] ملحمة فلسطينية: خمسون يوماً من مقارعة التنّين - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
الاثنين 4 كانون الأول (ديسمبر) 2023

ملحمة فلسطينية: خمسون يوماً من مقارعة التنّين

الاثنين 4 كانون الأول (ديسمبر) 2023

- علي عواد

استثمرت البروباغندا الإسرائيلية كلّ الوسائل لتصدير سرديّتها إلى الرأي العام العالمي بأنّ المقاومة الفلسطينية تساوي «داعش». إلا أنّ الضربة القاضية أتتها في الفيديوات التي بثها الإعلام العسكري التابع لـ «حماس» حيث الأسرى يودّعون المقاومين بحرارة وأريحية. في هذا الوقت المستقطع بين هدنتين، نستعيد كيفية تشكّل الحرب في كل الساحات الواقعية والرقمية في الأيام الخمسين من العدوان الصهيوني على غزة

على مدار خمسين يوماً، شهد العالم ملحمة من الصمود والتحدّي والمقاومة. أيام عصيبة حاولت فيها قوات الاحتلال إبادة شعب بأكمله عبر القتل والهدم والتجويع والتهجير. توسّعت ساحة معركة غزة إلى ما هو أبعد من العالم المادي، فشملت الرأي العام العالمي والجيل الجديد ومنصات التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا. امتزج الرقمي بالمادي، وانطلق تحالف من القلوب الشجاعة حول العالم في رحلة غير عادية. رحلة بذل فيها الجميع ما باستطاعته لمساندة شعب لا يريد سوى الحرية. حرب الإبادة والتطهير العرقي التي شنتها «إسرائيل» على القطاع، لم تشبه أيّ حرب أخرى، لا من ناحية وحشية القصف ولا من ناحية مواكبة عالم الديجيتال لها. تحوّلت منصات التواصل الاجتماعي إلى ساحة كبرى، تجمّع فيها المناصرون والحاقدون على حدٍ سواء. استخدمت «إسرائيل» أحدث التقنيات، وسخّرت عمالقة التكنولوجيا خدمة لمصالحها العسكرية. لكن ذلك كله لم يمنع الناس من السخرية من الاحتلال بعدما انكشفت فبركاته. «الجيش» الذي هزم جيوش المنطقة ذات يوم، تحوّل إلى MEMEs انتشرت في كل جوانب عالم الآحاد والأصفار.

الدعاية والتضليل
منذ الساعات الأولى لانطلاق عملية «طوفان الأقصى»، تحوّل الإعلام الإسرائيلي إلى قسم ميديا تابع لجيش الاحتلال. ردّدت صحف وتلفزيونات العدو شائعة «ذبح الـ40 طفلاً»، لتتناقلها غالبية الصحف والتلفزيونات العالمية، إضافة إلى قادة العالم الغربي وعلى رأسهم الرئيس الأميركي جو بايدن. تحوّلت الأكاذيب والمعلومات المضلّلة والفبركات أداة رئيسية لدى قوات الاحتلال، فقصف «مستشفى المعمداني» جرى عبر عملية إطلاق فاشلة لصاروخ من قبل «حركة الجهاد» على حدّ زعمهم. والمنازل والمدارس قُصفت لأن «حماس» تطلق النار قربها، والمستشفيات تُدمَّر لأن «حماس» بنت أنفاقاً تحتها. ولا ننسى أسماء مقاتلي «حماس»، من الإثنين إلى الجمعة، التي كشف عنها المتحدث باسم قوات الاحتلال، دانيال هغاري، بعد دخول القوات مستشفى «الرنتيسي». وصل الأمر بقوات الاحتلال اليائسة بحثاً عن صورة نصر، إلى تجسيد استيلائها على «مجمع الشفاء الطبي» ومن ثم رفع علم الكيان فوقه انتصاراً.

كانت منصة «أكس» المساحة الوحيدة لإيصال صوت الشعب الفلسطيني، إلى جانب تليغرام وتيك توك في بعض الأحيان

ثبت للعالم كله أن قوات الاحتلال كانت تكذب طوال الوقت. هم زعموا أنهم أرسلوا حاضنات أطفال إلى «مجمع الشفاء»، لكن المشكلة تكمن في نقص الوقود اللازم لتشغيل الحاضنات. عرضوا شريط فيديو لممرضة في مستشفى في غزة تقول إن «حماس» تحتجز الناس كدروع بشرية. ثم فُضح الفيديو باعتباره مزيفاً وأنّ المرأة كانت ممثلة صهيونية. زعموا أن مقذوفات أطلقها مسلحون فلسطينيون أصابت «مجمع الشفاء» في 10 تشرين الثاني (نوفمبر). وفندت صحيفة «نيويورك تايمز» هذا الادعاء، مظهرةً أنّ القصف الإسرائيلي هو الذي أدى إلى استشهاد سبعة فلسطينيين. زعموا أنهم استهدفوا سيارة على متنها «إرهابيون» في جنوب لبنان. وتبين أن السيارة كانت تقل ثلاث فتيات صغيرات وأمهن وجدتهن. ولا ننسى ما كشفته الصحف العبرية (الأخبار 02/11/2023)، كيف أنّ النسبة الأكبر من القتلى المدنيين الإسرائيليين في هجوم «حماس»، كانت نتيجة قصف قوّات الاحتلال منازل المستوطنين في بئيري وغيرها من مستعمرات غلاف غزة، حيث قُتل ما لا يقل عن 112 شخصاً في بئيري وحدها وفق صحيفة «هآرتس».

رقابة وقمع على منصات التواصل
أفاق العالم صباح يوم السبت في 7 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي على صور وفيديوات عملية «طوفان الأقصى». مشاهد جنود العدو المأسورين والمهزومين أمام مقاتلي «القسام» لم ير أحد مثلها في هذا العالم. بدا كأن «إسرائيل» سقطت. هذا الإحساس الذي ساور الجميع ترك جرحاً عميقاً لم ولن يُشفى أبداً في كيان الاحتلال نفسه، ولو ألقى أكبر قنبلة على قطاع غزة، ومهما كان صوتها مرعباً راعداً، لا شيء يمكن له أن يمحو صورة مقاتل «القسام» مُخرجاً جثة جندي الاحتلال من داخل الدبابة.
نتيجة انتشار هذا كله على منصات التواصل الاجتماعي، حاولت «إسرائيل» قمع المنصات وحرية التعبير عليها. استخدمت لذلك الهدف كل أدواتها. سارع المفوض الأوروبي للسوق الداخلية، تييري بريتون، إلى بعث رسائل إلى كلٍّ من مالك منصة X (تويتر سابقاً) إيلون ماسك، ومؤسس منصة «ميتا» مارك زاكربيرغ، يحثهما فيها على مكافحة «المعلومات المضلّلة والخطأ» بشكل عاجل (الأخبار 16/10/2023). مارك زاكربيرغ المنبطح أمام قادة الاحتلال منذ سنوات، لبّى الطلب كعادته، وسرعان ما بدأت المنصات التي يملكها مثل فايسبوك وإنستغرام وثريدز، في قمع الصوت الفلسطيني. منصة إنستغرام منعت البث المباشر وأزالت المحتوى وحجبت رؤية حسابات المستخدمين، كما حظرت هاشتاغات مثل alaqsaflood# وhamas#. فايسبوك فعل الأمر نفسه مع هاشتاغات باللغة العربية متعلّقة بـ «طوفان الأقصى». وتعرّضت حسابات المستخدمين المناصرين للشعب الفلسطيني للـ shadow ban.
كانت منصة X المساحة الوحيدة في إيصال صوت الشعب الفلسطيني، إلى جانب تليغرام وتيك توك في بعض الأحيان. انتشرت الصور والقصص لحشد الدعم العالمي. وتحوّل المستخدمون إلى مراقبين مهتمّين بكشف الادعاءات والأكاذيب الإسرائيلية. كان كلّ فيديو أو صورة تنشرها قوات الاحتلال، تتحول إلى مادة للسخرية بعد فضح جوانب التضليل فيها. كما كان لافتاً تزايد أعداد الشباب الغربي المناصر للفلسطينيين على نحوٍ لافت، تحديداً الجيل (Z)، الذي اندفع إلى الشوارع متأثراً بما شاهده من صور للأطفال بين الركام. كشفت غزّة عن جيل جديد لم تستطع «إسرائيل» ابتزازه كما فعلت مع الأجيال السابقة في موضوع «الهولوكوست» (الأخبار 08/11/2023).

مارد (عسكري) من ورق
على الجبهة العسكرية، استطاعت المقاومة الفلسطينية كسر هالة التكنولوجيا التي يحيط العدو الإسرائيلي نفسه بها. تقنيات قالوا إنه لا يمكن التغلّب عليها، شاهدها العالم بأسره تتلقّى الضربات تلو أخرى، من ناقلة الجنود المحصّنة والمعززة بأحدث تقنيات الردع مثل «نامير»، إلى أنظمة Trophy التي فشلت في منع المقاومة من اصطياد غالبية الآليات المجنزرة والمدولبة.

اعتماده على التكنولوجيا أسهم في «انخفاض مهارات الوحدات البرية»

تحدّثت مراكز الأبحاث والصحف العالمية عن «الوهم التكنولوجي والمزالق الإستراتيجية» ومخاطر اعتماد قوات الاحتلال على التكنولوجيا العسكرية المتطوّرة. على الرغم من اعتباره أحد «أقوى الجيوش» في العالم (الأخبار 24/11/2023) إلا أنّ اعتماده «على التكنولوجيا في تعزيز العقلية الدفاعية»، أسهم في «انخفاض مهارات الوحدات البرية» داخل قوات الاحتلال الإسرائيلي.

تسخير التكنولوجيا
حاول العدو منع حسابات الـ OSINT (الاستخبارات المصادر المفتوحة) على منصات التواصل من الحصول على المعلومات عبر تخريب التقنية التي تقدّم البيانات. عطّلت شركة غوغل حركة مرور بيانات «خرائط غوغل» في كيان الاحتلال وقطاع غزة بعد طلب جيش الاحتلال ذلك من الشركة قبل أيام من الغزو البري للقطاع. كما امتثل تطبيق الخرائط التابع لشركة آبل لطلب الجيش الإسرائيلي (الأخبار 15/11/2023). وكان الهدف من ذلك منع إظهار حركة ازدحام مروري على «خرائط غوغل» أو «خرائط آبل» تكشف مواقع جنود العدو حول غلاف غزة.
كذلك، خرّب جيش الاحتلال نظام تحديد المواقع الجغرافية بالأقمار الاصطناعية (GPS) فوق شمال فلسطين المحتلة، في محاولة لمنع وصول الصواريخ الدقيقة أو المسيّرات من المقاومة اللبنانية إلى أهدافها، عبر تقنية تخريب الإشارة تُدعى «تقنية خداع نظام تحديد المواقع» (GPS spoofing). تسبّب ذلك في اضطرابات في مجالها الجوي الشمالي وشكّل خطراً على شركات الطيران المدنية. إلا أنّ ذلك كلّه لم يمنع مسيّرات المقاومة اللبنانية من اختراق أجواء الشمال المحتل والعودة إلى لبنان.


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 45 / 2342227

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع ثقافة وفنون   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

34 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 34

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28