] ملف «الأخبار» عن الثائر المخطوف جورج عبدالله - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
الثلاثاء 9 تشرين الثاني (نوفمبر) 2021

ملف «الأخبار» عن الثائر المخطوف جورج عبدالله

الثلاثاء 9 تشرين الثاني (نوفمبر) 2021

ملف «الأخبار»

- وثائقي فرنسي يستعيد كفاح المناضل الرهينة: صورة حقيقية عن البطل المعاصر
* بول مخلوف

عند السماع بوثائقي عن جورج إبراهيم عبدالله (1951) سيخطر، تلقائياً، في البال أن المَشاهد التي ستُبث، ستُزعج بعضهم وستفرح كثيرين. سنبني التصوّرات عنه في الرأس بسرعة بناءً على القليل الذي نعرفه: مغامرات في زمن الحرب، البطولات تحت القصف، مجموعة شباب يدعون «الفصائل المسلحة الثورية اللبنانية» (تأسست عام 1979) وصوت رصاصتهم الصاخب التي وصل صداها إلى الغرب. سنتعامل مع الوثائقي كأننا على موعد مع فيلم مشوّق، دراميُّ في الوقت عينه، وستعمل الذاكرة شغلها بإحالتنا إلى مزاج «التحدّي الصعب في الزمن الصعب» في ربط الفيلم الموعود مع مقتطفات مصوّرة سبق أن شاهدناها لأفلام غاصت في عوالم مجموعات ثورية كفيلم «بادر ماينهوف كومبليكس» مثلاً. سنتنفس الصعداء، لأننا وأخيراً، سنجد فيه حلاً للغز لطالما شغلنا، نهاية لحيرة مؤسفة لسؤال، تراجيدي بطبعِه، راودنا طويلاً: ماذا كان يفعل رجلٌ شجاع ووسيم قبل لحظات من تكبيله بتهمة حيازة جواز سفر فرنسي مزوّر؟ كيف فضح أمره؟ ماذا كان يخطط في المستقبل؟ لماذا بقي في المكان نفسه؟

من هنا ستولد الحبكة، وستتعقّد القصة، بعد تراص أحداث في سرد متصاعد يتخذ وهج التشويق في مشهد السفير الإسرائيلي ياكوف بارسيمنتوف مقتولاً تحت شجرة في إحدى حدائق باريس بخمس رصاصات مفرَّغة في صدره من مسدس 7.75ملم أوتوماتيكي تشيكي، على يد فتاة عشرينية تضع «بيريه» بيضاء اسمها الحقيقي جاكلين إسبر. إلا أنها مثل أي شاعر يستعمل المجاز للتجاوز والتعدي، قد اعتمدت التمويه، لأن على المرء أن يتبدل أو يتقمص في زمن الحرب، ففضّلت أن يكون اسمها ريما.
ستحضر في ذهننا أيضاً الإشارة الزرقاء؛ دخول العلامة الإرشادية عنوةً قبل المشهد الأول كتحذير، مقاطعةَ الإثارة كوخزة في العين، بعد توصية مفروضة من سلطات الرقابة حرصاً على سلامة المشاهدين وخوفاً من تأثير المحتوى على العقول. جذر هذا الحرص ليس مشاهد إراقة الدماء، أو فجاجة في العنف، أو صور لجثث مشوّهة. كل هذا غير موجود أصلاً لأنه ليس من اختصاص جورج عبدالله وفصيله، إنما آت من تجلّي الأيديولوجيا، السلاح الأكثر فتكاً في زمن السلم حيث وجه الحرية مشتق من ملامح المُهيمن، فيما الأفكار باتت اعتباطية، تدّعي الانتماء للصفر تارةً وتحتفي بنهاية التاريخ طوراً. سيكون حذراً بمثابة قلق، يعود مصدره إلى ماهية جورج عبدالله المتبديّة بأناقته، بنظرته الملتهبة، بالرأس المرفوع وطبعاً... بماركسيته وعروبيته اللذين يعلنهما جهاراً أمام كل قاض وكل ضيف. هو الخوف من أفكاره المنحازة ومبادئه العنيدة وسيرته المكثفة وسيرة رفاقه المجهولين، ما سيجعل السلطات، بالأخص الديموقراطية منها، تنزعج، بل ترتجف، من حضور شخصية من هذا النوع في وسطها.
من بين القليل الذي نعرفه أن الشخصية هنا أصلية، من مواليد الواقع، بكل ما يحمله الواقع من وحشة وتناقضات. هي ليست من وحي الخيال ولا مُركّبة في كواليس الإنتاج. لذلك جورج عبدالله لا يحتاج إلى روتشة جمالية أو مبالغة «رامبوّية» في حجم الأفعال عندما يتعلق الأمر بمواقف وجودية حساسة، بل هو في حقيقته، صورة حقيقية عن البطل المعاصر. وعليه، في حالات نادرة كهذه، يأتي التعريف عن المعني بالأمر بالظاهرة. فلا بد إذاً، بما أن هذه الظاهرة مؤدلجة، ضبط رواجها، ولجم تأثيرها وكبح نسبة المشاهدة من خلال التضييق والانتقاء المُحدد تجنباً لما تشكله من «تهديد». وهذا ما يجعل الإشارة الزرقاء، تخرج عن طورها وتفعل فعلها خارج الشاشة، بل في صلب حياة جورج عبدالله، فيتبدى وجهها الحقيقي: سلطات الجواز الديموقراطي-الأخلاقي المزوّر، تتمادى بعيداً بفعلتها لتتخلى عن مهمتها المزعومة أي الرقابة، وتستبدلها كما تفعل الآن، بالحذف. تلف الماضي و«محاولة» محو البطل، في إبقائه حيثما يقبع حالياً، في السجن.
الوثائقي الجديد «فدائيين ـــ كفاح جورج عبدالله» (Fedayin) هو من إنتاج Vacarmes films (مجموعة من صنّاع الأفلام الوثائقية الملتزمين سياسياً بمحاربة كل أشكال الهيمنة) رفض التغييب والإقصاء المتعمد الممارس بحقّ جورج عبدالله في عصر قائم على المحتوى البصري، والقائمون على الفيلم يعلمون بكل تأكيد أن جورج عبدالله لم تتسعه الحياة، فمن بداهة الاعتقاد أن يتسعه فيلم.

وثائقي إخباري مكثّف في سرده للمعلومات التاريخية وفي شرحه للظروف الموضوعية التي شكّلت شخصية المناضل اللبناني

طبعاً، مثل أي إنتاج فني مستقلّ، لا يعترف الوثائقي بالعلامة الإرشادية، تلك التي تنصح بوجود الأهل أو الأخرى التي تعني سلطات القمع السياسية. بل هو على الضفة المقابلة منها. يأتي «فدائيين» ضدها بكل ما تحمله من سلطوية، ويفعل نقيضها، يتحداها حتى النفي، في تعريفه عن جورج عبدالله، وتبيان حقيقته، والإخبار عنه وعرضه في كافة المدن وعواصم العالم بغية تأصيل اسمه في النفوس. وبالمناسبة، ولو وجب التذكير: هو ليس بفيلمٍ بل وثائقي، والقاعدة هنا تختلف باختلاف طبيعة كلاهما. لذلك، فتمادي الرغبة بتلمّس بطولات جورج عبدالله، والتفاعل مع إرثه، بالمحاكاة عبر وسيط أدائي مرئي، سيتعقلن. ستُستبدل الرؤية المتعطشة للحماسة الثورية المصوّرة بالحجج والنظريات الثورية بالاستماع المتروّي للمسلك الثوري المستقيم. سنعرف عنه أكثر مما كنا نعرفه، لكن ليس بشكلٍ كافٍ. فالرفاق المجهولون بقوا مجهولين، والكلام عن فوهة السلاح كان مكتوماً، وبعض الأسئلة التي تتمحور عنه شخصياً، مثل التي عرضت أعلاه، لم توجد، فلم نجد لها جواباً.
باختصار، «فدائيين» هو سيرة النضال عموماً وسيرة نضال جورج عبدالله خصوصاً. هو كما جاء في التعريف: «قصة مصوّرة تسترجع رحلة شيوعي ومقاتل عربي لا يعرف الكلل من أجل فلسطين». ولهذا التشديد التوصيفي «مقاتل شيوعي عربي لأجل فلسطين» أهمية قصوى سنعلم مرده، بمجرد مرور دقائق قليلة، في أنّ المعني الأول لهذا العمل هو الجمهور الغربي. بيد أن هذا ليس نقصاً معيباً، أو عالة مُخجلة بل فعلةٌ مضيئة ضمن مهمة مقاومِة أخذها رفاق جورج عبدالله على عاتقهم في نقل سيرته، وكيفية تشكل هويته، من ساحة الأخبار الشفهية أو التقارير المنشورة في قصاصات الجرائد إلى فضاء الشاشة، وتعريفهم عن فلسطين، المحذوفة عن خريطة الجغرافيا واللسان من خلال شخص مرت فلسطين في سيرته الذاتية وتجسدت بشخصه.
من دون أي لمسة استشراقية، أو نزعة استطيقية خبيثة، جاء الوثائقي شبيهاً بسمات صاحبهِ. تحت خانة التصنيف بالمدرسة الواقعية الملتزمة، أتى «فدائيين» على وقع الموسيقى العربية يقودها العود، كوثائقي إخباري مكثّف في سرده للمعلومات التاريخية وفي شرحه للظروف الموضوعية التي تألفت شخصية جورج عبدالله تحت ظلالها... من مشاهد مسجلة حديثاً وأخرى أرشيفية قديمة، نُسج السياق كاملاً من خلال مقابلات مع شقيقيه موريس وروبير، ومحاميه، ورفاق آخرين له في النضال عربياً كخالد بركات منسق حملة «الحرية لأحمد سعدات»، وأجنبياً كالأسيرين اليساريين برتراند ساسوي (الخلايا الشيوعية المقاتلة) وجان مارك لويان (منظمة العمل المباشر) في خط سردي أفقي مستقيم لا يهتز، مترابط وتراكمي لا يمكن اختزاله بثيمة أو اختصاره بمحور، بل هو قائم على حقبة تاريخية كاملة كان جورج عبدالله في صميمها، وكانت بدورها في صميمه، في صميم عالم مسيّس للعظم.
إنها محاولة يخوضها الوثائقي لتشكيل سردية تاريخية، افتعالها وتركيبها لا كتابتها، لأن كتابة التاريخ أنجزها المنتصر، نقرأ فصوله في الحاضر الذي أدار أذنه الطرشاء لشكوك تحمل في طياتها يقيناً بمغالطات منطقية وإنسانية في هذه الكتابة. ولأن «الفصائل المسلحة الثورية اللبنانية» وقائدها كانوا ذوات فاعلة ومؤثرة مسكونين بهاجس الممارسة، فقد شكلّوا فعلياً، حقبة زمنية مُفتعلة من محض إرادتهم عنوانها: المقاومة المجنونة كالحلم الذي لا يعرف حدوداً. على أساس التشكيل هذا، وضع القيمون المنعطفات الجذرية التي قلبت المعادلة رأساً على عقب أمام المشاهد، بدءاً بالنكبة ثم النكسة، فالحرب الأهلية وصولاً إلى ثمانينيات الاعتقال والتحوّل من مقاوم إلى أسير سياسي. عمل منهجي قائم على الانطلاق من المسلّمة وصولاً إلى النتيجة. التذكير بالعلّة الأولى دائماً. عرض السبب والمُسبب وعدم إغفال أمرين أساسيين: التشويش ـــ الذي يوازي الكتابة ــــ على التاريخ الذي كتبه المنتصر. تشويش من قبل جورج عبدالله برسائله المبعوثة وتمسكه الصلب بماضيه ورفضه الاستسلام وافتخاره دائماً بمواقفه. والأمر الثاني هو طيفه الحاضر في كل مكان رغم إقصاء وجوده، من تونس حتى الأرجنتين، رغماً عن أنف حكّام الأرض، وافتخاره بالصفة التي يحملها: أسير سياسي، ليرى فيها فرصة ابتكار، فيسيّس السجن ويصبح فضاءه الذي يشتغل منه في السياسة.
من هنا، سينبّهنا «فدائيين» إلى أمرٍ نعرفه لكن لا نعرف كيف نصيغه. سيقدم لنا الصيغة التي نحتاجها لفكّ عقدة صعبة لفكرة سهلة، لا تتحرر سوى بشرط واحد؛ جملة بسيطة واضحة تقول: أسر جورج عبدالله هو أسر للحرية، بالتالي هو أسير الحرية. فمثلما أن صراع الأضداد هو محرك المجتمعات، لطالما كانت الحرية محرك الفرد. هي لعبة خيارين، إما التوق إلى الحرية إما تبجيل القفص. هو ديالكتيك يحفظه الشيوعي العربي غيباً، ويعلم أن في ظل لعبة الخيارين الشرسة، عليه أن يشدد على خياره ويُزعج خصمه، هكذا يسحب الجوكر من يده ويرميه على الطاولة: «لن أساوم سأبقى أقاوم».
إنها الطريق إلى الحرية إذاً، من على متن مركبة المقاومة. وهنا مسألة طرحها «فدائيين» لا تقل أهمية عن النقطتين أعلاه. نقطة تعود إلى البداية، تكمن في الخيار اللغوي الذي اتخذه القائمون على الوثائقي. «فدائيين» كما هم عليه، بكل ما للكلمة من معنى. يستهلّ الوثائقي جملته الأولى بالتعريف «لكن من هم الفدائيون؟ ومن أين ظهروا؟ إنهم أبناء الشعب المقموع، المحرومون من أرضهم ومن حقهم في تقرير المصير. هاجسهم تحرير فلسطين. كلمة فدائي مشتقة من فداء أي التضحية، أي موت الإنسان لأجل التحرر ولمستقبل الحرية».
إذا جاء في الحوارات المسهبة مع الشخصيات المستضافة أنّ تقاطع الحيز الموضوعي مع الميل الذاتي دفع جورج عبدالله إلى تشكيل مساره الخاص متبنياً نهج الثورة بكل ما تمليه من راديكالية، فإن عبارة «فدائيين» لا تتقاطع أو تتماهى البتة مع اللغة الفرنسية، حيث مرادفها عكس مدلولها. فهي بالنسبة لهم وحشٌ ضاري مطرود من المعجم، وفي المعاملات الرسمية والقضائية والسياسية، دلالتها الركيكة تعني الإرهابيين. لا يُشكل العنوان العربي المقلوب إلى لغة المستعمر ضربة أولى مقاومة تقدِم عليها جماعة «كوليكتيف» الفرنسية. إنها ترميز مكثف لهوية جورج عبدالله. إنها أيضاً العودة به إلى أصله، إلى جماعته. إضفاء شرعية على «الآخر» المقاوم والتعريف به عن كثب. إنها أيضاً لصق جورج عبدالله بالكل، بالجمع، كما كان وكما هو عليه وكما عمل طيلة حياته: فرداً من مجموعة خدمةً لهدف جماعي. أما الضربة الكبرى، فهي أن جورج عبدالله هرب من السجن ودخل الشاشة. سيؤدي البطل دور الفدائي (لا التباس هنا، فالفدائي هو البطل). وهذا سيكون كابوساً لقامعيه.

سيعرض «فدائيين» في الفضاءات التالية:
‎19:00 مساء اليوم في مسرح المدينة (الحمرا ــ بيروت)
‎الأربعاء 10 تشرين الثاني: 18:00 ـــ مركز الشهيد معروف سعد (صيدا)
‎الخميس 11 تشرين الثاني: 16:00 ــــ الرابطة الثقافية (طرابلس)
‎الجمعة 12 تشرين الثاني: 18:00 ـــ روضة القسام (برج البراجنة- بيروت)
‎السبت 13 تشرين الثاني: 19:30 ـــ برزخ (الحمرا ــ بيروت)

من ملف : بيروت تحتفي بالثائر الأممي جورج عبد الله: في البدء كانت فلسطين

- عكّار والتحوّلات التاريخيّة شكّلت وعيه الطبقي والسياسي: هويّة ما انفكّت تجدّد مقاومتها
*طالب شحادة

«نحن الفصائل المسلحة الثورية اللبنانية، نعلن إلى كل الذين يدينون الإرهاب، وينشطون لأجل إلغاء الاستغلال المجتمعي والحروب، أننا أعدمنا ياكوف بارسيمنتوف. إن الإعلام الإمبريالي والحكومات التي تدعم الإمبريالية، مثل الحكومة الفرنسية، يبكون على «الإرهاب». لكن من هم الإرهابيون؟ هم الذين يقتلون شاباً في الضفة الغربية لأنه يقاوم ضم وطنه إلى الكيان الإسرائيلي. هم الذين يقصفون المدنيين في الجنوب اللبناني. هم الذين يقتلون بشكل أعمى ثم يتجرّأون بوقاحة على طلب وقف إطلاق نار زائف. نحن نهاجم من ينظّمون هذه المجزرة بحق الشعب الفلسطيني. نحن نحمي حياة الأبرياء حتى لو كان الثمن أمننا الشخصي. منذ سبع سنوات، ولبنان تحت الحرب. منذ سبع سنوات، وتحت غطاء مواجهة «المتطرفين الفلسطينيين»، تدمّر الإمبريالية كل ما هو تقدمي في لبنان. هو حقنا أن ندافع عن أنفسنا. هو حقنا أن نهاجم الإمبريالية أينما وجدت، وخاصة حين تحظى بدعم الحكومات القائمة. سنواصل حربنا على الإمبريالية حتى النصر. فلتسقط الإمبريالية الأميركية ومرتزقتها من الأوروبيين. النصر أو النصر.

الفصائل المسلحة الثورية اللبنانية.

3 نيسان 1982»
من باريس ومن ليون، المدينتين اللتين كانتا من أماكن تمترس المقاومة الفرنسية للاحتلال النازي، خططت «الفصائل المسلحة الثورية اللبنانية» ونفذت، بقيادة جورج عبد الله، ووفق مبدأ «وراء العدو في كل مكان» على خطى وديع حداد، الكثير من العمليات النضالية في الخارج. بعد سنتين على هذا البيان الذي يمثّل تبنّي الفصائل لإحدى عمليات إتمام العدالة، ألقي القبض على جورج عبد الله بتهمة «حيازة أوراق ثبوتية مزيّفة». كان هذا الاتهام حجة السلطات الفرنسية لاعتقاله. وفي حقيقة الأمر لو راجعنا مسيرة جورج النضالية، نجد أن انتماءه وخياراته تعدّت محيطها المحلي بالفعل، رافدة من كلّ حقّ إنساني مشروع، وممتزجة بالقضايا الجوهرية وأشكال الكفاح والنشاط، لتصبّ في هوية ما انفكّت تجدد أشكال مقاومتها، منذ ما يزيد على 30 عاماً، حتّى يومنا هذا.
جورج عبد الله المولود عام 1951 في القبيات (عكار، شمال لبنان)، بدأ مسيرته بالتخرج من «دار المعلمين»، على بعد سنوات من اندلاع الحرب اللبنانية التي وجد نفسه فيها شاباً في مقتبل العمر، مبشّرة بحياة غير اعتيادية منذ البداية. في ضيعة صغيرة نائية تقع في عكار، عمل أستاذ مدرسة وتبلور وعيه الطبقي من خلال تفاعله المباشر مع الظروف المحاطة. هذا الوعي كان مشحوناً بإرهاصات سياسية وتاريخية بدأت مع عبد الناصر وانصبّت في الثورة الفلسطينية. بدأ عمله النضالي الفعلي بانتسابه إلى «الحزب القومي السوري الاجتماعي»، ثم ما لبث أن انتقل إلى «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» وأصبح ممثلاً لها في المخيمات والناطق باسمها. ربما ليس الأمر بالاستثنائي أو الخارق للعادة، لكن ما كان مفترق طرق فعلياً في قدر جورج، هو تأسيس وقيادة «الفصائل المسلحة الثورية اللبنانية» (عام ١٩٧٩) التي تبنّت فكراً مستقى من «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين». وبعد المعارك مع الإسرائيلي عام ١٩٧٨، التي شارك فيها جورج عبد الله وأصيب، رأت هذه «الفصائل» أن المهمة الأساسية هي ضرب المركز وتحويل المدفعية بالكامل إلى إسرائيل، كون الحرب الأهلية سقطت في مستنقعٍ نتن مليء بالوحل الطائفي. على هذا الشكل، كان شعارهم «وراء العدو في كل مكان، في المكان الذي نقرره ونحدد زمانه»، في حين كان، كل الوقت، «هو (العدو) من يقرر أرض المعركة سابقاً...» بهذه الشعارات المقتبسة من بيانات تبنّي نشاطات الفصائل، كان يتمثل الخيار السياسي الأخير والأبقى لجورج عبد الله، حتى اعتقاله عام 1984.
في حقبة اتسمت باتساع دائرة النضال وتعدد المشارب الفكرية لها، وبلوغ النضال الثوري أوجه في مقارعة العدو، كان مبرراً من جورج هذا التنقل في الخيارات السياسية، حتى إيجاد الشكل الأنسب له. في بلد يتقاطع فيه الحدث داخلياً وخارجياً، كان لا بد من مساءلة الفكرة التي تقتضي النضال الأنجح. من منطلق فكري ماركسي ما بعد كولونيالي، رأت «الفصائل الثورية المسلحة اللبنانية» أن الطبقة البورجوازية المهيمنة في الداخل ترعاها وتحميها أنظمة خارجية حليفة لها. لذلك استخلصوا أن الهم الوطني يقود إلى الصراع الطبقي ويحدده، فكان ضرب العدو، وخصوصاً في عقر داره، هو الأولوية. كان هذا هو الفكر الذي تسلحت به الفصائل في عملياتها كافة. هذا المناخ جذب المتمتعين براديكالية يسارية وشراسة ثورية كافية، للإقدام على تدشين عمليات نوعية جديدة، يتّسم معظمها بالتخطيط المخفي وعدم الاهتمام بالأضواء. جميعهم تحركوا تحت أسماء حركية، معظمهم عرف بها (غسان، ريما...) وجورج عبد الله نعرفه اليوم باسمه الحقيقي فحسب، عارياً هكذا كما هو، هذا الاسم الذي حافظ على نفسه، وتوسّعت القضية التي تفيد بضرورة نيله العدالة والحرية، اللتين لم تنفكّا عنه أكان في السجن أم خارجه. لأن جورج عبد الله لم يكن خارقاً، بطلاً إعجازياً أو أسطوريّاً، كان خياره سياسياً كذلك الأمر وإنسانياً، حيث لا خيار يستطيع أن يجد متنفّسه في سجن يقبع في المغترب أساساً. لقد كان الخيار الذي لا تنازل عنه بالاعتذار أو المساومة. تشييد قلعة داخل السجن. إنها أبعد ما تكون عن الفكرة العبثية على الأقل إذا وضعنا في الاعتبار أن الموقف الفعلي كان: التخلّي عن الشخصيّة وتجاربها التي بنتها، أي التخلي عن صدقها مقابل الذاتيّ والفردي، أو المواجهة واللامساومة حتى أجلٍ مسمّى. يصبح الرجل في هكذا خيار، هو القضية نفسها، لا اختلاف بينهما إلا في الحيثيات، ولا يعني ذلك الانقطاع عن الحياة. فقد كانت قضية جورج الأولى، في باله لم تتزحزح مثله. تابع من داخل سجنه الأحداث التي تجري في فلسطين ولبنان خصوصاً، داعماً كتابة وتسجيلاً وموقفاً، مشاركاً بالوسائل التي قدر على تحصيلها، لم يمسسه نسيان أو خذلان. فهو كالأسرى الفلسطينيين، ما زال يفكر في وسائل مقاومته، مبتدعاً أشكالها، تلك التي لا تنتفي ما دامت المسافة بين الفرد وقضيته واحدة واضحة لا تتغير.
هذا التكريس الكامل لأولوية القضية على الحياة الفردية، جعل جورج ورفاقه غير مهتمّين بضوضاء الكاميرات وأضوائها، مولين للفعل الخطابَ الحقيقي. وإن كان لا بد من كلام، فيكون ذلك على شكل بيان يعكس وضوح الرؤية، بعد تنفيذ العمليات بالطبع، ممزوجاً بتهكم الأسلوب أحياناً. إن كان دالّاً مباشراً على شيء أكيد، فهو على تلقائية الفعل، أي كأنه تحصيل حاصل قد يبدو لا أهمية كبرى لتبنّيه حتى. كانوا يفعلون أكثر مما يقولون بكثير. اليوم جورج لا يزال في السجن، بعدما انتهت محكوميته التي تصل إلى 15 سنة (المؤبد في فرنسا). يكمل عيد ميلاده الخامس والثلاثين، بعمر طال السبعين، ليبقى الحبس بالنسبة إليه مساحة حرية متبلورة، بهمّ إنساني لا يتبدّل ولا يحيد، تجاه الإنسان عموماً والهمّ الفلسطيني خصوصاً، إذ يرسل «فويسات» بصوته وشيئاً من كلماته المكتوبة كل حينٍ، مذكّراً إيّانا والعالم الخارجي، بالصوت الذي لا ينتهي.

من ملف : بيروت تحتفي بالثائر الأممي جورج عبد الله: في البدء كانت فلسطين

- المُنتج ماتيو جولان: الفيلم أداة تعبئة ومحاكمة للإمبريالية
* بول مخلوف

بمجرد سماعنا عن وثائقي حول جورج عبدالله، يراودنا أنه لا بد من أن يكون هو حاضراً فيه، أو أنه سيشارك فيه بطريقة أو بأخرى، على الأقل في مشهد مُصوَّر حيث يُجرى احتكاك مباشر معه، فما الذي حال دون ذلك؟

ــ سرعان ما يطرح هذا السؤال نفسه، كما حدث عندما فكرنا في صنع فيلم وثائقي عن حياة جورج عبدالله. ولكن اتضح أن التصوير في السجن في فرنسا أمر مستحيل، لا سيما في ما يتعلق بمسألة الترخيص. لذلك، لم نتمكن من إجراء مقابلة مُصوَّرة مع جورج عبدالله. من ناحية أخرى، كان هذا الأخير حاضراً بقراءة بيان (يعود تاريخه إلى عام 2013) في افتتاحية الفيلم، إلا أنه وافق أيضاً على تسجيل مقتطفات من مرافعته أثناء محاكمته في عام 1987. مقتطفات دمجناها في تسلسل الفيلم. إضافة إلى ذلك، قام العديد من أعضاء Collectif Vacarmes Films بزيارة جورج عبدالله بانتظام على مدى سنوات. وعلى الرغم من أنه لم يتدخل بشكل مباشر في عملية إنجاز الفيلم، إلا أن علاقة الثقة التي كانت مبنية معه غذت تفكيرنا حول كيفية سرد قصته وشكّلت مكوناً رئيسياً فيها.

نعتبر جورج عبدالله رمزاً للمقاومة، ثورياً أكثر من الثورة التي انضوى في صفوفها. بطل فج في زمن حرب دامية قلّة استمرّت في خوضها حتى النهاية. لكن بالنسبة إلى اليسار الأوروبي، كما ظهر في الوثائقي، فإن جورج عبدالله لا يعيش فقط في التاريخي فقط، أو في الأثر الذي خلفه وراءه، بل يظهر كأنه حاضر في راهنهم، منتعشاً في يومياتهم كأي قضية وطنية أخرى تشغلهم. ماذا يرمز جورج عبدالله لكل هؤلاء الناس؟ ماذا يعني لهم؟ وكيف تصف علاقتهم به؟
ـــ شكّلت هذه النقطة أساساً في تفكيرنا حول صناعة هذا الفيلم. لقد أردنا بالفعل تجنب الوقوع في مأزق الماضوية لسببين رئيسيين: تاريخ جورج متداخل في تاريخ المقاومة الفلسطينية. وهذه الأخيرة ما زالت حية بالفعل، كما أظهرت أحداث أيار (مايو) الماضي ليس فقط في غزة، ولكن أيضاً في الضفة الغربية ولدى «عرب 48». أردنا أن نشرح كيف أن التطهير العرقي الذي بدأ خلال نكبة 1947- 1948مستمرّ بوتيرة محمومة اليوم، في حي الشيخ جرّاح أخيراً، وفي جميع أنحاء فلسطين. لذلك لم نتمكن من تفسير تاريخ المقاومة الفلسطينية باختزالها في الماضي فقط. وهذا هو أحد أسباب بدء الفيلم بلقطة تتبع جوي طويلة لمسيرة العودة الكبرى لعام 2019، وهي مثال ممتاز لتعبئة الشباب الفلسطيني ضد الاحتلال الصهيوني والحصار في غزة.
علاوة على ذلك، وعلى الرغم من أن جورج قد أمضى أكثر من نصف حياته في السجن، إلا أنه حاضر بالفعل في التحركات الشعبية في لبنان ولكن أيضاً، كما أشرتم، في أوروبا، وبخاصة في فرنسا حيث تم سجنه. وفي رأينا، يمكن تفسير ذلك بسببين، الأول هو أن التعبئة من أجل إطلاق سراحه استمرت في النمو على مر السنين. بعدما كان مجهولاً نسبياً في البداية، فإن مطلب الإفراج عنه أصبح الآن مفروضاً على نطاق واسع داخل المنظمات اليسارية بفضل العمل الجاد الذي قامت به العديد من اللجان والمنظمات الداعمة للشعب الفلسطيني في فرنسا وحول العالم للإعلان عن حالة أقدم سجين سياسي في أوروبا. وكدليل على اتساع نطاق التأييد لجورج عبدالله، فإن التظاهرة الأخيرة أمام جدران «سجن لانيميزان» (في جنوب فرنسا) حيث تم سجنه، جمعت أكثر من 1000 شخص، وهي الأولى منذ أكثر من 15 عاماً. لكن وجود جورج عبدالله حتى اليوم يعود تفسيره أيضاً إلى حقيقة أنه يواصل كفاحه كل يوم على الرغم من اعتقاله منذ عقود، من خلال التصريحات، ورفضه للوجبات الغذائية دعماً للأسرى الفلسطينيين المضربين وإلى ما هنالك. كما أنه يتلقى عدداً كبيراً جداً من الزيارات كل شهر ويزداد الطلب عليه عبر بعث العديد من رسائل الدعم. وهكذا، إن نكران الذات والشجاعة اللذين أظهرهما لسنوات عدة كانا بمثابة دليل على ذلك. لكن ما هو ملحوظ في السنوات الأخيرة هو إعادة تبني جزء من الشباب للتراث السياسي المناهض للاستعمار والمناهض للإمبريالية الذي يجسده جورج عبدالله. أما الذي يمثله اليوم لمن يدعمه ويطالب بإطلاق سراحه، فهو تجديد للقضية الفلسطينية وتأييد دولي للمقاومة الفلسطينية.

ظاهرة تتمثل في تبنّي جزء من الشباب للتراث السياسي المناهض للاستعمار الذي جسّده جورج عبدالله

قدم لنا الفيلم الوثائقي سياقاً روائياً غنياً بتفاصيله عن قضية جورج عبدالله من خلال: إبراز الحجج القانونية التي أظهرت إخفاق العدالة الفرنسية، وإزالة النقاب عن التناقضات داخل الحكومة الفرنسية نفسها، والكشف الواضح والجلي، عبر الأرشيفات السمعية والبصرية، لمسؤولية الحكومات الفرنسية المتعاقبة عن اعتقال جورج عبدالله، وخضوعها للإرادة الأميركية وقراراتها التي حالت دون إطلاق سراحه. فهل يمكن اعتبار أن هذه العناصر ونسجها في الوثائقي جعلت من هذا العمل - أو من أحد أهدافه الرئيسية - محاكمة مضادة لمحاكمة عبدالله؟
ـــ كما نحاول أن نشرح في الفيلم، فإن سجن جورج عبدالله هو نتيجة لعدالة مبنية على الاستثناء، كما نتيجة محاكمة سياسية مليئة بالاتهامات الباطلة والمخالفات وما إلى ذلك. فعلى سبيل المثال لا الحصر، كان المحامي الأول لجورج عبدالله، جان بول مازورييه، يعمل في الاستخبارات الفرنسية بينما كان «يدافع عنه»، وكل هذا في سياق سياسي تخترقه المصالح الأميركية وكذلك الفرنسية. لذلك، من المهم في الواقع أن نتذكر أن فرنسا، في ذلك الوقت، كانت تدعم العراق عسكرياً في حربه ضد إيران، وأن هذه القضايا الجيوسياسية كان لها تأثير كبير في الشؤون السياسية والقضائية لجورج عبدالله. ولم يكن هدفنا من هذا الفيلم أن نعود بالتفصيل إلى التاريخ القضائي الذي قاده إلى السجن، بل كان هدفنا أكثر شرح ما كان يجري في هذه المحاكمة وما يجري حتى اليوم في قضيته من خلال مواصلة اعتقاله. لقد أردنا أن نفهم كيف ولماذا تم سجن مكافح لبناني دافع عن بلاده ضد الغزو الصهيوني لأكثر من 37 عاماً في السجون الفرنسية. وإذا كان الفيلم قد اتخذ شكل المحاكمة من خلال مثال جورج عبدالله، فإنه يتعدى ذلك ليشمل بشكل أكبر الإمبريالية الأميركية والفرنسية ودعمهما غير المشروط للمحتل الصهيوني. وهذا بالضبط ما فعله جورج عبدالله نفسه خلال محاكمته التي يستخدمها كمنصة سياسية للتنديد بكل الجرائم والمجازر التي ترتكبها القوى الغربية في المنطقة.

ركز الوثائقي بشكل أساسي على الظلم الذي عانى منه جورج عبدالله وعلى اعتقاله غير القانوني والمطول، مما يجعله أقدم «سجين سياسي» في أوروبا. لكن وانطلاقاً من العنوان «فدائيين»، لماذا لم يسلط الشريط الضوء أيضاً على عمليات النضال البطولي التي قام بها جورج عبدالله ومجموعته؟ هل يمكن أن يكون وراء هذا الاختيار الذي يغيّب هذه العمليات «تصرفاً ديبلوماسياً» قائماً على نية مدروسة للاستغناء عن العنف الثوري (لم يدر جورج عبدالله ظهره له أبداً) لصالح لغة «إنسانية» تخدم قضيته بالتأكيد، وستحمل عالياً حقه في الحرية، وستشير إلى الظلم الذي يصيبه بالفعل، ولكن ألن تسلب هذه اللغة، في المقابل، أفعاله ومواقفه عبر إهمالها ماضيه كله كمناضل لصالح المقاومة، ولا سيما عملياته داخل «الفصائل المسلحة الثورية اللبنانية» التي أثرت بعمق في التاريخ والسياسة، وكانت سبباً في اعتقاله في الدرجة الأولى؟
ـــ على العكس تماماً، كان الأمر بالنسبة لنا ترك الاعتبارات «الإنسانية» و«الديبلوماسية» جانباً من أجل إبراز التزام جورج عبدالله ككل بصورة أفضل، بما في ذلك أنشطته داخل «الفصائل المسلحة الثورية اللبنانية» (FARL). والمهم في رأينا هو الهدف الثوري والمبادئ السياسية التي وجهت وما زالت توجه التزامه، وهي النضال ضد الصهيونية والإمبريالية والأنظمة العربية الرجعية.
إلى ذلك، إن مسألة «العنف الثوري» حاضرة في كافة مشاهد الفيلم، ولا سيما في الجزء الأول الذي اخترنا أن نشبك فيه قصة المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الصهيوني بقصة جورج عبدالله، الذي اتخذ، في ريعان شبابه، قرار السلاح عن طريق الانضمام إلى صفوف مقاتلي «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» لمحاربة الصهيونية. بعدئذٍ قرر، من خلال إنشاء «الفصائل المسلحة الثورية اللبنانية»، مواصلة النضال في قلب البلدان الإمبريالية، ولا سيما فرنسا، متبّعاً بذلك منطق وديع حداد في «ملاحقة العدو أينما كان». لعل أهم مآثر التسلّح التي قامت بها «الفصائل المسلحة الثورية اللبنانية» هي إعدام تشارلز راي وياكوف بارسيمنتوف، عميلي الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية تباعاً. ولم نطور بالتفصيل الإجراءات المختلفة لـ «الفصائل المسلحة الثورية اللبنانية» في المقام الأول لأن لدينا معلومات شحيحة تحت تصرفنا من الموالين الرئيسيين الذين التقيناهم. فمن السهل تخيّل أن الكشف عن معلومات معينة قد تكون له آثار ضارة حتى اليوم. أخيراً، ما نحاول إظهاره خلال الفيلم هو الطبيعة الثابتة لكفاح جورج عبدالله الذي لم يستسلم أبداً ورفض التوبة على الدوام. كذلك، يشمل مجمل تاريخه اختيار الكفاح المسلح الذي يُعد أحد أسباب سجنه وإبقاءه في السجن اليوم.

محاكمة مليئة بالاتهامات الباطلة والمخالفات جعلته أقدم أسير سياسي في أوروبا

في رأيكم، هل يمكن للوثائقي أن يكشف الغموض والالتباس اللذين نشآ، بشكل متعمد وملفق، حول التمييز بين الفدائيين والإرهابيين؟
ـــ لربط الإجابة مع السؤال السابق، يمكننا القول إن هذا كان هدفاً للفيلم، بخاصة بالنسبة إلى الجمهور الغربي، وعلى المشاهدين أن يحكموا ما إذا كان الهدف قد تحقق. ولكن، من خلال قصة التزام جورج عبدالله، سعينا إلى إبراز شرعية المقاومة المسلحة في مواجهة الاحتلال. لهذا، من المهم أن نفهم من الذي يضع وصمة «إرهابي» في القصة. فقد استخدمت فرنسا هذه الدعاية ضد الشعب الجزائري المتمرّد وضد كل نضالات التحرر الوطني التي كان عليها أن تواجهها. ومن الغني عن البيان أنّ دولاً مثل فرنسا وإنكلترا وحتى الولايات المتحدة لديها كل المصالح في تصنيف مقاتلي الحرية كإرهابيين من أجل حماية مصالحها الإمبريالية. إنهم يثبتون ذلك باستمرار وبشكل خاص منذ عام 2001. وما كان شن حربهم ضد «الإرهاب» و«محور الشر» إلا من أجل تبرير الغزو في أفغانستان والعراق (من بين أمور أخرى). في هذا السياق، لا يشكّل جورج وجميع الفدائيين استثناءً لهذه القاعدة.

عُرض الفيلم الوثائقي في الولايات المتحدة، الدولة المفتاح في هذه القضية، وصاحبة قرار الإفراج عن جورج عبدالله. واستهدفت جولاتكم المدن الأميركية الكبرى مثل نيويورك وشيكاغو. فكيف استقبل الرأي العام هذا الفيلم؟
ـــ في الواقع، اتجه «فدائيين،ـــ كفاح جورج عبدالله»، إلى الولايات المتحدة في الوقت الحالي، في سياق مهرجانات أو خلال عروض فريدة. ونحن سعداء جداً بالاستقبال الذي حظي به، وغالباً ما يكون مصحوباً بتبادل للآراء حول وضع جورج عبدالله والمقاومة الفلسطينية. أما ردود الفعل على الفيلم، فهي نابعة من حماسة فائقة. في نيويورك، تم تنظيم أخيراً مسيرة للمطالبة بالإفراج عن جورج عبدالله بعد العرض. كنا سعداء لمعرفتنا بذلك. إذ إن الفيلم قد تم تصويره وإنتاجه كأداة للتعبئة. وفي الولايات المتحدة، تقوم العديد من المنظمات بحملات تضامن مع الأسرى الفلسطينيين، لا سيما شبكة «صامدون» و«حركة الشباب الفلسطيني» (PYM). ويمكننا الاعتماد على عملهم لنشر الفيلم وإطلاع الناس على قضية جورج عبدالله.

هل تعتمدون على «فدائيين» في بلورة الوعي والاهتمام بقضية جورج عبدالله، لكي تتعزز بذلك عملية تشكيل رأي عام دولي يكون بمثابة وسيلة للضغط الشعبي، مما يساعد في ترسيخ المطالب بأن تتحقق العدالة وأن يؤدي ذلك في نهاية المطاف إلى إطلاق سراحه؟
ـــ من البداية إلى النهاية، كانت عملية الإنتاج مدفوعة بهدف جعل هذا الفيلم أداة تعبئة لصالح جورج عبدالله. ومن الواضح أنه مجرد فيلم ولا شيء يحلّ محل العمل الميداني. ولكن اليوم «فدائيين ــ كفاح جورج عبدالله» يرافق التعبئة في العديد من الأماكن في فرنسا وفي العالم، ويحمل في رصيده حالياً ما يقرب من مئة عرض سابق ومستقبلي. ونريد أن يواصل الفيلم العمل من أجل الإفراج عن جورج عبدالله.

أجريت هذه المقابلة مع ممثل شركة Vacarmes Films ماتيو جولان حول فيلم «فدائيين» وتُرجمت من اللغة الفرنسية إلى اللغة العربية

من ملف : بيروت تحتفي بالثائر الأممي جورج عبد الله: في البدء كانت فلسطين

- المفكر السياسي
*روبير عبدالله

في المدة التي استغرقها إنجاز فيلم «فدائيين ـــــ كفاح جورج عبدالله»، كان عالم الاجتماع الجزائري سعيد بوعمامة قد أنجز كتاباً باللغة الفرنسية بعنوان «قضية جورج عبدالله» (1). صدر الكتاب في شباط (فبراير) الماضي، لكن ظروف جائحة كوفيد-19 حالت دون أن ينال حقه في النشر والتداول في لبنان، على رغم أن الكتاب لا يقل شأناً عن الفيلم لناحية الغوص في الأبعاد الاجتماعية والسياسية والفكرية لقصة الأسير المقاوم جورج عبدالله وقضيته.

لعلّ الإعلان عن عرض الفيلم على مدى أيام الأسبوع يمثل فرصة سانحة لإلقاء الضوء على بعض مضامين الكتاب، وفي الوقت نفسه يكون مساهمة نوعية إلى جانب الفيلم لكشف سمات وأبعاد أخرى في قضية الأسير جورج عبدالله من زاوية سوسيولوجية، يغلب عليها طابع سوسيولوجيا المقاومة، في منهجية دراسة الحالة، محورها جورج عبدالله وإطارها السياسات الإمبريالية المعادية لشعوبها أولاً، ولشعوب العالم قاطبة أيضاً. وفي دراسة الحالة هذه، يعتمد الكاتب أسلوب تحليل الخطاب، ممثلاً بما أعلنه الأسير في مرافعته أمام المحكمة، التي أرادها محاكمة للنظام الرأسمالي عموماً، ولعدالته المزعومة، إضافة إلى الرسائل التي كان يوجهها الأسير للمتضامنين معه، والتي بدورها أيضاً، كانت بمثابة خطاب مواجهة مع قوى العدوان الرأسمالي، سواء بسعي الأخيرة لقتل فكرة المقاومة لدى الأسرى بحد ذاتهم، أو لتدمير موقعهم الرمزي في نظر الشعوب المضطهدة. من خلال المراحل التي مرت بها قضية جورج عبدالله، منذ اعتقاله، مروراً بالخزعبلات القانونية الآيلة إلى إصدار أحكام سياسية تتضمن كافة أشكال التلاعب بالقانون، وانتهاء بالإعلان الرسمي عن كون «القانون» في الدول الرأسمالية مجرد أداة لقهر الشعوب وطمس حقها في الدفاع عن نفسها، من خلال مراحل القضية ومسارها «القضائي»، يكشف بوعمامة آليات الهيمنة الرأسمالية بوصفها نظاماً متكاملاً، تندرج في سياقه الأجهزة الإعلامية والقضائية والعسكرية لتكون آلة لنهب الشعوب وقهرها.
يحوي الكتاب مقدمة وستة فصول وخاتمة. يستهل عالم الاجتماع كتابه باعتبار قضية جورج عبدالله، بسبب هذا الكمّ من تدخل الدولة الفرنسية، أداة كاشفة «لحالة العدالة الفرنسية عندما يتعلق الأمر بفلسطين والشرق الأوسط والسياسة الدولية الفرنسية والإمبريالية».
في الفصل الأول، يصف تبلور هوية جورج عبدالله وتشكل وعيه السياسي في سياق ما شهدته سبعينيات القرن الماضي من اشتداد للصراع الطبقي في لبنان وانتقال قوى الثورة الفلسطينية إلى لبنان، ليصبح مكان التقاء مشاريع وطنية وتحررية اكتسبت تعاطفاً أممياً، في مواجهة اعتداءات إسرائيلية تدعمها القوى الإمبريالية. أمر ولّد على المستوى الفلسطيني ثم اللبناني شعار «وراء العدو في كل مكان»، وكان جورج عبدالله إحدى الحالات المجسدة له، إلى أن جرى اعتقاله عام 1984، لتبدأ ــ كما وصفها الكاتب في الفصل الثاني ـ «مسرحية سياسية قضائية طويلة، كل منها يشكل: فضيحة دولة».

إسرائيل تخدم مصالح جميع القوى الإمبريالية

واستعرض الكاتب في الفصل الثالث «مقاتل في مواجهة قضاته» جانبين يتمسك بهما كبار المناضلين أثناء محاكماتهم: أولهما، المناضل لا يدافع عن نفسه إنما يدافع عن القضية، وثانيهما بالتالي، انتقاله من موقع المتّهَم إلى موقع المتّهِم. وهكذا، راح جورج عبدالله يعدد الاعتداءات والمجازر التي ارتكبتها إسرائيل في لبنان وفلسطين، إضافة إلى ضحايا الاستعمار على مرّ التاريخ القديم والحديث، لينهي باستهجانه حضور ممثل عن الولايات المتحدة الأميركية بوصفه طرفاً في الادعاء. إذ قال وهو يهم بمغادرة قاعة المحكمة: «أترك لكم لذة الاستماع إلى ممثلي اليانكي وهو يلقي حممه بوجه الشعوب المستضعفة».
أما الفصلان الرابع والخامس، فقد خصصهما لرصد العلاقة الجدلية بين استمرار شراسة الاعتقال وضعف التحركات المطالبة بتحريره، تمهيداً للفصل السادس والأخير الذي تمّ تخصيصه للفكر السياسي لجورج عبدالله.
في تحليله لخطاب الأسير جورج عبدالله، سعى الكاتب إلى إبراز المعنى السياسي لاتجاه الخطاب على حساب القيمة الرمزية لصلابته وشدة صموده، ليس للتقليل من شأنها، إنما لأجل وضعها في سياق كشف مبررات التعنت الفرنسي من جهة، ولقطع الطريق على تأثير فكر جورج السياسي من ناحية أخرى، بالنظر لما يحمل فكره من إمكانات راهنة في ظل الأزمة الرأسمالية العاصفة ببلدان الغرب الرأسمالي وتقاطعها مع انتقال الإمبريالية إلى ممارسة أسلوب جديد في التوحش الرأسمالي في دول الأطراف.
إنها عملية التكوّن الفاشية Processus de Fachization، ذلك المصطلح الذي استخدمه جورج عبدالله لتوضيح آليات اشتغال الإمبريالية في بلدان المركز الرأسمالية وفي الأطراف. آليات يجري التعبير عنها من خلال ابتداع «قوانين» جديدة تجرّم معاداة الصهيونية، وتنقلب على حقوق تشكيل النقابات والتظاهر، وممارسة العنف ضد المتظاهرين في المجتمعات الغربية، وبالمقابل تشريع ما يسمى الحرب الوقائية والتدخل العسكري بحجة الدوافع الإنسانية وفرض العقوبات على كيانات ودول.
وربطاً بتحليله لآليات وسيرورة تكوّن الفاشية، يشرح جورج عبدالله تطور السياسات المعتمدة تجاه السجناء. فلم يعد الأمر يتعلق بسجناء سياسيين يقضون مدة عقوبتهم، إنما بات الهدف القضاء عليهم. ويشير إلى القانون الصادر عام 2008 الذي يمنح السلطات القضائية حق تمديد عقوبة السجن إلى ما لا نهاية انطلاقاً من معيار «خطورة» السجين وليس من منظار مسؤوليته عن الأفعال التي قام بها.
هكذا، تكمن خطورة الفكر السياسي لجورج عبدالله، بتجسيده فكرة المقاومة ضد إسرائيل، ليس لأن الأخيرة تعبّر عن مصالح طبقتها الحاكمة فحسب، إنما لأنها تخدم مصالح وأهداف جميع القوى الإمبريالية، ولأن حرية الشعب الفلسطيني لا تنفصل عن حرية الشعوب العربية وشعوب العالم قاطبة.
* أخ المناضل اللبناني
(1): Saïd Bouamama, l’Affaire Georges Ibrahim Abdallah, Premiers Matins de Novembre Éditions, 2021.

من ملف : بيروت تحتفي بالثائر الأممي جورج عبد الله: في البدء كانت فلسطين

- أنا جورج العربي جسدي هو الأسوار
* موسى السادة

من التغافل، بل من الظلم التعامل مع قصة جورج باختزال وتحجيم، أي بالنظر الى قضيته من منظور مظلومية الفرد الأسير في معتقلات الديموقراطيات الإمبريالية كما يطلق عليها هو بذاته. جورج رمز، ولفظ الرمز هنا لا يعني الأيقونة، الصورة التي تعلّق على الحوائط ومعرّفات حسابات وسائل التواصل وملصقات جدران المباني. جورج هو الرمز الذي حشر تاريخنا جعبة في صدره، بحيث أن نقرأ تاريخه هو كأن نقرأ تاريخنا نحن.

اعتقل جورج عام ثلاثة وثمانين، ولبنان تحت الاجتياح، كانت مصر بالمعنى العملي للصراع منطقة ساقطة عسكرياً، وأيلول أسود كان قد ألقى بظلاله على شرق نهر الأردن، الثورة الفلسطينية في ميلانها السلبي، البورجوازية السورية المشاكسة ــــ كما يعبّر هو ــــ تحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه كي لا تصلها نار العربدة الإسرائيلية، ومشاريع التسوية تُهندس سعودياً. تُركت الجماهير العربية ــــ وعلى الأخص شعبنا الفلسطيني ــــ أسيرة العراء، وبدأ جورج سنين أسره.
تاريخنا العربي خطان متوازيان، وكما بتعريف علوم الرياضيات لم ولن يشتركا في أي نقطة. خط موسم التحولات والتبدلات ودفن البنادق في تسعينيات مدريد وأوسلو وشرم الشيخ، وخط الأجساد المتفجرة من عيّاش الى قصير، خط أخشام البنادق في وجه العدو، خط الطلقة في صدر الفاشستي والصهيوني. فأين كان جورج من كل هذا؟
عام 1999، أنهى جورج مدة حكمه المؤبد، يحق له الآن المطالبة بالإفراج المشروط، رُفِض لسبب واضح في نص القرار: «إن الحملات المعادية للإمبريالية والمناهضة لإسرائيل عند السيد عبد الله لم تتغير»، فجورج لم يتغير أو يبدّل. وفي حين كان السلاح يشيّع دون أسى على أكتاف شيوخ النفط، ينقل محاميه قوله لقضاة الاستعمار الفرنسي «لا أعدكم أنتم بأني لن أحمل السلاح». كان جورج في صلب المعركة، في صلب تاريخنا، بل هو تاريخنا اكتسى الوجود المادي، فلم يكن الأسير المحاصر، كان لسان حاله «وأنا أحاصركم.. أحاصركم»، أسوة بكل المقاومين على سبيل تحرير فلسطين. وليثبت أنك كعربي شرط أن تكون حراً، وأينما كنت، فضمن قواعد التاريخ والهوية، ومن خلال كسر موانع المكان وقواعد الجغرافيا فـ«معاركنا معاركها وإن بعدت نواحينا» كما يعبر شاعر يمني مشيراً إلى فلسطين.
من ناحية شخصية، لم أعرف جورج سوى عام 2012، وأنا الذي خرجت للحياة وهو يقضي عامه العاشر في الأسر. ومن على سواحل الخليج وخلال أولى الحلقات التي عرضت تسجيلاً له على قناة «المنار»، ناداني والدي لأشاهدها وليخبرني من هو جورج. فـ«من الخليج الى المحيط، ومن المحيط الى الخليج كانوا يعدّون الجنازة». وأما نحن فنعدّ حياته بيننا في وجداننا، وكتبت علينا مذلّة أننا لم نعمل كل السبل لتحريره.
شارك في الحلقة ذاتها الراحل أنيس النقاش، ووجّه له جورج التحية. لأنيس أدقّ توصيف بلسان الغرب لقصتنا كعرب، والتي يرمز لها جورج: «أن يأتي إنسان ويكون في غير الموضع الذي يريد له الغرب أن يكون، لسان حاله يقول: علمناك في المدارس الفرنسية، ماروني واسمك جورج وماسك لي (حامل) القضية الفلسطينية من شمال لبنان وعامل لي يساري وبدك تقاتل ضد الصهيونية، عم تخربط لي المعادلة يا جورج!». هي قصة التقسيم والتفكيك منذ قرون، قصة الطوائف والانقسام الهوياتي، ومعادلات هندسة إجهاض ولادة هوية عربية، وتجسيد عروبة فلسطين وعروبة مقاومتها كما يخبرنا جورج بنفسه.
لأي متابع للتسجيلات المسربة للرفيق جورج من الأسوار البغيضة كما يسِميها هو، ومن لم يفعل فعليه أن يسمعها. منها تفهم ماذا يعني أن تكون عربياً، فمن منظور تاريخي، أن تكون عربياً بين القرنين العشرين والحادي والعشرين هو أن تكون فلسطينياً. عندما تسمع جورج فأنت تسمع صوت فلسطيني، تسمع صوت العربي الذي يرى كل شيء بعيون فلسطينية، ماذا يعني ذلك؟
لن ترى لجورج كلاماً عن ذاته، وعندما تكلم عن نفسه فقد قال «لا تتسوّلوا حريتي». فعندما يتحدث، يتحدث كفاعل تاريخي لا مفعول به في قعر السجون. يتفاعل مع فلسطين وأحداثها وأسراها الذين من الواضح أنهم يشغلون وجدانه أكثر من أي شيء آخر. من سجنه يتفاعل جورج مع جدلية التحرير. تزيّن مكتبه الصغير صور للشهداء والرفاق والأسرى وليس آخرهم صورة للشهيد الفلسطيني باسل الأعرج. لكن مجدداً ماذا يعني ذلك؟ أو ماذا يقتضي؟ باختصار، فإن هذا يقتضي كل شيء، كلّ الحكاية.
قصتنا نحن كشعب نتعرض لهجمة إمبريالية احتلّت أرضنا وهجّرتنا، والأدهى أنها قسّمتنا إلى هويّات ضيقة، ليختلي الصهاينة بشعبنا الفلسطيني وليطبقوا مشروع إبادتهم فيهم بعزلته، ولتأتي أموال الغاز والنفط لتصطنع لنا القضايا الموازية لا المطابقة، مكسيّة بهويات الفرنسيين والإنكليز من سايكس وبيكو. وعودة لقوانين الرياضيات، فالخطوط المتوازية تتلاقى في نقاط شريطة تطابقها، بأن تتطابق مأساة العربي أينما حلّ.
وهذا تحديداً ما يجعل الصهاينة يلاحقون جورج في كل مفصل، فالذي فعله هذا الرجل العربي هو أنه اختار لنفسه أن يباد فداء لقضيته، أن يُشمل في مشروع الإبادة الصهيونية للفلسطينيين، في سجنه وداخل زنزانته. يموت ببطء وهو الذي بلغ عقده السبعين كعمر القضية. بهذا الخيار والموت، يقف سوراً يحمي بقايا مشروعنا العربي الثوري وليكون لسان حاله:
أنا جورج العربي فليأت الحصار
جسدي هو الأسوار
فليأت الحصار.

من ملف : بيروت تحتفي بالثائر الأممي جورج عبد الله: في البدء كانت فلسطين

- «فلسطين ستنتصر»: الحريّة أقرب من أيّ وقت مضى
*«بالتأكيد أيّها الرفاق، لن نتمكن من مواجهة المضايقات الإجرامية للممثّلين المفوّضين لرأس المال» التي تستهدف مقاتلي المقاومة الأسرى من خلال البحث عن الثغرات القانونية هنا وهناك، ولكن من خلال تأكيد التصميم الراسخ على محاربة نظامهم الإجرامي المحتضر» (جورج عبد الله ، 23 حزيران/ يونيو 2018)

منذ تأسيسها ، تقود «رابطة فلسطين ستنتصر» حملة تعبئة واسعة للإفراج عن العضو الفخري جورج عبد الله. تكشف لنا مواصلة اعتقاله في فرنسا عن دور الإمبريالية الفرنسية في هذه المنطقة من العالم، وخاصة في لبنان وفلسطين. مرة كل شهر، يلتقي به العديد من أعضاء رابطة فلسطين ستنتصر في «سجن لانيميزان». وفي كل شهر، نلتقي بمقاتل عربي عازم ومتحمّس في مواجهة تطورات النضالات المستمرة. بالنسبة إلينا ،إن دعم جورج عبد الله يمثل دعم الشعبين اللبناني والفلسطيني ضد الإمبريالية.
أسير الثورة الفلسطينية
«رابطة فلسطين ستنتصر» هي منظمة تدعم الشعب الفلسطيني ومقاومته. ندعم النضال من أجل تحرير فلسطين من البحر إلى النهر، ونحشد من أجل الإفراج الفوري عن 4650 أسيراً فلسطينياً. ومن بين هؤلاء الأسرى في السجون الصهيونية، يعدّ جورج عبد الله رمزاً مهماً مسجوناً في قلب المراكز الإمبريالية. إن دعم قضية جورج عبد الله والأسرى الفلسطينيين ليس فقط قضية من قضايا العدالة أو حقوق الإنسان. إنه أولاً وقبل أي شيء دعم سياسي لمن هم في طليعة المقاومة ضد الإمبريالية والصهيونية الذين يجسدون السبيل الوحيد لتحرير الشعب الفلسطيني: طريق المقاومة.

مقاتل عربي محبوس
في السجن، لم يتوقف جورج عبد الله عن كونه ما هو عليه: مقاتل مناهض للإمبريالية ومفكر ثوري وشيوعي عربي. على هذا النحو، انضم في عام 1999 إلى منصة جمعت العشرات من السجناء السياسيين الثوريين، ولا سيما الأناركيين والشيوعيين والمعادين للفاشية. وهو لا يكفّ عن تأكيد دعمه لنضالات الشعوب ضد الإمبريالية والصهيونية، ولا سيما الشعب الفلسطيني واللبناني. من خلال تصريحاته ورفضه لصواني الأكل، يجلب المقاومة إلى قلب نظام السجون الإمبريالي. يؤيد إضراب بلال كايد عن الطعام ويطالب بالإفراج عن أحمد سعدات (يقول عنه إنه «جنرال أسرى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين») ويؤيد المسيرات الكبرى من أجل العودة: كل تضامنه في خدمة النضال. بحكم رؤيته السياسية الواضحة ومكانته كزعيم، يؤدي دوراً مهماً في إعادة بناء اليسار الفلسطيني والعربي.
حملة متنامية للإفراج عن أقدم سجين سياسي في أوروبا
لقد بُنيت التعبئة في فرنسا أولاً لكسر الأوميرتا عن تاريخ جورج عبد الله وفك عزلته. بعد أكثر من 15 عاماً من الحملات الدؤوبة، كانت هذه الخطوة الأولى ناجحة جزئياً. جورج عبد الله لم يُنس. يكتشف عدد متزايد من الناس فضيحة الدولة هذه كل عام. في تولوز، نعمل على نشر المعلومات المهمة والعمل على التعبئة من أجل توسيع حركة التضامن. كما يؤدّي إطلاق وثائقي «فدائيين ــــ كفاح جورج عبد الله» دوراً رئيسياً في تكثيف الدعم لهذا الشيوعي اللبناني المسجون في فرنسا. منذ عام 2010، يقام حدث سنوي كبير في تشرين الأول (أكتوبر) أمام أبواب سجنه في لانيميزان. يوم السبت 23 تشرين الأول 2021، تجمّع أكثر من 1000 شخص من جميع أنحاء فرنسا وأماكن أخرى أمام أبواب السجن حيث يتم احتجازه كرهينة. في الوقت نفسه، أصبح الدعم الدولي أكثر أهمية، ولا سيما بفضل العمل الأساسي الذي تقوم به «الحملة اللبنانية لتحرير جورج عبد الله» وكذلك «شبكة صامدون الدولية» ومئات اللجان حول العالم. اليوم، تطالب أكثر من 400 شخصية سياسية حول العالم بالإفراج عنه مثل أنجيلا ديفيس، نعوم تشومسكي، موميا أبو جمال ومارسيل خليفة. لا شك في أن حملة الإفراج عن جورج عبد الله أصبحت من أهم الحملات للإفراج عن معتقل سياسي.

دعم المقاومة وبناء المستقبل
أصبح جورج عبد الله اليوم رمزاً للنضال الذي لا هوادة فيه ضد الإمبريالية والصهيونية والأنظمة العربية الرجعية. الشيوعي العربي المسجون في فرنسا يجسد هذا الرابط الضروري والحيوي في النضال ضد الإمبريالية والاستعمار بين النضال في لبنان وفلسطين وفرنسا. لقد مكّن تأكيد هويته السياسية ودعمه الثابت للمقاومة المستمرة من تسييس جيل جديد من النشطاء على جانبَي البحر الأبيض المتوسط. في فرنسا، أصبح الكثير من الناس مسيّسين من خلال تاريخه ونضاله. يشدد الجيل الذي ولد في الثمانينيات أثناء اعتقاله أو الجيل الذي ولد في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين (بعد إمكانية إطلاق سراح جورج) على أن دعم جورج عبد الله لا يضعف، بل على العكس يتجدد ويتشكل إلى جانبه. ولا شك في أن ظهور هذا الجيل من الشباب المعادي للإمبريالية هو أكبر انتصار سياسي لجورج عبد الله، بالإضافة إلى تمكنه منذ أكثر من 37 عاماً من فرض شرعية قضيته في مواجهة سجانيه. لكن سجنه لمدة 37 عاماً يضع الحركة المناهضة للإمبريالية بأكملها في فرنسا ولبنان وفلسطين في مواجهة سجل إنجازاتها. من الضروري إعادة الآن بنائها، من أجل جورج ومن أجل المقاومة.

* «رابطة فلسطين ستنتصر»، عضو «شبكة صامدون الدولية»

من ملف : بيروت تحتفي بالثائر الأممي جورج عبد الله: في البدء كانت فلسطين


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 62 / 2342227

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع ثقافة وفنون   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

28 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 28

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28