عبد الرحمن مظهر الهلوش
من الأعمال الروائية التي تناولت الهجرة المغربية إلى أوربا, رواية((الحلم الألماني)) الصادرة عن دار المتوسط/ ميلانو- إيطاليا 2017, حيث يعيش الروائي وسط المهاجرين وهنا يحاول أن يُعبر عن آمال وأحلام الكثيرين بالهجرة، التي تحمل وجها آخر للوهم والأوجاع والاغتراب. يُبيّن الكاتب أزمة المهاجرين المغاربة في ألمانيا، من خلال قصص متشابكة, طغى عليها مفهوم الهوية والانتماء المزدوج… عبر شخصيات تجهل الانتماء، وتعيش صراعات كثيرة، من أجل الحصول على حياة أكثر رفاهية, ولكن سرعان ما تصحوا تلك الشخصيات من وهمها وألمها الذي تكابده في الغربة. حيث تستقصي الرواية ملامح المهاجرين الذي فقدوا لغتهم واستعاضوا عنها بحوارات هزلية.
إنَّ ((الحلم الألماني)) هزلية فلسفية أكثر منها رواية, أو هي هزلية اختار لها الكاتب قالباً روائياً, ربما لأنه يفتح أمام الكاتب أُفقاً أوسعاً للتفكير أو بالأحرى للتجربة, شخصيات مفهومية, لا ريب تلك التي تلتقيها هنا, وفي الآن نفسه, شخصيات من لحم ودم, هاجرت أو دُفعت للهجرة, لأنه لا وطن لها ولا حق لها في انتماء. هاجرت محملة بأوهام كثيرة, وما هذا النص سوى محاولة لاستعادة تلك الأوهام التي افتقده المهاجرون إلى بلاد الاغتراب.
تدور أحداث هذه الرواية الهزلية في مدينة فرانكفورت الألمانية, وتقوم كلها على حوارات متعددة ومتداخلة, هناك دائماً نص أو نصوص مرئية وأخرى مضمرة, بطلها الوحيد هو البرد, البرد القارص, المنفلت من عقاله, الذي يلقي بظلاله على الشخصيات المختلفة, ويعبر عن نفسه في لغة مقتضبة, برد هو نقيض الوهم…
هنا مقطع من الرواية: ((جثمان مسجّى فوق الأرض, يغطّيه إزار أبيض من رأسه حتى أخمص قدميه, يتحلّق من حوله عليّ وإبراهيم, مَن كان يعتقد ذلك؟. يزفر عليّ والحزن يحتلّ ملامح وجهه وعيناه توشكان على الانفجار بالدموع. نعم لقد مات المستشار, العجوز المغربي، المعروف بالمستشار، وهو منصب نتج عن إهمال ألمانيا للمهاجرين، وحاجتهم لمن يدير شؤونهم ويمثلهم. يترك وصية أن يدفن في مقبرة مسيحية لكي يعزز ثقافة الاندماج، ترفض الكنيسة الجثمان، حيث يشترك أصدقاء المستشار ومحبوه في خطة لدفنه في مقبرة مسيحية، بالخفية، ويضيف عليّ: لقد عاملنا دائماً كأبنائه, ولم يبخل علينا من الأموال التي ورثها عن زوجته الغنية القادمة من فيزبادن…
ليلاً. المقبرة. أربعة رجال يحفرون قبراً في الظلام. يتمتم أحدهم. يضعون جثمان المستشار في الحفرة الضيّقة, ويردمون التراب فوقه, يستظهر ديميتري جملاً باللغة اليونانية القديمة. وينطق الجميع خلفه: آمين. أتذكّر تلك الليلة بكل تفاصيلها الصغيرة والكبيرة. سامحنا, لم نجد لك مكاناً, ولا سماء, ينبس ديميتري في حزن, قبل أن يجهش بالبكاء, لم نجد قبراً يؤوي جثمان المستشار, كان بإمكانه أن يوصي بإحراق جثمانه, وبأن يتم درّ رماده في نهر من أنهار ألمانيا الكثيرة, طبعاً ليس في نهر الراين الكئيب والمالح, ليس في هذه المدينة التي تسرق منا حتى الموت. الراين مثلاً. إنه نهر جميل, ويعبر مدينة كولونيا الخالدة, لكنْ؛ في حالتي سأؤكد في وصيّتي بضرورة أن يُرمى رمادي في المتوسط, وهناك سأشعر بنفسي في بيتي وبين أهلي من غرباء كل العصور)). الحلم الألماني, جسدت أوهام المهاجرين الذين تحولوا إلى أشخاص مأزومين في مجتمعات لا يفهمون قيمها ومبادئها, أصبحوا يعيشون صراعاً مزدوجاً بين أوطانهم الأصلية وهوياتهم الطارئة, حيث اختلطت هوياتهم وآمالهم، أصبحوا مجرد أشياء لا يشعرون بألم الغربة, ولا يفهمون بأي انتماء يعيشون… انتهى مصير أغلبهم إلى المصحات النفسية.
* صحافي وكاتب سوري
معلومات الكتاب:
الكتاب:الحلم الألماني/رواية…
المؤلف: رشيد بوطيب..
الناشر: المتوسط- ميلانو- إيطاليا. الطبعة الأولى 2017.
