] «سيدات القمر»... الهروب داخل دائرة العتم! - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
الاثنين 29 تموز (يوليو) 2019

«سيدات القمر»... الهروب داخل دائرة العتم!

محمد رستم
الاثنين 29 تموز (يوليو) 2019

بالتأكيد ليس المقال تذكيراً بحادثة أبي نواس وخالصة جارية الرشيد، فلست النواسي ولا حضور للرشيد بعد أن قضقض الزمن ثوب الحكاية، والتي قد تكون برمّتها من شطحات الترف الأدبي ولكنّ الشيء بالشيء يُذكر، وهنا نتحدث عن الرواية وجائزتها الظنيّة البوكرمان…

فنقول بأنّ ما قدّمته المرويّة «سيدات القمر» للروائية جوخة الحارثي، ليس فتحاً مبيناً في عالم الأدب، بل ما كان إبداعاً ولكن شبّه لهم، إذ نعلم أن من يمنحون هذه الجوائز العالميّة لهم فيما يرسمون مآرب، ومع ذلك فإننا نقتفي أثر خطاهم ونجلّ مقاييسهم الميليمترية في تقييم المنجزات الأدبيّة والتي يفندونها لاعتبارات معينة.. وهنا نسأل هل أصابنا زكام النفايات الثقافيّة، فلم نعد نتبيّن رائحة الفعل الإبداعي من نقيضه؟

ونسأل ثانية، هل تقارن «سيدات القمر» برواية «ساق البامبو» للسنعوسي مثلاً، مع أنّ العملين يتناولان جانباً أساسيّاً في المجتمع الخليجي، وهو تفاوت المكانة الاجتماعيّة بين أسياد وعبيد، في «سيدات القمر» وأسياد وخدم أي عمالة في «ساق البامبو؟

عنونت الكاتبة جوخة روايتها بـ»سيدات القمر»، والعنونة كما نعلم هي العتبة المكثّفة للمنجز ولعلّ الروائيّة التقطت التسمية من الأسطورة الواردة في المرويّة، بل لعلّها رأت تفاؤلاً في الأنثى العمانيّة، السيّدة التي يمكن أن تشقّ حجاب الموروث البغيض فيشعّ النور منها، لكننا لم نتلمّس في بطلات الرواية ذلك وما ظهر مجرد إناث مهمّشات مرميّات على قارعة الإهمال والتخلّف، مأسورات بآلاف من الخطوط الحمر… والأبطال هنا ليسوا أكثر من قشّة تطفو على سطح الألم، تحرّكها رياح الحياة بما ترسم القيم لا بما تشتهي الروح.. ونذكّر أن كلمة «سيّد» المنعشة الوقع، هي كذلك من نتاج المجتمع العبودي، وهذا يجلي إلى أن المرويّة تنضوي تحت عباءة الرواية التسجيليّة والتوثيقيّة لواقع اجتماعي في حقبة من الزمن ولبقعة تقع في خاصرة الخليج عمان ، لكن بعين من يطمح للتغيير، وهذا ما يُدلي بأنه حيث تولي وجهك في الرواية تطالعك الألوان الحالكة. يتلمّس القارئ بأن الكاتبة تمسك بكاميرا ثلاثيّة الأبعاد وتصوّر دقائق الأمور في مجتمع غارق في التخلّف والعادات البالية وتبدأ المرويّة بحديث «ميّا» عن أثر العشق عليها وقد تزوّجت بغير حبيبها.

وهذا إذ تصوّر الرواية العادات «حين تكمل «لندن» أسبوعاً احلق شعرها وتصدّق بوزنه فضّة…». وكذا الرغبة في كثرة النسل الذكور «ما شاء الله البكر بنت إن شاء الله عشرة صبيان يلحقوها». وعدم السماح للبنت بمجالسة النساء والزواج المبكّر «لقد أصبح جَدّاً وهو في منتصف الأربعين»، وزواج البنت دون أخذ رأيها «قلت لها ليش يا أماه؟ قالت اليوم عرسك على القاضي يوسف». وطبعاً هنا مبالغة مرفوضة من الكاتبة، كما تطرّقت إلى موضوع الطبّ الشعبي وسيطرة الأب على الابن، «ربطه بحبال وأنزله في البئر لأنّه سرق بندقيّته وأراد صيد العقعق» وعادة أن توقف تحجز البنت لإبن عمّها «خولة منذورة لناصر»، وتأخّر وجود المدارس والمستشفيات وكل وسائل الحضارة وانتشار آفة الزنا على الرغم من التمسّك بالدين، «لكن حفيظة للمرة الثانية لم تكن متأكدة مَن هو أبو المولودة بالضبط، ومنذ ذلك الوقت اكتسبت لقب باص الشعب»، وكثرة اللواطة «وأسألك أزوّج سنجر ولا أحسن أخليه ليركبه الرجال…؟»، والمجتمع العُماني لا يعدو كونه مجتمعاً بدويّاً سكن الحواضر.

ويظهر التعصّب الديني الأعمى: «تصبحين فرجة للنصرانيّات والهنديّات» ولعلّ أهم ما بدا طافياً على سطح الرواية هو قيم المجتمع العبودي الخالية من الحس الإنساني «اشتريت ظريفة بعشرين قرشاً فضيّاً»، وبيّنت كيف يُسرَق البشر من أفريقيا ويباعون كعبيد يذكرنا ذلك برواية الجذور لأليكس هالي . كما تغطّي الرواية حقبة من الزمن تمتدّ من عشرينيات القرن الماضي حتى نهايته والهدف الإشاري في إدانة التخلّف والإرث والتقاليد واضح من خلال ربط التخلّف بالقبح، حيث يتكرّر ذلك على لسان الشاعر أحمد.

ولعلّ الزواج والطلاق والولادات والموت هي الأحداث الوحيدة في مجتمع يغفو على أكداس من التخلّف والتراث العفن.

لقد غرست الكاتبة أوتاد خيمتها في صحراء الإرث الثقافي لمجتمع غدا الموروث فيه قدراً، فخطوطه الحمر تتكئ على الجدران المقدّسة التي يحظر الاقتراب منها، فغدت الكلمات ضالة وهي تبحث عن كوّة نور وكأنّها تضرب خبط عشواء في بحر السدى المترامي الأرداف، فأخذت الكاتبة توقظ ركام الحكايات الطالعة من كهوف العالم القديم مع أنّها تشي برغبة جامحة في التمرّد لحمل مرايا الروح المعذّبة بقضبان الإرث العتيق وصولاً إلى أعراس القيامات في زمن سلحفاتي الحركة. وواضح أن الكاتبة تتوق لأن يكون منجزها رشقة نور على ظلام الليل في مجتمع يضرب في رابعة الضياع ويمخر في صحراء التيه وطمي الإرث.

لكن الأمل في التغيير ظلّ معلقاً على مشجب في انتظار غودو.. فالرواية ترصد التطور السطحي في حياة الناس من دخول الكهرباء والسيارات وانتشار وسائل قشرة الحضارة في بلاد مصلوبة على خشبة التقاليد مطعونة بالركود والخنوع والتخلّف في أزمنة ضالة عن جادة الحضارة تضرب في صحراء التيه بوصلتها «تابو» التراث الرث.

وتطرح الكاتبة قضية الحريّة في العلاقة بين الذكر والأنثى من خلال علاقة «عزان» مع «نجية القمر». فهي علاقة خارج إطار الزوجيّة وأشبه بالمساكنة الشائعة في الغرب حيث لا تصنّع ولا مداراة ولا وعود وآمال.. اشتعال اللحظة وحسب.. وتتناول المرويّة شخصيّة «عبدالله» زوج «ميّا» تناولاً نفسيّاً فصوّرته يعاني من حالة نفسيّة معينة وتوحي بذلك من خلال «قبلها بسنوات بدأت أتلقى التلميحات حول هروبي من البنات»، ولعلّ حادثة ربطه بالحبل من قبل أبيه وإنزاله في البئر المعتم زاد من سوء حالته النفسيّة، حيث تتكرّر صورة هذه الحادثة في ذهنه مرات ومرات، وهو ضعيف أمام زوجته «ميّا». وتذكّرنا حالة «مروان» الطاهر وازدواجية الخير والشر، بالدكتور «جيكل» إذ إنه يصوم ويسرق ثم يصوم ويسرق وأخيراً قطّع شرايين يده ونزف حتى مات، ولعلّ الرمزيّة هنا هي أنّ القيم الدينيّة عاجزة عن ردع المرء عن ارتكاب المعاصي.

بل لعلّ الكاتبة افتعلت هذه الحادثة لتحدث دويّاً في الجوّ العام للرواية، لأنّها رأت أنّ أحداث المرويّة عادية وتفتقر إلى الحدث الجاذب الذي يمنح الرواية ألقاً ويمسك بتلابيب القارئ لكن الحادثة جاءت قنبلة صوتيّة لا أثر لها!

ومع أنّ النسيج العام للرواية قائم على التصوير الواقعي لدقائق الحياة الاجتماعيّة بعيداً عن الحالات النفسيّة، فقد جاءت الخاتمة نشازاً عن هذا النسيج، بل افتعلتها الكاتبة لتؤكّد واقعيّة منجزها، عندما عمدت إلى وصف جزئيّات دقيقة لا تقدّم ولا تؤخّر في حركة العالم الروائي مما جعل السرد يقع تحت سقف الإطالة المملّة، ومع أنّ الشخصيّات جاءت متحرّكة غير سكونيّة وتحرّكت في المبنى السرديّ بكلّ محمولاتها، إلّا أنّها ظلّت أسيرة تدور في الفلك المؤطّر بالتراث..

أجادت الكاتبة في قراءة الخارج من الداخل وذلك بتصوير الحالة النفسيّة للشخصيّات في تماسها مع الواقع، عندما ذهبت إلى كسر تراتبيّة الزمن الذي يغشى المتن الحكائي بحركة نواسيّة تراجعيّة تقدميّة، ولمّا كانت الروايّة تفتقر للحدث الجاذب فقد خلت من الإيقاع الدرامي المتصاعد وبالتالي بدت حافية مرتخية المفاصل وبدا قماش الجو الروائي العام متهدّلاً.

وكانت القفلة المؤطّرة بالحالة النفسيّة الخاصّة لـ«عبدالله» والتي تلبّست ثوب أحلام اليقظة، حلماً مختلطاً بهلوسة في جوّ من الضبابيّة المواربة بين الحقيقة والخيال تؤكّد تماهي «محمد بن لندن» الحفيد مع الجدّ «عبدالله» مما يشي باستمرار حالة التخلّف.


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 50 / 2342879

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع ثقافة وفنون   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

10 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 10

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28