] صحيفة عبرية: لماذا تتهرب إسرائيل من الحديث عن نكبة الفلسطينيين واللاجئين؟ - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
الأحد 2 أيار (مايو) 2021

صحيفة عبرية: لماذا تتهرب إسرائيل من الحديث عن نكبة الفلسطينيين واللاجئين؟

الأحد 2 أيار (مايو) 2021

- يحد جانبي “رامات هاشارون” مبنيان أمنيان، كنا سميناهما في طفولتي “المصنع” و “المعسكر”، واليوم يسميان “المنشأة الصناعية” و”الوحدة 8200″ وهما مخصصان للعقارات. اعتادت أمي أن تقص علي قصص السكان السابقين الذي كانوا على هذه الأراضي: في الشرق كانت قرية أبو كشك، التي أنشئ على أراضيها مصانع الصناعات العسكرية، وحي “موراشاه”، ومن الغرب قرية جليل التي سمي باسمها مفترق “جاليلوت”. تذكرت أبو كشك كمكان مخيف ومظلم مع وجود كلاب تنبح، وكان التجول فيها من اختبارات الشجاعة. بالمقابل الشيخ الغني الجليل، الذي كان يسافر بسيارة أمريكية اعتبر جاراً جيداً وكان صديقاً لجدي، وكان يركب حماراً ويشغل آبار المياه في المنطقة. أمي تتذكر حفلة عائيلية لدى الشيخ والتي دعيت إليها مع والديها. “ما هذه الطفلة الغزال” هكذا امتدح الضيف الطفلة عتيدة هورافيتش الجميلة، التي لم تكن تعرف العبرية، وظنت أمه يقول “ما هذه الطفلة النحيفة”.

نهاية هذه الأحياء اتضحت لي بعد سنوات في مقابلة أجريت مع لإلياهو بينيميني، وهو ابن لعائلة أرستقراطية محلية كان والده رئيساً لمجلس “رامات هاشارون” الأول، عشية موته في 2002. عندما اندلعت حرب الاستقلال تجمع كل عرب المنطقة في ساحة “بنياميني الأب”، قال الابن لمن أجرى معه المقابلة يوؤاف كرني: “أحضرنا لهم باصات -وأرسلناهم”. شيخ أبو كشك لم يكن متحمساً، وأبقت عائلته الأثاث في الساحة الكبيرة لعائلة بنياميني على التلة الموجودة قرب الميدان. “افترضوا أنهم سيعودون بعد عدة أسابيع. في أماكن أخرى ركلوهم على مؤخراتهم، كما حدث في الشيخ مؤنس (تسمى اليوم “رمان أفيف”). يتذكر بنياميني أن الشيخ أبو كشك وفلاحيه تلقوا تعليمات من اللجنة العربية العليا بإخلاء بيوتهم لعدة أسابيع، إلى أن يعودوا كمنتصرين مع الجيوش العربية. ولكنهم خسروا، ومات أبو كشك مهملاً وفقيراً بعد عدة سنوات في اللد، وهو الوحيد من أبناء القبيلة الذي سمح له في البقاء في دولة إسرائيل.

ما يفسر ترك العرب لأراضيهم -وكأنهم أخلوا المنطقة بحماسة وبتعليمات من أعلى- كان سائداً في إسرائيل في سنوات طفولتي، فقد كرره عمي شالوم جوترمن، الذي عاش في “هرتسيليا” المجاورة، وتعرف في خدمته كحارس في نهاية أيام الانتداب، على الجيران من قرى جليل وأبو كشك. لم يجد مؤرخو أيامنا دعماً لهذا التفسير أو توثيقاً له. الباحث الفلسطيني وليد الخالدي، كشف في 1959 أن القصة حول “تعليمات اللجنة العربية العليا” للهرب من القرى والمدن اختلقها يهودي أمريكي من مؤيدي التنقيحيين، كوقود لدعاية إسرائيل الفتية. ولكن أصداءها تواصل التردد حتى اليوم في النقاشات حول المسؤولية الفعلية والأخلاقية عن هجرة الفلسطينيين.

2- في 1988 رأى كتاب بيني موريس “ولادة مشكلة اللاجئين الفلسطينيين 1947-1949″، نوره بالإنجليزية وتم إرسالي لإجراء مقابلة مع الكاتب لصالح صحيفة “هاغير”. كانت الانتفاضة الأولى في ذروتها، وفي الجانب الإسرائيلي بدأوا بتسمية “العرب” باسم فلسطينيين والتعامل بجدية مع طموحاتهم الوطنية. في هذا الجو عرض موريس ونظراؤه المؤرخون الجدد رواية معدلة لقصة إنشاء إسرائيل. قرأت وأنا أحبس الأنفاس كتاب “ولادة مشكلة اللاجئين” مع الأوصاف القاسية لأعمال الذبح والنهب التي نفذها مقاتلون إسرائيليون في قرى فلسطينية؛ خصوصاً الفصل الذي يتحدث عن خروج العرب من يافا وحيفا والذي شكل الانقلاب لصالح اليهود في الشهور الأولى من الحرب؛ ووصف يائيل، قائد “البالماخ” وأحد الشبان الوسيمين من مواليد أرض إسرائيل القديمة والجيدة، بأنه المهجر الأكبر لعرب البلاد. إن قصصاً كهذه كانت تعتبر طابو “محرماً” تماماً في تلك الأيام، وشعرت أنني شريك في سر وطني كبير.

عدت إلى والدي وسألتهم ماذا يذكرون من تلك الأحداث، كان والدي مقلاً في الحديث عن شبابه في “البالماخ” وعن دوره في 1948. لقد أخبربنا بأنه خدم كجندي في عملية “متتيه” (المكنسة) في الجليل الشرقي، شمال بحيرة طبريا، في الأيام التي سبقت الإعلان عن الدولة. “لقد أطلقنا النار باتجاه خيامهم فهربوا” لخص والدي الأمر. عرفت بعد موته أنه كان رجل مدفعية في الكتيبة الأولى في البالماخ في الفصيل الذي كان يقوده راحبعام زئيفي (جاندي). في ويكيبيديا مكتوب: “في ليلة الثاني من أيار، أطلقت قوات البالماخ عدة صليات من القذائف المدفعية على قرى شمالي “وشبيناه” والتي شوشت على حركة المواصلات اليهودية، وفي أعقاب ذلك بدأ الهرب من القرى” هل أرييه بومشتاين (والذي أصبح يسمى لاحقاً سيون) ابن 18 عاماً هو الذي أطلق هذه الصلية وجعل سكان هذه القرى المنسية يهربون ويهاجرون إلى المنفى في مخيمات اللاجئين؟

في منتصف كتاب موريس، فهمت أن قصة 1948 لا تتلخص بالنقاش حول “هل هربوا أم طردوا؟” بل بالقرار حول عودة اللاجئين ومصادرة أرضهم لصالح الاستيطان اليهودي. القرار الذي اتخذ في ذروة حرب 1948 وما زال سارياً حتى اليوم، هذا هو لب الموضوع. في هذا الجانب “قانون أملاك الغائبين” و”قانون شراء أراض” و”الكيرن كييمت” والإدارة وسلطة التطوير، وفي الجانب الثاني النكبة، والطرد، والتهجير، ونزع الملكية، والمصادرة والقمع والأمل بتحقيق “حق العودة”.

ليس بالإمكان أن نفهم العلاقات بين اليهود والعرب في البلاد، والنزاع الإسرائيلي الفلسطيني، والجهود الفاشلة لحله، وحتى الاتصالات الائتلافية الحالية مع أحزاب المجتمع العربي، بدون أن ندخل إلى تاريخ 1948. وليس فقط الشرخ اليهودي العربي ليس بالإمكان فهمه، بل إن التخطيط والبناء في إسرائيل مملاة من السياسة الأرضية التي استهدفت تخليد نتائج “الاضطرابات والنكبة” وهو اسم المؤرخ يوؤاف جيلبر، وضمان أن العرب لن يستطيعوا قلب الطاسة على وجهها مرة ثانية. هذا هو السبب لـ “تشتيت السكان”، وهو الاسم المغسول لابتلاع المناطق المفتوحة وملء المنطقة بمستوطنات صغيرة ومتفرقة خلافاً لما يقوله المنطق الاقتصادي أو البيئي. من أجل أن نفهم الصراع بين مدن التطوير والكيبوتسات، والتمييز ضد الشرقيين الذين أرسلوا لإشغال “الممتلكات المتروكة”، يجب العودة للجذور التي غُرست في معارك 1948.

3- كان يجب تعليم “ولادة مشكلة اللاجئين” في كل مدرسة ثانية في إسرائيل، وفي كل دورة قيادة في الجيش الإسرائيلي. ولكن الخوف عن الحديث عن النكبة مغروس في قلب التيار العام الإسرائيلي. هو غير قائم كسؤال لـ”البجروت” في التاريخ أو في الإنشاء. لا يوجد متحف حربي يعرض القصة. للمتدربين في معسكر التدريب 1 لا يوجد دروس عن طرد الفلسطينيين من الرملة واللد كتعبير عن معضلة قيادية وعملية. أسماء الـ 400 قرية فلسطينية التي تم تدميرها، والأحياء التي تم تركها في يافا وحيفا وصفد وطبريا واللد والرملة لا تظهر في اللوحات الإرشادية للمستوطنات التي أقيمت والأحراش التي زرعت بدلاً منها. إنما يمكن العثور عليها فقط في تطبيق “نكبة” التابع لجمعية “زخروت”، أو في كتب لمن يجيدون المشي. آري شافيت أصدر قبل 7 سنوات كتابه “أرضي الموعودة”، الذي يضم فصلاً عن أعمال الطرد والذبح التي جرت في اللد في تموز 1948. وحسب مقابلات مع منفذيه، لم ير هذا الكتاب النور في طبعة عبرية “خربة خزعة” للكاتب س يزهر، وهي قصة طرد قرية فلسطينية في أواخر حرب الاستقلال، ومشمولاً حتى الآن في المنهج الدراسي في الأدب في المرحلة الثانوية. نفتالي بينت ويوآف غالنت، لقد غفوتما وأنتما تحرسان… ولكنه لا يعتبر قراءة مطلوبة كجزء من النضوج الفكري لدى الإسرائيليين. فلا يصل إليه سوى أقلاء.

ومع ذلك، ترفض النكبة الاختفاء. مثل بيوت القرية المتروكة التي ظهرت بعد الحرب في “أمام الغابات” لـ “أ ب يهوشع” مثل قرية “كفار سابا” العربية (كفر سابا) التي تحرك أنقاضها حبكة كتاب “جنازة في الظهر” ليشعياهو كورن، لقد سيطرت تدريجياً على الخطاب بشأن إقامة دولة إسرائيل، واستبدل شعارات (إحياء الأرض اليباب)، و(قليلون أمام كثيرين). لم ينفع أي شيء؛ لا جهود إخفاء جهاز الأمن وإسكات الأرشيفات، ولا الطابو الاجتماعي في أوساط يهود إسرائيل، ولا قانون “النكبة” ولا الحملة الصبيانية لـ “نكبة وندم” التابعة لليمين. أتجول في البلاد وأرى البقايا، أسيجة الصبار التي تشير إلى حدود القسائم الزراعية في القرى المدمرة، والبيت المنعزل الذي تبقى على التلة بالقرب من شارع 4، والأقواس التي تزين واجهات البيوت في شارع سلمة بالقرب من مبنى هآرتس. أسافر وأتساءل، إلى متى سيتجاهل المجتمع اليهودي في إسرائيل هذه الذكريات؟

لقد حان الوقت للتوقف عن الخوف وقول الحقيقة: أجل، إسرائيل قامت على خرائب المجتمع الفلسطيني الذي عاش هنا قبل 1948، يجب التحدث عن النكبة ليس فقط في مسيرات الذكرى التي يقوم بها فلسطينيون إلى قرى آبائهم. في سلسلة وثائقية مثل “عمود النار المعكوس” وفي الصفوف الثانوية وفي قاعات المحاضرات في الجامعة، يجب ألا نخطئ في أوهام أن النقاش التاريخي سيحسم بسؤال: من المسؤول الذي يقف في أساس الروايات الوطنية: هل العرب الذين رفضوا خطة التقسيم وهاجموا الاستيطان العبري بهدف تصفيته، أم اليهود الذين تآمروا على طرد جيرانهم الضعفاء والسيطرة بالقوة على البلاد وانتظروا الفرصة المناسبة؟ إن تدريس النكبة لن يؤدي بذاته إلى مصالحة بين الشعوب كما يأمل محبو السلام، ولن يحطم المبرر لقيام إسرائيل التي ستنهار تحت مشاعر الذنب، كما يخاف مؤيدو الإخفاء والإسكات. موقفهم يشوبه تناقض داخلي: إذا كانت الصهيونية -كما يدعون- على حق، وأن الجيش الإسرائيلي هو الأكثر أخلاقية في العالم، وأن الفلسطينيين إرهابيون متعطشون للدماء، فلماذا إذاً يناضلون من أجل إخفاء الماضي؟

لا يجب أن تهرب الدولة من ماضيها حتى لو اعتبر الانشغال به أمراً غير سار، وتتصاعد منه أسئلة أخلاقية صعبة. هذا هو واجبها تجاه مواطنيها، الذين من حقهم معرفة ما حدث هنا من قبل لفهم أسباب ودوافع ما يحدث الآن. إن قانون القومية، والفشل المتكرر لأحزاب “فقط ليس بيبي” في تشكيل ائتلاف يهودي عربي، وحماس في غزة، والسلطة الفلسطينية في رام الله، وكذلك أحياء الضواحي المسماة “السعر للمستأجر”، كلها نتائج متواصلة لـ “ولادة مشكلة اللاجئين” الجزء المظلم من حرب الاستقلال. يجب الحديث عن ذلك.

بقلم: ألوف بن

هآرتس 2/3/2021


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 15 / 2342879

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع ميديا  متابعة نشاط الموقع صحافة العدو   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

11 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 11

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28