] حول الانتفاضة والشعر - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
الخميس 7 شباط (فبراير) 2019

حول الانتفاضة والشعر

الخميس 7 شباط (فبراير) 2019

- ايمن اللبدي

إن أحد الأدوار الحميمة للشعر يمكن ملاحظتها حينما يتعلق الموضوع بقضية أساسية ومحورية في حياة الشعوب والأفراد ألا وهي قضية الأرض والوطن ، ولا شك أنه إذا ما أضيف لهذه الصورة عامل آخر وجودي من نوع عقائدي أو ثقافي كتحد حقيقي يصبح المشهد ذا صبغة خاصة مميزة ويتوقع لهذا المركب أن يكون أكثر فاعلية وأقدر على التعبير عن نفسه بترجمة مكثفة وبدرجة أرقى وأنقى .

وحينما يكون الحديث عن الانتفاضة الفلسطينية وخاصة ما سمي بانتفاضة الأقصى يكون التوقع أكثر إشراقا وأوسع أفقا لما قدمته أحداث هذه الانتفاضة من روافع حقيقية وفرص مميزة للتغيير والتعبير بكافة اسقاطاتها وارتباطاتها الاجتماعية والثقافية على مستويين قومي وأممي أيضا ولكن اللافت أن كثيرا من ذلك لم يحدث قط عدا عن محاولات أو استجابات محدودة هنا وهناك دون أن تشكل ولو ظلاً حقيقيا أو حتى ترجمة من نوع يمكن الاطمئنان إليه والتأسيس عليه .

لقد عرف الشعر العربي والشعر بعامة لحظات تاريخية كانت ربما أقل قدرة على توليد طاقة الدفع مما هو عليه مع مرحلة الانتفاضة وأنتج الشعر العربي نتيجة لذلك منتوجا رائعا ومميزا وساهم في إغناء الجوانب المختلفة لهذه اللحظات بل وأفلح في تحقيق محصلة جيدة لنتاج مختلف أدواره وسمح فيما بعد لترسيخ ذلك على أنه نجاح بخطى ولو صغيرة في مسيرة الأدب العربي الحديث ، بينما أخفق اليوم تماما حتى عن تكرار نفسه إزاء مرحلة الانتفاضة الأولى في ثمانينيات القرن المنصرم.

وإذا كنا ننظر إلى جملة ما يشكله الشعر السياسي بعامة من جدل كبير أحيانا كثيرة حول طبيعته وأدواته ودوره ربما حينما يتعلق الأمر بصراعات اجتماعية أو طبقية فإننا لا نفهم أن يواجه الشعر وهو يتصدر قضية وطنية قومية عقائدية من نمط الانتفاضة الثانية شيئا من هذا ، كما لا يمكن لنا أن نقرأ محصلة هذا النتاج السابق على غير ما يمكن أن يوصم بالعجز الكبير الذي يتقاطع ربما مع العجز الشامل الراهن في الموقف العام على المستويين القومي والإسلامي.

إن الأدوار والإرادة الحقيقية للشعر في مثل هكذا محطات مصيرية لم ترصد تماما وبقيت خاملة اللهم إلا من بعض نصوص هنا وهناك لم يكن بمقدورها أن تشكل عنوانا لافتا ولا أن تحقق استجابة حقيقية وتدفع بدولاب محور الثقل إلى غير ما هو كائن من خمول وترنح ، إن الخيبة التي تم رصدها حقيقة تجاوزت التوقعات السلبية بل ربما أغرقت المشهد الثقافي العام بسحابة من الألم العميق لهذا الفشل المدوي.

واللافت أن الأدوار الصميم التي كان يتوجب على الأقل أن ترصد وهي تحاول من ضمن ما تحاول القيام به لتشكيل الصحوة المأمول والمشهد العام لم تكن حتى تعمل بطاقتها الاعتيادية ، فلا دور التحفيز ولا التأطير ولا حتى التسجيل وهو أقل الأمور عنتا شوهدت في هذا الركام الماثل من النصوص ، وهذا مؤشر خطير ربما يجب التوقف عنده مطولا .

لقد نشط عدد ممن طالبوا دوما بتصدر المشهد الشعري والثقافي بتصدير فتاوى والتوقيع على وثائق وعرائض من نوع مشبوه ومرفوض حتى في زمن ليس هو بهذا الزمن طمعا في هبات من أنواع خاصة ولم نجد لهم لا طحنا ولا حتى صوتا في هذه المهمة الشعرية والإنسانية بل إن عددا منهم للأسف كان ممن لم يكن يتصور أن ينخرطوا ولا حتى أن يشتبه بوجود لهم من أي نوع على هامش مثل هذه النشاطات الرخيصة والمشبوهة .

لقد حرصنا على أن نحاول الوصول إلى معظم النصوص التي تناولت الانتفاضة خلال عام كامل من عمرها وربما لم يمكننا أن نصل إلى كل هذه النصوص ولكن ما أمكن الوصول إليه كان كافيا للوصول إلى عدد من الاستنتاجات بشأن المهمة التي يؤلمنا أن نشهد بفشلها الذريع ، وكان أهم ما تم رصده في هذا المقام يتلخص في الجوانب التالية :

1- القصور الكمي

2- النسخ والتحوصل

3- غياب الأثر

لقد أمكن ملاحظة وجود جدب في كثير من الساحات الجغرافية خلال هذه المرحلة كما أمكن أيضا ملاحظة نصوص ولدت بعسر شديد وربما كانت أحيانا تشي بأنها من باب رفع العتب أكثر من كونها انفجارات إبداعية خلاقة كما كان التوقع ، إن محاولات تبرير عديدة سمعت هنا وهناك وتلقي باللوم الشديد أحيانا على مرحلة التشظي التي عرفتها الحياة العربية على خلفية حرب الخليج الثانية ، وأحيانا ربما انسلت إلى لغة مبهمة بل ومرمزة في محاولات التبرير تلك لدرجة أبقت لغتها سرا أكثر من موقفها الذي حاولت أن تبرره ، وإذا كان ربما أمكن على الأقل محاولة الفهم لمواقف سياسية من نوع خاص إزاء هذا الأمر فان من المستحيل القبول بذلك حينما يتعلق الموقف بالشعر على الإطلاق لان الشعر منحاز إلى جملة من الثوابت التي لا يعتريها التغيير ولا تقبل القسمة على طارئ هنا وهناك ونحن قطعا إنما نقصد الشعر الشعر ولا نقصد غيره.

هذا من جهة ، أما من جهة أخرى فان طبيعة العوامل الأخرى التي شكلت بعيدا عن أي زوايا ضيقة ربما قد يصار إلى استخدامها مشروع تبرير هي بلا شك بعيدة عن أي اتهام إذ هي تمس الجوهر الثقافي للامة جميعها ومع ذلك لم يكن الأمر افضل حالا ، وقد تسنى لنا أن نجد نصوصا قد صدرت عن لم يكن يتوقع أن تكون بهذا المستوى مما يشي أيضا بأنها ربما قد صدرت دون شدة العتبة الخاصة بعضلات شعرائها مستجلبة على عجل وكان المهم في الأمر هو أن تسجل وجودا لا أكثر ولا أقل .

لقد توفرت الدلائل من واقع النصوص أن شعراء ممن هم لم يستمتعوا بتسليط حزم الأضواء ولا رغبوا في أن يقال عنهم بأنهم علامات بارزة في مسيرة الشعر العربي المعاصر قد تشرفوا بالقيام بدور رغب عنه من كان يتوقع أن يصدق ما ادعى من مكانة ، فتوفرت نصوص كثيرة لأكثر من شاعر عربي شاب حول هذه المرحلة بينما اختفى من كان يفترض فيه أن يتصدر مثل هذه المهمات بالقياس إلى الجلبة التي ما انفك كثير منهم يثيرها حوله أثبتت المرحلة عدم استحقاقهم لها لا من قريب ولا من بعيد.

لقد اغرق المشهد الثقافي بكثير من الحوارات وجرت عدد من المهرجانات هنا وهناك وهذا لا يمكن طبعا إغفاله هنا ولكن الزخم العام لم يكن بحجم المتطلبات وقصر عن أداء حق هذه المرحلة تماما ، ولربما كانت الفضائيات التي حاولت على استحياء مجرد المحاولة قد اكتفت في اغلب الأوقات ببث عدد من الأغنيات والأوبرتات المعادة أو بأغنيات سلخت على عجل وقدمت في قالب دراماتيكي محكوم بالصورة المصاحبة لدى بثها أكثر منه بالقيمة الفنية الحقيقية .

وإذا كانت الملاحظة الأولى تتعلق بالكم فان الملاحظة الثانية تتعلق بالنوع نفسه وهنا لوحظ التكرار الغريب عند البعض في تناول موضوعة واحدة من نمط استشهاد الطفل الدرة واختزال جميع الأبعاد فيها والإصرار على البدء منها والانتهاء إليها وان كان ذلك لا ينفي قطعا أهمية وتميز الحدث إنسانيا وشعريا على مختلف الأصعدة ولكن الاستنساخ الحثيث لذلك ورث شعورا عاما بان التنوع معدوم أو غير جدير بالمحاولة ، إن الأطفال في فلسطين حقا قد خلقوا علامة بارزة في المشهد النضالي والتاريخي العام ويجدر تناول ذلك بأكثر من ملحمة شعرية ولكن الاتكاء إلى هذه العلامة وحدها ليس محتوما ولا معزولا عن بقية عناصر المشهد .

لقدت أمكن الإجماع على هذا المشهد الفريد ووجدت إمكانية ضعيفة لملاحظة نصوص أخرى تحاول لملمة بقية عناصر المشهد ، إن الانتفاضة لم تكن حربا عادية من نمط عنصر المواجهة بين الإنسان والإنسان فقط بل كانت أوسع من ذلك بكثير إذ هي مواجهة يدخل التاريخ كما تدخل أيضا الجغرافيا فيها من أوسع الأبواب وهذا ما لم يتم تناوله بما يستحق ، وان وجدت بعض النصوص التي حاولت ذلك .

ومن ناحية أخرى أثخن الواقع النصي بعدد لا بأس به من النصوص التي تحوصلت في واقع ديني محض وبلغة مباشرة تماما أصبحت بذلك اقرب إلى الخطابات والخطب المنبرية منها إلى الأداء الشعري والأدبي ، وهو ما جعلها لا تختلف كثيرا عن نصوص ربما أنجزت قبل زمن المرحلة هذه ، وقد جعل هذا الصورة مكررة إلى حد كبير دون توظيف حقيقي لمستجدات ومتغيرات الحركة الدافقة لوقع الأحداث.

أما الملاحظة الثالثة فكانت أخطر هذه الملاحظات وهي رصد الأثر في المتلقي من جهة ورصد الأثر على الساحة الشعرية والثقافية من جهة أخرى وهنا يروعنا الاعتراف بأنه كان من غير شك أثر اللا أثر والتجاهل شبه المطبق في كثير من الأحيان باستثناء منابر كالإنترنت والشبكة المعلوماتية . ولقد أمكن بعد عام كامل من الأحداث تسجيل هذا الضعف وان كان ينسجم مع الواقع العام من الإغراق في ضبابيان كثيرة .

لقد كنا نتمنى أن نشهد تغييرا حقيقيا في المشهد الثقافي والشعري العربي المعاصر بالاستفادة من هذه اللحظة والفرصة التاريخية غير أن ما آلت إليه النتيجة لم يدلل على إمكانية حصول ذلك حتى تاريخه ولربما كانت إمكانية ذلك قائمة طالما أن عجلة الانتفاضة دائرة ولربما أمكن لنا أن نأمل بمثل هذه الإمكانية ولكن السؤال الكبير هو إلى متى ستطول فترة السكون الاختياري هذه والتي تجاوزت كل مقاييس البيات الشتوي ؟ إلى متى أيها المشهد الشعري العربي العزيز ؟


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 50 / 2342879

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع ثقافة وفنون   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

11 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 10

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28