] خطاب الهوية والانتماء في قصة غسان كنفاني أبعد من الحدود - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
الأربعاء 11 آذار (مارس) 2020

خطاب الهوية والانتماء في قصة غسان كنفاني أبعد من الحدود

الأربعاء 11 آذار (مارس) 2020

- د. أحمد جبر

كتب الراحل غسان كنفاني قصته القصيرة ” أبعد من الحدود سنة 1962م، وقد جاءت ضمن سلسلته القصصية القصيرة ” أرض البرتقال الحزين، التي عالج فيها موضوعات شتى، لكنها رغم تنوع أفكارها وموضوعاتها، لم تخرج عن السياق الوطني الجماهيري الذي تعلّق به غسان كنفاني وكرّس وجوده وحياته وأدبه من أجله، ما يشف عن التزام وطني وأخلاقي بالقضايا التي تمسّ الوجود الفلسطيني وما عاشه من تشرد وشتات، وما واجهه من تحديات جسام وصلت إلى درجة من التغييب والعمل على طمس الهوية وقطع الانتماء، والانخراط في مجتمعات اللجوء.
تدور أحداث هذه القصة حول شاب هارب ومطارد تتعقبه الأجهزة، وأمام مسؤول امني راح ذلك الشاب يصف حياته وما حل بأسرته حيث يقول:” تريد أن تعرف شيئا عني ؟ هل يهمك ذلك ؟ احسب على أصابعك إذن: لي أم ماتت تحت أنقاض بيت بناه لها أبي في صفد ، أبي يقيم في قطر آخر وليس بوسعي الالتحاق به، ولا رؤيته ولا زيارته، لي أخ يا سيدي يتعلم الذل في مدارس الوكالة ، لي أخت تزوجت في قطر ثالث وليس بوسعها أن تراني أو ترى والدي ولي أخ آخر يا سيدي في مكان ما لم يتيسر لي أن اهتدي إليه بعد “، أما عن جريمته التي يطارد جراءها فقد تمثلت في قيامه بسكب كل محتويات وعاء الحليب على رأس موظف وقال له أنا لا أريد بيع وطني” فوضع جراء ذلك في الزنزانة وهذا اللحظة يصفها بأنها لحظة العقل الوحيدة في حياته كلها، إنها اللحظة التي أعلن تمسكه بوطنه فيها وعدم تنازله عنه أو التفريط به؛ لذلك فقد شيطنوه ونعتوه بنعوت شتى تحمل في طياتها مواقف سلبية ومعادية للفلسطيني.
ويحمل هذا التوصيف والتشخيص للحال الذي تعيشه الأسرة الفلسطينية في ثناياه تلك المعاناة والعذاب الذي إن أصاب البعض غاب عن وعيه وعن انتمائه فعاش في تيه وضياع ولكنه لم يزد الفلسطيني إلا إصرارا وصلابة في موقفه إزاء هويته المستهدفة بالطمس وبالتغيير، فرغم حال الشتات والتشرد إلا أن الفلسطيني يعي جيدا تلك المؤامرة التي تحاول النيل من كيانه وتاريخه. لقد أصبح الفلسطيني تجارة من نوع نادر في عرف من وقفوا في وجهه وهي تجارة بعيدة عن صناديق الانتخابات أو المشاركة في الاحتجاج والصراخ، نعم هي تجارة من نوع نادر عمدوا خلالها وقبلها على تذويب الفلسطيني وطمس هويته وقضيته ولكنهم فشلوا ولم يفلحوا في ذلك حيث يقول:” لقد حاولتم تذويبي يا سيدي ؟ حاولتم ذلك بجهد متواصل لا يكل ولا يمل .. هل أكون مغرورا إذا قلت بأنكم لم تفلحوا؟ بلى أفلحتم إلى حد بعيد وخارق ، الست ترى أنكم استطعتم نقلي بقدرة قادر من إنسان إلى حالة ؟ أنا إذن حالة …إننا (جماعة) حالة….نحن نستوي بشكل مذهل ، ويردف كاشفا صعوبة تذويب الفلسطيني بقوله: (إن تذويب مليون إنسان ثم جعلهم شيئا واحدا ليس عملا سهلا ) رغم أن (المخيم ساوى بين الجميع وافقد الأفراد صفاتهم الفردية ….. لقد أفقدتم أولئك المليون صفاتهم الفردية المميزة ولستم في حاجة الآن إلى التصنيف فانتم أمام حالة يمكن أن تسموها لصوصية …خيانة)، كما يكشف الحال المتردي الذي يعيشه الفلسطينيون في المخيمات المحاصرة والمحرومة فلم يتبق سوى وضع الأسلاك الشائكة من حولهم ليصبحوا بذلك مادة تجارية ذات قيمة نقدية تدر دخلا من خلال مجيء السياح لالتقاط الصور مع اللاجئين قبل ان ينقرضوا وهم كذلك مادة الخطابات الوطنية واللفتات الإنسانية والمزايدات الشعبية التي تعمل الزعامات على استغلالها وتوظيفها لمصالحها الخاصة.
لقد تمكن غسان كنفاني بروحه الثورية وهويته النضالية معالجة العديد من القضايا والتحديات التي عاشها الفلسطيني ومرت بها القضية الفلسطينية وكيف لا وهو ابن فلسطين الذي شهد الكثير من الفصول والأحداث التي مرت بها وعاش تلك المعاناة التي مر بها الفلسطينيون في كل أماكن تواجدهم.


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 59 / 2342879

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع ثقافة وفنون   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

25 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 25

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28