] تحليل: استقرار الشرق الأوسط وخروج واشنطن منه بسرعة مصلحة إستراتيجية أمريكية - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
الخميس 29 شباط (فبراير) 2024

تحليل: استقرار الشرق الأوسط وخروج واشنطن منه بسرعة مصلحة إستراتيجية أمريكية

الخميس 29 شباط (فبراير) 2024

واشنطن: يقول المحلل السياسي أندرياس كلوث، إنه من المرعب حقا مشاهدة إنسان يشعل النار في نفسه ويظل واقفا والنار مشتعلة فيه لأطول وقت ممكن حتى يتحول إلى كومة من البقايا البشرية. وهذا ما فعله عنصر القوات الجوية الأمريكية الشاب أرون بوشنل في مطلع الأسبوع الجاري، عندما أشعل النار في نفسه أمام السفارة الإسرائيلية بواشنطن، احتجاجا على “الإبادة الجماعية” الإسرائيلية في غزة، وظل يهتف “فلسطين حرة” حتى أتت النار عليه.

ويضيف الكاتب أن هذا المشهد بالغ القسوة، يجسد طبيعة الموقف المشتعل في الشرق الأوسط، وحاجة الولايات المتحدة للانخراط فيه بشدة، رغم أنها أحوج ما تكون إلى استقرار المنطقة حتى تتمكن من الخروج منها بسرعة، لحشد قواها لمواجهة تهديدات كبرى في مناطق أخرى.

في ولاية ميشيغان المتأرجحة، يرى الناخبون الذين يحتاج بايدن لأصواتهم في الانتخابات المقبل، أن الرئيس الأمريكي يتحمل مسؤولية القصف الإسرائيلي المدمر لقطاع غزة

ويقول أندرياس كلوث في تحليل نشرته وكالة بلومبرغ للأنباء، إن الصراع في الشرق الأوسط ربما يفرض نفسه تماما على الحملة الانتخابية للرئيس الأمريكي جو بايدن الذي يسعى للفوز بولاية ثانية. ففي ولاية ميشيغان المتأرجحة، يرى الناخبون الذين يحتاج بايدن لأصواتهم في انتخابات تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، أن الرئيس الأمريكي يتحمل مسؤولية القصف الإسرائيلي المدمر لقطاع غزة، والذي احتج عليه بوشنل، ووصفه بايدن نفسه بأنه “عشوائي”. هؤلاء الناخبون وبينهم أمريكيون من أصل عربي، وأمريكيون من أصل أفريقي، إلى جانب الجناح اليساري في الحزب الديمقراطي والشباب بشكل عام، يضغطون على بايدن حتى يجبر إسرائيل على وقف إطلاق النار.

والخطر الذي يهدد بايدن هو أن يظل هؤلاء الأمريكيون في بيوتهم ولا يخرجوا للتصويت في الانتخابات المقبلة، وليس تصويتهم لخصمه المحتمل دونالد ترامب. في المقابل، فإن معسكر ترامب يتهم بايدن بعدم دعم إسرائيل ورئيس وزرائها بنيامين نتنياهو بالقدر الكافي. وهؤلاء يقولون إن السبب في أي مشكلة بالشرق الأوسط هو “ضعف” بايدن على حد زعمهم.

لكن كلوث يرى أن موقف الجانبين غير عادل، لأنه منذ هجمات 7 أكتوبر الماضي وربما قبلها، لم تكن سياسة بايدن مثالية، لكنها كانت أيضا أبعد ما تكون عن الضعف. وبشكل عام، فقد كانت متوازنة وحكيمة.

فبايدن لم يخلق الصراعات في المنطقة. والعداء بين الولايات المتحدة وإيران قائم منذ 45 عاما، وبين الفلسطينيين والإسرائيليين منذ 75 عاما وربما أكثر. والحقيقة أن بايدن كعضو في مجلس الشيوخ، ثم كنائب للرئيس الأمريكي في عهد باراك أوباما، كان جزءا من الممارسات الأمريكية التي فاقمت هذه الصراعات، لكنه الآن كقائد أقوى دولة في العالم، فإنه بذل أقصى جهده لوضع استراتيجية أمريكية كبرى صحيحة.

فقبل هجمات تشرين الأول/ أكتوبر، حاول بايدن ترتيب اتفاق تطبيع بين السعودية وإسرائيل بهدف تهدئة منطقة الشرق الأوسط تدريجيا ومحاصرة إيران. وكان المفترض أن يسمح هذا للولايات المتحدة بتقليل وجودها في الشرق الأوسط لحشد قوتها في آسيا والمحيط الهادئ حيث مصالحها الجيوسياسية فيها أوضح.

ومنذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، كان الهدف الرئيسي لبايدن هو منع تحول الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني إلى صراع إقليمي، وربما عالمي. وهذا الخطر حقيقي، لأن الكثيرين من أعداء إسرائيل بمن فيهم حركة حماس مدعومون من إيران المنحازة إلى روسيا والصين.

ولمنع نشوب هذا الحريق الهائل، كان على بايدن منع نشوب حرب مباشرة وكبيرة بين واشنطن وطهران. أما الهدف الاستراتيجي الآخر، فكان ضمان ألا يدمر الرد الإسرائيلي على الهجوم الفلسطيني فرص التسوية المستقبلية، بما في ذلك إقامة دولة فلسطينية مستقلة تعيش في سلام مع إسرائيل. والهدف الأشد إلحاحا هو تقليل معاناة المدنيين في قطاع غزة وكذلك في الضفة الغربية المحتلة، وإنقاذ المحتجزين في أنفاق حركة حماس بقطاع غزة.

ويرى أندرياس كلوث أن بايدن يتحرك بصورة جيدة فيما يتعلق بهدف منع اتساع نطاق الصراع من ناحية، وكبح العدائيات الإيرانية من ناحية أخرى. فعلى مدى شهور، يهاجم عملاء إيران من سوريا والعراق إلى اليمن الأهداف الأمريكية، فترد إدارة بايدن على هذه الهجمات بهجمات متناسبة، تؤكد قدرة الردع الأمريكية من ناحية، ولا تسمح بتحويل الصراع المحدود إلى حرب شاملة مع إيران وحلفائها في المنطقة. وتحقق هذا الهدف بدرجة كبيرة حتى الآن، حيث أدرك الإيرانيون مدى خطورة عواقب السعي للتصعيد في المنطقة.

يتعين على بايدن اتخاذ مواقف أشد صرامة مع نتنياهو، وعليه استخدام مجلس الأمن الدولي لخلق حقائق قانونية دولية وإجبار إسرائيل على تقليص حربها في غزة ومستوطناتها في الضفة الغربية، إلى جانب القبول بدولة فلسطينية مستقلة

أما بالنسبة للهدف الاستراتيجي الثاني للإدارة الأمريكية المتمثل في كبح جموح نتنياهو وشركائه اليمينيين المتطرفين، فتبدو تحركات بايدن أقل إقناعا. فقد اعتمد الرئيس الأمريكي ووزير خارجيته أنتوني بلينكن على الإسرائيليين أنفسهم للحد من الإضرار بالمدنيين في غزة، وإعادة الالتزام بحل الدولتين على المدى الطويل. لكن نتنياهو تجاهل النداءات الأمريكية. فقد قُتل حوالي 30 ألفاً وأصيب حوالي 70 ألف فلسطيني في قطاع غزة. كما تم تشريد كل سكان القطاع تقريبا وعددهم حوالي مليونا شخص يعانون الجوع والمرض نتيجة الحصار الإسرائيلي.

ومع ذلك، يبدو أن بايدن بدأ يغير الموقف. فقد فرض عقوبات على عدد من المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية. كما تخلى بلينكن عن سياسة عهد ترامب وعاد إلى السياسة الأمريكية طويلة المدى التي ترى أن المستوطنات الإسرائيلية تنتهك القانون الدولي وتدمر أي فرصة لتحقيق سلام دائم.

ويرى كلوث أنه يتعين على بايدن اتخاذ مواقف أشد صرامة مع نتنياهو، وعليه استخدام مجلس الأمن الدولي لخلق حقائق قانونية دولية وإجبار إسرائيل على تقليص حربها في غزة ومستوطناتها في الضفة الغربية، إلى جانب القبول بدولة فلسطينية مستقلة في المستقبل.

في الوقت نفسه، على بايدن مواصلة المحادثات مع السعوديين بشأن اتفاق ثلاثي أمريكي إسرائيلي سعودي، كان يجري الحديث بشأنه قبل 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي باعتباره فكرة جيدة. كما يجب عليه مواصلة ردع ملالي إيران دون إشعال حرب مباشرة. وعليه أيضا وهو يقوم بكل ذلك، ألا ينسى روسيا وما تفعله في أوكرانيا وشرق أوروبا، والصين وما تفعله مع تايوان وبحر الصين الجنوبي، وكذلك كوريا الشمالية في شبه الجزيرة الكورية.

ويؤكد كلوث أن مسؤولية من يشغل المكتب البيضاوي، هي مراقبة النظام العالمي الشامل باعتباره أحد جوانب المصلحة الوطنية الأمريكية، وبالتالي يجب أن يكون هدف بايدن النهائي في الشرق الأوسط هو تحقيق الاستقرار في المنطقة، ومن ثم الخروج منها لأنها تحتاج إلى التواجد في مكان آخر. وقد يحدث هذا في عهد بايدن أو بعده، لكنه سيعتبر خاتمة إيجابية لقصة شهدت الكثير من الجوانب المأساوية، ومنها حادث تضحية الشاب أرون بوشنل بنفسه احتجاجا على ما تقوم به إسرائيل في غزة.

(د ب أ)


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 62 / 2342879

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أحداث و متابعات  متابعة نشاط الموقع تحليل العدسة   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

27 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 22

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28