] في جمهورية العتمة - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
السبت 7 كانون الأول (ديسمبر) 2019

في جمهورية العتمة

السبت 7 كانون الأول (ديسمبر) 2019 par نسيم الخوري

نعم. تصوّروا.. أقسم. أوّل كلمة تلفّظ بها حفيدي الفاروق كانت: ضو. ينظر إلى السقف ويقول: «ضو...ضو. ضحكوا وصفقوا لكنني دمعت».
أي صفةٍ يمكن أن نقصف بها جمهورية العتمة؟ يمكن أن تفني عمرك في توصيف ما عجزت عنه الحكومات المتعاقبة في حلّ مشكلة الإنارة في لبنان. هذا مثل فظيع.. والأمثلة في الإهمال والفساد لا تحصى. لا تسألوني لماذا نحن هنا؟!
أفهم أن يتعب أو يملّ أو يميل القارئ ببصره في الخليج أو غيره عن نصوص الفساد في لبنان، وأشقاؤنا العرب غارقون بكوارث الربيع وحروبه القاسية. نحن شعب مزعج وملحاح ومنفوخ ومتعب وثقيل أحياناً كثيرة على أشقائنا.
إن الواقع الشديد المرارة هو الذي يحدّد وجهة الحبر في قدسية التغيير لا رأس الكاتب ولا نواياه، خصوصاً إذا لجأنا للمقارنة بين وطنٍ وآخر وحكم وآخر. وهنا قصّة من آلاف القصص:
بعد أسبوع من ولادة ابنتي البكر في باريس، قرعت موظفة البريد تسأل عن زوجتي: قلت أنا زوجها عارضاً المساعدة. اعتذرت. خرجت الزوجة لتفتح الموظفة حقيبتها، وتعدّ لها نقداً مبلغاً من المال؛ مساعدة اجتماعية. مهرت توقيعها بالاستلام وقبل أن تغادر سألتها:
تعتمدون الشيكات المصرفية للمعاملات في فرنسا، لماذا تدفعين هذه المساعدة نقداً؟
لأننا نتصور بأن الأم التي تحضن رضيعها ربّما لا تستطيع الذهاب إلى المصرف؛ لصرف الشيك لكونها من دون زوج أو قريب مثلاً، ولهذا فالدولة تفكّر بوضعها، وتسهّل أمرها؛ للحصول على حاجياتها في الأسابيع الأولى بعد الوضع.
بين دولة ودولةٍ أخرى، يتعب الحبر والقلب من الفروق الفظيعة في الحكم والحكام وإدارة البلاد وشؤون الناس.
يكفيك أن تمرّ اليوم، أمام كثيرين منهم من يحرق نفسه أو يصرخ من جوع أمام المصارف يتكدّسون أمامها، وكأنهم على أبواب النهايات في لبنان، لتفهم تماماً معنى الفساد والفاسدين والحكم والحاكمين في هذا البلد المنحدر نحو أدنى فصول البؤس ويقظات جروح الحرب الأهلية. قد يندر أن يبقى واحد فوق الغربال الذي كتب عنه الأديب ميخائيل نعيمة تفريقاً بين الغث والسمين.
سألت الرئيس الدكتور سليم الحص يوماً، بعدما أسّس «المنظمة العربية لمكافحة الفساد» عن السرّ الذي دفع الحكومة اللبنانية لأن تمنحه بسرعة غير مألوفة الترخيص، أجاب بظرافته المعهودة: رشوناهم. وابتسم بما يرسم أمامك الهزء والاحتقار الجميل لزواج المقت بين أهل السياسة والمال تجمعهم الطائفية والمحاصصة والانهيارات. يسرقونك وأنت تتحرّك في الساحات ضد السرقات والفساد!
ليس هدفنا تكرار ملخصّات التقارير التقويمية لمكاتب الأمم المتحدة في مكافحة الجرائم الدولية، وفي مقدمها ظاهرة الفساد الأكثر انتشاراً في صفوف الطبقة السياسية التي تستنزف موارد لبنان المالية، وتحدّ من النمو الاقتصادي، وتحبط عزيمة الكفاءات، وتعمق الهوة بين الأغنياء والفقراء. لنقل إنها حكومات متعاقبة كان همّها الوحيد المصالح الخاصة وبناء القصور وإيداع الأموال المسروقة في الحسابات الخاصة في الخارج ونهب الثروات وجعل لبنان وطناً كاسداً بمرافقه ومؤسساته على قارعة الطريق لا يقبل أحد بشرائه إلاّ القطاع الخاص وبأبخس الأثمان.
يمكن للكاتب أن يسترسل معتذراً عن حبره الشاكي إلى ما شاء الله في تعداد حكايات الرشى والهدايا ومحاباة المتنفذين للأقارب والأصدقاء والصديقات وللموالين والمنتفعين والزاحفين والواقفين على الأبواب، وفي تعداد أساليب التحايل؛ من أجل التهرب من دفع الضرائب، وتحويل السلطات في لبنان وكالات حصرية بين السياسيين والتجار؛ حيث استغلال السلطة والنفوذ والكسب غير المشروع، وإيصال التجار ورجال الأعمال عن طريق الدفع الخيالي؛ بهدف تمثيل الناس في البرلمان الذين يقبضون في مجملهم أثمان اقتراعهم عدّاً ونقداً وهذا ما جرّ إلى الإلحاح على التشريعات التي تصبّ في مصالح من هم في السلطة؛ بحيث يسهل اختلاس الأموال العامة والابتزاز وتجاوز القوانين والتلزيم غير المشروع للعقود ومصادرة الأملاك العامة.
يمكن القول، بالرغم من محاولات ترقيع الثوب البالي، فإن حفراً كبيرة يقع فيها لبنان، وقد يكون من المستحيل الاهتداء إلى كيفية إضاءة المستقبل بعدما تراكمت العتمة.


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 11 / 2342879

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 13

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28