] النكبة كموضوع «غير مفضل» في السينما الفلسطينية - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
الثلاثاء 1 أيلول (سبتمبر) 2020

النكبة كموضوع «غير مفضل» في السينما الفلسطينية

سليم البيك
الثلاثاء 1 أيلول (سبتمبر) 2020

في نقاش السردية الفلسطينية ومدى نديتها للسردية الإسرائيلية في الأعمال الفنية (أدباً وسينما…)، ومدى استحقاقها لهذه الندية، ونحن أمام ماكينة صناعية وترويجية ضخمة، يمتاز الاحتلال بها عنا، يأخذنا الحديث مباشرة إلى السينما الفلسطينية، حيث لا بد من حكايات تستقوي بها السردية، وحيث لا بد أساساً من حكاية النكبة، الأصل الذي تحوم حوله كل القصص الصغيرة المساهمة في صناعة هذه السردية.
لست هنا في نقاشٍ للأحقية، أو لصدقية إحدى السرديتين، فنحن، كما كتب مريد البرغوثي في «رأيت رام الله» «لم نخسر فلسطين في مباراة للمنطق، لقد خسرناها بالإكراه وبالقوة». والتعبير السينمائي عن هذه الخسارة لم يرتقِ إليها في ناحية أساسية، وإن تفوق في نواح أخرى.
حديثي هنا عن الـ»لم يرتقِ إليها»، لكن قبلها من الضروري، إنصافاً، التذكير بالمكانة العالية التي نالتها السينما الفلسطينية عالمياً، بأفلام هي بمثابة الأعمال الفنية في بعضها، حجزت لفلسطين وقصصها أمكنة على شاشات مهرجانات العالم الأولى، وهذا كله رغم الصعوبات التي تعاني منها هذه السينما كتابةً وتمويلاً وصناعةً.
الخسارة الكبرى للفلسطينيين كانت في النكبة، تحديداً في عامها 48. فكل ما تلاها كان أثراً لها، وامتداداً متواصلاً زمانياً ومتوزعاً مكانياً. ولا يمكن للقصص القصيرة في الأفلام هنا وهناك، أن ترتقي إلى المكانة التأسيسية لهذه الخسارة، عام 1948، في تشكيل عموم المأساة الفلسطينية، وبالتالي هويتها الوطنية والأدبية/الفنية. فتجميع القصص القصيرة لا يشكل سردية.. تجميعها، ككولاج، يعطي فكرةً ما عن تاريخٍ نشاهد، لحظتها، أثرَه وحسب.
أحكي هنا عن الأفلام الفلسطينية التي لم تطرح النكبة (الجذر) كموضوع أساسي لها، بل طرحت قصصها القصيرة (الأثر)، والقاصرة في حالات عدة، المصورة لراهن يعيشه الفلسطينيون، من عنصرية وجدار وحواجز وجيش ومصادرة، وغيرها من آثار الحدث التأسيسي لكل ذلك في تاريخنا المعاصر: النكبة.
جيد أن توجد هذه القصص المتفرقة، بل هي ضرورية لتشكيل صورة راهنة لما هي عليه حال الفلسطيني. لكن ما ينقصنا هو حكاية النكبة، حكايتها هي، العودة إلى الأساس.
أترك جانباً الخلل الحكائي في الأفلام الفلسطينية، فمعظمها مكتوب بحدود أدنى في فن القص، وطبعاً ليس هذا عيباً (فليس من الضروري أن يحكي الفيلم قصة دائماً) ما لم يسيطر ويصير ظاهرة جامعة لهذه الأفلام، لكنها كذلك، فتكون أفلامنا الفلسطينية بدون حكايات في وقت عاش شعبنا، قبل ثلاثة أجيال، أم الحكايات. أفلامنا هذه تصور حوادث متتابعة، حالات متوترة، اشتباكات (درامية) لا جهد في ابتكارها، كأن يتسبب به اقتحام جيش الاحتلال لحي أو بيت، وتأتي كلها في سياق راهن هو الاحتلال. جيد إن مرّ ذلك في السينما الفلسطينية، لا بأس إن واصل مروره، لكن لمَ يواصل تكرار ذاته في أفلام فلسطينية متلاحقة؟ والأهم، أين حكايتنا الأولى، أين حكاية خسارتنا الأولى؟ أين أم الحكايات الفلسطينية؟ ولا يخطر في ذهني الآن سوى فيلمين تناولاها: «الزمن الباقي» لإيليا سليمان و«باب الشمس» وهو فيلم عربي، ليسري نصرالله.
لا أرى سبباً ليعكف صناع الأفلام الفلسطينيون على تجنب حكاية النكبة، لا أرى سبباً لذلك، تحديداً حين أشاهد قصصاً مكتوبة بتواضع، أفلاماً تضع كامل ثقلها في مَشاهد متوترة (على حاجز أو تحت قصف) آخذة من تشويق هيتشكوك أكثر لعبه انكشافاً واستهلاكاً، وقد صارت محاكاتُها مثيرة للضحك لا الإثارة، فهذا الأخير أحسن صناعة مشاهد التشويق المتخلل لحكاية محكمة يستعيرها من رواية.
ليس هيتشكوك من المفضلين لديّ، لذلك ربما أطرحه كمثال هنا، لكنني أطرحه للإشارة إلى أن التشويق لا بد أن يأتي ضمن حكاية، وليس في أحداث متفرقة تعتمد على عنــــف الجندي وتأثيرات موسيقية. من هنا أصِل إلى الحكاية الفلسطينية. الكثير من التشــــويق يمكن استعادته/ابتكاره سينمائياً في أحداث النكبة، الكثير من الأدب الفلسطيني نقــل حكايات من النكبة، أو قصصاً يمكن تصويرها في أفلام (كنفاني وحبيبي وجبرا ونصرالله وخوري…). لمَ لا تصير أفلاماً؟ لم لا يستفيد صناع الأفلام هؤلاء من تلك الحكايات؟
النكبة غائبة سينمائياً، لكن لم يغيبها أحد، غابت حين لم يكترث بها أبناؤها، صناع الأفلام الفلسطينيون، المهتمون، في عمومهم، بقصص يكتبونها بأنفسهم لا قَص عالياً ومتقَناً فيها، وبأزمنة لهذه القصص تلت النكبة، بل تلتها بكثير، هي راهنهم. كأنهم يتجنبونها قدر الإمكان.
الناجون من النكبة الفلسطينية، جيلها، كانوا مقلون في الحديث عنها، بل تفادوه تماماً، لروع ما عاشوه، لحالة التروما التي مرّوا بها. أما صناع الأفلام الفلسطينيون فقد أكملوا سيادة الصمت حيال حكايات النكبة، بل أطبقوا على الصمت بانغماسهم في قصص ومشاهد راهنة ولحظـــية، تلائم أكثر المتلقي الغربي المتشكك (عموماً) من سرديتنا، المراعي لسردية الاحتلال، والمتقبل، بهذه وتلك، لقصة «إنسانية» راهنة لا تضرب عميقاً في سردية الاحتلال، لا تشكك في شرعية وجوده أصلاً، لا تحكي خسارتنا كما كانت، لا تعود إلى الحكاية من أولها، إلى 48.

٭ كاتب فلسطيني ـ سوريا


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 54 / 2342879

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع ثقافة وفنون   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

6 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 6

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28