] «إسرائيل» وغزة وما بينهما! - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
السبت 27 نيسان (أبريل) 2019

«إسرائيل» وغزة وما بينهما!

السبت 27 نيسان (أبريل) 2019 par ناجي صادق شراب

مفاهيم خاطئة تسود علاقة «إسرائيل» بغزة، والحسابات تحكمها اعتبارات أساسها الحاجة المشتركة. تاريخياً تدرك «إسرائيل» ماذا تعني غزة، هذه البقعة الجغرافية الصغيرة التي لا تزيد مساحتها على 340 كيلومتراً مربعاً، بعدد سكان تجاوز المليوني نسمة، جلهم من الشباب، حيث تعتبر من أكثر المناطق كثافة سكانية. أهمية غزة ل«إسرائيل» ليست في المساحة، فمساحتها تقارب 1.3% من مساحة فلسطين الانتدابية التاريخية، ناهيك عن صغر المساحة، هناك خصائص جيوسياسية وطبوغرافية تجعل من غزة منطقة يمكن التحكم في منافذها ومخارجها، وسهولة التعامل معها عسكرياً.
تاريخياً، رأت «إسرائيل» في غزة أنها البديل لأية دولة فلسطينية، وأنها المخرج لأي تسوية سياسية. لغزة وظيفة سياسية كما للضفة الغربية وظيفة أمنية. إن أول حكومة قامت في غزة، وأول جيش تحرير تأسس في غزة، لذا، فإن «إسرائيل» لن تتخلى عنها لأسباب جيوسياسية وأمنية. فغزة تقع في قلب الدائرة الأولى لأمن «إسرائيل»، فهي لن تسمح أن تتحول غزة إلى مركز تهديد أمني لها من خلال السماح ببناء بنية مقاومة متطورة، فهي تستفيد وتوظف الخطاب الإعلامي والتصريحات التي تصدر من غزة لتبرير أي حرب تريد أن تشنها في الوقت الذي تراه مناسباً.
لماذا لا يمكن أن تتخلى «إسرائيل» عن غزة؟ سببان رئيسيان: الأول أمني، فأي سلاح فيها حتى لو كان تقليدياً يشكل تهديداً، فما بالنا بصواريخ متطورة، أو أي شكل من السلاح الذي يمكن أن يهدد التجمعات السكانية، هذا مبرر كاف لشن حرب عسكرية شاملة. ويخطئ من يعتقد عكس ذلك. فالأساس في علاقات «إسرائيل» الخارجية وخصوصاً مع الدول العربية على امتدادها تقوم على أولية خيار الحرب، فمن منظور أمني لن يسمح لأية دولة عربية امتلاك سلاح يتفوق على قوة «إسرائيل»، والأمثلة كثيرة، كضرب المفاعل النووي العراقي والاعتداءات الجوية على سوريا.. والآن الحديث عن خيار الحرب ضد إيران. والسبب الثاني سياسي، فمن وجهة نظر «إسرائيل» أن المكان البديل للدولة الفلسطينية هو غزة، لأنها بكل المقاييس ستكون دولة تابعة وهشة ضعيفة لأسباب جغرافية، فمساحتها صغيرة، وكثافتها السكانية مرتفعة، وخصائصها الطبوغرافية بسيطة يمكن التحكم فيها براً وبحراً، والمنفذ الوحيد لغزة هو مصر التي تحكمها معاهدة سلام مع «إسرائيل»، ولن تسمح بقيام دولة للإخوان فيها. وفي جميع الأحوال لن يسمح بقيام دولة تكون مصدراً للتهديد.
سياسة «إسرائيل» المتدرجة مع غزة، تقوم على الحصار، وهي تعرف ما تريد حماس من غزة، تريد البقاء والكينونة السياسية مقابل تهدئة طويلة، مع تنظيم للسلاح تدريجياً، وإذا لم يتحقق هذا الهدف، يبقى خيار الحرب قائماً وبقوة، لإجهاض أي تنام في قوة المقاومة بالقطاع. تعرف «إسرائيل» أن حماس قوية، هي تريد قوة مقاومة وظيفية، قادرة على حماية الحدود، والتحكم في القوى والفصائل الموجودة في غزة. والحروب الثلاث التي شنتها على غزه تأتي في هذا السياق.
ومن الأخطاء الاستراتيجية أنه عندما قررت «إسرائيل» الانسحاب الآحادي من غزة في عهد شارون، لم يكن هذا تحت وطأة وضغط المقاومة فحسب، إنما كان المقصود الوصول إلى مرحلة الانقسام والانفصال. فعندما شاركت حماس في الانتخابات، كان بموافقتها، وكانت قادرة على عرقلة هذه المشاركة في الضفة، وحتى في غزة، وكانت استطلاعات الرأي تشير إلى فوز حماس، وكانت «إسرائيل» تريد ذلك كي تنخرط حماس في السلطة، وهو ما تحقق لها جزئياً. ولذلك أخطأنا فلسطينياً في تقدير هذا الانسحاب، وأعمتنا فرحة الانسحاب وتجييره بعيداً عن الأهداف الحقيقية. والخطأ الآخر هو الاعتقاد بأنه يمكن تحرير فلسطين أو أي جزء منها من غزة، لو كان هذا متاحاً لِمَ لَمْ تبدأ معركة التحرير الآن؟! ثم يجب عدم تحميل المقاومة أكثر من قدرتها، إذ من السهل أن نطلق الصواريخ، وأن نبدأ الحرب، لكن ليس من السهل أن نوقفها كما نريد ومتى نريد. وفي النهاية الحرب امتداد للسياسة، وأي حرب لن تخرج عن رفع الحصار وتسهيلات سكانية مقابل تهدئة. أما خيار السماح بقيام دولة فلسطينية تحكمها حماس، فثمنها السياسي غير متوفر، وقد يصل لحد إنهاء الصراع، وهذا خيار مستبعد في المنظور القريب.
تؤكد تصريحات نتنياهو أن الانقسام الفلسطيني وفصل غزة عن الضفة مصلحة «إسرائيلية»، ولن تسمح «إسرائيل» بعودة السلطة إليها، هذه التصريحات تؤكد أن لا حرب مقابل التهدئة، ولا دولة من دون اعتراف حماس بوجود «إسرائيل».


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 10640 / 2337213

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 18

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28