] معرض 49 التشكيلي في صنعاء: هل الفن ترف والحرب ضرورة؟ - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
السبت 20 نيسان (أبريل) 2019

معرض 49 التشكيلي في صنعاء: هل الفن ترف والحرب ضرورة؟

السبت 20 نيسان (أبريل) 2019

«الفن من أهم وسائل مواجهة الحرب؛ لأنه يعلمنا كيف ننتصر للحياة»، هكذا قالت إحدى الفنانات المشاركات في معرض (49) التشكيلي، الذي نظمته جامعة العلوم والتكنولوجيا في صنعاء مؤخراً، في تظاهرة تشكيلية قد تعد الأكبر هناك منذ اندلعت الحرب قبل أكثر من أربع سنوات، حيث ضم المعرض 240 لوحة لـ49 من طالبات وطلاب (غرافيكس) عكست أعمالهم مستويات متطورة لجيل تشكيلي جديد.

المتأمل في ضربات الفرشات وأحاديث النصوص البصرية سيستغرب ويتساءل: كيف يمكن لهذا المنجز أن يتشكل في بلدٍ يشهد حرباً وظروفًا غاية في الصعوبة والتعقيد، مع انتشار الأمراض وتمدد الفقر والجوع.. إذ كيف، في المقابل، أن يتمدد الفن والجمال؟ تقول المشرفة على المعرض الفنانة والناقدة التشكــيلية اليمنــية آمنة النصيري متحدثة لـ»القدس العــــربـي» «اعتقد أن عبقرية الشعب اليمني تكمــــن في الشعر والفن التشكيلي؛ فمهما كانت قسوة الظروف والأزمات التي يمر بها هذا الشعب تجده لا ينقطع عن الكلمة والرسم. ولك أن تتخيل سوء الوضع الإنساني الذي نعيشه في اليمن؛ وهو ما يجعلك تجزم بصعوبة إنتاج لوحات فنية بهذا الكم وهذه النوعية، وبكل هذا الجمال والزخم لهذا العدد من الفنانين الواعدين؛ وهو الرقم الذي حمله اسم المعرض».
وتعتقد النصيري أن اليمن يعيش حالياً «مرحلة من أجمل مراحل الفن التشكيلي سواء وعينا هذا أم لم نعه؛ حيث تتشكل أجيال تشكيلية بأعداد كبيرة من القادمين بقوة كإضافات نوعية للأسماء المكرسة».

من خلال الفن استطعتُ أن أشجع نفسي على الانسجام مع الجمال، مهما كانت الصورة معتمة؛ لأنني أصبحتُ من خلال الفرشاة واللون قادرة على أن أعبر عن أحاسيسي، وأرى من خلال لوحتي كم هي الحياة مدهشة.

صوت اللوحة

الأعمال المعروضة مثلت رقماً كبيراً بالنسبة لمعرض تشكيلي؛ الأمر الذي يجعل منه تظاهرة تشكيلية ترتفع مؤشرات قيمتها في ظل ظروف الحرب التي تعيشها البلاد، علاوة على انتماء الأسماء المشاركة لمعظم محافظات البلاد؛ وهو انتماء يتجاوز ما فرضته الحرب من واقع جديد لدويلات افتراضية تكرس تفتيت البلد.
خلال التنقل بين الأعمال نجد تنوعاً في المدارس والتقنيات؛ فثمة تنوع في الاتجاهات المدرسية؛ بل إن بعض اللوحات تمزج بين أكثر من مدرسة؛ وإن كان بعضها تقليدياً ونقلاً فوتوغرافياً سواء لمناظر محلية أو مقاربة لأعمال عالمية؛ إلا أنها تقنياً عكست مستوىً متطوراً في التعامل مع الخامات والأدوات وتقديم عمل متزن، يعي فكرته ويفهم ما يريد تقديمه في النص البصري، علاوة على ما قدمته بعض الأعمال من قراءة ثقيلة الوزن لإشكالات الواقع، أو في التعبير عن مشاعر وأحاسيس لا يشتغل عليها إلا فنان ضليع… كما لم تبتعد اللوحات عن الحرب، فثمة معالجات لأفكار مختلفة ومشاهد عديدة أعادت بعض اللوحات قراءتها؛ كلوحة الوجوه الخائفة والعيون المفزوعة، إذ قدمت اللوحة حالات الفزع على اختلافها في ملامح الوجه ونظرات العيون، وبمستوى تشعر خلال وقوفك أمام اللوحة بالمشاعر الداخلية لكل حالة؛ لأنه سبق لك أن عشت تلك اللحظة أو شاهدتها في بيئتك.. أفكارٌ كثيرة عكست تنوعاً في التجريب، تلوينًا وتكويناً في سياق تشكيلي يبدو أنه فعلاً يؤسس لجيل واعد ومختلف في المحترف اليمني.

تفاؤل الفن

«مع كل ضربة فرشاة تعلمتُ كيف أكون منسجمة مع الجمال متمسكة بالحياة»، تقول الطالبة المشاركة في المعرض نجلاء التويتي لـ»القدس العربي»، مؤكدة أن الفن يعلمك كيف تبقى متفائلاً، «ومن خلال الفن استطعتُ أن أشجع نفسي على الانسجام مع الجمال، مهما كانت الصورة معتمة؛ لأنني أصبحتُ من خلال الفرشاة واللون قادرة على أن أعبر عن أحاسيسي، وأرى من خلال لوحتي كم هي الحياة مدهشة». بدا عند جميع المشاركين في المعرض مدى الابتهاج بما أنجزوه، وهو ما أعربت عنه الطالبة ميادة السامعي، خاصة أنهم استطاعوا وضع أقدامهم في أول طريق الفن؛ لأن الفن، كما تقول لـ»القدس العربي»، منحهم شعورا بإمكان التحقق والتعبير والثبات في الحياة؛ «فالفن هو انتصار للحياة في نفوسنا، بل إن الجمال الحقيقي هو الإنسان والإنسان يجسده الفنان الحقيقي والفنان الحقيقي لا تهزمه الحرب».

الحكاية

لقد جددت هذا التظاهرة سؤالاً قديماً حديثاً: هل الفن ترف والحرب ضرورة؟ لكنها في القوت ذاته قدمت إجابة مفادها إن أهمية الفن في الحياة تتجاوز هذا السؤال؛ فالفن هو صنو الحياة باعتباره الذي يجدد روحها الإنسانية وبعدها الجمالي؛ فالحياة هي في الأخير تفاصيل فنية نعيش من خلالها يومياتنا؛ وفي حال لم نتقن فن عيش اليوميات تصبح الأيام بائسة؛ وبالتالي فالأعمال الفنية التي تتماهى بها أرواحنا هي تأكيد لمدى حاجتنا الطبيعية لأنسنه أرواحنا وتجميل رؤيتنا لكل شيء من حولنا؛ فالفن إذن ضرورة أما الحرب فهي في تضاد مع كل ما هو جميل، إنها القبح ذاته؛ بمعنى آخر إن الحرب خارج التصنيف الإنساني، لاسيما عندما نقارنها بالفن… وهنا تؤكد هذه التظاهر التشكيلية حقيقة ما يشهده اليمن خلال الحرب من تمددٍ جمالي خلف صورة الموت، التي تحتفي بها نشرات الأخبار؛ فعلى الرغم من جبروت الصراع إلا إن حكاية الإبداع الإنساني هناك مستمرة؛ الأمر الذي يجعلنا ننظر بتفاؤلٍ لمستقبل هذا البلد الفقير بقادته المخلصين والغني بأبنائه المبدعين المحبين للحياة، بما تعنيه من تنوع وتسامح وتعايش وحرية.


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 30 / 2342879

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع ثقافة وفنون   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

10 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 8

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28