفتاح الذي يفتح الأبواب المغلقة لأجل الوصول إلى الحرية
مجموعة قصصية يستلهم فيها كنفاني ككل إبداعه الأدبي مأساة شعب فلسطين الذي لم يكتب غسان كنفاني شيئا إلا عنه ، ولم يستلهم قصصه إلا منه

وتكمن القيمة الأساسية لهذا الكتاب في مسألتين :
القيمة التاريخية : حيث نكتشف في كنفاني ، إرادة البحث الذي لا تنتهي ، والتي تدفعه نحو المزيد ، بهدف إيجاد أساليب جديدة ، وبشكل ديمومي
أنا القيمة النضالية : فنكتشف مع كنفاني ، كيف جرى تأسيس دراسة جديدة في الأدب الفلسطيني ، بل والأدب العربي ، فإنتاجاته بمثابة محاولة لكتابة الواقع المُتحرك نصاً ، ما يخلق منه علامة ثورية

تبدأ المجموعة القصصية بمجموعة قصص قصيرة تشبه الرواية أو المتتالية القصصية ، حيث تتناول مشاهد من حياة بطل فلسطيني من ضمن أبطال كثيرين باحثين عن الحرية والكرامة ، هذه المشاهد القصيرة ركزت على عاطفتين ، عاطفة الخوف على الأحباب ، و عاطفة حب البقاء
نشاهد في المشهد الأول “منصور” وهو يدور هنا و هناك باحثًا عن بندقية كي يشارك بها في المقاومة ، حتى ينجح في الوصول لخاله ليستعير بندقيته ويمضي للحرب ، وفي السردية بسأله خاله من أين أتى بالزخيرة ، يجيبه ببراءة ، إنها حلال فقد ادخرتهم بمرارة وصبر ، هنا يقول الخال الرصاص الحرام أيضًا يقتل ، ومن ثم يرجوه أن يعقل ويتروى ، و أن يتجنب هذا الجحيم لأجل أمه و أبيه ، و لكن عصام يصّر على هدفه ، ويكمل طريقه و يكمل قصته في النضال حتى النهاية

في المشهد التالي يعود عصام لأبيه و أمه بعد رحلته الأولى مع الانتفاضة ، ليخبرهم أنه انضم للمقاومة وسافر و حارب وحقق نصرًا عزيزًا لنفسه ، فترتجف أمه من قراره و يعنّفه والده ويضربه بدافع الخوف على ابنه وفلذة كبده ويحذره من تكرار فعلته

في المشهد التالي ، والد منصور الذي صرخ بولده منذ أيام بسبب فعله الأهوج ، نشاهده في صفوف المقاومة بنفسه ، ونشاهد منصور و قد عاد بدون أن يعلم والديه لصفوف المقاومة ، وإذا به يجد والده هناك ، فيتفاجأ كلاهما بوجود الآخر ، ويبهر كلا منهما الآخر بعزيمته ، وتتجلى عاطفة حب البقاء والحب على حساب الخوف

هذا المزيج وهذه التحولات النفسية القاسية التي رسمها غسان كنفاني ، من الصعب أن تنساها طوال حياتك

بعد ذلك تأتي قصص منفصلة لتؤكد على ما بدأه غسان في المتتالية القصصية ، مضيفًا عليها مزيجًا من السخط و الألم وقلة الحيلة ، فكأنه يعاقب نفسه و يعاقب العرب و يعاقبني و يعاقبكم جميعًا ، ونحن نستحق بلاشك

ختام المجموعة كان بقصة عن “أم سعد” وجملة ( خيمة عن خيمة بتفرق )
كتب غسان عنها رواية قصيرة مفعمة بالحب أيضًا ، ولكنه حب من نوع آخر ، إنه حب الأم لولدها وحب الأم لوطنها و فوق كل ذلك حب الأم للحرية والكرامة ، و حب الأم في كل أشكاله ليس كأي حبٍ آخر

شخصية أم سعد عندما ظهرت في النهاية ، و رغم أن القصة كانت قصيرة للغاية ، إلا أنها جعلتني أشعر بمزيج من السعادة و الشجن لرؤية هذه السيدة العظيمة مرسومة أمامي على الورق بكل تفاصيلها مرة أخرى ، وكأن غسان يقول لي : هل تتذكرها ؟ ، فأرد عليه : و هل يمكن أن أنساها يا غسان ؟

في هذه الكتابات يصور لنا كيف ان الظلم خلق روح المقاومة ، وان هذا الشعب الفلسطين بطبعه مسالم ومحب ، وكيف اصبح جيل تلو اخر يقدس النضال لنيل الحرية ، وكيف ان العزيمة تنمو ، وان دماء الشهداء هي كمثل سنبلة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة

في الختام ، عن جمال وروعة فكر غسان كنفاني ، لا ينتهى الكلام مهما تحدثنا ، فهو يجب أن يُقرأ ، كما نهدي لروحه الشريفة ألف سلامٍ وسلام


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 13 / 2342879

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

26 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 26

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28