] صهيونية : إسرائيل.. من دولة أبرتهايد ومستوطنين إلى “سوس الخشب منه وفيه” - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
السبت 3 نيسان (أبريل) 2021

صهيونية : إسرائيل.. من دولة أبرتهايد ومستوطنين إلى “سوس الخشب منه وفيه”

السبت 3 نيسان (أبريل) 2021

في مقال تحت عنوان “ماوتنر، حول هذا يجب أن يكون النقاش” (“هآرتس”، 19/3)، صرخ الدكتور غيدي طاوب على البروفيسور مناحيم ماوتنر لأنه لم يذكر في مقال انتقادي نشره حول كتاب طاوب “الثوابت والمتغيرات: صراع النخب ضد الديمقراطية الإسرائيلية”، في مناقشة مسألة الاحتلال والنزاع بين إسرائيل والفلسطينيين… لم يذكر قط “الرفض الفلسطيني”. هذا التجاهل، يعتقد طاوب، يسمح لماوتنر – وكل أعضاء “المعسكر المتنور” الذين ينشغلون بالاحتلال بصورة “استحواذية” – بالادعاء أن “الاحتلال يقف في صلب القومية اليهودية، وكأننا نحن وليس هم الذين يتحملون ذنب استمراره”.

ولكن مفهوم “الرفض الفلسطيني”، وفرضية “لا يوجد شريك” فلسطيني المشتقة منه، لا يعكس الواقع، بل يشكل إحدى الأكاذيب الأساسية حول تاريخ النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني. هذه الكذبة التي اخترعها إيهود باراك بعد الفشل الذريع في كامب ديفيد صيف 2000 من أجل طمس دوره في إفشال العملية السياسية التي ازدراها من البداية. هذه الكذبة تسيطر بدون منازع على الخطاب العام في إسرائيل منذ عقدين. يجب مواجهتها بشدة وبدون تملص، ودون علاقة بهوية من يروجونها ودوافعهم.

إن الحقائق المتعلقة بالسنوات التي أعقبت هزيمة الفلسطينيين في الانتفاضة الثانية، تدل حقيقة على أن ليس “الرفض” هي الكلمة المناسبة لوصف موقف السلطة الفلسطينية في المفاوضات مع إسرائيل، بل “التنازل” أو على الأقل الميل الواضح لمصالحة سياسية. الوزير ونائب رئيس الحكومة السابق، حاييم رامون، الذي كان شخصاً رئيسياً في عملية السلام الإسرائيلية – الفلسطينية طوال سنوات، يشهد في كتابه “ضد الريح” بأن القيادة الفلسطينية أظهرت في عملية أنابوليس في الأعوام 2007 – 2009 استعداداً مبدئياً للاعتراف بمسار جدار الفصل كأساس لحدود مستقبلية للدولة الفلسطينية، رغم أنه مسار قضم حوالي 7 في المئة من أراضي الضفة الغربية الأصلية بسبب شموله للكتل الاستيطانية الواقعة غرب الجدار.

وافق الطرف الفلسطيني أيضاً على وجود مكثف لقوة من الناتو برئاسة الولايات المتحدة، التي تسري صلاحياتها على الفلسطينيين فقط، وتم الاتفاق على أن تواصل إسرائيل سيطرتها على غور الأردن طوال سنوات كثيرة. أما في موضوع القدس فظهرت أيضاً تفاهمات جوهرية بين الطرفين، التي بحسبها ستبقى الأحياء اليهودية في القدس في أيدي إسرائيل، والأحياء الفلسطينية تحت مسؤولية الفلسطينيين. والطبيعة الدقيقة للحل في منطقة الحوض المقدس ستحدد فيما بعد، وسيشارك في ترتيب ذلك إسرائيل والفلسطينيون وجهات عربية ودولية.

في عملية أنابوليس تم تحقيق تقدم مهم أيضاً في موضوع اللاجئين الذي بحسبه تم تقليص الخلاف إلى مسائل رقمية بالأساس: اقترح الطرف الإسرائيلي أنه يسمح خلال عشر سنوات لخمسة آلاف لاجئ سنوياً بالدخول إلى إسرائيل. أي بالإجمال، يمكن لخمسين ألف لاجئ الدخول إلى إسرائيل. وطلب رئيس السلطة، محمود عباس، السماح لعشرة آلاف لاجئ بالدخول سنوياً طوال 15 سنة، وبالإجمال 150 ألف لاجئ. حسب تقدير رامون، الذي ساهم بشكل كبير ومميز في العملية عبر قناة المحادثات التي أجراها مع ياسر عبد ربه بين تموز 2007 ونيسان 2008، “لو أننا واصلنا المفاوضات لأمكننا الاتفاق على رقم في منتصف المسافة بين 50 ألفاً و 150 ألف لاجئ”. (من كتاب “ضد الريح”).

ولكن في صيف 2008، في ذروة محادثات السلام، تبين أن وضع إيهود أولمرت في الساحة القضائية وصل إلى حضيض جديد، وأن أيام حكمه معدودة. هذه الظروف زادت التردد في الطرف الفلسطيني بسبب الخوف من عدم استطاعة أولمرت الاستمرار في قيادة العملية السياسية. امتنع عباس عن الرد على الحل الوسط الذي قدمه أولمرت والذي عكس أساس التفاهمات التي تم التوصل إليها حتى ذلك الحين، وإن كان لم يرفضها بأي شكل. عباس نفسه قال في لقاء مع رامون في 2010: “هذه تنازلات كنت على استعداد لتقديمها فقط مع رئيس حكومة يتولى منصبه ويدعمه شعبه، وليس عندما تكون هناك احتمالات كثيرة بعدم قبول الاتفاق من قبل الجمهور الإسرائيلي في نهاية المطاف”.

إضافة إلى ذلك، منذ بداية الولاية الثانية لنتنياهو كرئيس للحكومة في 2009، ليّنت القيادة الفلسطينية مواقفها أكثر فأكثر، لكن وقف أمامها شخص أيديولوجي متعصب يتبنى رؤيا أرض إسرائيل الكاملة، الذي فعل كل ما في استطاعته لمنع استئناف العملية السياسية. رامون الذي واصل جهوده في الوساطة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية حتى في تلك الفترة، عدد في كتابه على الأقل ثمانية أمثلة متصلبة على رفض إسرائيل لمطالب وعروض ملموسة للقيادة الفلسطينية في الأعوام 2010 – 2019، بما في ذلك تصريح صريح ومكتوب بشأن مطالبة الفلسطينيين بالحصول على “أراضي 1967” مع تبادل للأراضي، وليس انسحاب إسرائيل إلى “حدود 1967” والاستعداد للتوصل إلى اتفاق حول الحدود والأمن أولاً، مع المصادقة على قبول إبقاء الكتل الاستيطانية في الاتفاق النهائي. هكذا، لخص رامون، في حين أن “اللا شريك الفلسطيني وضع خطط سلام وحتى خارطة على الطاولة مرة تلو الأخرى… فإن الشريك الإسرائيلي لم يعرض يوماً ما خطة سلام، بل لم يكلف نفسه عناء الرد على الخطة الفلسطينية”.

“هل يعتبر ماوتنر مناوئاً للصهيونية؟” تساءل طاوب. هو يشكك في إخلاص ماوتنر الصهيوني، لأنه بإشارته إلى العلاقة بين الوطنية اليهودية في أيامنا وبين مشروع الاحتلال والاستيطان، يعطي ماوتنر الصهيونية صورة غير جميلة، وكأن الصهيونية الحالية هي “نفي الآخر”. ولكن منذ العام 2009 توجهت القيادة الفلسطينية لإسرائيل مرات بمبادرات لاستئناف المفاوضات، بما في ذلك تقديم تنازلات بشأن الكتل الاستيطانية. كان رد إسرائيل مضاعفة عدد المستوطنين خارج الكتل (من 65 ألفاً في 2009 إلى 130 ألف مستوطن في 2018). أليس هذا كافياً للتوضيح بأن مشروع الاحتلال والاستيطان لا ينبع من “رفض فلسطيني”، بل هو يرتبط بدوافع داخلية – وطنية صهيونية.

عندما أراد إعفاء الوطنية اليهودية الإسرائيلية من المسؤولية عن تعميق مشروع الاحتلال والاستيطان، علق طاوب جذورها بمصدر خارجي، وهو سلوك الطرف الفلسطيني. فعلياً، هو يكشف درجة لا بأس بها من الاستخفاف بالقوة الداخلية للأيديولوجيا الصهيونية – الاستيطانية. أجل، دولة “يشع”، الدولة العظمى، برئاسة نتنياهو، تسعى إلى إنقاذ البلاد لأسباب قومية متطرفة – دينية جوهرية. ليس لهذه المقاربة علاقة بموقف الفلسطينيين الذين يعتبرون بالنسبة للمستوطنين وأسيادهم أحفاداً محتلين عرباً إمبرياليين سرقوا من شعب إسرائيل أرضه.

لا، يا طاوب، في التشخيص الشجاع والمؤلم حول العلاقة الوثيقة بين القومية اليهودية في عصرنا وبين الاحتلال ونفي الآخر، لا يوجد أي أمر مناوئ للصهيونية أو القومية. بناء على ذلك، يمثل هذا التشخيص بداية العملية الضرورية، التي تنبع من داخل القومية في جوهرها، لتعديل ذاتي للقومية اليهودية. الصهيونية مثل كل القوميات الحديثة، تشمل في داخلها أسساً مستوعبة ومقصية، وعنصرية وديمقراطية، وإذا ما أراد التجمع القومي الحياة فعليه معرفة ضبط الدوافع العنصرية والمقصية، لأن آليات نفي الآخر لن تتوقف عند الآخر الخارجي. عندما يحين الوقت سيتوجهون نحو الداخل كي يصنفوا ويقصوا الآخرين الداخليين، إلى درجة التدمير الذاتي للأمة.

من المثير للاهتمام أن يشكك طاوب أيضاً بصهيونية رامون عندما يقرأ كتابه الذي يدحض أسطورة “اللاشريك الفلسطيني”. أدرج رامون في كتابه نعيه المؤثر للبروفيسور روت غبيزون، الذي كان يشكل نبراساً لطاوب في الشؤون الصهيونية. ولكن من ناحية أخرى، يعتقد رامون أن إسرائيل أصبحت الآن دولة أبرتهايد لأنها تطبق نظامين مختلفين للقانون على مجموعتين من السكان على قطعة الأرض نفسها. في هذا السياق، للأسف، هو يقتبس البروفيسور ماوتنر، المزود الصهيوني لطاوب، حسب رأيه.

على أي حال، من الواضح أنه يرى في نظر نفسه، أن طاوب هو الصهيوني في أبهى صوره. ولكن في هذا غير قليل من السخرية المريرة. ففي نهاية الأمر ما هو جوهر الصهيونية بصورة أساسية في أيامنا إذا لم يكن التطلع لضمان استقرار الحق في تقرير المصير للقومية اليهودية الإسرائيلية؟ هنا تكمن المشكلة. فكذبة “لا يوجد شريك فلسطيني” التي ينشرها طاوب دائماً تساهم مساهمة مدمرة في تخليد الجمود السياسي واستمرار الضم الزاحف وتعميق واقع الأبرتهايد بين البحر والنهر. بسبب هذه العمليات، فإن تقرير المصير اليهودي يزداد ارتباطاً بصورة وثيقة باستعباد شعب آخر ويرتكز على أساس سياسي وأخلاقي واهٍ. لذلك، هذا هو السبب الذي يجعل طاوب الذي لا يغيب عن فمه الحديث عن أولوية حق اليهود في تقرير مصيرهم، يساهم بشكل غير مباشر في الضعضعة المتواصلة لهذا الحق الأساسي.

بقلم: ديمتري شومسكي

هآرتس 2/4/2021


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 14 / 2342879

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع ميديا  متابعة نشاط الموقع صحافة العدو   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 15

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28