] 75 عاماً على كيان الاحتلال..كيف يبدو اليوم؟ - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
الاثنين 15 أيار (مايو) 2023

75 عاماً على كيان الاحتلال..كيف يبدو اليوم؟

الاثنين 15 أيار (مايو) 2023

بلغ عدد سكان كيان الاحتلال “الإسرائيلي” قبيل يوم مما يسمونه “يوم الاستقلال” الأخير، في إبريل، وفقاً لدائرة الإحصاء المركزية، قرابة 9.73 ملايين مواطن، منهم 7.14 ملايين يهودي، و2.08 مليون عربي (يشمل سكان القدس المحتلة)، و530 ألفاً غير مصنفين وفقاً للدين، بينما كان عدد سكانه عند إقامتها نحو 800 ألف، منهم قرابة 150 ألف مواطن عربي.

وتشير معطيات دائرة الإحصاء المركزية إلى أن 43.1 في المائة من السكان اليهود يعرّفون أنفسهم كعلمانيين، مقابل 45 في المائة عام 2016، وقرابة 50 في المائة بداية الألفية الثالثة. ويعرّف 21.1 في المائة أنفسهم على أنهم محافظون-تقليديون، مقابل 25 في المائة عام 2016، و11.3 في المائة كمتدينين و10.1 في المائة “حريديين” (متدين متزمت).

ويظهر ذلك أنّ هناك تراجعاً في نسبة العلمانيين من مجمل السكان اليهود في كيان الاحتلال، وارتفاعاً بطيئاً لكن متواصلاً لحصة المتدينين والحريديم في المجتمع “الإسرائيلي”.

تحوّل الاحتلال من عامل في التصدعات السياسية في كيان الاحتلال إلى حالة شبه إجماع

معطيات الديمغرافيا هي مرآة لحالة كيان الاحتلال الراهنة. فمن جهة تزداد الفئات المحافظة والمتدينة (قرابة 55 في المائة من اليهود) وتتراجع حصة العلمانيين، ومن جهة أخرى يشكل المواطنون العرب قرابة 21 في المائة من مجمل السكان. التحولات الديمغرافية ساهمت، من ضمن أمور أخرى، بتحولات سياسية واقتصادية جدية لدى الاحتلال مقارنة بفترة إقامتها.

من هيمنة حزب العمل إلى اليمين المتطرف

منذ إقامة كيان الاحتلال ولغاية الآن، طرأت تحوّلات كبيرة على المنظومة الحزبية وعلى التصدعات السياسية والاجتماعية داخل المجتمع “الإسرائيلي”. ففيما هيمن حزب العمل على المشهد السياسي منذ إقامة الكيان الصهيوني لغاية سبعينيات القرن الماضي، في ظل منظومة حزبية تتشكل من معسكرين: معسكر حزب العمل التاريخي، ومعسكر الليكود، يهيمن حالياً معسكر اليمين برئاسة حزب الليكود على المنظومة السياسية والحزبية.

عمل حزب العمل-مباي (حزب العمل تاريخياً) على إقامة مؤسسات الكيان، وانتهج سياسة اقتصادية شبه اشتراكية-صهيونية، وتعايش مع التيارات الدينية والحريدية بتفاهمات رسمية وغير رسمية، وكان حزب الحروت (الليكود تاريخياً)، في قيادة المعارضة.

حينها تمحورت التصدعات السياسية في المحور الأمني والسياسي، وحول الأسلوب الأنجع لإقامة كيان الاحتلال، والمحور الاقتصادي حول تبني المنظومة الاقتصادية الاشتراكية-الصهيونية القومية مقابل منظومة السوق الحر، وقضية علاقة الدين بالدولة التي كانت ثانوية في العقود الأولى لإقامة إسرائيل. بقيت هذه التعريفات للحدود الفاصلة بين اليمين واليسار في الكيان الصهيوني لغاية عام 1967 واحتلال الضفة الغربية وقطاع غزة. بعد ذلك بات التقسيم بين اليسار واليمين يتمركز بالأساس بين معسكر الحمائم (المعتدلين) وبين الصقور (المتشددين) في المحور السياسي-“الأمني” في سياسة الاحتلال.

منذ بداية الألفية الثالثة بدأت عملية تحول في المنظومة السياسية والحزبية كيان الاحتلال، وفي طبيعة التصدعات السياسية، ساهمت في هيمنة اليمين في المنظومة الحزبية. حدة تأثير التصدعات التقليدية بدأت بالتراجع (أي الاحتلال والامن والاقتصاد). فمنذ انتخابات 2009 هناك توافق كبير بين الأحزاب الكبيرة الرئيسية على طبيعة إدارة الاحتلال، وجوهر وهوية ومكانة المجتمع العربي في كيان الاحتلال.

في المقابل، نمت تصدعات جديدة تحدد طبيعة المنظومة الحزبية، وتموضع الأحزاب على محور اليمين المتطرف (يشمل الليكود) ويمين وسط (ييش عتيد والمعسكر الرسمي)، والوسط (حزب العمل)، وفتات اليسار الصهيوني (ميرتس).

قد تكون التحولات في اقتصاد الاحتلال هي الأبرز على مدار 75 عاماً

وبدأ يتبلور تيار يمين متطرف حديث في كيان الاحتلال يختلف عن اليمين المتطرف التقليدي. من أبرز مواصفات اليمين المتطرف الحالي في الكيان الصهيوني أنه يحمل نزعة قومية شديدة، يعمل على ضم المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1967، ويحمل أيديولوجيا عنصرية، ويتميز بمعاداته للديمقراطية، ورفض المساواة الجوهرية بين مواطني الكيان.

كذلك يسعى اليمين المتطرف لتقويض صلاحيات المحكمة العليا والحد من تأثيرها وتدخلها في الحياة العامة وعملية سنّ القوانين. نمو هذا التيار تأثر بالإضافة إلى العوامل السياسية، بالتغيرات في مبنى الديمغرافية في كيان الاحتلال وتزايد حصة الفئات المتدينة.

برزت هذه التصدعات في الاحتجاجات الأخيرة في المجتمع “الإسرائيلي” ضد خطة الحكومة لتقييد السلطة القضائية وإضعافها، وتتمحور حول معاني يهودية الكيان ومكانة الدين فيه، معاني الديمقراطية اليهودية، ومكانة الحريات الفردية، ومكانة السلطة القضائية وفصل السلطات، بالتوازي مع غياب قضية الاحتلال عن النقاش السياسي الحالي.

النقاش الحالي بين تيار صهيوني يريد الحفاظ على الوضع القائم ومعادلة “يهودية وديمقراطية”، أي الحفاظ على الديمقراطية لليهود، وبين تيار يميني متطرف يرمي إلى فرض سيطرته على جميع مفاصل اتخاذ القرار لدى الاحتلال، وفرض قناعاته السياسية والاجتماعية، وتعميق يهودية الدولة بالمعنى الديني أيضاً، وتغيير علاقات السلطات في الكيان الصهيوني. بذلك انتقل من هيمنة التيار العمالي شبه الاشتراكي العلماني في العقود الأولى لإقامتها، إلى هيمنة معسكر اليمين المتطرف المتدين والمحافظ والنيوليبرالي اقتصادياً واجتماعياً.

الاحتلال

بعد مرور 75 عاماً على إقامة الكيان الصهيوني و56 عاماً على احتلال الضفة الغربية وغزة، يُلاحظ أن غالبية الأحزاب “الإسرائيلية” لا تستأنف بالمجمل على طبيعة النظام الاستعماري والاحتلال، إذ تحوّل الاحتلال من عامل في التصدعات السياسية في الكيان إلى حالة شبه إجماع.

الاختلافات حول حدود المشروع الاستعماري وطبيعته. ففي أقصى “اليسار” الصهيوني يكتفي حزب “ميرتس” بمشروع استعماري داخل حدود الـ 48، ويعتقد بأن المشروع الاستعماري نجح وانتصر في هذه الحدود، ويجب الاكتفاء بذلك. بينما يرى حزب “العمل” أنه يمكن الاكتفاء بانتصار المشروع في حدود الـ 48 مع الإبقاء على كتل المستوطنات في مناطق الـ 67، أي الاكتفاء بما تحقق لغاية الآن. ولا يختلف حزب “يوجد مستقبل” في طرحه كثيراً عن حزب “العمل”.

أما أحزاب اليمين، فهي تريد ضمان وتأبيد الاستعمار واحتلال مناطق الـ 67، من دون إعطاء الفلسطينيين حق تقرير المصير، وإنكار وجود الشعب الفلسطيني. اليمين يسعى لحسم ملف الاحتلال وانتزاع شرعية للمشروع الاستعماري الاستيطاني الصهيوني بالقوة والقوننة. وقد يكون حزباً “الصهيونية الدينية” و“القوة اليهودية” الأوضح في هذا السياق، لكونهما يسعيان لترجمة عملية السيطرة بالضم ومنع أي إمكانية للاستئناف على المشروع الصهيوني.

الاقتصاد

قد تكون التحولات في اقتصاد الاحتلال هي الأبرز على مدار 75 عاماً، بحيث استطاع الكيان الصهيوني تحقيق تحول كبير في السياسات الاقتصادية والحالة الاقتصادية، من ضمنها مستويات المعيشة والناتج المحلي والنمو وبنية الاقتصاد.

بعد مرور 75 عاماً على إقامة كيان الاحتلال لا يمكن الادعاء أن المشروع الصهيوني اكتمل أو بلغ خط النهاية

في بدايات إقامة كيان الاحتلال، انتهجت الحكومات سياسة اقتصادية شبه اشتراكية اجتماعية صهيونية، كجزء من بناء الكيان والحاجة لتوفير مستوى معيشي مقبول للمهاجرين الجدد، وتوفير الخدمات العامة، لضمان بقائهم ومنع الهجرة العكسية، ناهيك عن أن قسماً كبيراً من مؤسسي كيان الاحتلال حملوا قناعات اشتراكية. بذلك كان الاقتصاد مركزياً يدار من قبل الكيان، من دون أن تلغي الدولة تماماً دور القطاع الخاص الذي كان ضعيفاً ومتعلقاً بمؤسسات الدولة.

منذ تسعينيات القرن الماضي، بدأ الاقتصاد يتحول نحو اقتصاد السوق والنظام الليبرالي، وتراجع “دولة الرفاه”. ومنذ بداية الألفية الثالثة اقترب كيان الاحتلال إلى نموذج اقتصادي مختلف تماماً عما كان في بداياته. حالياً هناك اقتصاد حديث يعتمد على صناعات التقنيات العالية والمعلومات. وبات الاقتصاد “الإسرائيلي” معولماً، يعتمد على الاقتصاد العالمي والأسواق الحرة والاستثمارات الخارجية.

وبلغ الناتج المحلي للفرد الواحد عام 2022 قرابة 52 ألف دولار، أكثر بـ 20 مرة من الناتج المحلي عند إقامة كيان الاحتلال ويشكل قطاع التقنيات الحديثة قرابة 17 في المائة من الناتج المحلي، وهو مسؤول عن قرابة 12 في المائة من القوى العاملة، وقرابة 55 في المائة من الصادرات صناعات الاحتلال بواقع 67 مليار دولار تصديراً سنوياً، وعلى 35 في المائة من ضريبة الدخل في إسرائيل.

ومن المثير للانتباه أن الفئات العلمانية هي المسؤولة عن غالبية الناتج المحلي في كيان الاحتلال، خصوصاً قطاع التقنيات العالية، بينما يتراجع تأثيرها السياسي والاجتماعي. حركة الاحتجاج هي محاولة من هذه الفئات لتغيير موازين القوى والعودة إلى دور سياسي واجتماعي جدي في المنظومة السياسية.

بعد مرور 75 عاماً على إقامة كيان الاحتلال، لا يمكن الادعاء أن المشروع الصهيوني اكتمل أو بلغ خط النهاية من حيث استكمال المشروع وثباته.

صحيح أن تغيرات هائلة حصلت في كيان الاحتلال منذ إقامته في الجانب الديمغرافي، والسياسي والاقتصادي والاجتماعي والتطور الصناعي والعمراني، وتطبيع علاقاتها مع عدد من دول المنطقة، وقوتها العسكرية ومؤسساتها الأمنية، إلا أنها لم تحسم بعد في العديد من القضايا الداخلية الإشكالية التي رافقت إقامتها.

فما زال النقاش والتصدعات السياسية الداخلية بين المشاريع الصهيونية قائمين، وفرن الصهر لم ينجح تماماً في محو التعددية الإثنية، وما زالت الهويات الإثنية الثانوية تلعب دوراً أساسياً في التصرفات السياسية ومواقف الفئات المختلفة، بل توسعت في السنوات الأخيرة.

كذلك لم يحسم كيان الاحتلال الصراع مع المشروع الوطني الفلسطيني، ولم ينتصر نهائياً كما أنه لم يُهزم، وتحوّل المواطنون العرب إلى حالة سياسية ومسألة تحتاج تعاملاً وحلاً بعد أن اعتقد قادة الاحتلال أنهم يمكن أن ينجحوا في أسرلتهم ومحو هويتهم الوطنية، أو أنهم قد يخضعون للمكانة المدنية الدونية المقترحة “إسرائيلياً”.

في ظل هذه التحديات يقود كيان الاحتلال اليوم تيار يميني متطرف يحاول أن يحسم في العديد من هذه الملفات. محاولة الحسم أدت إلى حركات احتجاج جدية لا يمكن التكهن بنتائجها في الوضع الراهن. لذلك، من المتوقع أن تتفاقم محاور الاختلاف والتصدعات الداخلية والخارجية، السياسية والاقتصادية والأمنية في السنوات المقبلة.

المصدر “العربي الجديد”


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 6 / 2342227

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع المكتبة  متابعة نشاط الموقع روزنامة وطنية   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

32 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 32

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28