] هل يبدو حكم الضفة كحكم غزة؟ - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
السبت 4 أيار (مايو) 2019

هل يبدو حكم الضفة كحكم غزة؟

السبت 4 أيار (مايو) 2019

أودعت دولة إسرائيل مؤخراً في الحساب البنكي للسلطة الفلسطينية نحو 600 مليون شيكل من أموال الضرائب، وذلك على أمل أن تستخدمها السلطة لدفع الرواتب. ورداً على ذلك أعادت السلطة بعد بضعة أيام كل المال لإسرائيل دون أن تستخدمه.
لقد شكل الوضع الاقتصادي للسلطة بشكل عام ولسكان الضفة بشكل عام على الدوام عاملاً مهماً في تقدير الوضع الاستخباري والعملياتي، كمدماك في فحص الدافعية والاحتمالات المختلفة للتهدئة أو للتصعيد. وهكذا كان دارجاً افتراض بأن الوضع الاقتصادي المحسن لسكان الضفة الفلسطينيين، مثلما هو أيضاً وضع عشرات آلاف العمال العاملين في إسرائيل، يشكل عامل لجم عن تنفيذ أعمال تخريبية معادية والتدهور إلى التصعيد وأن استمرار تحسين الوضع الاقتصادي ونسيج حياة الفلسطينيين سيحفظ الاستقرار الأمني. وعليه، فإن مفهوم التخوف الإسرائيلي يأتي من المس بهذا الوضع.
إن الأزمة الاقتصادية الآخذة بالتفاقم في السلطة الفلسطينية تشكل تحدياً ومدعاة للقلق. في الخلفية قرار حكومة إسرائيل ـ الذي اتخذ قبل زمن بعيد ولكنه تقرر تنفيذه في أعقاب قتل اوري انسبخر ـ الاقتطاع من أموال المقاصة المبالغ التي تحولها السلطة لعائلات الجرحى، الشهداء والسجناء. لقد نفذ هذا القرار عدة مرات في الماضي، ولكن في حينه تراجعت دولة إسرائيل بعد زمن قصير عن هذه الإجراءات، عقب التخوف من احتمال التدهور الكامن فيها.
ومع أن الحديث يدور عن اقتطاع مبلغ غير كبير، عشرات ملايين الدولارات في كل شهر، ولكن رداً على قرار حكومة إسرائيل قررت السلطة في خطوة استفزازية وقف تلقي كل أموال المقاصة من إسرائيل والتي تبلغ أكثر من 8 مليار شيكل، من أصل نحو 18 مليار إجمالي ميزانية السلطة. ونتيجة لذلك، اضطرت السلطة لأن تقلص نحو نصف رواتب موظفيها بمن فيهم عشرات آلاف من عاملي أجهزة الأمن، الذين يعملون ضمن أمور أخرى للحفاظ على النظام العام ومكافحة الإرهاب والتعاون الامني مع إسرائيل.
وجاء التقليص في إطار إعلان رئيس وزراء السلطة الجديد محمد اشتيه عن حالة طوارئ اقتصادية لمئة يوم. وتضمنت الخطة إضافة إلى ذلك وقف تمويل سكان الضفة ممن يتلقون العلاج الطبي في المستشفيات في إسرائيل وتوجيههم إلى مصر والأردن، حيث العلاج أقل كلفة ولكنه أقل مهنية أيضاً. كما أن الدعوة للعودة إلى فلاحة الأرض وإلى «الصمود» الذي تميز به المجتمع الإسرائيلي في أوقات الضائقة في الماضي. ينضم هذا الحدث إلى عدة مسائل اقتصادية أخرى تؤثر على الوضع في الميدان، بينها تقليص المساعدات لوكالة الغوث والأموال الأمريكية التي تحول إلى السلطة بشكل عام. وفي السنوات الأخيرة سجل انخفاض بأكثر من 50 في المئة على المساعدات الغربية التي تحول إلى السلطة وهي تبلغ عدة مليارات قليلة من الشواكل. إضافة إلى ذلك، ورد في تقرير البنك الدولي أنه كان في العام 2018 انخفاض في النمو في السلطة وهو يبلغ أقل من 1 في المئة. أما الوعود الكثيرة بالمساعدات من الدول المانحة والدول العربية المختلفة فلا تنفذ، والمال لا يحول إلى السلطة. على هذه الخلفية يمكن أن نفهم دعوة نائب الأمين العام للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لإيجاد حل دائم للأزمة الاقتصادية المحتدمة في السلطة، والتي تهدد بانهيارها. ويمكن لأبو مازن أن يجد بعض المواساة في القرار الأخير للدول المانحة بتحويل ملياري يورو إلى السلطة، وهذا سيستغرق وقتاً حتى تصل الأموال إلى يد السلطة، إذا ما وصلت على الإطلاق.
مؤشرات أولية للاستياء والضائقة تسمع منذ الآن في الشارع الفلسطيني بما في ذلك في أوساط عاملي أجهزة الأمن. ومن شأن استمرار الوضع القائم، فما بالك تفاقمه، باحتمال عال أن يؤدي إلى احتدام هذه المؤشرات.
هكذا مثلاً، فإن أبو مازن كفيل بأن يقرر مواصلة تقليص تحويل الأموال إلى الموظفين في غزة (وهو المال الذي بدأ به قبل بضعة أشهر وشكل عاملاً مركزياً في التصعيد بين إسرائيل وحماس حول الغلاف) بشكل يزيد أكثر فأكثر الضائقة المالية في القطاع.
من شأن الوضع أن يمس بدافع عاملي الأجهزة للتعاون مع قوات الأمن الإسرائيلية بل حتى «أن يدفع» بعضهم للمشاركة في أعمال الإرهاب. وذلك لدرجة تعزز حماس ونشطائها في أرجاء الضفة. إلى جانب ذلك هناك احتمال متزايد لتصاعد المظاهرات وأعمال الإخلال بالنظام واسعة المشاركة بل ومشاركة المواطنين في الإرهاب الشعبي وغيره.
لهذا الوضع الاقتصادي الباعث على التحدي تتجمع عدة عوامل أخرى ـ وهي تبدو ظاهراً لا ترتبط فيما بينها ـ ولكنها معاً تشير إلى احتمال متعاظم لتغيير الوضع الاستراتيجي في المنطقة. وفي هذا الإطار من الصواب الإشارة إلى فترة رمضان التي ستبدأ بعد بضعة أيام؛ الترقب لنشر صفقة القرن للرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعد نحو شهر، والتي لا يهم ما هي تفاصيلها ـ من ناحية الفلسطينيين فإنها صفقة سيئة ومنحازة لصالح إسرائيل؛ وكذا إعلان رئيس الوزراء قبل الانتخابات بشأن ضم مناطق في الضفة والمنشورات عن المطالب الائتلافية في هذا الموضوع. وأخيراً، في الأسابيع القريبة القادمة نحيي يوم الذكرى، يوم الاستقلال ويوم القدس ـ وهي أيام حساسة جداً من ناحية أمنية حتى دون الظروف الحالية.
إلى جانب حقيقة أن تحول الأموال إلى السجناء وعائلات المخربين ليست مناسبة، من الصواب أن نسأل أنفسنا هل يعد احتمال التدهور القائم في قرار الحكومة ومعانيه مستحقاً للاصرار على تنفيذه في الوقت الحالي. إضافة إلى ذلك، فما هو الفرق بين القرار البراغماتي والصحيح بحد ذاته من حكومة إسرائيل السماح بتحويل الأموال من قطر إلى منظمة الإرهاب حماس في غزة منعاً للتصعيد بيننا وبين حماس في القطاع وبين اتخاذ قرار مشابه معناه وقف اقتطاع أموال المقاصة التي تدفع للعائلات من جانب السلطة الفلسطينية؟
وبالتوازي، ودون صلة بقرار القيادة السياسية في هذا الشأن، على جهاز الأمن العام والجيش الإسرائيلي أن يستعدا لتغيير أساسي للوضع في الميدان.
وسواء من ناحية الاستخبارات أم من ناحية التعاون الأمني والمدني مع أجهزة السلطة أم في الجانب العملياتي، ولا سيما في استعداد القوات المختلفة لأحداث إرهابية متفجرة مثلما هو لتعاظم أعمال الإخلال بالنظام والإرهاب الشعبي على طول المحاور وفي المعابر.
إن فترة الانتقال السياسي التي نحن فيها هي فرصة لتجميد اقتطاع الأموال حالياً وضخ «أكسجين» للاقتصاد الفلسطيني إلى حين بلورة سياسة شاملة وحديثه تجاه الضفة.
تعالوا نأمل أن نجتاز الأسابيع القريبة القادمة بهدوء وأمان.

ايلي بن مئير
معاريف


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 6293 / 2342879

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع ميديا  متابعة نشاط الموقع صحافة العدو   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

36 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 36

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28