] السينما الروائية الفلسطينية… حكايات ناقصة - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
الاثنين 20 تموز (يوليو) 2020

السينما الروائية الفلسطينية… حكايات ناقصة

الاثنين 20 تموز (يوليو) 2020

- سليم البيك

في الحديث عن السينما الروائية الفلسطينية، وكما يغلب التفاؤلُ التشاؤمَ في جوانب، يغلب التشاؤمُ التفاؤلَ في غيرها، وهذه سينما تتقدم في ما يُعرف بسينما المؤلف، وإن بنسب متفاوتة، لكنها تتأخر في مسائل أخرى تتعلق بالشق الروائي منها: الكتابة/السيناريو/الحكاية.
يشتغل صانعو الأفلام الفلسطينيون على أفلامهم بشكل شبه شمولي، ممتد من الكتابة إلى الإخراج والمونتاج في حالات، إلى الإنتاج، وهذا يضرب في عصب الصناعة والتخصص. ولأن السينما صناعة وحرفة وفن، فلن يكون من السهل (أو المهنية) الاضطلاع بكل هذه المهام معاً. وأن يقوم أحدهم بذلك ليس بطولةً بقدر ما هو إدخال للتخصصات ببعضها، فتختلط مهام وتضيع تفاصيل، وتنخفض الجودة ويتضاءل الابتكار.
لا تبحث هذه الأسطر في أسباب رغبة صانعي الأفلام الفلسطينيين في مسك هذه المهام بأيديهم، في التشبث بها، بأهمها تحديداً وهي الكتابة، وإن كانت لكل حالة اعتباراتها، اعتبارات مرتبطة بالتمويل، ككتابة مشروع الفيلم وتقديمه لممولين ومنحٍ وما إلى هنالك، قد تكون برغبة صانع الفيلم، بتصوير قصصه الخاصة والشخصية. قد تكون هنالك أسباب مهما كانت نسبة صوابها، هي في نتيجتها، ليست في صالح مهنية العمل وتخصصية السينما كصناعة.
لنأتي إلى النتيجة مباشرة، وهي الأفلام الفلسطينية منذ الثمانينيات حتى اليوم، بدايات السينما الروائية الذاتية، بعد مرحلة السينما الثورية لمنظمة التحرير الفلسطينية. وقد تخللتها أفلام رائعة، وأخرى جيدة، وأخرى عادية ورديئة. نترك الرائعة على جنب، فهي أفلامُ مؤلف لن تكون بالروعة ذاتها بغير ذلك، ولنترك الرديئة والعادية جانباً فلا حاجة للحديث عنها. تبقى تلك الأفلام الجيدة التي شاركت بمعظمها في مهرجانات عالمية، ونال بعضها تقديراً نقدياً وجماهيرياً متفاوتاً. وقد اعتمدت هذه الأفلام، بمعظمها كذلك، على نقاط ارتكاز فلسطينية، ساهمت في مَنح تلك الأفلام ذلك التلقي المرحب، فتشاركت الأفلامُ مشاهد «فلسطينية» نمطية (ولا أقول منمطة) كانت هي نقاط الارتكاز، كالحواجز والجدار والاعتقال، وتمثيلات متعددة للمقاومة، وغيرها من اللقطات والمشاهد الارتكازية التي ساهمت في تكوين صورة عامة لما هي عليه السينما الفلسطينية اليوم، وليس هذا عيباً، فهذه الصور مكون أساسي وواقعي لهذه السينما. لكن ماذا إن لمْ ترتكز هذه السينما إلا على هذه الصور؟
لماذا تتكرر هذه المشاهد، أو لنقل نقاط الارتكاز هذه التي صارت «ضامناً» لنوع من التلقي المرحب بالفيلم، فلسطينياً وحتى عالمياً؟ قد تكون هنالك إجابة واحدة ومباشرة هي، أن لا حكاية في هذه الأفلام. نحن أمام أفلام بقصص مختصَرة ومقتطَعة ورخوة، لا يرتقي أحدها ليصير حكاية. نحن أمام شغل بصري وجمالي ممتاز في حالات كثيرة، أمام مشاهد تكرر نفسها في هذا الفيلم أو ذاك، بعض المخرجين يحسنون إظهارها فتكون عناصرَ جذب في الفيلم، بعضهم يضيع في تنميط المَشاهد (نقاط الارتكاز ذاتها) ويراوح بين الكليشيهات «الضامنة» لحد أدنى من الترحيب المتضامن.

إن ألقينا نظرة سريعة على عموم الأفلام الروائية التي يصنعها فلسطينيون في السنوات العشر الأخيرة (أو السنوات الثلاثين من عمرها)، سنجد الحواجز الإسرائيلية دائمة الحضور، سنجد الجدار كذلك، سنجد شخصية تدخل الأسر أو تخرج منه، أخرى تتحضر لعملية فدائية، سنجد الجندي البغيض، وغيرها من الصور المنسوخة عن بعضها، في هذا الفيلم أو ذاك. هي صور نصدقها، نستمتع بها أحياناً، لكننا لا نراها سوى برخاوتها المستنسَخة.
تلك الصور الارتكازية، تأتي عموماً ضمن قصة رخوة، بتسلسلٍ للأحداث، يكون غالباً تعبئة للمَشاهد التي تحوم حول تلك النقاط، تتلاحق الأحداث وتنشأ بينها وبين بعضها علاقات سببية تحوم كذلك حول تلك النقاط، لكن، أين الحكاية؟ الحكاية وليس القصص والأحداث المُلصَقة ببعضها كي تصنع فيلماً. نحن أمام تلك المشاهد الجاهزة، آتية في سياق يوم عادي، يوميات لشخصيات في أرض محتلة، فهنالك دائماً الجندي الإسرائيلي، وفي سياقات كهذه تتكرر الأحداث والحالات ويدخل الفيلم في مرمى توقعات مُشاهده، لتكون السينما الروائية الفلسطينية في معظم مكوناتها، تكرارا تخطى بعضها الرتابة إلى جمالية مستحَقة، متعوب عليها، وغط الآخر في كليشيهات زاد من تقبل متلقين لها مطمئنين في توقعاتهم، فساهموا في تحويلها – الكليشيهات- إلى عدة إلزامية «لسينما القضية».

السينما الروائية الفلسطينية في عمومها، ناقصة في صفتها الروائية. هي سينما صور، سينما بقصص متناسخة بتنويعات طفيفة متفاوتة في مستوياتها، سينما أحداث متكررة ومتلاحقة، سينما بلا حكايات. وذلك كله رغم امتلاء قربة الفلسطينيين، منذ النكبة أو ما قبلها، بالحكايات.

لا حاجة لأمثلة هنا، تحمل لوحدها عبء هذا الكلام، فقارئ المقالة، وقد وصل إلى هذا السطر، قد يسهل عليه التحديد، أي الأفلام، أيها نقلَ تلك المَشاهد معمقاً إياها في سياقها الفلسطيني وأيها سطحها.
نعود إلى ما بدأتْ به المقالة، وبطرح السؤال ذاته بشكل آخر: أين الحكاية في الأفلام الفلسطينية؟ أين كتاب السيناريو المتخصصين؟
الإجابة عن السؤال الثاني هينة ومرتبطة بالإجابة عن السؤال الأول، فمن سيتخصص في كتابة السيناريو، في وقت يريد كل مخرج أن يصور المشاهد المذكورة أعلاه، ناقلاً من خلالها قصصه الخاصة، بدون أهمية (كافية) يمكن أن يوليها للحكاية في فيلمه؟ أما إجابة السؤال الأول فهي «غائبة». لا سيناريو لدينا بحكايات محكَمة، بشخصيات مقنِعة. التتابع الرخو بين الأحداث (سهّل الكتابة للتصوير) هو السائد. فيكون نقطةً انعطافية في الفيلم، اعتقالُ البطل أو الإفراج عنه – مثلاً ليأخذ الصناعُ هذه النقطة ويتناسخوها في أفلامهم المبنية على أحداث متتابعة، وليس حكاية تصعد وتهبط وتلتف على بعضها وتباغت متلقيها وتُخطّئ توقعاتِه، وتصل به أخيراً إلى نهايتها، كجولة «رولير كوستر» تحبس أنفاسنا أو تعلق أنظارَنا بين نقطتَي الانطلاق والوصول.
أن يكون المخرج فناناً، كصانع صورة متحركة، كصاحب ذوق أو تصورٍ في الزوايا والإطارات والألوان والتركيبات والأداءات وغيرها، لا يعني أنه كاتبٌ لسيناريو جيد وأنه حكاء، ولا يُطلب منه أن يكون كذلك، ليست هذه شغلته ولا مسؤوليته (إلا إن كان إيريك رومير أو إينغمار بيرغمان). ولن يعيبه ما لم يعب مخرجين كبار في العالم يستعينون بكتاب سيناريو، يحولون رؤاهم وقصصهم إلى حكاية تصلح لفيلم، أو يأخذون السيناريو كما هو من كاتبه.
قد يكون الفرنسي فرانسوا تروفو مثالاً جيداً لحديثنا عن التعاون مع كتاب سيناريو، وإن لقصص شخصية. وأذكر بأن تروفو قارئ وكاتب قبل أن يكون مخرجاً. لتروفو سلسلة أفلامِ شخصيةِ «أنطوان دوانيل» (الألتر إيغو له) التي بدأها بفيلمه عن طفولته «400 ضربة» وهي سلسلة سيَرية تنقل حكايته الشخصية، وقد شاركه كتابة السيناريو في أفلامها الطويلة الأربعة كتاب مختلفون، فالأحداث والقصص كانت من عنده، من ذاكرته وخياله، وجمعُها وجعُلها حكاية جيدة لفيلم روائي كانت من عند الكتاب.
السينما الروائية الفلسطينية في عمومها، ناقصة في صفتها الروائية. هي سينما صور، سينما بقصص متناسخة بتنويعات طفيفة متفاوتة في مستوياتها، سينما أحداث متكررة ومتلاحقة، سينما بلا حكايات. وذلك كله رغم امتلاء قربة الفلسطينيين، منذ النكبة أو ما قبلها، بالحكايات.

٭ كاتب فلسطيني ـ سوريا


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 8 / 2342227

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع ثقافة وفنون   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

35 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 35

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28