] للتجديد… فلنحرق «دليل تركيب الفيلم الفلسطيني»! - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
الأربعاء 12 آب (أغسطس) 2020

للتجديد… فلنحرق «دليل تركيب الفيلم الفلسطيني»!

سليم البيك*
الأربعاء 12 آب (أغسطس) 2020

قد يكون في ما فعلته مؤسسة «فيلم لاب: فلسطين» مع صناع أفلام فلسطينيين إيقاعاً لهم في إغراء استسهال صناعة فيلم في خمس دقائق، وفي مدة «أولية» هي أسبوع. هو إغراء من ناحية، تبين ذلك في استسهال العديد من هؤلاء في «إخراج» الدقائق الخمس هذه، وهو تحد من ناحية أخرى، بأنه كذلك في أفلام قليلة من بين الأفلام الثلاثة عشر التي أطلقها موقع المؤسسة على ثلاث مجموعات (منعت وزارة الثقافة الفلسطينية ما كان يفترض أن يكون الفيلم الرابع عشر).
لا أقول إن المؤسسة تقصدت ذلك الإيقاع، فهي جهة الإنتاج التي طرحت الفكرة على المخرجين، وقد كانت لهم الحرية التامة في اختيار مقارباتهم لموضوع واحد يوضحه عنوان «أصوات من فلسطين في زمن كورونا». ولا تبدو «فيلم لاب» مسؤولة، لذلك، عن الجودة المتدنية لمعظم هذه الأفلام.
حسناً فعلت «فيلم لاب» – من حيث تعلم أو لا تعلم- في منح هذه الفرصة لصناع أفلام بتجارب وخبرات ورؤى متفاوتة، وبطلب فيلم من خمس دقائق يصور حالة معينة هي الحجر الصحي. يبقى تصوير هذه الحالة وبالتالي الفيلم كنتيجة أخيرة، مسؤولية الصانع/ة، وبهذا منحت فرصةً واسعة للخطأ لكل هؤلاء: إصنعه كما تريد، واعطنا فيلمك في النهاية. فكانت المستويات – مع استثناءات قليلة- متدنية.
وهذا يفتح مجالاً لنقاشٍ لا بد منه، يتعلق بتعامل صناع الأفلام الفلسطينيين مع مضامين أفلامهم، خاصة إن مُنحوا تلك الحرية في الإنجاز، وتلك الدقائق في الإيجاز. فكان المتوقع وكان الاستسهال. تقاربت معظم تلك الأفلام من خلال المُتوقع منها، بانت كنسخ عن بعضها، لا إبداع في الفكرة ولا اشتغال على التنفيذ ولا مباغَتة للمُشاهد. أين الإبداع في فيلم يأتي بعنوان «الحجر الصحي» يصور حجراً صحياً؟ أين الإبداع في فيلم يأتي بعنوان فيروس كورونا، يصور غسيلاً لليدين، يصور عزلاً منزلياً يتخلله الطبخ والجلي والتنظيف والملل والروتين الذي نعيشه في عزلتنا قبل مشاهدة الفيلم وبعده، وخلاله؟ لماذا نشاهده إذن؟
ليس في ذهني فيلم دون غيره كمثال أنسب، فمعظمها متماثل، وهذا من مساوئها. أين تمايزها في ذهن مُشاهد لا يفرق أين كانت هذه اللقطة أو تلك، فمعظمها صوّر الحجر الصحي وجميعها فلسطينية، فأتت متوقعة، متناسخة، أتت رتيبة، رغم زمنها القصير.
هذا بالمناسبة يحيلنا إلى موضوع أكبر قد تكون «المشكلة» في هذه الأفلام القصيرة متفرعة عنه، هو التوقع المسبق لمضامين الأفلام الروائية الفلسطينية، التي فيها تتماهي المَشاهد بينها وبين بعضها، في هذا الفيلم وذاك، فيمكن أن نشيل جندياً من هذا الفيلم لنضعه بمونتاج سريع أمام حاجز من فيلم آخر، بدون أن تؤثر هذه العملية على التتابع البصري أو السردي للفيلم عند المُشاهد. هذا الاستسهال في صناعة الفيلم الروائي الفلسطيني، تفشى، كما يبدو، إلى عموم صناعة السينما الفلسطينية واصلة إلى هذه الأفلام ذات الخمس دقائق.
تعودنا – وعودَنا العالم، وأقولها متأسفاً- على أن نتحدد بانطباعٍ شكلته السينما الفلسطينية -وكان لا بد في مرحلة معينة من ذلك- في أذهان المشاهدين في العالم، فخرج الانطباع الذي خلقناه، عن سيطرتنا، كفرانكنشتاين. أوجدنا طابعاً للسينما الفلسطينية، أوجدنا هوية لها، ثم، بتكرارٍ اهترأ به هذا الطابع، بتكرارٍ لا إبداع فيه (وهذه مشكلته الأساسية، فالتكرار المبدع مطلوب)، وجدنا أنفسنا نعيد تدوير صورنا ذاتها، قصصنا ذاتها. صار الاستسهال في صناعة الأفلام عرفاً، تغذى (الاستسهالُ) على بعضه هنا وهناك. الناس يتوقعون منك فيلماً «فلسطينيا»، فيعرفون مسبقاً ما يمكن أن يكون فيه، وتلبيتك لمعرفتهم وتوقعاتهم تلك تعطيك، كصانع أفلام فلسطيني، ضماناً أولياً تحتاجه لتنال رضى هنا، ومشاركات مهرجانية هناك، فتُصاب الأفلام بالرتابة والسطحية.

كي نأخذ صورة مصغرة عن هذه، سنجد أفلام الحجر الصحي تلك مثالاً وافياً للدراسة. لم تخرج معظم تلك الأفلام عن المتوقع، كما لا تخرج أفلام روائية فلسطينية عن المتوقع. قيل لصانعيها: ائتونا بفيلم عن الحجر المنزلي لزمن كورونا، فصوروا ما يفعلونه ونفعله كلنا في الحجر المنزلي لزمن كورونا! لماذا نشاهده نحن هذه الأفلام إذن؟ ثم، والأسوأ، كانت تلك الناطقة بالإنكليزية.
هنالك، في أذهان صناع أفلام فلسطينيين (عموماً) انبهار في المُشاهد والمحكم الأجنبي، هنالك نظرة «استغرابية» للصانع تجاه نفسه أساسها استشراقيةُ هذا الأجنبي، الغربي تحديداً. فيأتون له بالمتوقع أولاً بلغته ثانياً، أما الجمهور المحلي (الفلسطيني) لهذا الصانع، فليدبر أمره بالترجمة. أعرف أن للمضمون الفلسطيني (وليس أي مضمون) طبيعة دوائية لذلك المُشاهد/المحكم الغربي، هو «مضاد حيوي» له من أي نزعات استشراقية قد تطاله، أو نزعات بيضاء بورجوازية استعلائية ما بعد استعمارية عنصرية… فهي تركيبة تأتي معاً، تماماً كما تأتي تركيبة الحاجز والجدار والجندي والأسير في الفيلم الفلسطيني، لكنها، تلك، تركيبة موثرة ومانحة وتركيبة الفلسطيني متأثرة ومتلقية.
ليس الاستسهال ما نريده، ولا الاستهانة بالدقائق الخمس (من وقت المُشاهد)، ولا إعادة التدوير، ولا الرغبة في تطبيق توقعات/طلبات المُشاهد (فلا هو زبون ولا الفيلم بيتزا مفضلة له) خاصة إن أتى الفيلم من موقع «استغرابي» ولمُشاهد ينظر إليه من فوق (عادةً، نرفع رؤوسنا لنشاهد الفيلم في الصالة)، ولا نريد «مانيووال» أو «دليل تركيبٍ للفيلم الفلسطيني» تصدرته «أيكيا» يطبق تعليماته الجميع. ولا نريد المراوحة في المكان بعدما وصلت السينما الفلسطينية إلى مرتبة عالمية نفخر بها. ليس هذا كل ما نتمناه من صناع الأفلام الفلسطينيين، ومن بين هؤلاء، الثلاثة عشر، من سيحمل أفلاماً روائية فلسطينية إلى العالم في السنوات المقبلة.
قد يكون أهم ما نتعلمه من مشروع «فيلم لاب: فلسطين» هو ضرورة إحراق «دليل تركيب الفيلم الفلسطيني»، وضرورة التفكير بالجديد والخلاق، وهذا التفكير لا يأتي إلا بنفي الصور الجاهزة والمتوقعة والمباشِرة والرائجة والسهلة.

٭ كاتب فلسطيني ـ سوريا


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 4 / 2342879

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع ثقافة وفنون   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

29 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 26

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28