] قراءة في كتاب “وجدت أجوبتي” للشهيد باسل الاعرج - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
الاثنين 16 تشرين الثاني (نوفمبر) 2020

قراءة في كتاب “وجدت أجوبتي” للشهيد باسل الاعرج

الاثنين 16 تشرين الثاني (نوفمبر) 2020

“لا تحلموا بعالم سعيد ما دامت إسرائيل موجودة”. تدلّ هذه النصيحة التي وجّهها الشهيد في إحدى دراساته على نظرته الشاملة للصراع العربي الصهيوني، حيث تحتل القضية الفلسطينية الموقع المركزي في المنطقة : “كل من لا يضع فلسطين كقضية المركزية ولا يضع العدو الصهيوني كتناقض رئيسي، أنبؤكم بأنه سيضّل الطريق...” (ص 270) مؤكدا على ضرورة “القضاء على هذا السرطان في جسم المنطقة”. انطلاقا من مفهومه للصراع في المنطقة، تتمحور كتابات الشهيد باسل الأعرج حول نقطتين مركزيتين: مواجهة العدو الصهيوني من جهة وتمكين المجتمع الفلسطيني من جهة أخرى، للتخلص من الاستعمار. ينطلق من واقعه ليحلّل الظواهر الإيجابية والسلبية، ويعود الى التاريخ والقصص الشعبية وأقوال الثوار في العالم ليدرس كيفية التعامل مع الاستعمار: “فإن أول ما يقوم به الاستعمار هو تعريف الممكن والمستحيل للشعوب المضطهدة، ويعاونه في ذلك عادة بعض أفراد الشعب ويتم ذلك عبر تقنيات تدخل مباشرة وغير مباشرة، فلا تصدقوا ما يتم قوله ونقله ومحاولة زرعه في عقولنا، وحاكموا المقولات وفق المنطق وقوة التحرّر لدى الشعوب.” (الانتفاضة دمرتنا)

يقع الكتاب الذي جمع أبحاث ومقالات الشهيد و“البوستات”، في 400 صفحة من الحجم المتوسط، أضاف الناشرون إليها سيرة الشهيد وبعض ما كُتب عنه بعد استشهاده وكلمات عائلته وأصدقاءه.

من هو باسل الأعرج؟ ولد في الولجة، قضاء القدس، في 27/1/1984. تقول أمه وسام: “كان عنده حب استطلاع فظيع جدا” منذ الصغر ولم يهدأ “حتى يُشفي فضوله للمعرفة والاستكشاف”. انكبّ باسل على دراسة التاريخ وسير الصالحين، و“لا يترك أي رجل أو امرأة من كبار السن ممن عاصروا أيام البلاد إلا وسألهم عما يعرفون من تفاصيل وأحداث وروايات”، ما ظهر جلياً في كتاباته، إذ يروي تفاصيل عن شخصيات فلسطينية قلما كتب عنها، مثل قصة انطوان جميل داود، الفلسطيني الذي ولد في بوغوتا (كولومبيا) (224)، أو قصة قرية الولجة، أو عن عوني ابراهيم الشيخ الرافض للعملة “الإسرائيلية”. اهتم بالتراث الشعبي (الفن، والروايات و“الخرافات” والتقاليد) وأعاد صياغتها بلغته الخاصة في كتاباته عن موضوعات شتى، وفي محاضراته وجولاته التثقيفية في الضفة الغربية التي كانت تنظّمها الجمعيات، وكان يستوحي منها لكتابة موضوعات حول الواقع الفلسطيني (كن كالنيص وقاتل كالبرغوت مثلا).

سافر إلى مصر بعد تخرجه عام 2002 من مدرسة ذكور بيت لحم الثانوية ودرس الصيدلة. في مصر، اهتم بدراسته وانخرط في النشاط الطلابي الفلسطيني، وكان يمضي فترة العطلة الصيفية في عمان عند ابن عم أبيه، “المناضل الكبير الراحل محمد خليل الأعرج”، فتعرّف برفقته على تاريخ الثورة الفلسطينية. بعد عودته من مصر في صيف عام 2007، عاش باسل في الولجة ثم عمل في مخيم شعفاط كصيدلي، لمدة سنتين، وعاد بعدها إلى الولجة لينخرط في العمل الشعبي ضد الاحتلال والاستيطان، ويشارك في المظاهرات دعماً للأسرى وضد مخطط برافر. شارك أيضاً في مسيرة العودة وفي اعتصام رام الله تحت شعار “إنهاء الانقسام” في 15/3/2011، ما حثه على الانخراط أكثر في العمل السياسي والثقافي، ذلك لعدم اقتناعه بجدوى شعار “إنهاء الانقسام”، في “محاولة تحسّس الأفق السياسي الشبابي الشعبي في فلسطين في تلك الأيام والتأثير فيه”، ما سيمكنّه، فيما بعد، من الكتابة والمشاركة في ندوات حول وضع “الحراك الشبابي” والأفق السياسي المفتوح أمام الشباب الفلسطيني في تلك المرحلة.

في حزيران 2013، واجه الشهيد بطش قوات الأمن الفلسطينية خلال مظاهرة رافضة لإعلان محمود عباس عن نيته العودة إلى المفاوضات، فأصيب في رأسه. في عام 2016، بعد انتقاله للعيش في رام الله، اختفى باسل مع اثنين من أصدقائه. في 8 نيسان، عثرت الأجهزة الأمنية عليهم واعتقلتهم، ثم اعتقلت ثلاثة شبان آخرين من أصدقائه. تعرض باسل وأصدقاؤه لتعذيب شديد في أقبية السلطة. في 28/8/2016، قرر المعتقلون الإضراب عن الطعام للمطالبة بالإفراج عنهم (إضراب المختطفين الستة). أفرج عن باسل ورفاقه في 8/9/2016. اختفى باسل بعد الإفراج عنه وأصبح مطارداً من قبل قوات الاحتلال، التي اعتقلت رفاقه.

في يوم الاثنين، السادس من آذار 2017، شنّت وحدة “اليمام” في جيش العدو هجوماً بالقذائف على شقة سكنية في مدينة البيرة، كان باسل يتحصن فيها. استشهد وهو يتصدى للهجوم. استمر احتجاز جثمان الشهيد من قبل قوات الاحتلال حتى يوم 17/3، في محاولة فرض شروطها لتسليمه، إلا أن العائلة رفضت الشروط كافّة. بعد الإفراج عن الجثمان، سار موكب تشييع الشهيد يوم 17 آذار 2017، بمشاركة الآلاف من المشيعين الذين هتفوا “ضد الاحتلال وسلطة التنسيق الأمني”. في الشقة التي استشهد فيها، تمّ العثور على وصيته وعلى بعض النصوص التي ضمت إلى هذا الكتاب.

1 - مقاومة العدو

تشير نصوص الشهيد كافّة إلى الأهمية التي أولاها لمقاومة العدو الصهيوني. لم يكن سرده للمعارك (عبد القادر الحسيني) أو لعمليات فدائية (تصفية الصهيوني زئيفي، وفي جولة تثقيفية في جبال الخليل، عملية زقاق الموت) أو لاختراعات علمية (يحيى عياش وقصة أم العبد وأم الشيطان) إلا للتأكيد على إمكانية المقاومة في كل الظروف والمناسبات، وتنوّع أساليبها، من المواجهة العسكرية إلى السيارات المفخخة (أنطوان جميل داود)، ومن التفجيرات (فوزي القطب) إلى العمل الشعبي والمقاومة الاقتصادية (الانتفاضة). كان يقرأ ويبحث لمعرفة أدق التفاصيل وللإجابة على أسئلة قد تعترض طريق البحث. المقاومة هي الحالة الطبيعية في واقع الاستعمار؛ فكل موضوع تناوله شكّل مناسبة للتأكيد على حيوية الشعب الفلسطيني، وعبقريته في إيجاد سبل للمقاومة والتصدي لقرارات الاحتلال (عيلبون مثلا). ينقل على سبيل المثال ما قاله القيادي في المقاومة الجزائرية العربي بن مهيدي “ارموا بالثورة إلى الشارع فسوف يلتقطها الشعب”، للتأكيد على الحالة الثورية المستمرة لدى الشعوب المقهورة والشعب الفلسطيني بشكل خاص. من خلال إصراره على الحديث عن المقاومة وإمكانياتها ونجاحاتها (ضرب المستعمرات) وأيضا إخفاقاتها (مع محاولة لتحليل الأسباب)، يبدو أنه كان يحاول إقناع المترددين بأن خط المقاومة هو الخط الأصيل في تاريخ الشعب الفلسطيني والشعوب المقهورة، ولا سبيل للخلاص إلا بمقاومة العدو بكافة السبل، ولو بطريقة فردية.

في بحثه عن “الكفاح المسلح في ثورة 1936” وفي مقالات أخرى، يورد عمليات التخريب، كإحدى أنواع الكفاح، والتي يستطيع الفرد القيام بها لتعطيل بنية الاستعمار ومؤسساته. فهي في متناول الجميع، وشكل من المقاومة الشعبية، فركّز على استخدام هذه العمليات خلال الانتفاضة (الأولى) حسبما ورد في بيانات القيادة الوطنية الموحدة، والتي نقلها للتأكيد عليها. كان الشباب المقدسي قد استخدم عمليات التخريب قبل سنوات لتعطيل القطار الهوائي، رغم الأصوات المنددة بتلك الأعمال معتبرة إياها “خارجة عن سياق المقاومة”. لكن، بالنسبة للشهيد باسل الأعرج الذي تابع سِير العديد من “المجرمين” وقام بمقابلة أحدهم في عمان، فإنّ الانتقال من “العمل الإجرامي” إلى العمل الثوري ظاهرة عالمية (مقال “الخروج عن القانون والدخول الى الثورة”). فلاحظ أن “وجه الشبه ما بين الثوري والمجرم هو أن كليهما قرّرا الخروج عن”الأنظمة والقوانين“المتعارف عليها. لهذا، فإنّ انتقال المجرم إلى الفعل الثوري أو السياسي المنظم أو غير المنظم هو انتقال سلس، لا تشوبه.. تعقيدات انتقال أبناء الطبقة البرجوازية لما يتطلبه ذلك من رفض للطبقة الاجتماعية.” نقل الأمثلة العديدة في التاريخ العربي والإسلامي لتلك النماذج من المجرمين الذي انتقلوا إلى الثورة بعد وعيهم “للمشروع السياسي”. ويضيف: “فلا فرق بين حرب العصابات الثورية وبين عصابات قطاع الطرق إلا بالمشروع السياسي والحاضنة الشعبية” (299).

من هنا أيضا يأتي تركيزه على الثوار، من أمثال أبو جلدة والعراميط، حيث وثقت الأغاني الشعبية بطولاتهما، كما تابعها الشهيد باسل في ورقته عن “الفن في فلسطين”. انجذب باسل إلى الأعمال البطولية، فكتب عن الأبطال والثوار، وعن المتطوعين العرب من الأردن ومصر، عن “الكف الأسود”، وأخيراً عن ظاهرة “الذئب الوحيد” (فدائيو المرحلة)، قائلاً إنّ “كل حالات الذئب الوحيد التي نراها في هذه الفترة سيكون لها اليد في تحديد استراتيجية الانتفاضة القادمة وأدواتها ومنطقها وآليات تنظيمها” (276)، ناصحاً بقراءة المرحلة “جيداً” لفهم “ما هو قادم. المؤشرات توحي بأن إستراتيجيا الانتفاضة القادمة ستكون”الانتفاضة الشعبية العامة المسلّحة“. اعتبر باسل أن كل فرد من أفراد المجتمع له دور في الانتفاضة والمقاومة، وأعطى أمثلة لشخصيات وقفت وحيدة تتحدى الاحتلال. بالنسبة له،”كل فلسطيني على ثغر من ثغور فلسطين، فإياك أن تؤتى من قبلك“، و”لا تقوموا بنشر دعاية الاحتلال أبداً، ولا تساهموا في استدخال الهزيمة“، مؤكداً على أنه”من الآن، يجب الالتزام برواية المقاومة"، في إشارة إلى الحرب العدوانية على قطاع غزة في العام 2014.

2 – تمكين المجتمع الفلسطيني

في هذا المحور، يسعى باسل إلى نفض الغبار المتراكمة على سلوكيات أفراد المجتمع، متجنباً “إطلاق أحكام وشتائم” ومفضلاً الدراسة والتحليل (276). ينبش في التاريخ وعادات المجتمع (العونة) وتحليلات الثوار في العالم (فانون، غيفارا، ماو تسي تونغ) للعثور على شروط النهوض للعودة إلى الثورة والمقاومة في وجه الاحتلال والاستعمار. يحاول فهم كيف ولماذا يرتبط البعض بفكرهما وسياستهما، ويعلن مواقفه الصريحة ضد “الإسرائيليين” اليساريين الذين لم يتخلوا عن خطابهم الإستعلائي (الصحفية عميرة هس حيث اعتبر أنها “ليست إلا جندياً في المعركة الخلفية التي يطلقها المستعمِر في ميدان الثقافة والقيم”). رفض الشهيد مقولة “عسكرة الانتفاضة” (انتفاضة الأقصى) التي رددتها بعض أقلام السلطة لتبرير ما وصل إليه “التنسيق الأمني”، مستدعياً الأمثلة من “ثورة 1936” التي كانت ثورة شعبية مسلحة، في حين يركّز البعض على “سلميّتها”، وأجرى مقارنة بين انتفاضة 1987 وانتفاضة 2000، ذاكراً العوامل التي ساعدت على حمل السلاح في كلا الانتفاضتين، إلى جانب المبادرات الشعبية للتخلص من التبعية الاقتصادية (التعاونيات) للاحتلال في الانتفاضة “الأولى”.

يشير في مواقع عدة إلى “خطاب الضحية” الرائج في أوساط فلسطينية (وعربية) و“لعب دور الضحية بشكل سلبي”، دون إنكار أن الشعب الفلسطيني ضحية العدوان الصهيوني، لكن “هناك فرق بين من يرسّخ لانتقام الضحية من جلاده ومن يستحضر الذاكرة الجريحة لتكون مداً ثورياً وبين من يريد أن يكون ضحية لإثبات أنه لا يشكل خطراً” على العدو، مذكراً أن العلاقة مع المحتل هي علاقة قمع أولاً ولا يمكن انتظار شيء آخر منه. لن تؤثر صور الإجرام الصهيوني “على المجتمع الصهيوني أبداً إلا بالإيجاب”، وبالمقابل، “لن تؤدي حتماً إلا للهزيمة والخنوع” على الجانب الفلسطيني. فيستحضر مثل الشاب “محمد عبد الغني أبو طبيخ من قباطية” الذي “حط مخزن رصاص المسدس في جسم المدعي العام البريطاني بنتوتيش”، ليستخلص منه ضرورة الكف عن اللطم والبكاء، واستبدالهما، بعد جريمة حرق عائلة الدوابشة، بمبادرة الحماية الذاتية والشعبية. من ارتكب أنواع المجازر كافّة خلال النكبة، والتي وثّقها الشهيد في بحث يحمل عنوان (الذاكرة الجريحة للنكبة)، لا يلتفت إلى المحاولة “لإثبات أننا مؤدبون في حضرتهم”، و“أننا مواطنون صالحون نلتزم بالقانون”.

ينتقد من جهة أخرى الأصوات التي صدرت عن فلسطينيي 48 عقب عملية الشهيد نشأت ملحم، التي تخلّت عنه، واعتبرت أنه يعاني من مشاكل نفسية. فهذه هي حال كل الثوار والمقاومين في زمن الانحلال السياسي، مستوحياً من تجربة فانون في الجزائر، الذي حلّل هذه الظاهرة ووجد أن المستعمِر ينفي دائماً الصفة الثورية والأخلاقية لدى المقاوم ويجرّم أفعاله. استنتج من خلال النقاشات التي جرت حول عملية الشهيد أن العدو “والمتواطئون معه” يعملون على “قتل فكرة أن هناك من يقاوم ويقاتل” و“قتل مخيال الناس لإبادة فكرة الحلم عند المجتمع”. في انتقاده لثقافة أوسلو الانهزامية، يعود إلى هذه الفكرة بطريقة أخرى، حيث يعتبر أن السلطة أفرغت الرموز الوطنية من محتواها وفصلت بين السياسي والتقني: “إن أردت تفريغ شيء من روحه، ليس عليك إلا أن تحوله إلى تقني.. هكذا جرت إبادة العمل السياسي في فلسطين” (319)، و“التنسيق الأمني” (عمالة لايت) ليس إلا إجراء تقني، وفقاً للأجهزة الأمنية التابعة للسلطة.

ناقش العديد من الأمور في “البوستات” التي كتبها بعد 2011، باحثاً عن أجوبة لتساؤلاته حول العمل في المرحلة الحالية. ينتقد، من جهة، السلطة وثقافتها (حول الانتخابات مثلا: “ماذا لو نجح أحد العملاء؟ ألم يحدث أن نجح خمس عملاء في انتخابات أحد الأقاليم في فصيل فلسطيني؟”) ومن جهة أخرى، الأحاديث “عن ضرورة صياغة مطالب قابلة للتحقيق لاستثمار الهبّة الحالية” في حين أن “الهدف الرئيس هو ضرورة استمرار الاشتباك ولو بوتيرة منخفضة... أما الحديث عن”مطالب“، فعادة ما يتبعه مباشرة الحديث عن التمثيل، أي سؤال”من يُمثل الشعب ويتحدث باسمه؟“، والحديث عن التمثيل تتبعه مباشرة ممارسة سلطة على الجموع الحقيقية التي تمارس الاشتباك، وممارسة سلطة آو امتلاكها سيدفع مباشرة للمساومة، والمساومة ستعيد إنتاج ما سبق، بوجوه جديدة وأعمار صغيرة.” من خلال انخراطه في العمل الجماهيري ومشاركته في الاعتصامات والمواجهات، إضافة إلى قراءاته وسماعه للروايات والقصص، ومشاهداته، ينقل ملاحظات مهمّة وقيّمة حول “حسّ الجماهير” وعبقريتها (خط الكهرباء، الحمامات)، وحول مشاركة المرأة في المواقف النضالية كافّة ودورها في المجتمع، وحول أهمية الاشتباك في القرى بدلا عن الاشتباك مع العدو في “النقاط التقليدية... لأن تلك النقاط تم إعدادها مسبقاً من قبل العدو لتحتوي هذا النوع من المقاومة” (269)، ويلاحظ أهمية الحواضن الشعبية لاستمرار الثورات، وكيف يعمل المستعمِر لعزل هذه الأخيرة عنها ليتمكن من قتلها.

يحلّل أيضا ظاهرة عزوف الشباب عن المشاركة في مواجهة الاحتلال (حزب الكنبة) ويدرس الحراك الشبابي الذي انطلق بعد العام 2011، طارحاً الأسئلة وباحثاً عن أجوبتها: ما هو هذا الحراك؟ وماذا قدّم؟ وما الذي يجب فعله؟ أحد الأجوبة التي يقدمها هي عملية تحرير العقل من الأصنام، مع ذكر الأمثلة: “فوقوف الشاب أو الطفل او الشابة أمام الجندي المدجّج بالسلاح ورفض أوامره وحتى السخرية منه وعدم الانصياع له (أو صفعه كما فعلت الطفلة عهد التميمي) يعتبر خطوة من خطوات تحرير العقل من تلك السلطة التي منحناها لهم عبر بناء أصنام لهم في عقولنا، أصنام لجندي لا يقهر”، ويتابع بنصيحة: “خذ لنفسك مبادرة والتزم بها ومن يدري لعل مبادرتك تصنع ثورة، فالثورة مبادرة فردية تبنّتها جماعة، حرّر عقلك من تلك الأصنام بالبحث عن الحقيقة والتدريب العملي الميداني، ولا تنزع إلى السلبية المطلقة والإيمان التام بنظرية المؤامرة، وكما يقول سيدنا عمر بن الخطاب”كل مسلم ثغر من ثغور الإسلام، فإياك أن يؤتى الإسلام من قبلك “”.

هذه هي أجوبة الشهيد باسل الأعرج على الوضع القائم في فلسطين، حيث يتخبط الشباب بين قمع وقهر الاحتلال، من جهة، وملاحقة الأجهزة الأمنية “التقنية” من جهة أخرى، حيث تمويل (اليو أس أيد) والتطبيع ينافسان تأثير موجة العمليات الفدائية وانتفاضة تعيش “كالنيص وتقاتل كالبرغوت”. في نصّه “لماذا نذهب الى الحرب؟” الذي كتبه خلال “اختفائه” الثاني، قبل استشهاده، يهدف تركيزه على دور “الرومانسية” في الحياة، أي اللاعقلانية أحياناً، إلى التأكيد على حيوية الشعب الفلسطيني، بأبطاله وشهدائه، حيث يكتب “نحن نحتاج الى الرومانسية لكي نستمر في الوجود. لا أرى أبداً إمكانية لاستمرار البشرية دون رومانسية”. ولأن الشعب الفلسطيني يعيش في زمن “استعماري فلسطيني خالص”، مغاير لزمن ما بعد الحداثة، خال من “الرومانسية”، “ما زلنا قادرين على إنتاج سرديات رومانسية”، في عالم أصبحت سردياته كاذبة ومبتذلة كسرديات الأفلام الاميركية.

ناضل الشهيد باسل الأعرج بمشاركته في المواجهات ضدّ الاحتلال وضدّ الخط المهزوم، كما ناضل بقلمه وكلماته. وصفه البعض بـ“المثقف المشتبك”، في حين كان يرفض صفة “المثقف”، كما كتب أحد أصدقائه، د. خالد عودة الله في كلمته يوم إطلاق هذا الكتاب: “باسل كان يتطيّر من مسمّى”مثقف“، والحديث عن وظيفةٍ له عنوانها الاختصاص”. فهو المناضل الثوري الواعي الذي آمن “بالسرديات البطولية سلاحاً فاعلاً في أيدي المغلوبين في مواجهة مستعمريهم؛ سلاحاً قادراً على توليد”الأسلحة“، وتَوالُد المقاومين.” هو من كتب: “فلسطين هي الأجمل بالنسبة لي... جمالها في أنها هي من منحتني جوابي في البحث عن المعنى، وهي من أجابت عن أسئلتي الوجودية وتمنحني مبرر وجودي وتعالج قلقي الدائم” (247).

تنزيل الكتاب


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 27 / 2342227

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع ثقافة وفنون   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

33 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 30

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28