] القدس… بين السيادة والقداسة! - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
الأحد 2 حزيران (يونيو) 2019

القدس… بين السيادة والقداسة!

الأحد 2 حزيران (يونيو) 2019

للقدس تاريخ متعدد الثقافات ومتعدد الأديان لأكثر من 4 آلاف سنة. وهو مغروس في أرضها، في جوها، في مشهدها البشري، وكذا في كونها موضع الأماني الروحية لمئات ملايين من بني البشر من أبناء الأديان المختلفة. على أساس هذه البنية يُجري كل من يشعرون بصلة بالقدس-يهوداً، ومسلمين، ومسيحيين، إسرائيليين وفلسطينيين-منافسة على المدينة على طابعها. كل جماعة تعمل لترك أثرها على المدينة بحيث يعكس أمانيها الوطنية والدينية. وكذا صلتها بها، في ظل تجاهل إقصاء بل ونفي صلة الآخرين.
تجري المنافسة حول القدس كلها، ولكن قوتها بالنسبة للحوض التاريخي، ولا سيما بالنسبة للحرم، مقلقة. للشعبين وللدينين تطلعات متضاربة بالنسبة للحرم، المكان الأكثر قدسية للشعب اليهودي حيث كان الهيكل، ويستخدم منذ 1300 سنة كبيت صلاة يومية للمسلمين. كل واحد من الطرفين لا يتردد في نفي علاقة الطرف الآخر. أيام النفي الفلسطيني للصلة اليهودية بالحرم هي كأيام النزاع القومي، وتعبيره الشهير كان ادعاء عرفات في مؤتمر كامب ديفيد في العام 2000 بأن الهيكل اليهودي كان في اليمن. ولكن ثمة محاولات في الجانب الإسرائيلي تنفي الصلة الإسلامية. قبل بضع سنوات شاهدت ما يجري في الحرم في ليلة القدر، وفي أثنائها وصل إلى الحرم نحو 250 ألف مصل وقفوا وركعوا وعادوا وركعوا وفقاً للعادة الإسلامية. وفي الغداة لم يكن هناك ذكر لهذا الحدث الجماهيري في وسائل الإعلام الإسرائيلية. هذا الصمت نوع من النفي الذي يمنع الجمهور الإسرائيلي من النظر على نحو سليم إلى العلاقات الإسلامية بالحرم.
إن المنافسة على الحرم تصبح مركبة أكثر في ضوء ادعاء الطرفين بأن ما هو مقدس له يجب أن يكون تحت سيادته وبملكيته. غير أن هذا الادعاء مغلوط: فاصطلاحاً القدسية والسيادة مختلفتان جوهرياً. اصطلاح السيادة بالفعل موضوعه تحديد الحصرية، أما القدسية فليست كذلك. القدسية يمكن أن تكون حاوية، وحقيقة أن المكان مقدس لي لا تنفي إمكانية أن يكون المكان مقدساً للآخرين أيضاً. فجوهر التعدد الديني للمدينة يستوجب من كل محبيها ثورة فكرية: فهو يستوجب اعترافاً متبادلاً بصلات كل الشركاء في المدينة وبتطلعاتهم الثقافية، الروحية والدينية. الشعب اليهودي ملزم بأن يعترف بأن المكان المقدس له هو في الوقت نفسه مكان مقدس وبيت صلاة يومي للمسلمين. والمسلمون ملزمون بأن يعترفوا بأن المكان المقدس لهم هو المكان الأكثر قدسية لليهود.
لست أتجاهل مسألة السيادة على القدس ولتي هي في قلب النزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، ولكني أقترح النظر إلى مسألة القدس انطلاقاً من العلاقة التاريخية، الروحانية، الثقافية، الدينية والإنسانية. هكذا مثلاً فإن الاعتراف بالمكانة الدينية والروحانية للبلدة القديمة والحوض المقدس لكل الأديان، يمكنه أن يضع الأساس الفكري للتفكير في هذا المجال كمجال مقدس مشترك، تعريفات السيادة والملكية لا تنطبق عليه. فهل نحن مستعدون لهذا التغيير في الوعي؟ هل نحن قادرون على أن ننفصل عن المنافسة ونجري حوار الشركاء؟ هل نحن مستعدون لأن نضع القدس على رأس فرحتنا وليس فقط حصريتنا فيها وسيطرتنا عليها؟

د.مئير كراوس
باحث في معهد السلام هرتمان، مدير معهد القدس للبحوث السياسية سابقاً
معاريف

- نصر الله: الحرب ضد إيران لن تنحصر في حدودها… ولبنان سيحفظ مصالحه

لقد كان خطاب نصر الله أول أمس بمناسبة يوم القدس كتضامن مع كفاح الفلسطينيين لتحرير القدس ظاهراً بالأسلوب المعروف والهجومي لزعيم المنظمة الشيعية ـ ولكن خلف تلك التهديدات قد نفهم بأن القول الأهم لأمين عام حزب الله يعنى بالذات بالمستوى الدبلوماسي ـ محاولة للوصول إلى تسوية في موضوع الخلاف حول الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل.
إن تناول نصر الله للموضوع يعزز الادعاء بأن هذه المفاوضات هذه المرة تعدّ جدية. وتشهد مصادر أخرى على احتمال عال واستعداد كل الأطراف للوصول إلى تسوية. عملياً، وفر نصر الله بشكل صريح إسناداً للاتصالات حين قال: «نقف خلف الدولة في مسألة تسوية الحدود أيضاً. نثق بالقيادة في لبنان بأن تعرف كيف تصر على حقوق الدولة لنيل ما يستحقه الشعب اللبناني».
كما تناول نصر الله في خطابه التوتر بين الولايات المتحدة وإيران، وقال إنه في حالة الحرب فإن إسرائيل والسعودية هما اللتان ستدفعان الثمن، وأن الأمريكيين يفهمون جيداً بأنه إذا نشبت حرب فلن تبقى في حدود إيران.
في إسرائيل يعتقدون بأن مواجهة عسكرية بين الولايات المتحدة وإيران لا تزال أمراً بعيداً جداً، وأن الطرفين غير معنيين بذلك. الإيرانيون في ضغط اقتصادي كبير، ولكن الأمريكيين يقولون بالشكل الأكثر وضوحاً بأن لا نية لهم لمحاولة إسقاط النظام في طهران، وأن هدف تشديد العقوبات على الإيرانيين هو دفعهم نحو المفاوضات واتفاق نووي أفضل من ذاك الذي انسحبت منه الولايات المتحدة قبل نحو سنة.
مثلما في حالات أخرى، فإن تفسيرات مغلوطة قد ان تؤدي إلى تصعيد لا يرغب أحد فيه، ولكن رغم التهديدات واللذعات تجاه إسرائيل، لم يشر نصر الله صراحة إلى أن منظمته ستسارع بالانضمام إلى الإيرانيين أو لتنفيذ عمليات بتكليف منهم ضد أهداف إسرائيلية أيضاً في حالة التدهور الأمني بين الولايات المتحدة وإيران. هذا القول يتطابق أيضاً مع الفهم في إسرائيل الذي يقول إن نصر الله ـ وإن كان يشدد النبرة ضد إسرائيل-إلا أنه يتصرف بشكل براغماتي تجاهها، وهو غير معني ولا يسعى إلى مواجهة عسكرية. في هذا الشأن تجده بعيداً عن أن يكون دمية للحرس الثوري. وهو قبل كل شيء سيعمل انطلاقاً من مصالحه في لبنان والتي ستكون قبل مصالح إيران، ما سيؤدي إلى عدم استقرار المنطقة بسبب الأزمة الاقتصادية التي تعيشها.
يعود حزب الله من الحرب الأهلية في سوريا مع تجربة ميدانية كبيرة، ولكن بعد دفعه لثمن باهظ. العديد من العائلات التي فقدت أبناءها في الحرب (جرحى ومعوقين كثيرين) يثقلون جداً على المنظمة التي تعيش هكذا أيضاً في الوضع الاقتصادي الأشد في السنوات الأخيرة. ومثلما كان الحال دوماً، فإن المواجهة مع إسرائيل يمكن أن تقع ولا سيما حين يعمل سلاح الجو في سوريا ضد أهداف لحزب الله أيضاً. ولكن ليس صدفة أنه في السنوات الأخيرة لم يقتل هناك نشطاء للمنظمة بنار سلاح الجو، ويمكن الافتراض بأن إسرائيل تتخذ جانب الحذر الشديد في هذه المسألة كي لا تتدحرج إلى حرب غير مرغوب فيها.
في خطابه، وفر نصر الله عنواناً رئيساً مشوقاً آخر بالنسبة لمشروع تدقيق صواريخ حزب الله. فقد نفى في خطابه أول أمس وجود مصانع لإنتاج الصواريخ الدقيقة في لبنان وقال: «توجهت جهات إلينا وطلبت أن نهدم مواقع لإنتاج الصواريخ الدقيقة على أراض لبنانية. أوقفت الجهات وقلت لها إننا مستقيمون أكثر من الأمريكيين. وإذا قلت إنه لا يوجد في لبنان، فهذا هو الواقع بالضبط.
كما كان متوقعاً، لم يتطرق نصر الله لصور تدمير إسرائيل للنفق الأخير التابع للمنظمة، في آخر حملة للجيش الإسرائيلي. في إسرائيل يعتقدون بأن المنظمة تلقت ضربة قاسية ـ عملياتية واقتصادية، نتيجة تدمير الأنفاق، ولكن ليس في هذا ما يحبط حتى الآن خططها الهجومية نحو الأراضي الإسرائيلية. فجزء كبير من نشاط قوات المنظمة يبذل في الخطط والاستعدادات لحالة الحرب مع إسرائيل.

تل ليف رام
معاريف

- جمعية يهودية متطرفة: بإسناد المحكمة… «مسيرة القدس» للمستوطنين ستجوب الأحياء الإسلامية

يفترض أن يكون يوم وحدة، ولكن احتفالات يوم القدس أصبحت مع السنين من نصيب الصهيونية الدينية. الحدث المركزي، مسيرة الأعلام، أصبحت منصة دائمة للزعران، ليسوا الأغلبية ولكنهم البارزون. وإذا انطلقت اليوم هناك الصراخات على نمط «الموت للعرب»، أو «فلتحرق لكم القرية»، عندها فإن مهامة اللاسامين وكارهي القدس سينفذها اليهود.
القدس ليست مدينة سهلة، عشرة أثقال من التوترات هبطت على إسرائيل ـ تسعة منها كانت من نصيب القدس. ذات مرة كان هذا مركز التوتر بين الأشكناز والشرقيين. هناك نبت الفهود. القدس كانت ولا تزال مركز التوتر الأساس بين الأصوليين ومعظم الإسرائيليين. والقدس هي أيضاً مركز النزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني. مدينة موحدة ليس فيها وحدة. مدينة معظم يهودها لا يتجرأون على الدخول إلى كثير من أحيائها.
استطلاعات مختلفة أشارت في الماضي إلى أن أغلبية عرب شرقي القدس يريدون البقاء في إسرائيل. ولكن الأغلبية لا تقرر. الأقلية العنيفة تقرر. وفي المسيرة التي تجرى اليوم أيضاً فإن الأغلبية لا تقرر. إذا كان بين آلاف السائرين عشرات قليلة ممن سيطلقون هتافات عنصرية فهم الذين سيقررون النبرة، وهم الذين سيلونون الصهيونية الدينية بألوان ظلامية، لأن قادتها لا يفعلون ما يكفي كي يقتلعوا النباتات الضارة التي تنمو في داخلهم.
أحد الجدالات حول المسيرة يكمن في مسألة إذا كان ينبغي السير داخل الأحياء العربية. إذا كان هذا هو ما يصر عليه منظمو المسيرة فالنتيجة استفزاز. كيف كان الناس في حي يهودي سيشعرون لو جرتفي شوارع اليهود مسيرة النكبة التي تضم مؤيدي حماس ممن يهتفون «اذبح اليهود»؟ فالادعاء بأن «هذا لا شيء»، سيرد باحتقار. فالإصرار على إجراء المسيرة في داخل حي إسلامي، هو المشكلة. وما نكرهه ـ رجاء ألا نفعله للآخرين.
لا يوجد للزعران من هذا النوع تميز إسرائيلي. ففي كل سنة تجري في بلفاست «مسيرة البرتقاليين»، إحياء للانتصار في 1960 الذي حققه وليم الثالث من أورنج على الملك جيمز الكاثوليكي. البرتقاليون، البروتستانتيون مؤيدو الحكم البريطاني، أصروا على العبور في الأحياء الكاثوليكية من المدينة المتنازعة. حتى بعد توقيع «اتفاق يوم الجمعة الطيب»، لا تزال المسيرة تشكل بؤرة للتوتر والعنف.
في بلفاست كانت هذه مسيرة نظمتها مجموعة سياسية. وهذا ما يحدث في إسرائيل، حيث جرت المسيرة برعاية جمعية «عام كلفي»، ومطالبتها العبور في الحي الإسلامي لاقت اسناداً من محكمة العدل العليا، بما في ذلك لاعتبارات حرية التعبير. ولكن في السنوات الأخيرة يأتي أساس التمويل من بلدية القدس ومن وزارات حكومية. الحديث عن حدث رسمي لتغيير المسار، تخفيفاً من التوترات، هو واجب. مهما يكن من أمر، فإن طبيعة الحدث لمسيرة اليوم هي اختبار للصهيونية الدينية. إذا لم ينجحوا في لجم الزعران ـ فالضرر لن يكون لهم فحسب، بل للقدس كذلك.

بن ـ درور يميني
يديعوت ـ افتتاحي

- لماذا تعود أمريكا إلى الشرق الأوسط… وكيف؟

شيء غريب حصل للرئيس ترامب، فقبل نصف سنة فقط أعلن بأن الدور التاريخي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط انتهى، وأن نيته ترمي إلى تقليص حجم القوات الأمريكية في المنطقة بل وإخلاء عموم الجنود الذين لا يزالون في سوريا.
لقد شرح الرئيس بأن أمريكا فقدت كل اهتمام بالشرق الأوسط لأنها لم تعد تحتاج إلى النفط الذي فيها، ولأن داعش، الذي هدد بجلب الإرهاب الإسلامي إلى أراضيها، صفي. وقال إن إيران الآن يمكن أن تفعل كل ما يروقها، فما بالك أنها أخذت تضعف بسبب العقوبات الاقتصادية؟ في كل الأحوال، لخص قائلاً إن إسرائيل يمكنها أن تدافع عن نفسها بفضل المساعدة الاقتصادية من الولايات المتحدة.
لم تنقض أشهر قليلة، وإذا بترامب يجتذب عائداً إلى المنطقة التي أراد تركها، فيعزز فيها القوات الأمريكية، بل ويبعث بالطائرات والسفن الحربية. يبدو أنه لم يتبق للرئيس مفر في ضوء أصوات الحرب من طهران. عملياً، هذه ليست مجرد أصوات، بل هي أيضاً وأساساً أفعال: سلسلة هجمات إيرانية ضد حلفاء واشنطن في المنطقة. في طهران كان يبدو أن من «شم الدم» وفسر إعلانات ترامب عن فك الارتباط عن الشرق الأوسط كتعبير عن الضعف.
وبالتالي، فإن الولايات المتحدة-ترامب تتعلم بالطريقة الأصعب الدرس الذي تعلمته إسرائيل في العقد الماضي في غزة ولبنان. يمكن الخروج من غزة، ولكن غزة لن تسارع إلى «الخروج» وترك إسرائيل لحالها، بل ستطاردها حتى لو انسحبت تماماً. بالوزن ذاته، يمكن للولايات المتحدة أن تخرج قواتها من المنطقة وتفك ارتباطها بها، ولكن الإرهاب الإسلامي من مدرسة القاعدة وداعش، وإلى جانبهما إيران وفروعها أيضاً، سيواصلون ملاحقة الولايات المتحدة، والمس بها وبأراضيها، وبمصالحها وبحلفائها في المنطقة والعالم.

بعد إعلانها انتهاء داعش ومحاصرتها إيران… وتثبيت حليفتها في المنطقة:

لقد شهد التدخل الأمريكي على مدى العقود الأخيرة ارتفاعات وهبوطات، نجاحات وإخفاقات، والاستنتاجات تلقى مفعولاً إضافياً في ضوء التحديات الحالية في الشرق الأوسط.
أولاً، إذا كانت الولايات المتحدة تسعى لأن تلعب دوراً مركزياً في العالم ـ مثلاً، في مناطق استراتيجية من ناحيتها مثل الشرق الأقصى ـ فمن المحظور عليها أن تترك الشرق الأوسط خلفها. هذا استنتاج توصل إليه الروس أيضاً، والدليل هو أن بوتين يقود روسيا نحو مكانة صدارة في العالم عبر التدخل المتزايد في منطقتنا. فالمركزية الجغرافية، الاقتصادية والسياسية للشرق الأوسط لا تسمح بفك الارتباط، بل يفترض المتابعة والتحكم.
ثانياً، المسائل التي على جدول الأعمال في الشرق الأوسط ليست محلية وليست محصورة بالمنطقة وسكانها. فالسياسة الإيرانية ليست دفاعية في جوهرها بل مبادرة وهجومية، وتخلق تهديداً حقيقياً. وقطع الاتصال عن المنطقة لن يحل بل سيفاقم التهديد. كما أن القتال الاقتصادي الذي تبناه ترامب كفيل بأن يحقق أهدافاً محدودة قط، وألا يغير الواقع الإقليمي من أساسه.
وأخيراً، درجت الولايات المتحدة على أن ترى في إيران من قبل، وبعدها تركيا، وكذا في دول الخليج ـ الحجارة الأساس لتواجدها في المنطقة وحمايتها لمصالحها. غير أن كل هذه خيبت الآمال. إيران أصبحت عدواً ولم يعد ممكناً الاعتماد على تركيا، التي توثق علاقاتها مع موسكو، ولا على الدول العربية الغارقة في مصاعب ومشاكل داخلية. على هذه الخلفية يتبين للولايات المتحدة مرة أخرى أن إسرائيل هي الحليف الوحيد الذي يمكنها أن تعتمد عليه عند الأزمة. العلاقة مع إسرائيل ليست عائقاً، بل وسيلة لتعزيز مكان الولايات المتحدة الإقليمية. ولا سيما حين تكون الدول العربية والخليجية بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى سند قوي يساعدها في مواجهة طهران.

ايال زيسر
إسرائيل اليوم

- هكذا تغزو الدولة العبرية مستقبل الفلسطينيين!

جلسنا على الشرفة حتى تتمكن المضيفة والضيف من التدخين. البيرة كانت باردة، اللوز والفستق الحلبي كانا مالحين بدرجة ما، ورياح الخماسين لم تزعجنا كثيراً لأن الساعة كانت السابعة مساء تقريباً. شارع الكركفا الذي يتعرج تحت شارع تراسانطة الذي يقع تحت كنيسة المهد، كان خالياً من السيارات مع اقتراب موعد الإفطار. ذات مرة قالوا لي، أكيد بمبالغة ما، قبل 20 ـ 30 سنة بأن هذا الشارع كان يعتبر نهاية العالم. من كان يبني هنا شعر بأنه مغامر شجاع وذهب ليعيش في المنطقة التي تقع بين بيت لحم وبيت ساحور.
محادثة حرة عن الأمور البسيطة. الابنة تستعد لامتحان مهم في موضوع مكتوب بلغة سرية (تمويل، إدارة أعمال، وما شابه). الابن عاد من العمل مع مزارعين في منطقة أريحا، 52 درجة مئوية. الابنة الثانية موسيقية، اتصلت من مكان دراستها في الخارج لتقول مرحباً وتخبر أنها مشتاقة. ويتبين أن معلمها السابق هو الضيف الذي يجلس الآن ويشرب البيرة على الشرفة والسعادة كبيرة.
ولكن في داخل هذه الأجواء من أجواء الطبقة الوسطى، العالمية، تندفع كل المتغيرات المحلية، الثابتة والمعتادة. الوالد قضى ثلاث سنوات في السجن بسبب نشاطات في الانتفاضة الأولى. هل توفي في عمر الـ 49 بسبب الحسرة لهدم ورشته، أم توفي لسبب آخر أخف؛ ففي الانتفاضة الثانية لم تسمح الطرق المغلقة لسيارات الإسعاف بالوصول إليه في الوقت المناسب وتقديم العلاج له.
لقد فكرت بيني وبين نفسي: في كل سياق نكتب فيه عن الفلسطينيين نسبب لهم الظلم. عندما نكتب عن الموت غير الطبيعي الذي تسببه لهم إسرائيل في كل يوم تتوقف فيه حياتهم المتواصلة. وكأن الفلسطينيين هم فرع من حركة الدهس الإسرائيلية. ليس لهم وجود مستقل تحت الشمس. وإذا كتبنا عما يشبه الحياة التي لا يتم سحقها تحت أحذيتنا، مثل الحفيد الذي يركب على الدراجة البلاستيكية ويصطدم بأصيص. أو دورة تدريب جديدة لمهندسي الأمان في المباني. نخدم الدعاية المدربة التي تقولها إسرائيل لكل العالم، وفي المقام الأول لليهود، وهي أن كل شيء طبيعي لديها. قارنوها مع سوريا وسترون من الذي حالته أفضل.
كم هو صحيح وملزم واقع أن نكتب مرة تلو الأخرى عن أنابيب المياه التي تحاول التجمعات الفلسطينية تركيبها من أجل ضمان الشيء الأساسي الذي اسمه المياه المتدفقة، في حين أن مشرفي الإدارة المدنية والجنود الراضين عن أنفسهم يصادرونها مرة تلو الأخرى أو يمنعون تركيبها، مثلما فعلوا أمس مثلاً في يوم السبت المقدس قرب السموع، لكن هذا التقرير السيزيفي إلى حد ما سيسجل كدليل على وجود الديمقراطية اليهودية في أفضل حالاتها: لنا حق في الكتابة، والقراء لهم الحق في أن يقرأوا ولا يهتموا، وكذلك أن يرسلوا أولادهم الأطفال إلى الخدمة العسكرية من أجل منع الفلسطينيين من الاستمتاع بالمياه المتدفقة.
كم هو مغر أن تكتب عن مبادرات فنية في بيت ساحور، لكن هذا يخدم العنصريين المتلصصين الذين سيضحكون: ماذا، هل يعرفون صناعة أدوات عزف؟ وكم هو مغر أن تقص عليهم ما قاله الابن: الزبائن في البقالة المجاورة تحدثوا بفرح عن التسهيلات بسبب شهر رمضان وعيد الفطر والسفر إلى الخارج عبر مطار بن غوريون. وحتى إذا أظهر كشف بأن هذا ليس شائعة لا أساس لها، فإن جوقة المشجعين ستصفق وتثني على كرم الإسرائيليين، ولن يفيد إعادة ذكر بالتفصيل من جديد قوانين الأبرتهايد التي تمنع الفلسطينيين من حرية الحركة في أرض إسرائيل الكاملة. أمام ناظرينا ظهر مشهد لقبة جبلية متناظرة مغطاة بأشرطة جديدة من المباني مع قطع خضراء بينها وفضاء أخضر حولها، إذا مددت يدك ستلمسها، مستوطنة هار حوماه، أو حوماه شموئيل. حي بلغة ما بعد الحقيقة. المستوطنة تم التخطيط لها في فترة زعيم السلام، اسحق رابين، لأسباب ائتلافية توقف بناؤها العدواني. وبعد ذلك عاد بنيامين نتنياهو وأمر بإقامتها. ومرة أخرى فكرت بيأس: كم من الصعب أن نشرح بالكلام خداع الهندسة المعمارية الإسرائيلية، الحزام المشدود والخانق للمستوطنات، السور، الجدار وشوارع لافيغدور ليبرمان وغيره من اليهود، التي أقامتها إسرائيل حول فضاء بيت لحم. هنا في الغرب، على أراضي قرية الولجة، يتم بناء واستكمال الحاجز الجديد، مع جدران من الأسلاك الشائعة التي تلمع بسبب حداثتها. هذا سيمكن مرة أخرى من توسيع المشهد الأخضر لليهود على أراضي القرية التي نواصل التنكيل بها.
«ما الذي سنفعله بعد عشر سنوات»، سألت المضيفة، «الأحفاد سيكبرون وسيتزوجون، أين سيسكنون؟ ما الذي سيبقى لهم؟». اندفع المستقبل نحو محادثتنا. من الجو سيبدو المشهد هكذا: بقع متفرقة من المباني المكتظة، المرتفعة، بدون لون أخضر أو أرض فارغة، المرتبطة معاً بأشرطة من الشوارع الضيقة، التي في كل لحظة معطاة يمكن لجنديين ومفتاح أن يغلقوها. من سيهربون للبحث عن أفق في الخارج سيرسلون مساعدة مالية للعائلات التي تركوها وراءهم والتي بحاجة إلى الأكل. منظمات دولية ستعقد مؤتمرات في الفنادق الفاخرة من أجل تنسيق تحويل الهبات لجيوب البطالة هذه، التي ستزدهر حولها دولة اليهود.

عميره هاس
هآرتس


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 17 / 2342879

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع ميديا  متابعة نشاط الموقع صحافة العدو   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

11 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 10

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28