] أبو مازن… ويهود بابل: بهذا سنفشل مخططات الصهيونية - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
السبت 28 كانون الأول (ديسمبر) 2019

أبو مازن… ويهود بابل: بهذا سنفشل مخططات الصهيونية

السبت 28 كانون الأول (ديسمبر) 2019

- أبو مازن… ويهود بابل: بهذا سنفشل مخططات الصهيونية
لقد درج رئيس السلطة الفلسطينية د. محمود عباس (أبو مازن) على أن يستضيف في رام الله العديد من المجموعات الإسرائيلية في إطار نشاط لجنة م.ت.ف للتواصل مع المجتمع الإسرائيلي، ومنها مجموعات من أصول طائفة يهود بابل. يشهد أبو مازن على علاقة خاصة له مع يهود العراق، ولا سيما مع مفكريهم ويدعو إليه عائلات كتاب ولدوا في العراق وتوفوا. فقد استضاف عائلة الحائز جائزة إسرائيل البروفيسور شموئيل مورا، وقبل بضعة أسابيع عائلات الكاتب والصحافي إسحق بار موشيه، والكاتب البروفيسور شمعون بلاص. بخلاف ياسر عرفات، يعتبر عباس مثقفاً ورجل كتاب يحب أن يحيط نفسه بالمفكرين الذي يتقاسم معهم لغة وثقافة مشتركة. ومع ذلك، فإنه لا ينسى هويته ومكانته. فبعد كل شيء هو زعيم الفلسطينيين الذين هم في صراع قومي مع إسرائيل، ويرفض في أقواله وكتاباته وجود شعب يهودي وصلته ببلاد إسرائيل.

للدكتور عباس مذهب مرتب حول يهود الدول العربية، ويمكن أن نقرأ ذلك في كتابه “الصهيونية – بداية ونهاية” (1977)، وتظهر خلاصة فكرته أيضاً في مقال نشره في 7 نيسان 2012 في وكالة “معاً” للأنباء الفلسطينية، تحت عنوان “يهود العراق”، الذين يرى فيهم نموذجاً لما جرى ليهود الدول العربية.

بزعم عباس، تطلعت الحركة الصهيونية بأن تبني دولة يهودية أشكنازية ذات طابع غربي–أوروبي، ولهذا لم ترغب بجلب يهود الدول العربية إلى إسرائيل. ولكنها اضطرت إلى أن تغير نهجها، لما لم يأتِ اليهود من أوروبا بجموعهم، وكذا بسبب الحاجة الملحة، في أعقاب هرب العرب، للأيادي العاملة التي تعمل في المهن التي يحتقرها يهود أولمرت. ولكن، على حد قول عباس، فإن يهود الدول العربية لم يرغبوا في الهجرة إلى إسرائيل لأنهم كانوا يستمتعون بالحياة في بلدانهم، وأقنعتهم الحركة الصهيونية بالهجرة من خلال تخويفهم بوسائل عنيفة، مثل إلقاء القنابل في أوساطهم في الكنس والمحلات التجارية.

لقد احتل الشرخ الطائفي – الأشكنازي – السفرادي مكاناً محترماً في كتابات عباس وهو يقتبس بتوسع عن كتاب بار موشيه “خروج العراق” (1972)، وصف المعاناة التي اجتازها يهود العراق حين وصلوا إلى البلاد واغتراب المؤسسة الإسرائيلية تجاههم. وشهد عباس أمام عائلة بار موشيه على أنه بكى حين قرأ الكتاب الذي ذكره بقصة حياته وبمعاناة الفلسطينيين، وقال، في شبه ضحك: “لي ولكم قصة مع الأشكناز”. وهو يسعى الآن لأن يطبع كتاب بار موشيه من جديد وينشره في الدول العربية التي يجري معها الحساب على تشجيعها خروج اليهود وعلى مساعدتها –بذلك- الحركة الصهيونية في تحقيق أهدافها.

“الصندوق التأسيسي” العربي

من خلال كتب ذكريات الكُتّاب من أصل عراقي عن حياتهم هناك وعن شكل استيعابهم في البلاد، يرغب عباس في تعزيز الرواية التي تقول أن ليس لليهود صلة ببلاد إسرائيل، وإن يهود الدول العربية استغلهم اليهود الأشكناز الذين ليسوا أبناء ذات الشعب. وعليه، يقترح عباس على الدول العربية في الكتيب الذي كتبه (“مطلوب صندوق تأسيسي عربي”، 1982، والطبعة الثانية في 2011) لإقامة “صندوق تأسيسي” عربي يمول عودة اليهود إليها. وهو يعرض هذا العمل كواحد من الكفاحات الفلسطينية. وهو يؤمن بأن هكذا تصل الصهيونية إلى منتهاها.

لقد حظيت أفكار عباس مؤخراً بتأكيد ومديح من موفق مطر، كاتب الرأي في “الحياة الجديدة”، الصحيفة الرسمية في السلطة الفلسطينية، فنشر في 5 وفي 8 أيلول 2019 مقالاً من جزأين، عنوانه يشبه عنوان الكتيب الذي نشره عباس. ويكرر مطر فكرة عباس حول السبيل الذي جيء به اليهود من الدول العربية، ويشير إلى أنه إذا كان الفلسطينيون هم الضحية الأولى للحركة الصهيونية، فإن يهود الدول العربية هم الضحية الثانية.

ويضيف مطر بأن “العرب اليهود الشرقيين والسفراديين” (هكذا يسمي اليهود من الدول العربية) أسكنتهم المؤسسة الأشكنازية في مناطق الجبهة كي يكونوا لحماً للمدافع، وبعد أن أدركوا بأن حياتهم أصبحت جحيماً وأنهم في واقع الأمر ضحية الحركة الصهيونية، فإنهم يريدون الهرب من إسرائيل والعودة إلى بلدانهم الأصلية. مثل عباس، مطر أيضاً يدعو إلى إقامة صندوق تأسيسي عربي يساعد اليهود العرب، التي لم تنجح كل خطط التحويل الصهيونية في تغييرهم للعودة إلى بلدانهم، إلى جذورهم وثقافتهم وتحريرهم من “قيود الدولة الإمبريالية العنصرية التي استغلتهم”.

كما يدعو مطر الدول العربية إلى إلغاء كل القوانين ضد اليهود وإعادة أملاكهم إليهم. وشدد أن على الفلسطينيين أن يوثقوا العلاقات مع يهود الدول العربية كخطوة أولية لإعادتهم، بل وأشار إلى أن السلطة الفلسطينية بدأت عمل ذلك في إطار لجنة التواصل مع المجتمع الإسرائيلي التي تشكلت في 2012.

من يقبل “الآخر”؟

على رأس لجنة التواصل يقف محمد المدني، وبصفته مسؤولاً في السلطة استغل بطاقة الدخول الـVIP للقاءات وزيارات لآلاف الإسرائيليين. وادعى المدني في مقابلاته مع الإعلام الإسرائيلي بأن هدف اللقاءات هو مد الجسور بين المجتمع الإسرائيلي والفلسطيني وإقناع الإسرائيليين بأن السلام هو مصلحة الطرفين وبالحاجة إلى حل الدولتين اللتين تعيشان الواحدة إلى جانب الأخرى.

غير أن محافل في جهاز الأمن تعتقد أن أهدافه مختلفة. فقد منع دخول المدني إلى إسرائيل في 2016 بأمر من وزير الدفاع في حينه افيغدور ليبرمان بدعوى أنه يقوم بنشاط سياسي تآمري في البلاد ويحاول بتكليف من عباس أن يقيم قوة سياسية في إسرائيل. في كراس نشرته اللجنة بالعبرية قبيل انتخابات نيسان 2019، شرحت سبب تصميم الفلسطينيين على مواصلة دفع الرواتب للمخربين السجناء في إسرائيل وعائلات “الشهداء” ومواصلة التحريض في كتبهم التعليمية.

واليوم، كما أسلفنا، نقلت اللقاءات مع الإسرائيليين إلى المقاطعة في رام الله، ووفقاً لصفحة اللجنة عبر “فيسبوك” بعنوان “فلسطين بالعبرية”، زارها في أثناء العام 2019 نحو 5 آلاف إسرائيلي.

قبل سنتين تلقيت رسالة كان يفترض أن تفرحني. قيل لي إن السلطة الفلسطينية معنية بشراء 200 نسخة من كتابي، بل ودعيت للقاء مع أبو مازن في رام الله. كتابي، “الصور التي على الحائط”، والذي يصف حياة الجالية اليهودية في بغداد، نشر في مجلة بالعربية في العراق. لم أستجب للعرض، حين عرفت أن هذه الجهات في السلطة لم تقرأ الكتاب. لم أرغب في أن يزور الفلسطينيون هذا الكتاب الذي كتب انطلاقاً من اشتياقي لأبوي فيوسع روايتهم أيضاً تجاه أبناء الجيل الثاني من يهود العراق ممن ولدوا في البلاد.

إن حل النزاع يستدعي تنكراً فلسطينياً من هذه الرواية. فمثلما استوعبت إسرائيل ودمجت فيأاوساطها اليهود من الدول العربية، من المهم أن يستوعب الفلسطينيون ويدمجوا في أوساطهم اللاجئين، ممن يعيشون في مناطق السلطة الفلسطينية، وألا يخلدوا لجوءهم. ومن أجل الحديث بلغة السلام، يجدر بكل طرف من الطرفين أن يتعلم كيف يعترف بلغة وثقافة الآخر، مثلما قال عباس لعائلة بار موشيه. وأهم من ذلك هو عدم الحديث بصوتين: من جهة ما العناق، ومن الجهة الأخرى التنكر لصلة الشعب اليهودي ببلاده، والتحريض ضد إسرائيل والسعي إلى تعميق الشروخ في المجتمع الإسرائيلي.

بقلم: تسيونيت فتال كوبرفاسر، مستشارة الشؤون الفلسطينية سابقاً في مكتب منسق أعمال الحكومة في المناطق

إسرائيل اليوم 27/12/2019

- كيف ستملأ إسرائيل الفراغ الذي خلفته الولايات المتحدة في الشرق الأوسط؟

في الأسابيع القريبة المقبلة سيعرض الجيش الإسرائيلي على “الكابينت” التقدير الاستخباري السنوي، الذي أدخلت إليه هذه السنة أقاليم جديدة، وبينها العراق، بل وحتى أهداف بعيدة كاليمن. وسيتعين على الاستخبارات الإسرائيلية أن تتمدد في السنة المقبلة في فشخة واسعة وأليمة بين عدد غير مسبوق من الساحات تبرز إيران فوقها جميعها التي تسير نحو استئناف برنامجها النووي. وأشار رئيس الأركان كوخافي هذا الأسبوع إلى العزلة التي بقيت فيها إسرائيل في هذه الساحة، وثمة من يشتاق للاتفاق النووي السيئ الذي توصل إليه باراك أوباما.

جمرات الاحتجاج لا تزال تشتعل في إيران، وريح مفاجئة كفيلة بأن تشعلها بعد أن تبجح النظام هناك بقتل 1.500 من مواطنيه في خطوة قمع المظاهرات. ولكن حتى الاحتجاج الداخلي لم يضعف تصميم النظام على مواصلة التموضع في سوريا والتقدم نحو توسيع برنامجه النووي. “لا توجد عمليات رد ولا يوجد ردع لأعمال الإيرانيين”، قال رئيس الأركان كوخافي، وبكلمات أخرى، لا توجد الولايات المتحدة. فقد هجرت الشرق الأوسط ودور الشرطي العالمي.

لا يخفي الرئيس الأمريكي رغبته في اتفاق نووي جديد مع إيران، ومعقول أن يسر النظام في الجمهورية الإسلامية الوصول إلى اتفاق ينزع عنه عبء العقوبات. ولكن الإيرانيين في هذه الأثناء يرفعون السقف، ومجرد إعادة تحريك البرنامج النووي كفيل بإنتاج قصور ذاتي خاص به. منذ نيسان أنتجت إيران نحو 650 كيلوغراماً من اليورانيوم المخصب على مستوى متدن (4 في المئة) ضعف ما هو مسموح لها وفقاً للاتفاق السابق. وتيرة التخصيب الحالية لديها نحو 180 كيلوغراماً في الشهر، ما يعني أنها على مسافة أقل من سنة عن الهدف – 1.300 كيلوغرام اللازمة لإنتاج القنبلة الأولى.

لا تزال إيران تمتنع عن تخصيب اليورانيوم إلى مستوى أعلى، ولكنها تنصب أجهزة طرد مركزي متطورة في منشآت التخصيب في نتناز وفوردو، وتعمل على نماذج أكثر تقدماً، يمكنها أن تخصب اليورانيوم بسرعة أعلى بخمسين ضعفاً من أجهزة الطرد المركزي الموجودة. إن استئناف تخصيب اليورانيوم في منشأة فوردو التحت أرضية يبدأ في إعادة إيران لما وصفه إيهود باراك بأنه “مجال الحصانة”، المجال الذي لا يعود فيه حتى للهجوم الجوي إمكانية لوقفه.

لقد أعلنت إيران منذ الصيف بأنها بدأت تجمع كمية كبيرة من المياه الثقيلة وأنها ستستعد لتفعيل المفاعل في أراك، الذي يمكنه أن ينتج لها البلوتونيوم. هذه الإعلانات لم تحققها الجمهورية الإسلامية بعد، ولكنها كفيلة بأن تكون المرحلة التالية لابتعادها عن الاتفاق. لقد تحدث رئيس الأركان كوخافي هذا الأسبوع عن علماء يعملون على رؤوس متفجرة نووية، ولكن حتى الآن لا يوجد أي بديل على أن إيران استأنفت نشاط “مجموعة السلاح” – الهيئة التي يفترض بها أن تطور سلاحها النووي.

يبدو أن كوخافي قصد الآلية التي تنتج عند استئناف النشاط البحثي والإنتاجي، كما قصد العلماء المتحمسين الذين يدفعون نحو توسيع النشاط النووي وإثبات نجاعة بحوثهم. وحذر من “الاقتحام إلى الأمام” للإيرانيين، أي الركض نحو تركيب القنبلة الأولى، وإن كانت هذه تعد في الاستخبارات الإسرائيلية والأمريكية كالإمكانية الأقل معقولية. معقول أكثر أن تواصل إيران توسيع البرنامج النووي بحذر دون تحطيم الأواني والاندفاع نحو القنبلة. هذا سيقربها إلى مسافة انطلاقة قصيرة نحو القنبلة الأولى، أو يجلبها هي والأمريكيين إلى مفاوضات على اتفاق نووي جديد.

ولكن ثمة إمكانية أخرى.. استمرار الضغط الاقتصادي وتعاظم الاضطراب الداخلي كفيلان بدفع إيران نحو المبادرة إلى عملية هجومية تجاه الأمريكيين تجبر ترامب على العمل ضدها. مثل هذا التصعيد سيجرف إسرائيل أيضاً.

طوق خانق

إن مشكلة الجيش الإسرائيلي هي أنه في غياب حكومة وميزانية يضطر لمواصلة العمل تحت خطة العمل “جدعون” التي انطلقت على الدرب قبل نحو أربع سنوات. في حينه، عندما وقع الاتفاق النووي، قرر رئيس الأركان في ذاك الوقت، غادي آيزنكوت، استغلال نافذة الفرص وحرث مقدرات استخبارية ذات مغزى إلى جبهات ومجالات أخرى. أما الآن فالاستخبارات ملزمة بأن تعود للتركيز على إيران.

ستكون المهمة استئناف المتابعة الدقيقة للبرنامج النووي الإيراني كي لا نفاجأ بخطوة سرية أو بوتيرة تقدمها. وبالتوازي سيتعين على إسرائيل أن تجد السبيل للعودة إلى إبطاء التقدم الإيراني. في الماضي نسبت لإسرائيل عمليات تخريب كهذه وغيرها للعتاد النووي، بما في ذلك تصفية علماء، ويجدر بالبرنامج النووي المتجدد أن يلتقي إعاقات كهذه في المستقبل القريب أيضاً. وإلى جانب ذلك، سيتعين على سلاح الجو أن يؤكد مرة أخرى خياره العسكري ضد البرنامج النووي، وذلك لأنه إذا ما فشل كل شيء، ستكون لدى إسرائيل إمكانية لا تعيق التقدم الإيراني. وسيتطلب هذا استثمارات كثيرة في التدريب على الطيران لمسافات طويلة، والتزود بأسلحة ذات صلة، والاستعداد لمواجهة محتملة مع حزب الله في مثل هذا السيناريو.

لقد حاول كوخافي هذا الأسبوع إجراء احتواء للتوقعات، سواء مع الجمهور الإسرائيلي أم اللبناني، لما هو متوقع من الطرفين إذا ما وصلنا إلى مثل هذه المواجهة. فالجبهة الإسرائيلية الداخلية قد تتعرض لضربات أليمة، لم يسبق أن شهدتها. ولن يكون لإسرائيل مفر غير أن تضرب كل المناطق التي يعمل منها حزب الله. نصر الله يعرف هذا، ومن المهم تذكيره به بين الحين والآخر. مهم أيضاً أن يفهم العالم والمحكمة الدولية في لاهاي سبب ضرر آلاف المواطنين اللبنانيين في مثل هذه المعركة.

منذ ضربت حوامات غريبة الخلاطة المخصصة لإنتاج الصواريخ الدقيقة، يحذر نصر الله تسريع مشروع دقة الصواريخ. فلا يوجد بعدُ إنتاج لصواريخ دقيقة في لبنان، وفي الأشهر الأخيرة ليس هناك تحويل لصواريخ “غبية” إلى دقيقة. ولكن نصر الله لم يتخلَ عن هذا المشروع الرامي لأن يحقق له توازناً استراتيجياً ضد إسرائيل. وقد ألمح كوخافي بأنه إذا قام بحركة حادة في هذا الاتجاه، فستقرر إسرائيل العمل ضد المشروع، حتى بثمن المخاطرة بحرب.

***

في 2019 انشغلنا كثيراً بغزة، وعملنا في سوريا، وحسب منشورات أجنبية أيضاً في لبنان والعراق وسيناء. في العام 2020 سيتجه اهتمامنا أساساً إلى الشمال وإيران. الفراغ الذي خلفته الولايات المتحدة في المنطقة يملأه النفوذ المتعاظم للروس.

بعد سنة ونصف من تشجيعنا لترامب على الانسحاب من الاتفاق النووي تكثر علامات الاستفهام على الحكمة في هذه السياسة. صحيح أن إيران تضررت بشدة من استئناف العقوبات الأمريكية ودخلت في أزمة اقتصادية، بل وربما اجتماعية خطيرة أيضاً، ولكنها باتت أكثر عدوانية، وأكثر تصميماً على مواصلة توثيق طوق الخنق الملفوف على رقبتنا، ونحن أكثر عزلة في الصراع أمامها.

بقلم: الون بن دافيد

معاريف 26/12/2019

- عقد من الثورات في الشرق الأوسط: الشعوب تخرج إلى الشارع وإيران تمسي لاعباً شرعياً و”داعش” يحارب لبقائه

في 17 كانون الأول 2010، وبالقرب من سوق الخضار في مدينة سيدي بوزيد بتونس، وأمام أنظار عشرات الأشخاص، صفعت الشرطية فادية حمدي وجه بائع خضار شاب كان يمر بالسوق، صادرت بضاعته وأمرته بالانصراف. اسم الشرطية يذكر قليلاً لكن الشاب تحول إلى بطل قومي واسمه محمد بوعزيزي، وقد ردده ملايين الشباب في أرجاء الشرق الأوسط. الإهانة الشديدة التي أحس بها جعلت بوعزيزي يُحرق نفسه ويطلق عاصفة شديدة جامحة غيّرت وجه الشرق الأوسط وعُرفت بالاسم التهكمي “الربيع العربي”. ثمانية عشر يوماً مؤلمة قضاها بوعزيزي في قسم معالجة الحروق في مستشفى محلي قبل وفاته. في فترة معالجته انطلق في الشوارع في أرجاء تونس عشرات الآلاف من المتظاهرين وهم يهتفون “ارحل”، وذلك من أجل أن يقولوا للحكم الديكتاتوري للرئيس زين العابدين بن علي أن عليه أن يغادر الدولة التي قمعها ويذهب للمنفى.

الدهشة من استيقاظ المواطنين أخذت أشكالاً عديدة، لقد تملكت المحللين والخبراء الذين لم يتصوروا أن جمهوراً عربياً خانعاً ومطيعاً، جباناً ويائساً، سينجح في النجند ضد نظام قوي، وتعاظمت الصدمة عندما لم يخش الجمهور ولم يرتدع من محاولات القمع العنيفة التي مارسها النظام، وواصل التظاهر والتعرض للقتل، وتأثرت بعصيانه أكبر الدول العربية مصر، وكذلك ليبيا واليمن، وأخيراً سوريا. صف من السياسيين الذين شكلوا طوال جيل وجه الشرق الأوسط فقدوا كراسيهم ومكانتهم في 3 من بين الدول التي هزها العصيان المدني- ليبيا واليمن وسوريا- أحدثت الانتفاضات حروباً أهلية استمرت حتى اليوم. في كل باقي الدول، ساد الوعي بأن الرأي العام العربي الذي اعتُبر غير مهم لوا يستحق المتابعة والبحث، به فعلاً قوة كامنة خطيرة تغيّر تركيب المكونات من أساسها.

بالمفاهيم السياسية للربح والخسارة الفورية،فإن معظم الانتفاضات فشلت في شهودها لأن تغيّر أسس الاتفاقات غير الرسمية بين الأنظمة والجمهور. مصر حكمها رئيس ديكتاتوري يقمع كل إشارة ناقد. البراعم الديموقراطية التي أثمرت الانتخابات الديمقراطية الحرة الأولى في مصر بعد حوالي 60 عاماً سحقت بقدمٍ قاسية حقوق الإنسان، التي حظيت باعتراف فاخر في الدستور الذي كُتب في أعقاب الدولة في مصر، بوقيت حروفاً ميتة، وكذلك الوعد باقتصار أكثر مساواة ينتظر تطبيقه بنفاد صبر.

ليبيا لم تنجح في تأسيس نظام متفق عليه وناجع، وتديرها الآن حكومتان وعشرات المليشيات التي تحارب إحداهما الأخرى. أما اليمن فتحول إلى ساحة قتل، قُتل فيها أكثر من مئة ألف شخص بسبب الحروب والأمراض. وفي سوريا قُتل نحو 600 ألف شخص، وملايين اقتُلعت من بيوتها، ودول أجنبية تدير على حسابها حروب سيطرتها. أما تونس، التي بدأت بها الثورة، فنجحت بتأسيس نظام ديموقراطي نسبياً، ولكن في كل واحدة من الدول تلك، وفي دول عربية أخرى لم تتعرض للهزة الأرضية بصورة مباشرة مثل: السعودية، والأردن أو الكويت، فإن الجمهور أو الرأي العام الذي في الماضي سُمي بسخرية “الشارع”، احتلت مكانها المؤثر في ميزان القوى السياسة، وفي الأماكن التي بها أجهزة حكم مثل البرلمان أو نظام قضاء عادل وسوي، غير موجود مطلقاً أو تحولت إلى خاتم مطاطي لنزوات الأنظمة.

يكفي متابعة الأحداث الحالية في العراق ولبنان، التي خرج فيها الجمهور للشوارع، نظراً لأنه لم يعد يثق بأسلوب النظام ولا بزعمائه، لنرى بصمات الأصابع القوية للثورة التي أشعلها بوعزيزي قبل 10 سنوات. في هاتين الدولتين وأمام قوات نظام عنيفة وميلشيات أطلقت النيرات الحية وقتلت مئات الأشخاص في العراق، ومواجهات عنيفة مع حزب الله وقوات الأمن في لبنان.. نجح الجمهور في التسبب باستقالة رؤساء حكومات. العقد القادم لم يعد قادراً على تجاهل رأي الجمهور كما رسخه ملايين الشباب في شوارع الشرق الأوسط وحولوه إلى مكون هام جداً في كل عملية اتخاذ للقرارات.

هوية شرعنة لإيران

إذا كانت ثورات الربيع العربي قد نجحت في إحداث ثورة فكرية بالنسبة لقوة الجمهور العربي في الشرق الأوسط، فإن الانقلاب الاستراتيجي الأهم الذي وقع في الساحة في العقد الأخير هو في مكانة إيران. للمرة الأولى منذ الثورة الإسلامية التي وقعت في 1979- تلك التي سبقت الربيع العربي بحوالي 3 عقود واندلعت هي أيضاً على أسس اليأس، الإحباط وغضب الجمهور من النظام القمعي للشاه- فقد انضمت إيران للمجتمع الدولي عندما وافقت على التوقيع على الاتفاق النووي في 2015.

إلى جانب الأهمية الكبيرة للاتفاق كأداة دبلوماسية منعت حرباً ضد إيران وربما حرباً إقليمية وأبعد من ذلك، فإنه ألغى الرؤية الاستراتيجية الغربية التي رأت في إيران دولة مجنونة، أو على الأقل غير عقلانية؛ دولة يقودها حكماء شريعة منفلتو العقال، وكل هدفها محاربة الغرب وبالأساس إسرائيل. الاتفاق لم يلغِ الأيدولوجية المتطرفة لجزء من التيارات الراديكالية، أو الحلم بتصدير الثورة الإسلامية، ولكنه خلق الاحتمال بضبط هذه الأيدولوجية بأدوات سياسية واقعية تتمثل بالربح والخسارة، والتكلفة والمنفعة.

أصبحت إيران دولة شرعية، قامت بترجمة التهديد الاستراتيجي الكامن في برنامجها النووي إلى رافعة سياسية. وهذا منحها مكانة دولة عظمى إقليمية، والتي “من حقها” المشاركة في اللعبة الاقتصادية الدولية. الخلاف حول جودة وفرص الاتفاق النووي لم يتوقف للحظة. الشكوك والشبهات لم تختفِ مرة واحدة. كما تثبت بنود الإشراف المشددة التي وُضعت على إيران في الاتفاق. إلى جانب تمسكها بتنفيذ بنود الاتفاق في كل ما يتعلق بالبرنامج النووي، فإن إيران لم تتوقف عن العمل كمنافس سياسي واستراتيجي في الساحة الشرق أوسطية. هي تعمل للحصول على نفوذ في باكستان وأفغانستان، وتواصل تعزيز قوة حزب الله وإملاء خطوات سياسية في لبنان والعراق وحتى تدعم الحوثيين في اليمن.

وهي تواصل تطوير برنامج الصواريخ الباليستية الخاص بها، والاتفاق النووي لم يستطع منع ذلك. وكان من المفترض التوصل مع طهران إلى اتفاقات إضافية تنظم شبكة العلاقات بينها وبين الغرب وباقي دول الشرق الأوسط. هذه كانت محاولة راديكالية سواء من قبل الغرب أو من قبل إيران للتحرر من الاستراتيجية التقليدية.

رغم الانسحاب وحيد الجانب للولايات المتحدة من الاتفاق النووي في 2018 وخروقات الاتفاق التي قامت بها إيران بصورة صريحة ومخططة رداً على فرض العقوبات الإضافية من جانب دونالد ترامب، فإن الاتفاق ما زال سارياً. إيران ودول أوروبا وروسيا والصين الموقعة عليه لم ينضموا لانسحاب الولايات المتحدة، والأكثر من ذلك، يشكل الاتفاق أساساً لمواصلة المفاوضات مع إيران على طريقة تنفيذه.

ولكن حتى عندما يكون مصير الاتفاق والتداعيات السياسية الأمريكية على إيران هي موضوع التخمينات بسبب تقلبات ترامب، فإن الاتفاق النووي جدير بمكانة صانع الثورة الإقليمية والدولية في العقد الأخير. لقد نجح في تقسيم الشرق الأوسط إلى كتلتين واضحتين. إحداهما تشمل الدول التي أعلنت الحرب على تطلع إيران لهيمنة إقليمية، من بينها السعودية، والبحرين، والإمارات، ومصر، وإسرائيل، أما في الكتلة الثانية فدول رأت في إيران شريكة شرعية أو على الأقل دولة جديرة بالمشاركة. من بين هذه الدول: قطر، وتركيا، عوُمان، والعراق وسوريا.

الاتفاق أوجد تحالفات جديدة لم يسبق رؤيتها في العقود السابقة، مثل مشاركة في المصالح، وحتى تقارب سياسي بين إسرائيل والسعودية واتحاد الإمارات، إلى جانب أحلاف جديدة بين تركيا وقطر. في الوقت نفسه، فقد تسبب بشرخ في العلاقة الشجاعة بين الولايات المتحدة والسعودية التي شكت بأن الرئيس في حينه باراك أوباما ينوي استبدال التحالف معها بتحالف مع إيران. كما وضع إسرائيل في عزلة لا تحسد عليها عندما واصلت كونها الدولة الأكثر صراخاً في معارضتها للاتفاق، بعد أن حققت نصراً سياسياً ضخماً في نجاحها في تجنيد الغرب ضد إيران.

انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق أحدث الشرخ العميق في العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وواشنطن، وتدهورت لتهديدات متبادلة إلى تجند أوروبي لم ينجح في تجاوز العقوبات الأمريكية. بصورة متناقضة، فإن سعي ترامب لإجراء مفاوضات مباشرة مع إيران يواصل منحها شهادة الشرعية كدولة متعقلة يمكن الوصول معها لاتفاقات. الاتفاق النووي، سوية مع “مشكلة إيران”، سينتقل الآن بالوراثة للعقد القادم.

شظايا الخلافة

المكان الثالث في قائمة الثورات التي مر بها الشرق الأوسط في العقد الماضي يحتله تنظيم “الدولة الإسلامية-داعش”، الذي عرض وطبق للمرة الأولى استراتيجية دينية – عسكرية قائمة على سيطرة جغرافية ما فوق قومية. استند “داعش” إلى أيدولوجيا راديكالية معروفة، تسعى إلى إعادة تأسيس أمة إسلامية موحدة في فضاء إسلامي متواصل تحت حكم زعيم ديني أعلى على شاكلة الخلفاء الذين حكموا بعد موت النبي محمد.

لقد استغل التنظيم الإخفاقات السياسية والعسكرية للأنظمة في العراق وسوريا، وأسس في أجزاء من هذه الدول فضاء إسلامياً متطرفاً مع خصائص لدولة. هنا يكمن التجديد الذي يميز “داعش” عن تنظيمات راديكالية أخرى مثل القاعدة أو منظمات الإرهاب الإسلاموية في مصر- قبل انضمامها لـ “الدولة الإسلامية”. هذه التنظيمات التي عملت داخل دول تسعى لتقويض نظام الحكم المحلي لتضع مكانه سلطة دينية تدير الدولة حسب الشريعة طبقاً لتفسيرهم الراديكالي. إن حلمهم هو إقامة أمة إسلامية موحدة تلغي فكرة القوميات الخاصة لكل دولة، التي يرون في الدولة نتاجاً غربياً استهدف تحطيم الوحدة الإسلامية لأغراض السلطة عليها.

هذا الحلم لا يختلف عن حلم “داعش”، ولكن الاستراتيجية الإدارية والعسكرية للدولة الإسلامية -الحفاظ على وإقامة مؤسسات إدارة مدنية مثل المحاكم، والمدارس والمستشفيات؛ وكذلك بناء أجهزة تمويل تستند إلى الضرائب، والرسوم، والابتزاز وبيع النفط إلى جانب التبرعات- خلقت صورة دولة تعرف كيف تدير ملايين المواطنين من خلال السيطرة عليها وتوسيع حدودها. إجرامية “داعش” واستخدامه الناجع لوسائل الإعلام الإلكترونية مثل: شبكات التواصل الاجتماعي، استخدمها كوسيلة إدارة وفرض رعب، هكذا نجح في وقف انتفاضة مدنية ضده إلى درجة أنه اعتُبر في عدد من المحافظات، وبالأساس في العراق، بديلاً للسلطة المركزية التي تعاملت مع الأقلية السنية كسكان معادين أو على الأقل متآمرين.

بعد هزيمته الجغرافية، لم ينه داعش حياته، لقد تحول إلى تنظيم إرهابي “عادي” حارب من أجل بقائه. مصادر تمويله الأساسية أغلقت ومعها سوياً تبددت “التجربة الوحيدة لإقامة دولة إسلامية كبديل للدول القومية. يصعب التصديق بأن محاولة كهذه ستعود في المستقبل المنظور، ولكن شظايا تحطم “الدولة الإسلامية” ستواصل التفجر والتفجير في أرجاء العالم.

بقلم: تسفي برئيل

هآرتس 27/12/2019


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 53 / 2342879

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع ميديا  متابعة نشاط الموقع صحافة العدو   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

9 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 8

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28