] استراتيجية الذاكرة والفلسطيني العائد - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
السبت 27 تشرين الثاني (نوفمبر) 2021

استراتيجية الذاكرة والفلسطيني العائد

السبت 27 تشرين الثاني (نوفمبر) 2021

- عبدالحفيظ بن جلولي

أحدث فرار ست مساجين فلسطينيين من سجن جلبوع وقعا على الضمير العالمي، لأن الحرية لا يمكن أن يتخلى عنها أحد، وهؤلاء الأبطال تحفزوا انطلاقا من الاستعانة بذاكرة الفرار، ليتبينوا المحاولات السابقة، وهذه ليست مجرد عمليات فرار، إنها استراتيجيات قائمة تحاول أن تستخدم العقل وتكرس فعل الذاكرة، وهنا مفترق الطريق بين مجرد التركيز على عملية الفرار التي لا تمثل سوى المظهر، والفرار/الاستراتيجية الذي يرسم هيكلها العقل المُناضل وتديم أثرها الذاكرة.

استراتيجية المحو/إذابة الذاكرة وتبئير الراهن

لم تتخل السياسة الصهيونية في يوم ما منذ أن داست شرف الأرض العربية واحتلتها سنة 1948، عن مشروعها في هدم مقومات الوحدة العربية، أو مجرد الإحساس بالتقارب العربي العربي، والعربي الإسلامي، لأن ذلك يمثل خطرا حقيقيا على وجودها، وعلى مشروعها التوسعي القائم على فكرة «من النيل إلى الفرات» ولهذا، ولكي يتحقق لها ذلك فهي تعمل على إضعاف الذاكرة الجمعية، وتشتيت محاولاتها في ربط خيوط المشهد في تاريخيته الموغلة في الصراع مع هذا العدو، الذي يريد إحلال شعب مكان آخر، والتمكين لثقافة لا تستجيب سوى لنداء التعصب والهمجية.
نخطئ حينما نربط عملية الفرار فقط بظروف التمكن من اختراق المنظومة الأمنية الإسرائيلية، هذا وإن كان مهما، إلا أنه يبقى مجرد مظهر، وننسى كل التاريخ الدموي للصهاينة، الذين يرممون ذاكرتهم بأكاذيب توراتية تشرعن وتبرر عنفهم ضد العزل والمدنيين الفلسطينيين، فمنذ دير ياسين ومرورا بصبرا وشاتيلا، وصولا إلى حصار جنين ومحوها، والهجوم الأخير على غزة وإخلاء الأحرار من «الشيخ جراح» ما زال الصهيوني يكشف عن خطط دموية خفاشية، لأجل أن ينتزع الحياة من الفلسطيني، المكرس تاريخيا وجغرافيا في الذاكرة العالمية ويتلبسها هو (الصهيوني) الذي عاش الشتات واللاوطن والتيه التاريخي في الأرض، لذلك فحلمه الأول أن يفصل الصراع بين العرب وبينه عن مقومه الأساس المتمثل في الذاكرة، وهذه القطائع في تفسير الأسباب للهجومات المتكررة للصهاينة، إنما تخدم القضية الصهيونية وتصيب في مقتل القضية العربية، فالصهيوني مهما فعل فهو لا يواجه إلا بما يحدث في الراهن.

«حنظلة» ومعيار بعث الذاكرة:

هل نسي العرب، سياسة تهشيم العظام التي انتهجها رابين؟ وكيف أنه صب جام غضبه على العظم الفلسطيني الأعزل والغض؟ الصهيوني يضرب كل الأعراف الدولية عرض الحائط، قاصفا التجمعات السكنية المليئة، بحجة أن الساكنة هم قياديون في المنظمات الجهادية الفلسطينية، وبذلك تزهق أرواح مدنية لا ذنب لها سوى أنها تحاول أن تناضل ضد المستعمر الغاصب، وتُملأ السجون والمعتقلات بالأحرار والحرائر، هل هذا يقوم به الصهاينة لمجرد انزعاجهم من وحدة الصف الفلسطيني؟ إن أكثر ما تخافه إسرائيل هو الذاكرة، لذلك توجه الأنظار إلى الراهن منتجة ما يمكن أن نطلق عليه «عرب الآن» المبتورين عن سياقات الذاكرة والمغموسين في ما يجري في اللحظة، دون محاولة مواجهة الصهاينة بمخزون الذاكرة الدموية، الذي يفسر كل تصرفاتهم العدوانية على مسار تاريخهم الاستدماري، الاحتلالي والإحلالي للأرض العربية الفلسطينية. خوفهم من الذاكرة جعلهم يلاحقون الفنان الفلسطيني ناجي العلي لمجرد أن أنامله ومخيلته أبدعت «حنظلة» تلك الشخصية الفنية الكاريكاتيرية التي تحمل الوطن وأوجاعه في حلها وترحالها، وتراثية الاسم تقيم رمزية الذاكرة وتواصلها عبر تاريخية منهكة بالنضالات والمقاومات لأجل افتكاك حق الذات العربية في الحرية والوجود والكلام، لذلك يظهر حنظلة مدْبرا في الصور الكاريكاتيرية لناجي العلي، مدبرا لأن العرب قد أهالوا على ذاكرته تراب السنين، ومدبرا أيضا كاحتجاج على راهن عربي لا يقيم اعتبارا للماضي.

إن الصهاينة لا يمكن أن يسمحوا للذاكرة التي نتهاون في إضفاء الأهمية عليها، بالبروز، إنهم هم يعملون ليل نهار على تحييدها من دائرة تفكيرنا، فموشي دايان رأى أن «العرب لا يقرأون، وإذا قرأوا لا يفهمون، وإذا فهموا فسرعان ما ينسون» ويدخل هذا في مجال الحرب النفسية، وعند حافة النسيان يكمن مربط الفرس، لأنه يحول ما بين حركة النضال وبلورة استراتيجياته، لهذا ما يقوم به العرب في مواجهة الصهاينة هو مجرد مباراة خالية من أي نكهة للتفكير والعقل، اللذين يتطلبان الذاكرة، هذه الأخيرة هي التي تمنح العمل صفته الاستراتيجية، تماما كما عندما نحيل فعل الفرار إلى الذاكرة ونربطه بما سبقه حتى لا تضيع المحاولات السابقة ويتأسس فعل الفرار كبحث أبدي عن الحرية لا يمكن التفريط فيه.

كوري وإبستين/ تدمير الجسد والذاكرة

الصهيونية وهي تبادر إلى محو الذاكرة العربية، لا تنسى أنها مبتورة الأواصر بالصلات التي تكرس وجودها تاريخيا وجغرافيا، لذلك تعمل على الحيلولة دون التواصل مع الميراث الإنساني، الذي حتما إن استذكره واستدعاه الفلسطيني فإنه سوف يتواصل معه بسهولة، لأنه ساهم في لحظة تاريخية معلومة ومشهودة في تطويره وإنتاج ميكانزماته وتطوير أدواته، لذلك لا يمكن أن يُسمح لجورج غالاوي بالتواصل والظهور على مسرح التعاون الفلسطيني العالمي، أيضا لا يمكن لراشيل كوري الشابة الأمريكية أن تستمر على وجه الحياة لأنها حاولت إعاقة آلة الخراب الصهيونية، وفي الوقت ذاته إنعاش الذاكرة العالمية للقضية الفلسطينية، فدهستها الجرافة الصهيونية البشعة، وجعلت من جسدها حلقة وصل مع ذاكرة النهايات، عوض أن يتحقق وجوده في ذاكرة البدايات، وجيشت كل أدوات التعتيم لأجل أن تنتهي ذاكرة راشيل كوري وتلحق بالجسد المدهوس. لأجل هذا وذاك قمعت القوة الغاشمة الصهيونية المناضلة هايدي إبستين، اليهودية الناجية من المحرقة، حتى لا تنبعث الذاكرة الفلسطينية من عمق الذاكرة المقموعة اليهودية، لأن هايدي إبستين، تمثل الحالة الإنسانية لليهودي المشرد والمضغوط تحت آلة العنصرية النازية، فهي تمثل حالة المظلومية المطالِبة على الدوام بالانتصار للقيم الكبرى للحرية والعدالة، واستمرار الذاكرة الفردية والجمعية للعطب التاريخي، الذي ينجز المأساة ويحيك نسيجها على مسرح الغبن الإنساني، لهذا لا يمكن أن نفسر بالجذر المبتور عن سياقاته التاريخية، وضعا آنيا يظهر أنه معزول لكنه شديد الارتباط بالذاكرة التي تواجه الهمجية العنصرية الصهيونية القائمة على اقتلاع الوجود الفلسطيني العربي والإسلامي، المكرس تاريخيا وجغرافيا وإبداله بوجود صهيوني يهودي سطحي الوجود تاريخيا وجغرافيا.

*كاتب جزائري


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 37 / 2342879

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع ثقافة وفنون   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

25 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 11

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28