] العمليات داخل الخط الأخضر هل تنذر بتحوّل في العلاقات مع إسرائيل أم هي فردية نادرة؟ - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
الأحد 3 نيسان (أبريل) 2022

العمليات داخل الخط الأخضر هل تنذر بتحوّل في العلاقات مع إسرائيل أم هي فردية نادرة؟

الأحد 3 نيسان (أبريل) 2022

- وديع عواودة

الناصرة ـ «القدس العربي»: رغم قوتها كما وكيفا، فوجئت المؤسسة الاستخباراتية الإسرائيلية مرتين في أقل من عام وفي قضايا اعتبرت استراتيجية وحساسة، الأولى حينما لم تتوقع انفجار بركان داخلها في أيار/مايو الماضي، والثانية سلسلة عمليات فلسطينية داخل الخط الأخضر فيما كانت تتحسب وتترقب حدوثها في مدينة القدس في رمضان. وقتها وفي الأحداث التي أعقبت الاعتداءات على القدس، في الشيخ جراح وفي الحرم القدسي الشريف وعرفت بهبة الكرامة في ايار/مايو 2021 شهدت أراضي 48 اشتباكات بين العرب واليهود خاصة داخل «المدن المختلطة» وتجلت فيها مشاهد حرب أهلية قتل وأصيب خلالها العشرات من الطرفين خلال شجارات تخللتها أعمال «لينش» متبادلة تفاقمت مع اندلاع الحرب على غزة بعد مفاجأة حماس بتنفيذ تهديدها وإطلاق صاروخ على القدس. منذ العام 2007 سعت إسرائيل لتكريس فرقة الفلسطينيين من خلال حصار سياسي ظالم على قطاع غزة مستمر حتى اليوم بدعوى الأمن. وتحرص حكومة نفتالي بينيت الحالية على مواصلة سياسات حكومات نتنياهو التي اهتمت بتكريس هذا الانقسام بين مملكتي غزة ورام الله كي تحول دون تسوية الدولتين واستثماره لصبّ الماء على طاحونتها الدعائية في العالم والزعم أن الفلسطينيين غير ناضجين وليسوا جاهزين للاستقلال. وعلى خلفية ذلك وجهت أوساط فلسطينية وإسرائيلية أيضا التهم لحكومات الاحتلال المتلاحقة برئاسة نتنياهو منذ 2009 إلى 2021 بأنها تتعاون مع حماس وتقصي وتتجاهل الرئيس عباس ضمن استراتيجية إدارة الصراع وعدم تسويته. لكن السحر انقلب على الساحر، ففي العام الماضي وبسبب الاعتداءات المتكررة في القدس ومن ثم على غزة، انتفض الفلسطينيون على طرفي الخط الأخضر خاصة منهم فلسطينيو الداخل هذه المرة وقامت القيامة طيلة عشرة أيام وبدت البلاد وكأنها عادت لمربع الصراع الأول من قبل 1948. وانشغلت أوساط سياسية وأكاديمية وبالتأكيد استخباراتية في إسرائيل بدوافع هذا البركان السياسي الخطير القادم ليس من الخارج بل من داخل الداخل والإخفاق في عدم توقعه وذهبت فئات سياسية كثيرة لتفسيره بالنظرية الأولى بأن هؤلاء فلسطينيون وهويتهم الوطنية متأصلة في حمضهم النووي وأنهم «طابور خامس» ينتظرون الفرصة للانقضاض على العدو من مخدعه.

هبة وطنية أم وثبة
تنتصر للأقصى؟

وانضمت أوساط من فلسطينيي الداخل أنفسهم لمحاولات فهم وقراءة متأنية لهذا الصدام الكبير والخطير الذي تخلله حرق كنس ومساجد وأملاك واستخدام الأسلحة النارية في الشوارع والأحياء المختلطة في يافا واللد والرملة وعكا وحيفا. وكان السؤال المركزي هل هي هبة وطنية واعية انتصر فيها الفلسطينيون داخل الخط الأخضر لشعبهم وقضيتهم الوطنية وللقدس معلنين فشل مشاريع الأسرلة والتدجين والاحتواء أم هي «فورة دم» وبداية ذهابهم لصدام جبهي مع الدولة اليهودية أو هبة انفعالية عاطفية انتصر فيها فلسطينيو الداخل للمسجد الأقصى بصفته المعلم الديني التاريخي الوطني الأهم بالنسبة لهم كما لدى بقية الفلسطينيين الذين دفعهم للانتفاض منذ هبة البراق عام 1929؟ هل هي هبة سريعة الاشتعال وكذلك سريعة الخبو والانطفاء كما حصل في هبة القدس والأقصى عام 2000 في مطلع الانتفاضة الثانية يوم أدى انتهاك حرمة الأقصى من قبل رئيس حكومة الاحتلال أرئيل شارون لبركان مشابه؟ أم هي كل الأسباب مجتمعة؟ تنبع هذه التساؤلات لأكثر من عامل منها اثنان مهمان الأول أن فلسطينيي الداخل بمختلف مشاربهم الفكرية والسياسية والعقائدية، الوطنية والإسلامية متوافقون على أن لا أفقا لنضالهم عدا الأفق السياسي وعدا السقف الإسرائيلي بمعنى النضال السلمي لا العسكري وعبّر عن ذلك مؤسس الحركة الإسلامية الراحل داخل أراضي 48 عبد الله نمر درويش.

بطن الحوت

عقب خروجه من السجن الإسرائيلي عام 1980 بعد إدانته بتشكيل تنظيم سري عرف بـ«أسرة الجهاد» قال درويش إن فلسطينيي الداخل لا يملكون خيارا للمقاومة المسلحة لأنهم يقيمون داخل «بطن الحوت» وهذا كان موقف التيار الشيوعي منذ 1948 وانضمت لهذه الرؤية بقية الفعاليات والأحزاب في الداخل. على خلفية كل ذلك جاءت التساؤلات ولم تتوقف بعد ما الذي حصل وهل هناك تغيير في هذه الرؤية؟ والعامل الثاني الذي دفع للتساؤل حولها هو تزامن هذه الهبة في أيار الماضي مع تراجع السياسة العربية الفلسطينية في إسرائيل لحد تآكل هياكلها وتكلس أدواتها ومصطلحاتها كما هو الحال في السياسة الفلسطينية العامة. تضاعفت قوة فلسطينيي الداخل كما وكيفا منذ نكبة 1948 فزاد تعدادهم عشر أضعاف حتى باتوا اليوم أكثر من مليون ونصف المليون نسمة وبات ثلث الأطباء داخل المستشفيات الإسرائيلية منهم وثلثي طلابهم في الجامعات من النساء مثلما ازدادوا قوة من الناحية الاقتصادية. لكن السياسة تسير في اتجاه معاكس رغم ذلك وربما بسبب ذلك و/أو بسبب عوامل أخرى محلية، فلسطينية وعربية علاوة على تراجع مؤسسة الحزب وتردي السياسة في كل العالم في المرحلة الراهنة. بالطبع هذا لا يلغي التوتر الدفين والظاهر السافر أحيانا بين العرب واليهود ليس فقط بسبب الصراع الكبير والقضية السياسية الأم إنما نتيجة نظام عنصري يميز ضدهم ويكرس دونية مواطنتهم مقارنة مع المواطنين اليهود مما دفع «أمنستي» للقول في تقريرها الأخير إن نظام الفصل العنصري (الآبرتهاد) الإسرائيلي ينعكس أيضا داخل إسرائيل وضد مجموعة مواطنين بسبب انتمائها العرقي غير اليهودي.
فكيف إذن ينتفض الشعب في هبة وطنية بدون فعاليات تعبئة وتنظيم وفي مرحلة تكاد كافة الأحزاب مجتمعة عاجزة عن تنظيم مظاهرة واحدة كبيرة ومهيبة حتى حينما تتوفر أسباب وجيهة ومقنعة لذلك كما حصل على سبيل المثال في 2018 يوم شرعّت إسرائيل ما يعرف بقانون القومية الذي اعتبر أن الدولة للشعب اليهودي وأن «أرض إسرائيل»(فلسطين من البحر للنهر) مساحة لممارسة اليهود حقهم في تقرير المصير لوحدهم دون سواهم مما يعني أن هذا القانون العنصري حول أصحاب البيت إلى ضيوف.

مظاهرات خجولة
وحالة جزر سياسي

لم تتعد الاحتجاجات على هذا القانون الدستوري الخطير المظاهرات الخجولة وهكذا في قضية تفشي الجريمة والسلاح لم تتحرك الجماهير في هبة شعبية دفاعا عن الدار والديار والجريمة رغم أنها خطر داخلي كبير يهدد وجود فلسطينيي الداخل كأقلية وطن وجماعة قومية ويهدد مناعتها؟ تبدو مراجعة هذه الدفاتر وغيرها أن العامل الأساسي الذي دفع لهبة الكرامة في أيار/مايو وقبلها عمليات عسكرية أخطرها عملية الحرم القدسي الشريف عام 2017 نفذها ثلاثة شباب من مدينة أم الفحم داخل أراضي 48 استشهدوا فيها وقتل شرطيان إسرائيليان. هذه المرة يؤيد منفذو عمليتي الخضيرة وبئر السبع لتنظيم الدولة «داعش» وفق عدة دلائل منها خطاباتهم المسجلة وارتداء قمصان تحمل رمز «داعش» لكن لا يمكن فصل العمليات الأخيرة هذه داخل الخط الأخضر عن الصراع الكبير وعن الاحتلال النازف الذي يشكل مستنقعا تنمو على ضفافه ظاهرة التشدد الديني وعدم التورع عن المساس بالمدنيين بكل وسيلة. كذلك لابد أن انتهاكات اليمين والمستوطنين التي زادت عددا في فترة حكومة الاحتلال الحالية تشكل تربة خصبة لعمليات خطيرة ينفذها أفراد داخل أراضي 48 أيضا حيث تعتقد الاستخبارات الإسرائيلية إن فيها خلايا نائمة تستعد للقيام بعمليات إضافية منطلقة من الاقتداء والمحاكاة للمنفذين السابقين.

إجراءات إسرائيلية تصعيدية

بصرف النظر عن الدوافع ووزن كل منها تتجه إسرائيل لتشديد الرقابة المخابراتية على فلسطينيي الداخل ورصد تحركاتهم وكتاباتهم في منتديات التواصل الاجتماعي علاوة على اعتقال كل من اشتبهوا بدعم «داعش» وتصعيد المساعي للم سلاح الجريمة من الشارع العربي بعدما تبين سهولة استخدامه لأغراض وطنية. في المقابل كانت قيادات فلسطينيي الداخل تميل للتهدئة وعدم التسخين للأوضاع خاصة في رمضان قبل تنفيذ العمليات الأخيرة لعدة أسباب منها أن جراح «هبة أيار» من العام الماضي لم تلتئم والحديث يدور عن آلاف المعتقلين ما زال عشرات منهم داخل السجون الإسرائيلية لجانب عشرات الجرحى بالرصاص علاوة على رسائل تصل من السلطة الفلسطينية بهذا الاتجاه كما أكد مصدر سياسي رفيع داخل أراضي 48 لـ«القدس العربي» أمس. يشار أن اجتماعا قد شهدته رام الله قبل أسبوع بمشاركة كافة الفصائل الفلسطينية والقوى الوطنية والإسلامية من بينها حماس والجهاد ومندوبون عن لجنة المتابعة العليا من أراضي 48 واتفق في الاجتماع على رفع منسوب التنسيق خاصة حول ما يدور في القدس والحرم القدسي الشريف لاسيما بعد توفر معلومات تفيد بأن هناك من يسعى للتوتير ولتوجيه السخط داخل الحرم القدسي في رمضان نحو السلطة الفلسطينية قبل الاحتلال كما أكد رئيس المتابعة العليا محمد بركة لـ«القدس العربي». ويستدل من الحديث مع بعض من شارك في اجتماع القوى الوطنية والإسلامية المذكور في رام الله أن معظم الجهات الفلسطينية غير راغبة بالتسخين المتعمد في هذه الفترة إلا إذا اضطرت لرد فعل على اعتداءات وانتهاكات خطيرة جديدة.

أيمن عودة

وهذا ما عبر عنه رئيس القائمة المشتركة النائب أيمن عودة الذي رد في بيان على بعض مناشير صدرت من جهة حركتي حماس والجهاد الإسلامي في غزة تدعو فلسطينيي الداخل للتصعيد وتنتقد بطريقة غير مباشرة قياداتهم التي لا تبدي تحمسا لذلك. في بيانه قال أيمن عودة في هذا المضمار: «أقول للفصائل الفلسطينية بوضوح: نحن نرفض تسليح شبابنا، طريقنا هو النضال الشعبي المثابر. لهذا فأنا أتوجه للفصائل الفلسطينية مباشرة بأن لا يصدروا بيانات ترحيب بالأعمال المسلحة التي يقوم بها فلسطينيون حملة الجنسية الإسرائيلية. نحن أبناء شعب واحد، ولنا قضية واحدة في صُلبها تحقيق الحقوق القومية لشعبنا، ولكن أيضًا هناك خصوصية لعدة شرائح من أبناء شعبنا. سئلت في وسائل الإعلام عشرات المرات: كيف على الفلسطينيين في الضفة وغزة أن يناضلوا؟ أجبت دائمًا وأبدًا أن شعبي في الضفة وغزة مدرسة في النضال، وهو الأعلم بحيثياته، كما أنه لا يحقّ لي أخلاقيا أن يكون أبنائي في مناطق آمنة نسبيًا في حيفا وأنظّر لابن رام الله وجنين والخليل وغزة كيف يضحّي؟ واجبنا الوطني أن نساند نضال أبناء شعبي وأن نضع وزننا الكبير في موقعنا من أجل المساهمة الجادة لإنهاء هذا الاحتلال المجرم، ولن نتوانى عن واجبنا الوطني في سبيل هذه الغاية الأعزّ والأسمى».

هل يقف اليهود والعرب في إسرائيل على مفترق تاريخي؟

بعيون الإسرائيليين ما زالت صورة فلسطينيي الداخل من هذه الناحية ملتبسة كما يتجلى في مقال لجنرالين في الاحتياط وباحثين في المؤسسة الأكاديمية عاموس جلعاد وميخائيل ميلشتاين اللذين تساءلا في مقال مشترك: هل يقف اليهود والعرب في إسرائيل على مفترق تاريخي؟ في هذا المقال المنشور في صحيفة «يديعوت أحرونوت» قالا إن الأسبوع المنصرم كان أحد الأسابيع الصادمة التي شهدتها إسرائيل في الآونة الأخيرة، أسبوع تراوح بين ذرى التفاؤل في ضوء تحولات استراتيجية وعلى رأسها قمة النقب، وبين سلسلة العمليات القاسية التي عكست تهديدات داخلية قديمة إلى جانب تهديدات جديدة وشديدة القوة، في مركزها إرهاب داعش الذي يقوم به مواطنون إسرائيليون عرب ويهدد بتمزيق نسيج العلاقات المتهالك أصلاً بين المجتمعين العربي واليهودي في الدولة.
ويخلصان للقول «بعد سنة من أحداث أيار، يقف المجتمعان العربي واليهودي داخل إسرائيل في مفترق تاريخي: بين إمكانية مواصلة التقدم في مشروع الاندماج والتغير الذي تقوده القائمة العربية الموحدة، والكفيل بإعادة تصميم وتحسين علاقات المجتمعين في الدولة، وبين التدهور إلى صدام يغطي على هذا الذي حصل في السنة الماضية، ولا يقل عن التهديدات الخارجية التي تتصدى لها إسرائيل». ويعبر جلعاد وميلشتاين في السنوات الأخيرة عن خوف متصاعد من انزلاق إسرائيل بسرعة لواقع الدولة الواحدة رغما عنها نتيجة رفضها تسوية الدولتين والتوهم بإمكانية إدارته وهما يحذران في الفترة الأخيرة من أنها لن تبقى لا يهودية ولا ديمقراطية.


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 18 / 2342227

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أحداث و متابعات  متابعة نشاط الموقع متابعات   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

34 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 34

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28