] الصحافيّ والمترجم اسكندر حبش: مجتمعنا يلزمه تحديث بالمقاومة.. - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
الاثنين 1 نيسان (أبريل) 2019

الصحافيّ والمترجم اسكندر حبش: مجتمعنا يلزمه تحديث بالمقاومة..

الاثنين 1 نيسان (أبريل) 2019

- رنا صادق / البناء

التجزئة نتاجُ أعمالٍ يصنفّها البعض أنّها بضع من كلّ، والبعض الآخر يعتبرها هي خانة بحدّ ذاتها فلا يمكن الحسم بين التجريد والترميز في المعنى الحرفي والفنّي للتجزئة، لكن جلّ ما يمكن حسمه أن النتاج الفنّي عموماً والشعري خصوصاً، لا يتجزأ وينتفض بذاته كلّما تزاحمت مشاعر وتجارب الشاعر في فلك الحضور، إلى جانب حضور الصحافي بارزاً كاسم ترافق مدّة ثلاثين عاماً مع الكادر الثقافي في جريدة «السفير» ليس بالسهل.

فالصحافي الشاعر المترجم اسكندر حبش كانت «السفير» بالنسبة إليه منزله ومأواه في فترة الحرب اللبنانية. عايش الظروف وكسر النمط الروتينيّ، وتنقّل بين الصحافة والأدب والترجمة والتدريس.

من «النهار»، إلى «صباح الخير» ونهاية مع «السفير» في مجال الصحافة كمهنة، حتى اليوم صار الكائن الذي يبحث عن فرصة تستحقّ خبرته، وجديرة بمشواره قبل أن يطوي دفتر الصحافة نهائياً، لا سيما أن من اعتاد الصحافة أدمنها، وباتت جزءاً من حياته اليومية وخيالاته يصعب عليه التخلّي.

اسكندر حبش، دومينو الثقافة وموسوعة في الترجمة، لا يمكن طيّ صفحات التجارب على الملأ دون أن نستذكر دوماً لحظات إبداعاته وسعيه الدائم للوصول إلى برّ الأمان دون طوق نجاة، لأنه صحافي من هذا الطراز لا يخشى الغرق ولا يقبل أنصاف الأمور.

«البناء» كان لها حديث مع الصحافي والشاعر اسكندر حبش وجالت معه في رحب الماضي بداية من «صباح الخير» إلى يومياته الحالية مع الترجمة والتدريس، وحال الشعر.

عبرت مسيرته المهنية بمدٍّ وجزر، حيث تنوّعت بين الصحافة، الكتابة الأدبية، التدريس والترجمة. هذا الخليط الأدبي الذي مزجه ضمن سيرته هو اكتساب معرفي أشبه برواية قصصية في رحلة التجارب. توقف اليوم اسكندر حبش عن مزاولة مهنة الصحافة بعد أن كان من أبرز مسؤولي الصفحة الثقافية في جريدة «السفير» مدة ثلاثين عاماً إلى حين أن أقفلت، ومال أكثر في هذه الفترة نحو التدريس والترجمة.

لا زوايا مجهولة في شخصية اسكندر حبش، واضح الكلمة والجرأة يُعطي كلّ عمل حقّه، وكل أمر مقداره، بذلك ينتج إمكانية العبور بين صفحات الشفافية بصراحة عن حقّ.

…بانتظار غودو

يختصر بالتعريف عن نفسه أنه «كائنٌ يعاني في هذه الجمهورية العظيمة، بانتظار غودو»، مسرحيّة كتبها الكاتب الآيرلندي صمويل بيكيت. وتدور المسرحية حول رجلين يُدعيان «فلاديمير» و»استراغون» ينتظران شخصاً يُدعى «غودو». وأثارت هذه الشخصية مع الحبكة القصصية الكثير من التحليل والجدل حول المعنى المبطن لأحداثها … هذا الصحافي يشبه كل حالة في هذا البلد، لا تغيب عن ناظري حركات يديه ومساحة الحلم بوطن في عينيه، هو الذي ينتظر غودو… أعزائي مَن منّا لا ينتظر غودو في هذه اللعنة التي حلّت علينا ولا تبقي منّا شيئاً؟

في بداية الثمانينيات، بدأ بتشكيل حضوره الصحافي في الجامعة مع زميله شويب الأمين، وعملا نشرة تصدر مزاجياً أو وفقاً الحاجة حين يشعران بالحاجة لقول شيء، فكانت هذه النشرة منبرهما الأساسي، وتدعى «ميكرو» حيث كانا يستخدمان المطبعة لطبع منشورات «ميكرو» ويوزّعانها مجاناً في المقاهي وللأصحاب. من ثم نشر حبش قصائد في جريدة «النهار» عن طريق الشاعر شوقي أبو شقرا حتى عام 1986. بعدها عرض عليه أستاذه في الجامعة مروان فارس آنذاك العمل في جريدة «صباح الخير».

في «صباح الخير» عمل اسكندر حبش ثلاث سنوات في القسم الثقافي ثم انتقل إلى جريدة «السفير»، بالتزامن مع ممارسة مهنة التدريس صباحاً. استمرّ بالكتابة بشكل خاص وأصدر أول مجموعة شعرية في عام 1988. «صباح الخير» كانت مختبراً تعلّم فيه أسرار الصحافة والكتابة على الصعيد الثقافي والسياسي، وذلك بسبب تواجد نخبة من الصحافيين والمخضرمين في هذا المجال حينها.

كل رحلة مهنيّة بين الصحافة والتدريس لا بد من أن تواجهها عوائق ما، حيث واجه اسكندر حبش عوائق ثقافية تتشكّل في إثبات مقدرته على الكتابة، حيث يقول: لم يعد هناك هذه العوائق أو الصعوبات الثقافية التي كانت تواجه الكاتب سابقاً، وتحدّد إمكانياته. فاليوم ينشئ من أراد الكتابة مدوّنة حرّة ينشر فيها ما يشاء خواطر، ذكريات، يوميات ومقالات دون رقابة أو حساب. وذلك للأسف من أسباب تراجع النقد.

العمل الثقافي، بالنسبة إلى حبش، هو تكملة لما بدأه في مشواره، فمن عام 1984 إلى أوائل عام 2017 آذار امتهن المجال الصحافيّ ولم يندم حتى هذا الوقت على مزاولته.

تفرّغ اسكندر حبش اليوم للكتابة الأدبية والنقدية، حيث يميل اليوم إلى الكتابة الحرّة.

«السفير»… ما بعد الصدور

قضى اسكندر حبش معظم أوقاته في جريدة السفير التي اعتبرها بيته ومسكنه، فكوّن نفسه في «السفير» واشتهر اسمه من منابر هذه الجريدة، قضى أيام الحروب في «السفير». هي البيت الحقيقي ومسكن للعائلة والأصدقاء، بحسب ما يشير.

وربطاً بذلك، يشدّد على الأزمة التي تطال الصحافة والأزمة الماليّة التي تنهش رويداً كل الجرائد الورقية.

في سؤاله عن إنجازاته حتى اليوم قال: «لا شيء… فمن يقتنع أنه أنجز حكم على نفسه بالانتهاء، عليه العمل، المثابرة على الكتابة، فلديّ الكثير بعد لأقوله، وآمل أن يساعدنا الزمن والصحة».

الترجمة… وهوس الطفولة

يعمد إلى العمل في الترجمة لأسباب اقتصادية بحتة، لكنه يختار الكتب التي تقدّم له الإفادة، كما لديه نصوص شعرية، لكنه متريّث في نشرها.

ويقول: أحاول استعادة هوس الطفولة ومرحلة الشباب بالكتابة الشعرية وغيرها من خلال «البناء» مجدّداً.

لا يبحث عن اللحظة

لا طقوس لديه للكتابة الأدبية في الترجمة والنقد، لكن الرغبة في الكتابة الشعرية هي استنسابية لا ظرفيّة، فهو لا يُجبر قلمه وأفكاره على انتزاع الصور الشعرية، لا يفتعل القصيدة بل يصوّر الفكرة، ثم الكلمات ثم يعمل عليها، فيقول: «لا أبحث عن اللحظة كي أكتب فيها».

فالشعر بالنسبة إليه هو صوت الأخوة الإنسانية، فالإنسان بحاجة على الدوام لاكتشاف إنسانيّته، والشعر يساعد في ذلك. الشعر لا يموت بسبب كثرة الشعراء، لكن نوعه قد اختلف، وبعض أنواعه قد اختفى نظراً للتطور في العصر والزمن.

بين قصيدة الحكاية، وقصيدة الأسطورة، والقصيدة الحكمية، وقصيدة الومضة.. ائتلاف واختلاف حيث يقول: هي أساليب متنوّعة، لكن الأهم ما نريد حقاً قوله. فنحن بحاجة إلى إعادة النظر في الكثير من الأشياء والمسلّمات التى آمنا بها وكتبناها، لذا يطرح الوضع اليوم الكثير من الأسئلة… لا يمكن الاستعانة بنوع من القصائد واعتماده بين قصيدة الومضة أو الحكمية وغيرها. فالأسلوب هو الوعاء المكمّل للفكرة. فالأهم بالنسبة إليّ في ظلّ هذه الظروف «العظيمة» التي نمرّ بها طرح ماذا يجب أن نقول، وماذا يجب أن نكتب، ثم يأتي الشكل كيفما كان إن كان ومضة، ملحمة أي معلّقة. لا أنكر أن الأسلوب لا يمكن تخطّيه في الكتابة، لكن الأهم في اللحظة الحالية هو المحتوى لمواجهة ما نواجهه من حولنا.

يزدهر الشعر بمعطيات عدة، منها رفعة النقد وتميّز الشاعر وغيرهما، حيث يرى اسكندر أن العلاقة بينهما يجب أن تكون جدلية. فالنقد هو مرحلة لاحقة للنصّ الإبداعي أياً كان.

ويقول: لا يمكن وضع نظرية نقدية ونطبّق النصوص عليها، بل من النصوص يتم استخراج النظرية النقدية وهذا ما وقع بعض نقّاد السبعينيات والثمانينيات، الذين حاولوا العودة إلى القراءة بنيوياً في قراءة المتنبّي وأبو فراس الحمداني وهو أمر خاطئ. فعلى الناقد أولاً أن يتسلّح بالمعرفة، ولا يمكن تطبيق المنهج موحّداً على جميع القصائد.

واختتاماً، يقول: نحتاج إلى تحديث مجتمع عن طريق مقاومة بالمعنى الأعمق، فكل كتابة هي مقاومة، مقاومة الحياة والظروف والبؤس، مقاومة الحالة الاقتصادية الاجتماعية جميعها أفعال مقاومة، مقاومة العدو، كل ذلك يتطلب ثقافة جديدة ويجب أن تستمر الثقافة.


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 114 / 2342227

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع ثقافة وفنون   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

29 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 30

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28