] [ لقد تأخرتم قليلاً ] אתה קצת מאחר! - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
السبت 25 شباط (فبراير) 2023

[ لقد تأخرتم قليلاً ] אתה קצת מאחר!

السبت 25 شباط (فبراير) 2023 par رنا علوان

في ثمانينات القرن الماضي ، كان أبو الريش وكان الضابط برتبة عقيد
لبرهةٍ من الزمن كان ابو الريش الذي يقطُن في كوخٍ خشبي في شارع السادات ( ببيروت ) ، الأخرس البسيط الذي ما أُطلق عليه من لقب سوى كونه كان يعتلي قبعة عليها ريش ، الجاسوس الإسرائيلي الذي كان يستعطي المارّة ويساعد في نقل الأغراض مقابل ما يُستسمح به منهم ، كما صاحب العلاقة الوطيدة بمعظم سُكان المنطقة والباعة وسائقي التكاسي ، أما إسمه الحقيقي فظل مجهولا لتاريخه
ومع اشتداد ضراوة الحرب ووصول جيش العدو الإسرائيلي إلى بيروت الغربية حاولت الناس المُحبّة بشتى الوسائل والطرق ، علّها تقنع ذلك الأخرس الفقير بالذهاب معهم بعيدًا عن خطوط النار ، إلا انه عبث ما كانوا يحاولون ، وباء رجائهم بالفشل ، فما كان منهم سوى أن تركوه وشأنه ، وأما من بقي منهم ، فأخذ يراقب مصيره
، حيث تقدّمت جحافل الجيش الإسرائيلي واقتربت من ابو الريش عربة عسكرية مُصفّحة تابعة للمهمات الخاصة ، ترجّل منها ثلاثة ضباط ، واحدهم برُتبة مُقدّم ، واثنان برُتبة نقيب ، ومعهم خمسة جنود ، ومن ورائهم عدة (عربات مُدجّجة بالعتاد ، مليئة بالجنود)
كانت المجموعة التي اقتربت من ابو الريش يحملون بنادقهم المذخرة بالرصاص ، ويضعون أصابعهم على الزناد ، وهم يتلفتون بحذر شديد
كانت رائحة الدم تفوح في الأجواء ، أما الدخان فكان يُثير الرُعب ، والمكان مليئ بالجثث والقتل ، ودخان البارود تنبعث من كل مكان
تقدموا جميعاً ، وهو مستلقٍ على الأرض ، غير مبالٍ بكل ما يجري حوله ، وعندما ساروا على بعد خطوتين منه انتصب قائماً ، ورفع رأسه إلى الأعلى كمن يستقبل الموت سعيداً ، رفع المقدم الإسرائيلي يده نحو جبينه ، وأدى التحية العسكرية
قائلاً بالعبرية
[بإسم جيش الدفاع الإسرائيلي أحييّكُم سيدي الكولونيل العقيد وأشكُركم على تفانيكُم في خدمة إسرائيل ، فلولاكم ما دخلنا بيروت]
رد المُتسوّل (ابو ريشة) الأخرس التحية بمثلها بهدوء ، وأردف مازحاً
بالعبرية : [لقد تأخرتم قليلاً] ، وصعد العربة العسكرية المُصفّحة مُعلنًا بذلك انتهاء مُهمته التي اتمّها على اكمل وجه ، تركًا ليس المكان فقط ، إنما تاركًا ايضًا خلفه جميع أنواع الصدّمة والذهول التي إعتلت وجوه كل من كان حاضرًا ، وحُفنة هائلة من الأسئلة ، لقد كان بعض المُثقفين الفلسطينيين ممن يُتقنون العبرية قريبين من المكان ، وكانوا يسمعون الحوار ، وقد ترجموا ما قد دار بين المتسول وجيش العدو ، لكنهم عجزوا عن ترجمة وجوه الناس المصدومة ، كما أهالي تلك الأحياء البيروتية التي عاش فيها الجاسوس الإسرائيلي المتسول الأخرس حين سمعت بما جرى

كان لبنان إبان الحرب الأهلية الممتدة بين عامي 1975 و 1990 ساحة مفتوحة لكل أجهزة المخابرات العالمية ، وكانت شوارع بيروت مُقسّمة بين الميليشيات والمجموعات المُسلحة المُختلفة منها مجموعات يسارية مدعومة من الاتحاد السوفييتي ، وقومية مدعومة من سوريا والعراق وليبيا التي كانت تسيطر على بيروت الغربية ، بينما سيطرت مجموعات مسيحية ، المدعومة من الغرب والولايات المتحدة الاميركية وكانت على تنسيق مع العدو الإسرائيلي ، على بيروت الشرقية

في تلك السنوات يروي سكان المنطقة كيف ظهر المتسوّل ألأخرس بشكل مفاجئ في شوارع بيروت ، ونتيجة الانفلات الأمني في لبنان لم يخطر ببال أحد من سكان المنطقة ، الاستفسار عن هوية المتسول وكيفية ظهوره ، وكانت حالته المزرية وثيابه الرثة ، دافعًا للاستعطاف من قبل الأهالي ، ووصفه أحد تجار بيروت على أنه كان كريه الرائحة ومتسخ الوجه واليدين ، ولم يكن بحاجة للحذاء ويمشي حافي القدمين ، وله شعر أشعث ولحية بيضاء

أبو ريشة المتسوّل الأخرس ، الذي لم يترك شارعًا لم ينم على رصيفه ، استطاع ان ينقل كم هائل من الهمسات التي كان يلتقطها من اروقتها ، ما ساعد ذلك كثيرًا في تأمين دخول العدو المُريح ، واجتياحه مناطقه
هنا في هذه القصة غلبت طيبة الناس ، فلم ينتبه أحد للحظةٍ واحدة ، بأن هذا المُتسول الأخرس ، قد يكون ضابطًا رفيع المستوى في جيش العدو
لقد استغل ما وجده عليهم من طيبة وأخذ ينخرط بينهم ، ولعل هذا بمثابة درس ، كيف أن عدونا لا يدع أي شيء قد يستفيد منه دونما استغلاله ولو كان ( ثقب إبرة ) من شدة مكره
لكن هيهات لنا أن نتعلم من دروس الأمس ، الا قليلاً من ما رحم ربي


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 16 / 2342879

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

25 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 26

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28