] صفقة بلا سلام - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
الأحد 2 شباط (فبراير) 2020

صفقة بلا سلام

الأحد 2 شباط (فبراير) 2020 par ناجي صادق شراب

الصفة الوحيدة التي لا تستحق أن توصف بها خطة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، للشرق الأوسط أن تكون خطة للسلام، رغم وصفه لها بأنها فرصة للفلسطينيين، و«الإسرائيليين»، وأنها في النهاية ستحقق للفلسطينيين مساحة مضاعفة لدولتهم التي يحلمون بها، وأنها ستحسن من حياتهم، وأوضاعهم المعيشية بالخمسين مليار دولار التي سوف ستخصص للبنية التحية اللازمة لبناء الدولة، وأن الدولة الفلسطينية ستكون لها عاصمة في مدينة شعفاط، وأن الولايات المتحدة ستفتح سفارة لها هناك.
القراءة الشاملة للخطة توضح أن هدف السلام ليس من أهدافها الرئيسية في المنظور القريب. وأن للخطة أهدافاً آنية ملحّة مرتبطة بالتوقيت الذي أعلنت فيه. فالملاحظ أن الخطة لم يكن للفلسطينيين علاقة بها في مراحل صياغتها، وأن «إسرائيل» هي الفاعل الرئيسي في كل كلمة كتبت بها، بدليل صدورها بحضور نتنياهو، وهدفها الأول يتعلق بدعمه في الحملة الانتخابية «الإسرائيلية»، بعد أقل من شهرين، وضمان فوزه، في الوقت الذي تواجهه تهم فساد كبيرة، والهدف الثاني يتعلق بترامب، فالانتخابات الرئاسية ستتم خلال أقل من سنة، ويأتي الإعلان في وقت تتم فيه محاكمته في مجلس الشيوخ لعزله، وهو يتطلع لكسب أصوات الإنجيليين الصهاينة، وعددهم لا يقل عن ستين مليون نسمة، إضافة إلى كسب تأييد اليهود المحافظين، والجمهوريين المحافظين.
أما السلام، فإن نتنياهو وترامب يدركان أنه لا يمكن أن يتحقق وينجز من دون موافقة الفلسطينيين، ومشاركتهم، إلا أن ترامب يراهن على أنهم في النهاية سينخرطون، ويوافقون عليها.
الخطة لا تحقق السلام، لأنها تلغي كل قرارات الشرعية الدولية، وتخلق مرجعية جديدة أساسها سياسة الأمر الواقع والقوة، فهو سلام بالقوة من منظور المصلحة «الإسرائيلية»، كما تعطي «إسرائيل» كل شيء، ولا تعطي الفلسطينيين إلا الفُتات. كذلك فإن السلام المطروح يخضع لاعتبارات الأمن «الإسرائيلي»، وهذه الخطة لا تختلف في جوهرها عن اتفاقات أوسلو.
الخطة كما أشرنا تعطي «إسرائيل» كل شيء، فهي تؤكد أولاً على أن القدس هي العاصمة الموحدة ل«إسرائيل»، كما أنها تشرعن الاحتلال الذي لم تأت على ذكره إطلاقاً، وتلغي قضية اللاجئين، وتعمل على توطينهم، حيث يعيشون. والحقيقة التي تناقض نفسها، الحديث عن الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح، وبلا سيادة، والفترة انتقالية لمدة أربع سنوات، إذ سيخضع السلوك السياسي الفلسطيني لمراقبة «إسرائيل» والولايات المتحدة، و«إسرائيل» هي من تقرر وتحكم في النهاية إن كان الفلسطينيون يستحقون دولة، أم لا.
ولعل ما يمنح الخطة فرص البقاء هو الظرف الزمني الذي أعلنت فيه. ففي النهاية، فإن الخطة هي انعكاس للبيئة التي صيغت فيها، فالوضع الفلسطيني في أسوأ حال، و«إسرائيلياً» هناك سيطرة لليمين المتشدد على السياسة «الإسرائيلية»، والوضع العربي لا يحتاج إلى شرح، وتفصيل. هذه كلها قضايا لا تجعل من فلسطين ذات أولوية، وتدفع الفاعلين الدوليين الآخرين لعدم إغضاب الولايات المتحدة والدخول معها في منازعات جديدة.
إلا ن هذا الواقع الذي تحكمه القوة لا يمكن أن يؤسس لسلام حقيقي قابل للتنفيذ والحياة. وكما قال إيمي آيالون الرئيس السابق لوكالة الأمن الداخلي «الإسرائيلية»: إن خطة ترامب «قد تنتهي إلى تعريض مبادرة السلام العربية إلى الإلغاء، وهي التي منحت»إسرائيل«الاعتراف والقبول الشرعي بدولة يهودية مقابل دولة فلسطينية كاملة الحقوق». وقالت السيناتورة الديموقراطية وارن إن الخطة «لا تقدم مستقبلاً حقيقياً للدولة الفلسطينية»، ووصفها السيناتور كريس هولن، بأنها مناهضة للسلام، وأنها أحادية الجانب على حساب الفلسطينيين. ووصفها الصحفي بول ولدمان بالسخيفة، لأنها تعطي «إسرائيل» والولايات المتحدة الحكم والموافقة على إنشاء الدولة الفلسطينية. أما الباحث في مركز الأمن الأمريكي الجديد جولدنبرغ فيرى أن الخطة «تتنازل بقوة عن حقوق الفلسطينيين». ويقول طارق ماركوني من «مجموعة الأزمات الدولية» إن «الخطة تطلب من الفلسطينيين الاستسلام، وما يجري الآن هو تحميل الفلسطينيين مسؤولية امتطاء حصان سياسي ميت».
لا سلام بالقوة، ولا سلام من دون الاعتراف بالحقوق الفلسطينية التي تقرها، وتعترف بها الشرعية الدولية.


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 33 / 2342227

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

38 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 39

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28