إن الأجواء السياسية التي ترافقنا منذ أكثر من سنتين قد تشوه قدرتنا على فهم ما هو الخير وما هو الشر. ليس في المستوى الفلسفي، بل الملموس – ما هو الخير وما هو الشر لليهود في بلادهم. عندما يصبح كل شيء حجة تلاعبية أخرى لإثبات أن “معسكري محق” سوف تتصلب المواقف وتتطرف، وستتضرر القدرة الأساسية للتمييز بين الخير والشر. ولعله من المجدي أن نعود إلى القواعد الأساسية.
إن التحول الفكري الذي جاء من اليمين في الأشهر الأخيرة والذي يجد تعبيره في التخلي عن التطلعات الكفاحية لـ “الضم” في صالح اتفاقات تطبيع إقليمية، هو تحول إيجابي؛ فهو يعكس إرادة الأغلبية الساحقة من الإسرائيليين بالسلام، وهو خير لليهود. يمكن أن نعارض طريق نتنياهو وطريق الليكود أيضاً، وفي إطار ذلك، لا شك أن لقاء رئيس وزراء إسرائيلي مع ولي العهد السعودي، سواء كان سراً أم علناً، يعد حدثاً إيجابياً لنا جميعاً. ليس مجدياً السماح للأجندات العاصفة بتشويش عقولنا، فالعلاقات المتوثقة مع الدول العربية المعتدلة جزء من مسيرة إيجابية تتواصل منذ سنين، ومن الهذيان الادعاء بأن هذا يمس بالمصلحة الإسرائيلية.
ما يمس حقاً، هو أننا بهذا الاعتراف لا يمكن الادعاء بأن السلوك في هذا اللقاء لا يمس بالمصلحة الإسرائيلية. لقد كانت رحلة نتنياهو إلى السعودية ضرورية كجزء من عملية التقارب، ولكن هل مست بمصالحنا في اللحظة التي سربت فيها؟ لقد فوجئ السعوديون بالتسريب، ولهذا فقد تلبثوا في ردهم، وأخيراً نفوه بطريقة ملتوية. التعاون مع إسرائيل مهم لهم في هذا الوقت، وهذا خير لليهود. ولكن السؤال هو هل يبدو تسريب اللقاء هو الطريق الأفضل لتثبيت العلاقات مع النزلاء الجدد الذين سيدخلون قريباً إلى البيت الأبيض. الذي اكتسب من هذا التسريب بشكل شخصي هو -على أي حال- نتنياهو. ولطيف أن يكون هذا التسريب قد حرف موضوع الحديث (هذا الأسبوع على الأقل) من لجنة تحقيق بشأن الغواصات إلى اتجاه السلام الإقليمي.
الاتصالات مع السعودية مباركة، ولكن من المهم أن نرى كيف تتقدم. فعندما تكون متعلقة بشخص واحد فقط، ويقصى وزير الدفاع ووزير الخارجية بشكل دائم، فهذا شر لليهود. وعندما يريد السياسيون، فإنهم يحيدون رئيسي أركان سابقين، صوت لهما نصف الشعب، مما لا يشير إلى منظومة سلطوية معافاة، وإدارة في أفضل صورها لرجالنا الطيبين، أو إلى مناعة داخلية للدولة. كما أن اتفاقات السلام أو التطبيع لا تقاس في نهاية المطاف بالورقة الموقعة أو بالصورة الجماعية، بل بتحققها. فكلما كان هناك أناس أساسيون أكثر شركاء في عملية التحقيق، تزداد فرص نجاح الاتفاقات وتجني ثماراً أكثر على مدى الزمن.
إن الإدارة الجديدة في واشنطن تغير واقعنا جميعاً، فالسعوديون يخافونها لأسبابهم، ونحن نخاف منها لأسبابنا. ولكن التحول في النهج اليميني في الأشهر الأخيرة باتجاه السلام قد يقربنا مجدداً من الديمقراطيين، شريطة أن نعمل بتنسيق وحكمة. وألعاب القوى المضنية بين رئيس الوزراء ووزير الدفاع ووزير الخارجية ممن يفترض أن يعملوا معاً كرأس حربة تعد جبهة زائدة، وكذا أيضاً التهديد الدائم بالانتخابات على وجود حكومة وحدة مستقرة، بموجب تصويت الشعب.
الوضع مركب على الرغم من مُثلنا المتزايدة لتأطير كل شيء كخير مطلق أو كشر مطلق، ولكن فتح هذا القدر الكبير من الجبهات الداخلية ليس خيراً لليهود، وهذا أمر لا لبس فيه. وثمة حروب لا ينتصر فيها أحد، لأن وجودها هزيمة. غريب بذل كل هذا القدر من جهود السلام مع الدول العربية، وهي جهود مباركة بحد ذاتها، بينما تحتدم الحروب في الداخل. هذا سلوك يعززنا بيد، ويستنزفنا ويضعفنا بيد أخرى.
بقلم: ليلاخ سيغان
معاريف 25/11/2020
