] كيف تبدو حدود القطاع مؤشر البوصلة للرزمة المصرية الإسرائيلية؟ - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
الجمعة 8 آذار (مارس) 2019

كيف تبدو حدود القطاع مؤشر البوصلة للرزمة المصرية الإسرائيلية؟

الجمعة 8 آذار (مارس) 2019

في مثل هذا اليوم قبل 75 سنة، 7 آذار 1944، أصدرت رئاسة المجلس الأعلى في الاتحاد السوفييتي (البرلمان السوفييتي)، أمراً رسمياً بشأن «تصفية الجمهورية ذات الحكم الذاتي السوفييتية الاشتراكية لتشيتشينو ـ انغوشيا، وتسوية إدارية لأراضيها». في بداية الأمر قيل إنه نظراً لغزو الجيش الألماني لشمال القوقاز في صيف 1942، «شيشان وانغوش كثيرون خانوا الوطن» من خلال التعاون مع الألمان، وكذلك «مع الأخذ في الحسبان أن شيشان وانغوش كثيرين كانوا مشاركين خلال سنوات طويلة في الصراعات المسلحة ضد سلطة السوفييت» يجب «إعادة توطين» كل الشيشان والانغوش في «المناطق الأخرى للاتحاد السوفييتي».
«إعادة التوطين» نفسها ـ طرد مئات آلاف الشيشان والانغوش من وطنهم الذي يقع شمال القوقاز الى كازاخستان وقرغيزيا التي تقع في وسط آسيا ـ استكملت بنجاعة مخيفة، خلال ستة أيام، قبل أسبوع من ذلك. في 29 شباط 1944، في برقية سرية لستالين، أبلغ بفخر رئيس الـ ان.ك.و.د، لبرانتي بيريا، عن الانتهاء الناجع لـ «العملية». منذ بدايتها في 23 شباط فإن 478479 شخصاً، من بينهم 387 ألفاً و229 شيشانياً و91250 انغوشياً تم تحميلهم في 177 قطاراً بنقل جماعي، حيث 159 منها وصلت إلى «أهداف إعادة التوطين الجديدة».
الطرد الوحشي للشيشان والانغوش من شمال القوقاز، الذين فقط 0.5 في المئة منهم، أي 2 ـ 3 آلاف شخص، ثاروا بالفعل ضد السوفييت أثناء الغزو النازي وسعوا إلى تعاون عسكري مع الألمان، ينضم إلى سلسلة طويلة من التطهير العرقي الستاليني الذي جرى في الأعوام 1937 ـ 1944. أكثر من 12 قومية اعتبرت شعوباً «خائنة» أو مهيأون للخيانة. (1.982.142 شخصاً بالإجمال) تم اقتلاعهم بشكل قسري من بيوتهم وأعيد توطينهم بعيداً عن أراضي وطنهم.
«عملية العدسة» (اسم سري لعملية طرد الشيشان والانغوش) كانت الأكثر قسوة وعنفاً منها جميعاً، وشملت حالات قتل جماعي مثل مذبحة حايباخ في 27 شباط 1944. خلالها مئات (200 حسب التقديرات المخففة و700 حسب التقديرات الأعلى) من سكان حايباخ (نوع من القرية الجبلية في القوقاز) النائية الذين لم يكن بالإمكان طردهم بسبب الثلوج، تم تجميعهم من قبل وحدة ان.ك.و.د في إسطبلات محلية وتم إحراقهم أحياء.
في العام 1957 بعد وقت قصير من قيام نيكيتا خورتشوف بالإدانة العلنية لعبادة شخصية ستالين، سمح للشيشان والانغوش بالعودة إلى بلادهم، والجمهورية ذات الحكم الذاتي لتشيتشينو ـ انغوشيا أقيمت مجدداً. ورغم ذلك، خلال أكثر من عشرين سنة تم إسكات طرد الشيشان والانغوش في الخطاب السوفييتي، وواصل الإطلاق في الجو المسمم بصورة يومية بالوطنية المتطرفة والعنصرية للشعارات التي لا أساس لها من الصحة عن «أخوة الشعوب السوفييتية».
في العام 1978 الشاعر ومغني الاحتجاج الروسي الكبير للاتحاد السوفييتي فلادمير فيسوتسكي (1938 ـ 1980) كتب قصيدة بعنوان «الحياة طارت». كلماته أظهرت بشكل علني للمرة الأولى من أعماق النسيان تراجيديا الشيشان والانغوش. القصيدة التي كتبت بصيغة المتكلم (مثل معظم قصائد فيسوتسكي) روت قصة طفل روسي من منطقة حدودية قرب تشيتشينيا هجرتها والدته، وذهب إلى ملجأ أيتام في آول الشيشانية. وعانى هو وأصدقاؤه في ملجأ الأيتام عذابات الطرد إلى كازاخستان.
فيسوتسكي غنى هذه القصيدة في غروزني، عاصمة تشيتشينيا ـ انغوشيا، في جولة عروض له في خريف 1978. في البداية قام بغنائها أمام مجموعة صغيرة من الفنانين ورجال مسرح من الشيشان والانغوش. وبعد ذلك تحت الأمطار الغزيرة في ستاد بلدي في غروزني، الذي كان مليئاً تمامًا. الجمهور الذي بقي لحظات فاغراً الأفواه صفق للمغني مدة عشر دقائق. الكثيرون من الحضور، الذين ظلوا على قيد الحياة بعد الطرد، أجهشوا بالبكاء.
عظمة أغنية «الحياة طارت» نبعت من تذكر على الملأ الكارثة القومية للشيشان والانغوش الذي شطب من الذاكرة، وبسبب أن شاعراً روسياً ويمثل ثقافة امبراطورية على مدى أجيال كثيرة اهتمت وقمعت بوحشية شعوب شمال القوقاز، وجد طريقه المباشر والإنساني للتماهي مع الألم القومي للآخر.
ليس مجرد «آخر»، بل شعب الشيشان الذي منذ بداية الكولونيالية الروسية للقوقاز في نهاية القرن الثامن عشر وحتى نهاية القرن العشرين، كان وما زال العنيد الذي لا يتنازل من بين الشعوب في القوقاز عن نضاله ضد الاحتلال الأجنبي. النضال شمل في العقود الأخيرة أضراراً قاتلة ضد سكان مدنيين. شعب اعتبر بسبب ذلك في الخطاب الروسي على مدى أجيال نموذجاً لـ «القوقازي المتعطش للدماء» الذي لا تعرف شيطنته الجماعية في الثقافة الشعبية والإعلام الوطني المتطرف الروسي، الحدود.
لدينا في إسرائيل الإثنية المركزية والوطنية المتطرفة مع اشتداد العنصرية اليهودية الكهانية المتزايدة، كل تفكير بسيط بالتماهي مع مصير الآخر يوصف كتوجه ما بعد قومي. وحتى أنه مناقض للقومية، الذي أساسه نوع من الهروب «ما بعد الحداثي» من الهوية اليهودية المتميزة. لكن هذا ليس هذياناً لا أساس له، وهو يعكس رؤية بسيطة وأحادية الجانب للفكرة القومية والوعي القومي. أجل، ولا في أي مرحلة ـ ولا في الوقت الذي ما زال مسجلاً في الوثائق التي تشخصه بأنه تشيتشيني وانغوشي ـ بطل قصيدة فيسوتسكي لا ينسى أصله وهويته الروسية. الشراكة الداخلية العميقة للمتكلم في القصيدة، وكذلك الكاتب نفسه، في الألم القومي لشعب الشيشان والانغوش لا يشطب الأنا القومية له، بل يعطيها وجهاً إنسانياً أكبر.
ربما في يوم ما سيكون هناك يهود إسرائيليون يمكنهم أن يشعروا بأنفسهم، ولو للحظة، أنهم شركاء في الواقع الإنساني لشعب يعيش منذ مئات السنين في وطنه. شعب فجأة يبدأ يشعر بأن أرضه تسحب من تحت أقدامه، على ضوء قدوم غرباء يرون أنها وطنهم. غرباء مصممون على اقتلاعهم منها والاستيلاء عليها أخيراً من خلال تحويله من شعب البلاد الأصلي إلى شعب المقتلعين.
شعب، يقف الآن تقريباً وحده أمام العالم، شعب يرى نفسه كشعب حر ويبحث عن العدالة، لكنه يتساءل بينه وبين نفسه بجدية لماذا يصمم هذا الشعب على التمسك بقطعة الأرض هذه التي تعود له، في الوقت الذي في كتابه المقدس كتب أن هذه الأرض ستكون لشعب آخر؟ أنا لا أعرف إذا كان عمل كهذا من الخيال القومي اليهودي الإسرائيلي يمكنه أن يؤدي إلى مصالحة بين الإسرائيليين والفلسطينيين. ولكن لا شك في أنه بدون عملية إنسانية أساسية كهذه، فإن رفع الانغلاق تجاه الآخر القومي من قلوبنا، كما فعل فيسوتسكي في قصيدة «الحياة طارت»، لا يمكن أن تخطر بالبال البداية الحقيقية للمصالحة التي لم تبدأ بعد.

دمتري شومسكي
هآرتس 7/3/2019


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 2243 / 2342879

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع ميديا  متابعة نشاط الموقع صحافة العدو   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

43 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 43

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28