] المصالحة الفلسطينية من جديد - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
الأحد 10 أيار (مايو) 2020

المصالحة الفلسطينية من جديد

الأحد 10 أيار (مايو) 2020 par ناجي صادق شراب

المصالحة تعني بناء جسم سياسي قوي لديه المناعة القادرة على مواجهة أي فيروسات للضم والابتلاع.

يتجدد الحديث دائماً عن المصالحة باعتبارها المكون الرئيسي للغة الوطنية الفلسطينية، ولا تجرؤ أي من القوتين الرئيسيتين «فتح» و«حماس» على التخلي عنها؛ لأن التمسك بشرعية المصالحة هو الخيار الوحيد لشرعية أي منهما. المصالحة تفرضها الآن مخاطر حقيقية ليست فقط مرتبطة بصفقة القرن الهادفة إلى تحويل هوية أهل القدس التاريخيين على أرضهم من أصحاب أرض وحق في الحياة إلى مجرد مقيمين عابرين، بل بمنح الضوء الأخضر المعلن بحق «إسرائيل» بضم ما تبقى من أراضٍ فلسطينية في الغور وشمال البحر الميت، وضم كل الكتل الاستيطانية، ما يعني قتل مشروع الدولة الفلسطينية والتي أساسها منطقة القلب في الضفة الغربية، فكل دولة لها قلب واحد، وقلب فلسطين الضفة الغربية، وعندما يتم انتزاع هذا القلب فإنه معرض للموت السريري الدائم. وتأتي حتمية المصالحة الآن بعد تشكيل «إسرائيل» حكومتها ال35 وهدفها الأساسي تنفيذ صفقة القرن وعملية الضم، وترك ما تبقى للفلسطينيين، ومن ناحية ثانية خلقت ال«كورونا» وضعاً ليس لصالح القضية الفلسطينية سياسياً واقتصادياً، فالدول العربية ستخرج ولديها أولويات داخلية كبيرة، وإقليمياً لم تعد إيران وتركيا قوتين صاعدتين معترف بهما، بل ستواجه كل منهما مشاكل كبيرة تتعلق بالاقتصاد والحكم، ودولياً ستسود نظريات جديدة للقوة، قد تجعل العالم أكثر توحشاً، وليس مستبعداً أن تتراجع أمريكا عن صدارتها للقوة، ولهذا معنى واحد أنه لابديل أمامنا إلا أن نتحول لمتغير رئيسي فاعل ومؤثر وله قراره القوي، بمعنى أن على «إسرائيل» أن تفكر أكثر من مرة عندما تريد أن تتخذ قراراً بشأن تقرير مصير فلسطين، وهذا هو المعنى الرئيسي للمصالحة، أي أن يقرر الفلسطينيون مصيرهم، لا أن يقرره غيرهم.

الانقسام واستمراره معناه الاستجابة لكل التحولات السياسية التي تطال القضية الفلسطينية من تفكيك وإذابة، وهذا خيار مرفوض شعبياً، ويتعارض مع الهوية الفطرية للشعب الفلسطيني. المصالحة معناها اليوم استعادة القوة الفلسطينية بكل مضامينها الاقتصادية والسياسية والعسكرية والدولية والقانونية في الداخل والخارج، لا هدرها بالانقسام. المصالحة ليست إعادة توزيع للغنائم، وليست مجرد إعادة الانتخابات واختيار رئيس جديد وسلطة تشريعية جديدة، المصالحة اليوم

أعمق وأبعد من ذلك بكثير. هي تثبيت لتواجد الشعب الفلسطيني، وهو العنصر الأقوى في الصراع الفلسطيني «الإسرائيلي»، وما دام هناك شعب واحد فهناك قضية، وما دام هناك قضية فلا بد من الحل الذي يحفظ لهذا الشعب حقه في تقرير مصيره، والذي يتجسد بالدولة الفلسطينية والقدس عاصمة لها.

هذه المقومات لن تتم بدون المصالحة التي إذا لم تتحقق اليوم نكون قد فقدنا مقومات أي حل سياسي يحفظ للشعب الفلسطيني هويته وحقه التاريخي ودولته. المصالحة اليوم ليست كالمصالحة بالأمس، فعالم ما بعد «كورونا» إما أن نكون وإما لا نكون، وكيف لنا أن نواجه هذا العالم بغزة الصغيرة، أو بالضفة الغربية المجزأة إلى كانتونات منعزلة تتحكم فيها «إسرائيل»؟، عالم ما بعد ال«كورونا» سيحكمه الأقوى والأقدر على البقاء. وهل الانقسام يحقق لنا البقاء؟

أمامنا خياران، إما خيار الابتلاع والاحتواء في أجسام وكينونات سياسية أخرى، وإما الحفاظ على هويتنا بلفظ كل خيارات الاحتواء والتبعية. المصالحة تعني بناء جسم سياسي قوي لديه المناعة القادرة على مواجهة أي فيروسات للضم والابتلاع، نحن اليوم أمام خيار ال«كورونا» الذي سيطبق علينا في مرحلة لاحقة، خيار الاختناق التنفسي، وهو أن تحدد «إسرائيل» لنا متى نعيش ومتى نموت. القيادات كلها التي نسمع صوتها اليوم زائلة، والذي يبقى هو الشعب الموحد الواحد. تاريخياً عرف الشعب الفلسطيني أنه شعب واحد، وسر قوته في وحدة شعبه. المعنى الحقيقي للمصالحة أن نعيد هذه الوحدة والحفاظ عليها ليس بالشعارات، بل برؤية استراتيجية تبني نظاماً سياسياً واقتصادياً قوياً، ونظاماً تعليمياً يواكب الثورات العلمية. ماذا ننتظر بعد تشكيل «إسرائيل» حكومة الضم؟


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 5 / 2342879

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

6 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 6

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28