] حل الدولتين في مهب الريح - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
الخميس 26 كانون الأول (ديسمبر) 2019

حل الدولتين في مهب الريح

الخميس 26 كانون الأول (ديسمبر) 2019 par علي بدوان

هل انتهى ومات “حل الدولتين”، أم أنه ما زال بالإمكان إنقاذه، خصوصا وأنه يحظى بإجماع دولي شبه تام، وينسجم مع قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية، والتي قَبِلَ بها الفلسطينيون بالرغم من الإجحاف الكبير الذي تلحقه بحقهم التاريخي الكامل فوق أرض وطنهم فلسطين..؟
الأمور بالفعل تتجه لمزيد من التعقيد، خصوصا في ظل الوضع العربي المفكك والمتآكل، فبعد تصريحات وزير الخارجية الأميركي مارك بومبيو قبل شهر مضى بشأن ما أسماه “شرعية المستوطنات” الصهيونية فوق الأرض المحتلة عام 1967، انهار “حل الدولتين”، أو بات قاب قوسين من الانهيار بأحسن الأحوال، في ظل اللعب الأميركي والسياسات المنحازة بشكل غير مسبوق لدولة الاحتلال “الإسرائيلي”، هذا ما يقرره ويؤكده العديد من المتابعين الأميركيين، من كتاب ومحللين سياسيين، ومنهم بعض الرسميين في الكونجرس من الحزب الديمقراطي، قبل أن يقرره الفلسطينيون والعرب عامة.
ففي مسار نقد تصريحات مارك بومبيو أميركيا، والتيقن من تأثيرها السلبي اللاحق على سياسات ودور الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك نسف فكرة ومشروع “حل الدولتين”، وقَّعَ أكثر من 135 عضوا من أعضاء الكونجرس الأميركي عريضة طالبوا فيها وزير الخارجية مايك بومبيو بالتراجع عن قراره اعتبار المستعمرات “الإسرائيلية” المقامة في الضفة الغربية والقدس الشرقية أمرا لا يتعارض مع القانون الدولي. فردود الفعل الدولية المُنددة بهذا القرار، والمقصود تصريحات مارك بومبيو، ساهمت أيضا بدفع عدد من أعضاء الكونجرس للتوقيع على العريضة إياها. وقد بدا أن أعداد الموقعين من أعضاء الكونجرس تزايدت أعدادهم في التوقيع على العريضة في حينها، مُعتبرين أن هذا القرار “يزعزع مصداقية الولايات المتحدة كوسيط نزيه بين إسرائيل والسلطة الوطنية الفلسطينية، ويلحق أضرارا بالغة بمستقبل السلام، ويعرّض أمن أميركا وإسرائيل والشعب الفلسطيني للخطر”.
كما أنّه وبعد تصريحات مارك بومبيو، سارع رئيس الوزراء في دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو لاستثمار تصريحات بومبيو بالترحيب بها والتقاطها كهدية في معركته الانتخابية القادمة للكنيست ولمرة الثالثة، والزيادة عليها، بتقديم مشروع قانون لضم غور الأردن لفصل الكيان الفلسطيني المرتقب حدوديا ومنه تواصله مع أي طرف عربي، والمقصود هنا الأردن. وزاد على ذلك عضو الكنيست جدعون ساعر، الذي ينافس رئيس بنيامين نتنياهو، على رئاسة حزب الليكود، وفي خلال أمسية عُقدت مؤخرا في مدينة القدس، قال إن نتنياهو كان شريكا “لوهم” حل الدولتين للصراع. وكرر ساعر الفرية الدموية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، قائلا “إنهم غير جديين إزاء إنهاء الصراع، وهم جديون بتعليم أولادهم كيف يكرهون وكيف يقتلون اليهود. بالحجارة والسيارات والسكاكين والأسلحة والقذائف الصاروخية”. وطرح جدعون ساعر حلا للصراع، على شكل حكم ذاتي مرتبط بمملكة الأردن وتحالفات اقتصادية مع السلطة الفلسطينية، إسرائيل والأردن. مضيفا أن لا دولة بين النهر والبحر سوى “إسرائيل”. وغني عن القول إن عملية ضم من هذا القبيل وموافقة الولايات المتحدة على ذلك، من شأنها أن تُدمّر مستقبل “حل الدولتين”، وستؤدي إلى الدخول في صراع أكثر تعقيدا وربما أكثر دموية.
ونُشير هنا، أن مجلس النواب الأميركي كان قد تبنى قرارا غير مُلزم، يدعم حل الدولتين ويؤسس لتسوية ما أسماه النزاع بين “إسرائيل” والفلسطينيين، وصوت لصالحه 226 عضوا في المجلس، وعارضه 188. وينص القرار على أن: “حل الدولتين يضمن وجود إسرائيل دولة يهودية ويلبي التطلعات المشروعة للفلسطينيين في قيام دولتهم”. لكن الرئيس الأميركي دونالد ترامب اتخذ عددا من الخطوات التي تَصُب في مصلحة “إسرائيل”، بما فيها الاعتراف بالقدس عاصمة لها ونقل السفارة الأميركية إليها، وتقليص الدعم للفلسطينيين، وفي تشرين الثاني/نوفمبر الماضي 2019، أعلنت واشنطن اعترافها بـ”شرعية” المستوطنات “الإسرائيلية” في الضفة الغربية بعد اعترافها وتأييدها للقرار “الإسرائيلي” بضم الجولان السوري المحتل.
لقد أثارت قرارات الرئيس دونالد ترامب المتتابعة إياها، والمنحازة لدولة الاحتلال، التساؤلات حول ما إذا ستتخلى إدارته عن “حل الدولتين”، الذي تنص عليه قرارات مجلس الأمن الدولي للسلام في الشرق الأوسط، وأغلب الظن أنها تسير بهذا الاتجاه لصالح ما بات يعرف بــ”صفقة القرن” المرفوضة فلسطينيا وعربيا وحتى أمميا…؟
وفي الاستنتاجات والخلاصات الرئيسية، نقول بأن الإدارة الأميركية الحالية تُعتبر أكثر الإدارات انحيازا لدولة الاحتلال، والأكثر تخبطا في معالجتها للملفات الساخنة في العالم، فالخطوة التي اتخذتها واشنطن حول القدس ونقل السفارة وما تلاها، والحرب التجارية مع الصين، ودعم خروج بريطانيا من مجموعة دول الاتحاد الأوروبي، واستكمال بناء الجدار الحدودي مع المكسيك، والانسحاب من معاهدة باريس المناخية…الخ. هي فقط بعض من أبرز إخفاقات إدارة الرئيس دونالد ترامب، والتي أثارت غضب الخبراء الأميركيين، وقد تؤدي لتفاعلات كبيرة وبشكل متتالٍ في الداخل الأميركي، وبالتالي ستنقلب نتائجها السلبية على ترامب شخصيا وعلى مستقبله السياسي، وتضع حدا لطموحه في الفوز بفترة رئاسية ثانية في الانتخابات العامة القادمة.
وهنا، وكما يظهر من الواقع، فإن إدارة الرئيس ترامب ماضية في تنفيذ ما يطلق عليه إعلاميًّا اسم “صفقة القرن” بديلا وحيدا لـ”حل الدولتين”، من خلال حسم مصير ما يُعرف بـ”قضايا الحل النهائي”، أي القدس واللاجئين الفلسطينيين والسيادة والأرض والحدود وفق وجهة النظر الأميركية “الإسرائيلية”، ومن دون الحاجة إلى مفاوضات مع الطرف الفلسطيني، بل من خلال فرض أمر واقع عليهم، وبقوة الاحتلال. فإدارة ترامب لم تعُد تشير إلى الضفة الغربية بـ”المحتلة” منذ نيسان/أبريل 2019 الماضي، وهي لا تخفي أيضًا تخلّيها عن حل الدولتين، وهو ما يكرّس واقع نظام الفصل العنصري داخل كيان سيادي واحد (الأبارتهايد).
لكن، وبطبيعة الحال، تظل الحقيقة هي أن العالم لم ينته بعد، وديمومة الحياة وحراكاتها، وحراكات الشعوب لن تموت، ولن تكون اليد الأميركية هي الطولى في تقرير مصائر الشعوب، وخصوصا منها الشعب العربي الفلسطيني، الذي ما زال يواصل كفاحه الأسطوري منذ وعد بلفور حتى الآن، ودون انقطاع، بالرغم من المحن والآلام التي اثخنت جسده العاري في فلسطين والشتات.
أخيرا، نقول، وبكل ثقة، الإعلان الأميركي “حبر على ورق”، والفلسطينيون سيتعاملون معه في مقاومة مستمرة متعددة الأشكال والأنماط، مقاومة متزايدة على الأرض ضد الاحتلال وكل تجلياته وخصوصا المستعمرات وعصابات المستوطنين، مهما تعاظمت التحديات، وتعددت المصاعب، وزادت الالتواءات.


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 345 / 2342879

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

11 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 9

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28