] في معرضه «طبيعة شبه مجردة».. التشكيلي الفلسطيني خليل ريان يستلهم المرأة والزيتون - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
السبت 30 آذار (مارس) 2019

في معرضه «طبيعة شبه مجردة».. التشكيلي الفلسطيني خليل ريان يستلهم المرأة والزيتون

السبت 30 آذار (مارس) 2019

«القدس العربي»:
وديع عوادة

حينما زرناه في ساعات المساء داخل مرسمه في مدينة طمرة داخل أراضي 48 كان الفنان خليل ريان (73 عاما) لا يزال في «ملابس العمل» وريشته بيده. خليل ريان الذي تلقبه أوساط فنية محلية بـ«شيخ الرسامين» كان مولده قد سبق النكبة الفلسطينية، إذ ولد في قرية الدامون المهجرة قضاء عكا عام 1946، وبعد أن تنقّلت عائلته بين القرى المجاورة استقرّت بعد أشهر من التهجير في مدينة طمرة، لكنه رفض أن تحدد النكبة لونه الفنّي، معتبرا حدوده السماء. ويلفت إلى أن «الفنّ يجب أن يكون إنسانيا عالميًا» وهذا ما يطمح إليه في كل رسمة. ويتابع «الرسمة كالنوتة الموسيقية، مقروءة مفهومة في كل مكان».

عمل خليل ريان في الحدادة والنجارة، ومنهما وخلالهما عزز حرفيته اليدوية، حتى اكتشف موهبته شخص من حيفا صدفة وبنصيحته التحق بالجامعة ودرس الفنون عام 1967، وهذا ما حصل. وريان فعلا صاحب حرفية عالية وبيديه الخلاقتين يكاد البرونز يحكي وينطق. وعن ثراء وخصوبة نتاجه كما وكيفا، يقول مبتسما «تعلمت وعملت في الحدادة والنجارة وعندي توافق بين اليد والعين والعقل وهذا سر النجاح».
بدأ الفنان خليل ريان مشواره الفنّي منذ كان طالبا موهوبا، واعتاد الرسم من وحي البيئة الحياتية، فرسم الحيوانات على اختلافها وأشكالها، الأشجار والطبيعة الخضراء بكل ما تحويه من مزروعات وينابيع، وغيرها من مشاهد ريفية مدهشة في الجليل. يعزو ريان موهبته للأم، كونها امتازت بخيال خصب، إذ كانت تشبّه كلّ ما كانت تراه. لم يترك موهبته لتبقى بالفطرة وعشوائية، بل نظّمها وأثراها وأسّس لها علميا ونظريا، حين درس في بيت الكرمة في حيفا خلال ستينيات القرن الماضي، بعدها درس مدّة أربعة أعوام في أكاديمية الفنون في القدس، الأكاديمية الأكبر للفنون في البلاد. لم يكتف خليل بما درسه، بل جاب دول العالم، وزار أشهر المتاحف العالمية للاطّلاع على أهم أعمال الفنانين الكبار فسمع ممن قابلهم واستفاد من خبراتهم. ويضيف «أنت بحاجة إلى الموهبة والخيال كشرط أول أساسي لتعلم لغة الفن».
حينما دخلنا مرسمه وجدت إلى جانب رسوماته ومنحوتاته خزانة تملؤها الكتب، فهو يعتقد أن الفنان ملزم بالدراسة حتّى يطوّر ذاته، ينمّي خياله ويطوّر أعماله.

1000 لوحة

ويكشف الرسام الفلسطيني أنه أنتج 1000 لوحة، علاوة على 70 منحوتة برونزية، ويمارس فنّ الخطّ العربيّ، لكنه يتحاشى تعريف ذاته كخطّاط. ويقول إنه يستغل أيضًا مخياله الفنّي وقدراته في النحت ليصمّم وينتج آلات وأدوات منزلية أيضا، مثل آلة رصّ الزيتون، طحن الفلفل، طحن الزعتر، طحن الخروب الخ. وردا على سؤال يوضح ريان أن الفن يحتاج أولا إلى نفسية هادئة، لأن الرسمة تعبّر عن نفسية الفنان، ولكل منها قصة وحكاية ويضيف «كنت أحيانًا أبدأ برسمه وأتركها لفترة ثمّ أعود لأكملها. كنت أنقطع عن الرسم لأنّ النفسية والإرهاق الجسدي لم يعيناني على الإبداع. لا توجد أدوات رسم إن اقتناها المرء أصبح فنانًا، فالفنان يبدع بالمزج بين الألوان وطريقة عمله وإنتاجه». ويضيف «رسالتي للناس أن تتعلم الفنّ وتتذوقه فهذا لا شك يساهم في تنظيم المجتمع وهدوئه. بعض الشعوب والدول يرفعون الفنّ لأعلى قيمة حتى يغدو معلمًا من معالم تلك الدول.

يكشف الرسام الفلسطيني أنه أنتج 1000 لوحة، علاوة على 70 منحوتة برونزية، ويمارس فنّ الخطّ العربيّ، لكنه يتحاشى تعريف ذاته كخطّاط.

ينحاز ريان دوما للوحة تجمع المدارس الواقعية والتجريدية والانطباعية في رسمة واحدة تمتاز بألوان زاهية متفائلة مستوحاة من ربيع بلاده. «جليلنا مالك مثيل وترابك أغلى من الدهب».. هكذا أنشد الشاعر الحداء الراحل أبو الأمين الريناوي من بلدة الرينة قضاء الناصرة في الأعراس الشعبية، وهكذا يغني خليل ريان في لوحاته الزيتية للمشاهد الطبيعية شبه المجردة. لكنه لا يدع عينيه تقيدانه فيحلق بخياله راسما روحه، تاركا للمشاهد التفاعل وقراءة ما يريد من كل لوحة، ويأخذ واحدا من رسائلها وتلميحاتها. والمرأة كالزيتون موتيف حاضر في أعماله لما تحمله من قيمة جمالية ووظائف اجتماعية وفي كثير منها يتكرر موتيف عناق الكنيسة والجامع.

طبيعة شبه مجردة

وهذه هي قصة المعرض الفني الأخير في مدينته طمرة تحت عنوان «طبيعة شبه مجردة» وفيه لوحات مضامينها عشوائية، تمزج ألوانا كثيرة في مشاهد تبدو مبهمة، لكن الطبيعة هي ملهمته المركزية والزيتونة أحب الشجر إلى قلبه. في المعرض لوحة لسيدة تعزف تحت أفياء شجرة، مقابل مشهد طبيعي ملهم وينسجم مع الموسيقى، وهي الأخرى مصدر إلهام بالنسبة له كما يوضح. في كل لوحة من لوحاته شيء حي كإنسان، أو حتى كلب، لكنه يحب أن يكون مشهدا غريبا يثير الخيال والتساؤل عند المتلقي. وفي أجزاء من اللوحة مقاطع غير مفهومة. وهذا أمر متعمد بالنسبة لفنان حرفي مخضرم كخليل ريان، لأن المشاهد لا هوية لها أحيانا كثيرة ويمكن أن تقرأ على أكثر من وجه، كل وفق قدراته ووفق التفاعل والتفكير والتأمل والاستنتاج.
في رسمة أخرى تبدو مشاهد طبيعة وإنسان وحمام وداخل رأس الحمامة شبابيك بيت وبجوارها حمامة نائمة تستبطن إيحاءات للحرية، وكأنه يقول فيها إن الإنسان ينام ويصحو وهو يحلم بالحرية. أما رسمة البيدر الضخمة فتطغى عليها سنابل عملاقة مع هيئات بشرية توحي لموسم الحصاد وشجرة زيتون ومنجل وفأس وشاعوب ومحراث وغيرها من أدوات الفلاحة، وهي مجتمعة تشكل أعمدة الحياة الفلسطينية في الريف ومن فوقها الشمس، عنوان الأمل والنور. في رسمة أخرى يبرز قلب نابض يوزع حياة وحيوية للعصافير والبشر وسيدة داخل القلب، بما يوحي بأن المرأة في المركز وفي القلب، وهي إلى جانب الرجل في عمل الفلاحة. في لوحة أخرى تظهر مجموعة نساء بوجوه متفاجئة ومبتسمة وكأنهن يقلن لمصور يستعد لتوثيقهن في صورة فوتوغرافية ولسان حالهن يقول: هيا التقط صورتك وامضي ودعنا نرجع لحديثنا الصباحي الممتع.

الأب الروحي

يستحق ريان اليوم لقب الأب الروحي لكل الفنانين في مدينته طمرة وهم بالعشرات، وقد سبق وساهم في تدريبهم أو تعليمهم بشهادة كثيرين منهم وبشهادة زميله ابن «مدينة الرسامين» طمرة الفنان المبدع أحمد كنعان.
يقول كنعان في لافتة ثبتت في جدران المعرض الكثير في مديح خليل ريان بعد سرد مسيرته الذاتية والفنية حبه لشجرة الزيتون المعمرة جعلها أحد مواضيعه وأيقوناته وكأنه يعوض نفسه بذلك عن أشجار عائلته المهجرة وأراضيها التي اعتبرها الاحتلال «أملاك غائبين» رغم أنها نزحت مسافة ثلاثة كيلومترات من أملاكهم فقط وعنوة.
أنتج ريان لوحات عديدة لأشجار الزيتون، وأحيانا تكون هي الحدث الأساسي باللوحة وأحيانا تكون أحد أبطال التكوين العام للوحاته وتعكس الزيتونة الصلبة الثابتة في أرضها صمود الفلسطينيين في وطنهم، فكلما كبرت أصبحت أصلب وأقوى ومثلها هو الشعب الفلسطيني، جذوره راسخة في وطنه وكلما ثقلت السنين عليه تزده جمالا وقوة.
وحب ريان لشجرة الزيتون هو بالفطرة لقدسيتها وعلاقتها بنا كفلسطينيين دينيا، وطنيا وثقافيا. كما يتنبه الفنان أحمد كنعان لرسم ريان المرأة كثيرا ويقول إن للمرأة حالات وملامح تميزها من النواحي الجمالية أو المعنوية أو الوظيفية.


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 772 / 2342879

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع ثقافة وفنون   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

32 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 32

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28