] «نوتردام» في ذاكرة التاريخ - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
السبت 20 نيسان (أبريل) 2019

«نوتردام» في ذاكرة التاريخ

السبت 20 نيسان (أبريل) 2019 par يونس السيد

مهما اختلفت الآراء بشأن الدور التاريخي الذي لعبته كاتدرائية نوتردام «السيدة العذراء» على نهر السين في قلب باريس، فإن كارثة الحريق الذي التهم جزءاً مهماً من كنوزها التاريخية ومعالمها الفنية والمعمارية والحضارية الفريدة، وحدت مشاعر وأحزان ملايين البشر حول العالم تجاه ما حل بهذا المعلم الحضاري والتاريخي.
هذه الكاتدرائية التي بنيت في القرن الثاني عشر، أو قبل أكثر من 800 عام، لتجسد فن العمارة القوطية الفرنسية الفريدة التي تتميز عن الطراز الروماني القديم بسقوفها العالية المرتفعة والتي تحملها وتسندها عواميد من الجوانب في الخارج، شهدت عبر تاريخها أحداثاً مثيرة للجدل، بل مؤسفة مثلما حدث بين البروتستانت والكاثوليك، كما ظلت شاهداً على أحداث الثورة الفرنسية، وتتويج نابليون بونابرت والكثير من الملوك الذين تعاقبوا على حكم فرنسا، ومنها انطلقت الحملة الصليبية الثالثة على منطقتنا في العام 1185، إلا أن ذلك لا يقلل من قيمتها الفنية والتاريخية باعتبارها واحدة من حواضن التاريخ بما له وما عليه.
قلة قليلة من المتعصبين الذين اتخذوا موقفاً شامتاً تجاه احتراق هذا الصرح الحضاري، استناداً إلى أفكار أيديولوجية كما هو حال زعيم الحزب الليبرالي الديمقراطي الروسي فلاديمير جريونوفسكي الذي دعا الروس إلى التبرع لترميم الكنائس الروسية بدلا من نوتردام، مذكراً بما سماه فظائع الفرنسيين قبل دحرهم وطردهم، أو الانتقادات التي وجهتها وسائل إعلام «إسرائيلية» على خلفية ما اعتبرته أن الكنيسة شهدت أحد أبرز الأحداث المعادية للسامية عبر التاريخ، في إشارة إلى حادثة دينية وقعت في عهد البابا جريجوري التاسع عام 1204. لكن وفي كل الأحوال، فان الكاتدرائية، عاشت أسوأ حالاتها في القرن التاسع عشر، بحسب الاعتقاد السائد، وتعرضت للإهمال إلى أن قام الروائي الفرنسي فيكتور هوغو بتخليدها ومنع اندثارها من خلال روايته الشهيرة «أحدب نوتردام» عام 1831، والتي أدت إلى إعادة الاعتناء بها وإشهارها من جديد لتجتذب ملايين الزوار سنويا. وقد تفاعلت الذاكرة الأدبية والثقافية مع هذا الحدث المأساوي، وقال آلاف المغردين الذين نكأ الحريق المدمر ذاكرتهم وجرح قلوبهم «أين سيقضي أحدب نوتردام ليلته اليوم» بعد أن عاشوا تفاصيل حياته ولياليه الطويلة في الكاتدرائية، وهو الشخصية المحورية في الرواية التي تحولت إلى فيلم، وعبرت عن فلسفة هوغو، من حيث كونها الشخصية الأكثر بشاعة من الخارج لكنها الأكثر دفئا وجمالا وإنسانية من الداخل، والتي تقع في حب الغجرية الجميلة ازميرالدا من بين الكثير من الطامعين فيها.
بشاعة الخارج وجمال الداخل، تلك هي حال كاتدرائية نوتردام اليوم، حتى أن بعض المغردين وضع هوغو في موضع الاتهام، لأنه لم يكشف عن شخصية خيالية أخرى كانت تخطط لحرق الكنيسة. والحقيقة أن هذا الصرح الحضاري التاريخي المدرج على لائحة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم «يونسكو» وكان يخضع لعملية إعادة ترميم منذ العام الماضي، يعيش لحظة مصيرية، بعد أن نجا من الانهيار الشامل، وتم إنقاذ الكثير الكثير من الرموز واللوحات والإيقونات والكنوز التاريخية، والتي نأمل معها أن تنجلي عن إعادة ترميمه وبعث الحياة فيه من جديد.


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 919 / 2331039

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

14 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 18

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28