] صحيفة إسرائيلية: الملك عبد الله “المحبوب”.. بين جيوب الأردنيين الفارغة والتحديات الإقليمية - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
السبت 24 كانون الأول (ديسمبر) 2022

صحيفة إسرائيلية: الملك عبد الله “المحبوب”.. بين جيوب الأردنيين الفارغة والتحديات الإقليمية

السبت 24 كانون الأول (ديسمبر) 2022

كاريكاتير غير لاذع، نشر في موقع “الرأي” الأردني، يصف مواطناً وهو يتحدث بالهاتف مع صديق جاء إلى عمان. “أهلاً وسهلاً، نورتَ المدينة. يجب أن أراك. تعال لنشرب القهوة ونثرثر”، يقول المواطن بوجه مبتسم. “لا يستحق” يجيب الصديق. “ساعتا سفر و5 دنانير للبنزين كي أراك وأشرب القهوة معك. دعك من ذلك، تعال نلتقي عبر الزوم”. ورغم الصيغة المتماسكة فالكاريكاتير يعرض كل مكونات الانتقاد القاسية الموجهة في السنوات الثلاث الأخيرة مباشرة للحكومة، بالأحرى للعائلة المالكة. الازدحامات ليست ظاهرة جديدة في الأردن، لا سيما بعد سنوات التبذير التي حصل فيها المواطنون على قروض رخيصة لشراء البيوت والسيارات والأدوات الكهربائية والهواتف المحمولة إلى أن علقوا وأصبحوا لا يستطيعون السداد وباتوا مدينين للبنوك.
حسب بيانات نشرت في أيار، فإن أكثر من 300 ألف مواطن أردني يجدون صعوبة في تسديد ديونهم وأصبحوا موضوعاً لدعاوى، إذا أدينوا بها فيتوقع أن يقضوا أشهراً في السجن حسب مبلغ الدين. قررت الحكومة أن المدينين الذين لا يزيد دينهم عن 7 آلاف دينار ألا يدخلوا إلى السجن شريطة أن يتوصلوا إلى تسوية مقبولة مع البنوك، لكن معظم المقترضين الصغار سيجدون صعوبة في تلبية حتى الشروط السهلة لتسويات الدفع. أسعار الوقود ارتفعت بشكل كبير في بداية كانون الأول: 10 في المئة. وسعر لتر البنزين وصل إلى دولار وربع، تقريباً نصف السعر في إسرائيل. ولكن أجر الحد الأدنى في الأردن هو 360 دولاراً في الشهر، وفي إسرائيل 1600 دولار.
إن رفع أسعار الوقود قضية حساسة جداً، وكان من الواضح لرئيس الحكومة، بشر الخصاونة، أنه سيجد صعوبة في تمريرها بدون رد. في البداية، واجه هجوماً لفظياً شديداً في جلسة البرلمان التي طلب منه فيها تجميد القرار. “في فترة صعبة جداً، لا سيما بسبب الشتاء المقترب والذي ينفق فيه المواطنون أكثر على الكهرباء والوقود للتدفئة”، قال عضو البرلمان إسماعيل المشاقبة. “لا تملك للحكومة ما تدفعه عن دعمها للوقود. كل هذه المدفوعات ستزيد حجم الدين”، حاول الخصاونة أن يشرح.
يواجه الأردن ديوناً تبلغ 41 مليار دولار، تساوي 117 في المئة من الناتج الإجمالي الخام. وفي هذه السنة خصص نحو 700 مليون دولار لدعم الوقود. أعضاء البرلمان لم يقتنعوا، وحذروا من أن الحكومة تدفع الناس إلى الشوارع. “وتطورات ستهدد النظام العام”. الخصاونة الغاضب غادر جلسة البرلمان وكان عليه بعد بضعة أيام أن يواجه أزمة هددت استقرار المملكة.
سائقو الشاحنات والسيارات قرروا إجراء إضراب إلى حين خفض أسعار الوقود. بعد ذلك، جاءت المظاهرات والمناوشات بين المواطنين وقوات الأمن، لا سيما في محافظة معان ومحيطها، وفي الشمال أيضاً في مدينة إربد ومحيطها. كانت ذروة المظاهرات قبل أسبوع عندما قتل ضابط كبير برتبة عقيد، عبد الرزاق الدلابيح، الذي كان نائب قائد شرطة معان، بإطلاق النار عليه. رؤساء عشيرة بني حسن الكبيرة، عشيرة الدلابيح، أعلنوا بأنهم يعطون الحكومة مهلة ثلاثة أيام لإلقاء القبض على مطلق النار وإلا فسيتخلون عن المملكة ويأمرون الـ 12 عضواً في البرلمان الذين يمثلون عشيرتهم بالانسحاب منه، وهي الخطوة التي قد تؤدي إلى شرخ عميق بين النظام وإجمالي عشائر الدولة، بالأساس عشائر الجنوب، وقد تكون لها تداعيات بعيدة المدى على النسيج الهش والحيوي الذي يحافظ على استقرار الدولة وعلى “أخوة الدم” التقليدية الرابطة بين العائلة المالكة والعشائر، التي يخدم معظم أبنائها في الجيش.
أرسل الملك على الفور القوات إلى مدينة معان للعثور على مطلق النار واعتقاله. وقتل في هذه العملية ثلاثة ضباط ومطلق النار الذي وصف بأنه ينتمي إلى تنظيم إسلامي متطرف. بعد ذلك، أعلنت الحكومة نيتها خفض أسعار الوقود في بداية السنة القادمة، وقامت أيضاً برفع التعويضات على نفقات السفر للعاملين. عندها انتهت معظم المظاهرات، وعاد سائقو المواصلات العامة والشاحنات إلى العمل، وإن كان هناك بعض المناوشات المحلية ما زالت مستمرة بحجم صغير في معان.
المواجهات الأخيرة لم تكن نتيجة ارتفاع الأسعار فحسب، فثمة أسباب كثيرة أخرجت الأردنيين إلى الشوارع، من بينها نسبة البطالة المرتفعة، رسمياً هي 20 في المئة، لكن الوضع أخطر فعلياً، وتصل النسبة في أوساط الشباب إلى 40 – 50 في المئة. المواطنون يعانون من غياب أفق اقتصادي، مع ميزانية ضئيلة، 75 في المئة منها مخصصة للرواتب، والحاجة الدائمة للحصول على قروض ومنح ومن الفساد العميق. كل ذلك خلق عدم أمان اقتصادي عميق ومحبط.
لم تكن هذه هي المواجهات الأولى على هذه الخلفية؛ ففي كانون الثاني 2018 اندلعت مظاهرات رداً على سن قانون ضرائب جديد، وخرج مواطنو المملكة إلى الشوارع واصطدموا مع قوات الأمن. بعد ذلك، قررت الحكومة رفع أسعار الوقود كجزء من طلبات صندوق النقد الدولي بإجراء الإصلاحات في هيكل الاقتصاد وتقليص الدعم.
اتسعت المواجهات المحلية إلى مظاهرات واحتجاجات في كل المملكة، وقرر الملك إقالة الملقي وتعيين عمر الرزاز بدلاً منه، وكذلك تجميد رفع أسعار الوقود. وفي حينه، ثار قلق دولي من اهتزاز مكانة العائلة المالكة، وربما من تفكك الدولة. بعد ذلك، جاءت كورونا وزادت صعوبة وضع الاقتصاد، ووضع التشغيل والسياحة في الدولة، واضطر الأردن إلى اقتراض المزيد من الأموال، سواء من مؤسسات التمويل الدولية أو من دول الخليج التي أعطتها عام 2018 منحة تبلغ 250 مليون دولار لمدة خمس سنوات.
أما قضية الأمير حمزة، ابن الملك حسين والأخ غير الشقيق لعبد الله، والذي اتهم قبل سنة بمحاولة القيام بانقلاب على البلاط الملكي واعتقل ووضع في الإقامة الجبرية، فلم تزد من تعافي العائلة المالكة. اعتذر حمزة، ثم تصالح مع الملك بل وتنازل عن لقبه الملكي، لكن الشكوك لم تتبدد. علاقة السعودية مع حمزة ومساعده، باسم عوض الله، الذي كان رئيس البلاط الملكي وأصبح لاحقاً المستشار لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، زادت الشكوك بأن السعودية كانت متورطة في القضية. السعودية نفت، ولكن لم يعد هناك حب كبير يسود بين الزعيمين.
في هذه الأثناء، أحدثت وسائل الإعلام العربية ضجة من حقيقة أن سفير السعودية في الأردن كلف نفسه للوصول إلى خيمة العزاء التي أقامتها عشيرة بني حسن للضابط المقتول. ولكن لسبب ما، لم ينشر بيان تأييد رسمي من قبل السفير أو من قبل البلاط الملكي السعودي للملك عبد الله. في هذا الأسبوع، عقد في الأردن مؤتمر دعم العراق الذي بادر إليه الملك عبد الله بمشاركة 12 دولة. أراد الملك بشدة أن يشرف المؤتمر بحضور بن سلمان إلى جانب رئيس فرنسا ماكرون وحاكم قطر الشيخ تميم بن حمد والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. ولكن بن سلمان من ناحيته اكتفى بإرسال وزير خارجيته فيصل بن فرحان. فكانت إشارة للبرود الذي يميز العلاقات بين الدولتين.
شبكة العلاقات “الصحيحة” بين بن سلمان والملك عبد الله كانت لها أسباب كثيرة، من بينها رفض الأردن الانضمام إلى التحالف السعودي للحرب في اليمن، ورفض الأردن منح السعودية مصادقة على استخدام طائرات من أراضيه ضد سوريا في الفترة الأولى من الحرب الأهلية فيها، ثم العلاقات التي تطورت بين الأردن وقطر في الوقت الذي كانت فيه قطر خاضعة لحصار ومقاطعة فرضتهما كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر بين الأعوام 2017 – 2021. ولكن يبدو أن اللغم المتفجر أكثر تم وضعه عندما دفعت السعودية قدماً بصفقة القرن للرئيس ترامب. في حين أن الأردن أبعد إلى الزاوية و لم يشارك في المشاورات، بل طلب منه -حسب الخطة- استيعاب ملايين اللاجئين الفلسطينيين مقابل مساعدات مالية سخية. اعتبر الأردن الصفقة خطة لتصفيته، لكنه اكتشف بأن السعودية تطمح إلى أن تحل محله كمسؤولة عن الأماكن المقدسة في القدس، وشك بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو يؤيد طموح السعودية.
الآن، حيث يُسمع نتنياهو أنغام التبجيل للسعودية ويعرض التطبيع ليس فقط كحلم، بل كعملية محتملة، فالأردن يخاف أن يدفع ثمن الأخوة بين إسرائيل والسعودية مرة أخرى. العلاقات المتوترة بين نتنياهو والملك عبد الله ليست أمراً جديداً رغم المكالمة الهاتفية الأخيرة التي هنأ فيها الملك نتنياهو على فوزه في الانتخابات. البروتوكول شيء والعلاقات الشخصية شيء آخر. خصوصاً أن الملك بطبيعته شخص براغماتي.
قالت مصادر أردنية للصحيفة بأن الملك لا ينوي الرد على تشكيلة حكومة نتنياهو، بل مثل الرئيس بايدن، سينتظر بـ “تأهب وشك” ليرى تصرفها إزاء القضايا المتعلقة بالأردن، مثل: الحرم، وبناء المستوطنات، والتعامل مع الفلسطينيين. بشكل عام، التنسيق والعلاقة الدافئة بين عبد الله والرئيس بايدن، التي بفضلها يحصل الأردن على مساعدة بمبلغ 1.45 مليار دولار في السنة للسنوات الخمس القادمة والمقاربة الإيجابية التي يظهرها بايدن تجاه الفلسطينيين في الوقت الذي دخلت فيه علاقات واشنطن مع الرياض لموسم شتاء، تعطي الملك ولو في هذه الأثناء شعور دعم دولي مطلوب له.
يحظى الملك بتقدير كبير ليس فقط في أمريكا، بل في فرنسا وألمانيا وبريطانيا أيضاً. ولكن مهما كان الموقف الدولي قوياً فلن يحل محل يكون مقبولاً ومخلصاً من قبل أبناء العشائر في مملكته، الذين يستند إليهم العمود الفقري لنظامه وجيشه. في هذا الأسبوع، نشر كاتب المقالات الأردني عوض الملاحمة في موقع “خبرني” مقالاً انتقادياً لاذعاً ضد النظام الأردني، كتب فيه: “الأمر المؤسف هو أن المواطن يرى كيف يتآمر عليه المسؤولون عن إدارة شؤون الدولة. هم يرتبطون بجهات أجنبية ويشكلون خطراً على الدولة… يقيدون الدولة باتفاقات تآمرية مع الأمريكيين لتلويث طهارة أراضيها عن طريق إقامة 13 قاعدة أمريكية، في حين لا يعرف الشعب من سيدخل أو يخرج منها، وهل يوجد بينهم صهاينة أم لا”.
من غير الواضح من أين استقى الملاحمة هذه البيانات، لكن روح هذه الأقوال ليست غريبة على من يتابع الشبكات الاجتماعية في الأردن. الانتقاد ضد العائلة المالكة وضد النظام في الأردن لا يميز بين الصعوبات الاقتصادية والإدارية والفساد العميق وبين سياسة الملك الخارجية، بالأساس السياسة المتعلقة بعلاقة الدولة مع إسرائيل والولايات المتحدة. مع ذلك، عندما ترتفع نسبة الخوف على استقرار المملكة، فالأفضل التذكر بأن الملك عرف كيف يتملص في الـ 23 سنة بنجاح من العبوات الناسفة الجانبية، السياسية والسياساتية، والحفاظ على وحدة المملكة.
بقلم: تسفي برئيل
هآرتس 23/12/2022


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 9 / 2342879

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع ميديا  متابعة نشاط الموقع صحافة العدو   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

24 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 24

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28