] الحساسية الإنكليزية في روايات القرن الواحد ولعشرين - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
الجمعة 17 أيار (مايو) 2019

الحساسية الإنكليزية في روايات القرن الواحد ولعشرين

الجمعة 17 أيار (مايو) 2019

باتريك باريندر ـ ترجمة صالح الرزوق

مع أن ما بعد الحداثة تقوم على الإحالة للذات، وهو جانب دائم من جوانب الأشكال الفنية، فقد تأثرت الرواية الإنكليزية بالظروف المحلية الخاصة، وبالأخص كلما تعرضت السياسة الوطنية والاقتصاد الوطني باستمرار للتبدل العميق. فالزراعة والصناعة ينحدران، وتزداد أهمية التراث وصناعة السياحة، وغالبا يبدو أن الرواية تفرض جوهريا صورة وطنية تنظر للماضي (أو للخلف).
إن رواية، مثل «الكفارة» لإيان ماك إيوان تقاوم البيت الإنكليزي الريفي وأحداث مايو/أيار 1949، وهي لدرجة معينة، مجرد تواطؤ، بلغة باتريك وايت في حديثه عن «التراث الوطني» الذي رأى أنه «استخراج للتاريخ – أو معناه وإمكانياته – من إنكار الحياة اليومية، وإعادة تركيبها وعرضها بمواضع وحوادث وصور ومفهومات محددة معزولة». عموما، إن الروائيين قادرون بالتساوي على التهكم من صناعة التراث، كما فعل جوليان بارنز في (إنكلترا، إنكلترا 1998) حيث أن المستثمر يشتري آيل أوف وايت ويحولها إلى «إنكلترا خاصة»، أو لحديقة سياحية ناجحة نجاحا مدويا، بينما بقية البلاد، أصبح اسمها «ألبيون»، متروكة لخطر التحلل والتعفن. غير أن حكاية بارنز الساخرة لم تقدم معنى اقتصاديا، على سبيل المثال، من خلال الكارثة الاقتصادية التي تسببت بها «قبة ازدهار ألفية لندن» عام 2000، ولكنها عوضا عن ذلك دعتنا لإنكار ما يحصل واعتباره فانتازيا تجريدية. لقد تراكمت المخاطر أمام الرواية الإنكليزية – كما لاحظ بارنز بشكل واضح- ومكمن الخطر كان في متابعة الوعي الذاتي بالروح الإنكليزية التي تقود إلى تفريغ روحي لكل ما هو عادي في حياة إنكلترا اليومية.
في مقالة حديثة لـ أ. س. بايات تجد تحديدا لاتجاه آخر أساسي في الرواية الإنكليزية، اتجاه ميتافيزيقي بطموحاته، ويغطي كل تاريخ وجغرافيا البشرية بالحكايات، التي تكون عادة بشكل «وعي باطن وأحلام وأوهام خادعة». فالكتّاب هم «مخترعو خرافات»، وأعمالهم لا تفكر بنظام الطبقات الإنكليزي أو سقوط الإمبراطورية البريطانية، وإنما «تصنع حكايات خرافية أوروبية».

والروايات التي استشهدت بها بايات كانت غالبا تاريخية، وضمن حبكة تتضمن إيطاليا في القرون الوسطى، والقاهرة في القرن الخامس عشر، وألمانيا القرن الثامن عشر، وأماكن أخرى. وهي أعمال «أوروبية» لأنها حملت بصمات كتاب من أوروبا مثل إيتالو كالفينو وألبير كامو وإيزاك داينسين وغونتر غراس وميلان كونديرا وغيرهم. ولكن ربما كانت بايات قد ذكرت بالعناية نفسها تأثر بريطانيا بالواقعية السحرية التي ظهرت في أمريكا اللاتينية، وبروايات ما بعد الحداثة التي ظهرت في الولايات المتحدة.

يمكن ملاحظة أسلوب جديد في تدوين التاريخ عند نورمان دايفز في كتابه «الجزر: تاريخ – 1999»، وهو عمل يتجاوز بعنوانه الماضي التاريخي لـ«إنكلترا» و«بريطانيا» ليصل إلى الواقع الحالي المتبلور.

والسياق البريطاني، ما تسميه بايات وغيرها حكاية شعبية أو «خرافة»، يمكن أن تعتبره أيضا حركة إحياء للرومانس. فتقاليد الرومانس فضلت العجائبي على العادي، وهذا واضح عند روائيين بريطانيين من فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية مثل: وليام غولدنغ وآيريس ماردوخ وموريل سبارك، والكتابات المتأخرة لدوريس ليسينغ. لقد نجحت هذه الرومانسيات الحديثة، واعتبرت خرافات عن الهوية، وبعضها عالج قضايا الشخصية الوطنية. من بين روايات وليام غولدنغ المبكرة، أعمال مهمة عن الجنوح والعزلة كما في: «سيد الذباب» (1954)، و«بينشر مارتن» (1958). أضف لذلك روايته «الوارثون» 1955، وهي عن مغامرات ما قبل التاريخ. لقد حازت هذه الثلاثية على اهتمام واسع وضعها في عداد الحكايات الأخلاقية المتعلقة بالطبيعة الكونية للإنسان، وكانت إنكليزية «بينشر مارتن» والصغار في «سيد الذباب» من ضمن العوامل الأساسية المشاركة. و«النزوع الإنكليزي» هنا، والذي غاب عن معظم أعمال غولدنغ التالية، دليل على ظاهرة نهاية الإمبراطورية، وفي طياتها تجد خبرات للكاتب نفسه. وقد كسبها من عمله في البحرية الملكية، وعليه هذه الأعمال في حالة تقابل مع ما تسميه بايات «كتّاب الخرافة الأوروبية». ومن هؤلاء: أنجيلا كارتر، وبينيلوبي فيتزجرالد، وجينيت ونترسون، وكذلك ماردوخ وسبارك. فقد نظرت لهذه الأسماء وكأنها انعكاس لحساسية جديدة عن الشخصية الوطنية في فترة ما بعد الانهيار (تفكك الامبراطورية).

أما الروائيون المعاصرون، والأقرب لفترتنا هذه، فهم يكتبون في سياق عضوية بريطانيا داخل الاتحاد الأوروبي، وهو سياق، إن لم يكن يعني محو الهوية الوطنية، فهو بالتأكيد يتضمن اختزالها الممكن إلى شيء من قبيل الهوية المناطقية.

وإحياء الرومانس (رواية المغامرات)، ولاسيما ازدياد شعبية المغامرات التاريخية في الوقت الحالي، لا يمكن التفكير به ببساطة على أنه هروب. كتب الناقد جايسون كاولي في مراجعة لمقالات بايات يقول: «إن الانسحاب إلى التاريخ هو دليل على خسارة ملحوظة لثقتنا بإمكانيات السرد الروائي في إنكلترا، وبالأخص بعد مرحلة الميتروبوليس (المدينة الكبيرة). ويمكن للإنسان أن يجهد نفسه للتفكير بحفنة روائيين أضافوا لمعلوماتنا الأخبار العاجلة عن ظرفنا المعاصر، بالطريقة التي نجدها عند ديكنز». (لكن ديكنز في عصره – بالنظر لخبراته الصحافية الغنية – كان يعتبر مخترع حكايات وليس مدونا يهتم بشؤون زمانه). ويقرّ كاولي أن إحدى الوسائل المتبعة للكتابة عن العالم الحديث هي في أن «تكتب عن الحاضر من خلال ظواهر من الماضي، ولذلك أصبحت الرواية نوعا من الكتابة فوق كتابة سابقة». ومن بين الروائيين المحدثين، اهتمت أنجيلا كارتر لفترة طويلة بإعادة كتابة متن الحكايات الشعبية التقليدية والخرافات، وهو ما تجده في أنقى صوره في «الغرفة الدامية» 1997. وكانت باستمرار في رواياتها تعود إلى القضايا المعاصرة، مع أن عودتها تأتي بطريقة مختلفة تماما عن عالم التحقيقات الصحافية. وحيثما ذكر كاولي الحقيقة المؤكدة كان يلح على أنه يجب على الروائيين عدم التغاضي عن علاقة «إمكانيات إنكلترا في الرواية» مع الطبيعة المتبدلة للهوية الإنكليزية.

وأعمال عدد من الروائيين، وكذلك النقاد والمؤرخين، الأحياء، تشير إلى تعريف أكثر انفتاحا وتقبلا لمفهوم الهوية الوطنية، بالمقارنة مع ما رأيناه، على سبيل المثال، قبل جيلين أو ثلاثة في كتابات جورج أورويل وج. ب. بريستلي. فالناقد والروائي بيتر أكرويد – وينظر له غالبا كشخصية محافظة – أقر بأن فورد مادوكس فورد هو في كتابه «فصول من ألبيون: أصول الخيال الإنكليزي» 2002 مجرد رائد أو مبشر. ويعرّف أكرويد الروح الإنكليزية بأنها «مبدأ التعايش. وتعتمد على هجرة دائمة، للناس أو الأفكار أو الأساليب، حفاظا على البقاء». ويمكن ملاحظة أسلوب جديد في تدوين التاريخ عند نورمان دايفز في كتابه «الجزر: تاريخ – 1999»، وهو عمل يتجاوز بعنوانه الماضي التاريخي لـ«إنكلترا» و«بريطانيا» ليصل إلى الواقع الحالي المتبلور. وبتلخيص سريع للكتاب، إن موضوع دافيز مفاده أن تركيب المملكة المتحدة يتكون من الأجزاء الأساسية لما يسمى أحيانا «هذه الجزر». والخسارة (وبحدود أضيق الربح) إنما هو من نتاج بتر المملكة عن أوروبا. بالنسبة لدافيز، بتر بريطانيا من أوروبا لم يكن نتيجة قسرية للجغرافيا أو للمزاج الوطني، لكن – تقريبا- هو حظ نجم عن حروب المئة العام، بالإضافة للإصلاحات. فتبني هنري الثامن للبروتستانتية وفرضها على دين الدولة، بكلمات دافيز، « قطع إنكلـــترا من المجتمع الثقافي والنخبوي لما كانت تنتمـــي له لما يقارب الألف عام، وقد فرض ذلك على الجزيرة أن تتطور على طول خطوط عزلة غريبة. ولم يتبق لدى الإنكليزي أي فرصة سوى الاعتزاز بعزلته وغرابته». ويبدو أن دافيز اقتنع أن هذا الانشطار (القطيعة) عن أوروبا انتهى تقريبا، لكن العداء الشعبي للاتحاد مع أوروبا وضع حارسا آخر على الباب الخلفي ليلعب الدور نفسه الذي لعبه الاعتزاز الوطني الذي انتهت صلاحياته.

٭ أستاذ النقد الأدبي الحديث في جامعة ردينغ البريطانية. والترجمة من كتابه «الأمة والرواية»


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 45 / 2342879

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع ثقافة وفنون   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

27 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 25

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28