العمليات النوعية التي شهدتها الضفة الغربية المحتلة، مؤخراً، أربكت الاحتلال «الإسرائيلي» على نحو لم يعرفه منذ فترة طويلة، ليس فقط لأنها نفذت بدقة عالية، وأوقعت خسائر تعتبر مؤلمة بالنسبة له، وإنما لأنها مثّلت فشلاً ذريعاً لأجهزة استخباراته، وشبكة العملاء التي يعتمد عليها، وحتى التنسيق الأمني الذي كان يوفر له نوعاً من الأمان الاستباقي بمنع العديد من العمليات الفدائية قبل وقوعها.
في المقام الأول، مثّلت هذه العمليات جرأة فلسطينية غير عادية، كما في عمليتي «عوفرا» و«بركان»، سواء من حيث اختيار الهدف ودقة الاستطلاع، أو من حيث طريقة التنفيذ، حيث اقترب المنفذون كثيراً من تجمعات المستوطنين، ومن يوفّرون لهم الحماية من جيش الاحتلال، وفي واحدة منها ترجّل أحد المنفذين ليطلق النار على الجنود ويستولي على سلاح أحدهم، وفي أخرى هرب الجنود وتركوا المستوطنين بلا حماية. لكن الأهم هو أن ترجمة الغضب الفلسطيني المتصاعد ضد جبروت الاحتلال وآلته القمعية، إلى جانب الإحباط المتنامي من الصفقات التي يجري الحديث عنها لتصفية القضية الفلسطينية، بدأ يأخذ طابعاً جديّاً في الأماكن الأكثر حساسية بالنسبة للاحتلال. والسبب هو أنه عندما تغضب الضفة، فإن خاصرة الاحتلال الرخوة دائماً ما تكون في قبضة الفلسطينيين، وهنا يكون الحسم.
هناك على حدود غزة حالة من الاشتباك اليومي مع الاحتلال، عبر مسيرات العودة ووسائل المقاومة الشعبية الأخرى، وهناك صواريخ للفصائل الفلسطينية قادرة على ضرب تجمعات المستوطنين، لكنها لا تظهر إلا في حالات المواجهة الكبرى، وهناك عملية استعراضية على حدود لبنان للكشف عن أنفاق «حزب الله»، وإن كان هدفها الحقيقي حرف الأنظار عن ملفات الفساد والفضائح التي يرزح تحتها رئيس الحكومة «الإسرائيلية» بنيامين نتنياهو، وفي كلا الحالتين تتركز الأنظار على الشمال والجنوب، لكن يتم تجاهل المنطقة الأكثر أهمية، وهي المركز، كما يسميها داني ياتوم، رئيس جهاز الموساد السابق، أي الضفة الغربية، باعتبارها الجبهة الأكثر حسماً في سياق الصراع الفلسطيني- «الإسرائيلي»، بسبب وجود التجمعات الاستيطانية في قلبها، وقربها الشديد من التجمعات «الإسرائيلية» في المناطق المحتلة عام 1948.
في هذا السياق، يشكّل الاستهداف الفلسطيني للاحتلال ومستوطنيه في الضفة كابوساً مرعباً ل «الإسرائيليين»، خصوصاً إذا ما اتسع الغضب الشعبي وتحوّل إلى انتفاضة كبرى، قد تكون معمّدة بالنار، هذه المرة، وتجرف معها الاحتلال ومستوطنيه في طريقها. ما كان يعيب العمليات الفلسطينية سابقاً أنها كانت تعبّر عن حالات فردية أكثر من كونها عملاً جماعياً منظّماً، لكن إرهاصات العمليات الأخيرة قدّمت مؤشرات على وجود شيء ما، قد يكون منظّماً أو في طور التنظيم، وهو ما يبشّر بإمكانية عودة الروح للمقاومة وإلى أساسيات برنامج التحرر الوطني، حتى مع عدم وجود إرادة سياسية للقيادات المتهالكة على وهم التسويات، وهي لا تملك أي رصيد.
الخميس 20 كانون الأول (ديسمبر) 2018
الضفة تربك الاحتلال
الخميس 20 كانون الأول (ديسمبر) 2018
par
الصفحة الأساسية |
الاتصال |
خريطة الموقع
| دخول |
إحصاءات الموقع |
الزوار :
430 /
2342879
ar أقلام wikipedia | OPML OPML
موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC
9 من الزوار الآن
Visiteurs connectés : 8