يكاد الحَجَر أن يكون رمزاً فلسطينياً خالصاً، لقد قيل فيه من القصائد والأغاني ما لم يقل لا في الخمرة، ولا في سواها، إلى حدّ أن شاعراً كمحمود درويش أطلق صيحة شهيرة ذات مرة: «آن لنا أن ننظف قصائدنا من الحجارة».
كان الأدباء العرب، قبل الفلسطينيين، يتسابقون على مديح ذلك الرمز الذي فرضته الانتفاضة الفلسطينية الأولى، إلى جانب رموز أخرى عمّت أرجاء العالم حينذاك كالكوفية الفلسطينية، من بينها قصيدة الشاعر السوري الراحل ممدوح عدوان «هذا زمان من حجر، إن شئت أن تحيا عزيزاً كن حجر، احمل حجر، واضرب حجر».
ثلاثة عقود فقط مرّت منذ الانتفاضة الأولى كي تنقلب رمزية الحجر على أرض فلسطين ذاتها، من رمز لمقاومة الاحتلال إلى رمز للقمع
ثلاثة عقود فقط مرّت منذ الانتفاضة الأولى كي تنقلب رمزية الحجر على أرض فلسطين ذاتها، من رمز لمقاومة الاحتلال إلى رمز للقمع، فمن بين الصور الأكثر رواجاً في التظاهرات الأخيرة ضد سلطة محمود عباس واحدة يظهر بها شبيح من رجال السلطة يضرب عن قرب رأس متظاهر بحجر. راجت الصورة ربما لتسليط الضوء على تلك المفارقة، رغم أنها لم تكن الأكثر وحشية، فهناك السحل والاعتداء على صحافيين بالضرب، واستخدام مدنيين ضد مدنيين.
إنه تحوّل مخجل حقاً، أن يصبح الحجر رمزاً لقمع الفلسطينيين من قبل السلطة (هذه التي لم تكن ممكنة أصلاً لولا حجر الانتفاضة الأولى) لكنه تحوّل يلخص الحكاية كلّها، كأن هناك من يريد أن يلقن الفلسطينيين درساً بالنيابة، كأن هناك من يرغب بالثأر منهم على أروع نضال في تاريخهم!
استقالة اريكا زيدان
قبل أن تقدم المذيعة الفلسطينية اريكا زيدان استقالتها على الهواء صباح أمس (الاثنين) وتتوقف عن متابعة حلقة من برنامجها اليومي على إذاعة «موّال» كانت وجهت انتقاداً إلى صمت السلطة والأجهزة الأمنية وعدم إبدائها أي رد فعل على مقتل نزار بنات. قالت زيدان إن السلطة كانت قادرة على تخفيف الاحتقان لو قامت بمجرد رد فعل ما. لكن ما حدث، بحسبها، أن السلطة تجاهلت ما يحدث، و»أوصل صمتها رسالة».
وأشارت زيدان إلى التظاهرات في رام الله والخليل وبيت لحم، وتهجم العناصر الأمنية بلباس مدني على المتظاهرين، تحدثتْ خصوصاً عن التهديدات التي وجهت للصحافيين. ثم ختمت حديثها بالقول «أنا مش صاحب ردات فعل سريعة، ولكن عندي خطوط حمراء، منها حقي في التعبير عن نفسي. إدارة الإذاعة اتصلوا ثلاث مرات كي لا أتناول ما يحدث على الأرض الفلسطينية. إذا مدير إذاعة مش متقبّل مذيع متمرس ومتمكن يطلع يبدي رأيه وينقل صوت الشارع، فهنا خلل كبير».
اريكا زيدان: السلطة التي ترى في الحلول الأمنية طوق نجاة ستغرق نفسها. خذوا القرارات الصعبة الآن، قبل أن تصبح أصعب
في الأيام السابقة، وعلى صفحتها في فيسبوك، كانت زيدان لا تنقل فقط جوانب من التظاهرات، والاعتداءات على المتظاهرين والصحافيين، إنما أيضاً بعض التهديدات بقطع يدها بسبب مواقفها وتغطيتها للحدث.
على صفحتها، وفي تقديمها لفيديو الاعتداء على زميلتها الصحافية نجلاء زيتون كتبت زيدان ما هو أوضح من «بيان» استقالتها: «ما زال على الحكومة أن تستقيل، وما زال عليها أن توقف قادة أجهزة الأمن، وأن تعلن عن عقيدة أمنية جديدة تحترم الرأي المعارض وتحرّم الاعتقال السياسي. السلطة التي يضيق صدرها بأقوال المعارضة ليست سلطة. السلطة التي تعتقد أن ما جرى أمراً بسيطاً، وأن الناس ستنسى وأن نتائج لجنة التحقيق ستعيد الوضع إلى ما كان عليه هي سلطة وأهمة. السلطة التي ترى في الحلول الأمنية طوق نجاة ستغرق نفسها. خذوا القرارات الصعبة الآن، قبل أن تصبح أصعب».
استقالة زيدان ليست استثناء، ولا يبدو أن السلطة قادرة بعد (ولو بتقديم عزاء متأخر، وبوعد لجنة تحقيق) أن توقف سيل الاستقالات والاحتجاجات.
العصفور والسلك
قالت صحف سورية وإيرانية إن عصفوراً تسبب أخيراً في انقطاع التيار الكهربائي عن إحدى البلدات السورية. لم يقصّر السوريون، على مواقع التواصل الاجتماعي، في السخرية من الحدث والخبر المنقول على لسان مدير عام شركة كهرباء القنيطرة (جنوب). من بين المعلّقين مَن وَصَفَ العصفور بـ «المندس» و»المشارك في الحرب الكونية على سوريا» وهناك من علّق بالقول: «ما حدا أحسن من حدا، فقد سبق أن أكل القرش كابلاً بحرياً أدى إلى انقطاع الانترنت في البلاد».
لكن لو قيّض لذبذبات أسلاك الكهرباء أن تقول شيئاً للعصفور، على غرار بوح سلك الهاتف للعصفور في قصة شهيرة للكاتب المصري يوسف إدريس بعنوان «العصفور والسلك» فما الذي سيسمع حينذاك، في تلك الساعات العسيرة من انطفاء التيار في بيوت المقهورين أساساً بسبب مئة مصيبة أخرى! وجميع السوريين جربوا ذلك حتى في أيام السلم، إنها لا شك تلك الشتائم والأدعية الطالعة من قعر الألم. ففي «ظاهر الأسلاك ﻻ ﺷﻲﺀ ﻳﺤﺪﺙ» أما «ﻓﻲ ﺍﻟﺪﺍﺧﻞ (فـ) ﺗﺪﻭﺭ ﻋﻮﺍﻟﻢ وأكوان. سلامات. احتجاجات. تحيات. صفقات. وداعات. استغاثات. أرض تباع. بلاد تباع…».
يعرف الجميع أن الكهرباء ستُقطع يومياً لساعات طوال، بعطل أو دونه، بسبب مباشر أو من دونه، لذلك لم يروا في حكاية العصفور سوى اختراع لا حاجة له، شيء يزيد الهم على قلوب الناس، وربما يجعلهم عرضة لسخرية لا ترحم.
ما لم يقله المعلّقون بعد أن من المحتمل محاكمة العصفور غداً بتهمة إيهان نفسية الأمة، فأسباب المحاكمات التي اخترعت على مدى ستين عاماً ليس بأقل سريالية.
رحيل خورشيد
برحيل المنتجة السينمائية المصرية اعتماد خورشيد عن عمر ناهز الـ 86 عاماً نخسر شاهدة استثنائية على حقبة مصرية استثنائية. إنها تلك السيدة التي طلّقها صلاح نصر، مدير المخابرات المصرية في عهد عبدالناصر، من زوجها بالإجبار، بل وجعله (الزوج) شاهداً على زواجهما، فعاشت عن قرب أحداثاً وتفاصيل مروعة لم تكشف عنها إلا في السنوات الأخيرة عبر كتب أصدرتها، ومقابلات وتصريحات مدوية كان لها أثرها في تغيير الوعي حول حقبة بأكملها كانت تعتبر حقبة وطنية مضيئة.
برحيل اعتماد خورشيد، نحسب أن الزعيم جمال عبدالناصر مرتاح في قبره أكثر، لا يقلقه بعد صوتها ملعلعاً عبر الفضائيات.
برحيلها، نحسب أن الزعيم جمال عبدالناصر مرتاح في قبره أكثر، لا يقلقه بعد صوتها ملعلعاً عبر الفضائيات.
