] مباراة “الوحدات” و”الأهلي” الإماراتي تفتح نقاشاً ساخناً حول التطبيع.. وفلسطينيو الـ48 في قلب الجدل - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
الأربعاء 16 آب (أغسطس) 2023

مباراة “الوحدات” و”الأهلي” الإماراتي تفتح نقاشاً ساخناً حول التطبيع.. وفلسطينيو الـ48 في قلب الجدل

الأربعاء 16 آب (أغسطس) 2023 par وديع عواودة

شهد استاد راشد بن مكتوم في مدينة دبي، مساء اليوم الثلاثاء، لقاء “الوحدات” مع نظيره “شباب الأهلي” الإماراتي، وذلك ضمن الدور التمهيدي من دوري أبطال آسيا (مباراة الملحق الإقصائية). وخسر الوحدات المباراة بثلاثية نظيفة.

وما زالت التفاعلات السياسية لهذه المباراة تتصاعد، وتُحدِثُ نقاشاً داخل منتديات التواصل الاجتماعي الفلسطينية والأردنية.

وكان عددٌ من أعضاء مجلس إدارة فريق “الوحدات” قد قدّم استقالته، في الأيام الأخيرة، بدعوى أن هذه المباراة تنطوي على تطبيع مع إسرائيل، لكون الفريق الإماراتي قد لعب مع فرق إسرائيلية، ولمشاركة لاعب من فلسطينيي الداخل، هو مؤنس دبور، ضمن الفريق الإماراتي، بعدما كان قد لعب، طيلة سنوات، ضمن المنتخب الإسرائيلي لكرة القدم، ومثّله في مسابقات مختلفة.

هل يبرر البحث عن التمثيل السياسي إشغال نواب عرب منصبَ نائب رئيس الكنيست، وهي وظيفة رسمية رمزية فيها بعد هوياتي رمزي إسرائيلي بارز؟

على خلفية ذلك، تدخّلَ النائب في الكنيست أحمد الطيبي، في محاولة لتوضيح الموقف، وتبديد بعض التوتر، خاصة بما يتعلّق بمشاركة اللاعب مؤنس دبور، فقال، في رسالة أخوية متلفزة إلى نادي “الوحدات” لكرة القدم وجمهوره، على خلفية الانقسام الحاد الذي شهده الشارع الأردني بشكل عام، وجماهير الوحدات بشكل خاص.

يؤكد الطيبي أن اللاعب مؤنس دبور يُمثّل جزءًا من الواقع المركّب لعرب الـ48، مشيرًا إلى أنه شابٌ ملتزم، ولاعب مميز، وأنه يعرف والده وجدّه، وأنه من عائلة وطنية. موضحاً أن مؤنس دبور كان يتواجد في المسجد الأقصى، عدة مرات، وقد استقال، قبل نحو عامين، من منتخب إسرائيل، بعدما كتب آية قرآنية، وتعرّض بعدها لمضايقات كبيرة. وأفاد أن جمهور منتخب إسرائيل كان يتّهم مؤنس بالتخريب، وأعرب عن فخره بما قدّمه الأردن، لأنه أكثر مما قدمه الآخرون.

وخلص الطيبي للقول: “أحبكم، وممتنّ لكم، وشعبنا يعشق نادي الوحدات. ونحن نحبكم بشكل كبير، نتمنى لكم النجاح في كل مكان”.

باقون في ديارنا

وهنا يتجدد التوتر في هذا الموضوع الحساس والمشحون بالنسبة لفلسطينيي الداخل، الذين يجدون أنفسهم عالقين بين الوطن وبين المواطنة، ويتعرضون لحملات تشكيك، أو مقاطعة، بسبب حمْلهم الجواز الإسرائيلي، في ظل واقعهم الجيوسياسي المركّب، الذي نشأ بعدما بقوا في ديارهم، رغم تهجير مليون من شعبهم في نكبة 1948.

في منشور على صفحتها في فيسبوك، قالت هنيدة غانم، مديرة المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار)، إنها تقاطع الإمارات، لكنها تعارض “خلط تطبيع الإمارات مع إسرائيل باللاعب مؤنس دبور، لأنه بحال جرت محاسبته على أنه مثّل إسرائيل يصبح لزاماً الخوض بأسئلة كثيرة مرتبطة بفلسطينيي الداخل، ولا مجال أن نخرج منها بسلام”.

وعن هذا الواقع المعقد، الذي يخلق ازدواجية تبدو غير مفهومة للعرب والعالم، ورداً على تعقيبات ساخنة وانفعالية، تتابع غانم:

“دعونا نتذكر أن كل الفلسطينيين في الجامعات والمراكز البحثية والمستشفيات وشركات الهايتك الإسرائيلية يشاركون في مؤتمرات وهم يحملون إشارة “إسرائيل”، الدولة التي يحملون جنسيتها”.

وشددت غانم على ضرورة البحث عن تعزيز اللحمة الفلسطينية الوطنية، بدلاً من تعميق الاختلافات والخلافات، وحماية نسيجها الاجتماعي، الذي يعاني أصلاً من تشققات.

اللاعب الفلسطيني مؤنس دبور
“لسنا خونة”

وسرعان ما جاءت تعقيبات ونقاشات حول موضوع تفاعلات قصة المباراة بين “الوحدات” و”الأهلي” الإماراتي، وعلاقتها بالتطبيع، بسبب مشاركة الفريق الإماراتي في مباريات مع فرق إسرائيلية، أو مشاركة مؤنس دبور ضمن صفوفه، والتي لم يتضح بالكامل مدى دورها في استقالة بعض أعضاء مجلس إدارة “الوحدات”: هل المشكلة تكمن بالفريق الإماراتي، أم بمشاركة لاعب منتخب إسرائيل سابقاً مؤنس دبور ضمن صفوفه؟ وهل كانت النقاشات والاستقالات ستحدث لو لم يكن دبور موجوداً ضمن الفريق الإماراتي.

ضمن هذا النقاش، قال الناشط السياسي من الداخل ثائر تيتي، معقباً على تدوينة هنيدة غانم، ومبرراً الانتقادات لدبور بشكل مبطّن:

“الوحدات يعتبر فريق المخيمات الفلسطينية في الأردن، وكما تعرفين؛ الإمارات بلد مطبّع مع الاحتلال.. ومؤنس دبور لاعب عربي يمثّل المنتخب الإسرائيلي، وبعض اللاعبين والإداريين يرفضون المشاركه بالمباراة”.

وقال محمد أبو علان ضراغمة، من طوباس في الضفة الغربية، معقّباً، إنه ينبغي مقاطعة الفريق الإماراتي من دون علاقة مع مؤنس دبور.

وينبّه نهاد أبو غوش، من قرية أبو غوش داخل أراضي 48، إلى وجود موضوعين منفصلين، موضحاً، ضمن دفاعه عن دبور، أن «طلب المقاطعة ليس بسبب مؤنس دبور، الذي هو لاعب فلسطيني فُرضت عليه وعلى أهله الجنسية الإسرائيلية.. صحيح أنه لعب، قبل سنوات، مع المنتخب الإسرائيلي، لكنه لم يعد في صفوفه، إنما بسبب لعب الفريق الإماراتي مباراة ودية مع فريق “عيروني طبرية” الإسرائيلي».

كما نشر أبو غوش الموقف النهائي الذي شاركته اللجنة الوطنية لمقاطعة إسرائيل مع المستشار القانوني لنادي “الوحدات”، بناء على طلب إدارة النادي، بتاريخ 26 تمّوز/يوليو 2023. علماً بأنّه قد جرت مراسلتان بين اللجنة الوطنية للمقاطعة والمستشار القانوني لنادي “الوحدات”، إحداهما بشأن اللاعب مؤنس دبور، والثانية بعد المباراة التطبيعية التي أجراها “الأهلي” مع النادي الصهيوني.

وينقل أهم ما جاء في الرسالة بشأن نادي “شباب الأهلي” الإماراتي، عقب لعبه لمباراةٍ ودية مع نادي عيروني طبريا الإسرائيليّ:

«لا نرى في لعب مباراة ودية مع فريق إسرائيليّ إلا خدمة لمساعي العدوّ في تلميع جرائمه بحق شعبنا الفلسطينيّ باستخدام الرياضة، ومساهمة من إدارة النادي الأهلي الإماراتي في تنفيذ بنود اتفاقية العار بين النظام الإماراتي والإسرائيلي، وهو بالتأكيد مخالفة جسيمة لمعايير مناهضة التطبيع مع العدوّ الإسرائيلي، التي جاء فيها أنّ المنافسات الرياضية مع رياضيين إسرائيليين يمثّلون دولة الاحتلال (كما في الأولمبياد، وكثير من البطولات الدولية) تعد شكلاً من أشكال التطبيع، حتى لو جاءت تلك المنافسات عن طريق الصدفة. بناء على ذلك، ترى الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل ضرورة مقاطعة فريق نادي “الوحدات” للمباراة مع فريق “الأهلي” الإماراتي بسبب انخراطه في التطبيع مع العدو الإسرائيلي».

وعقّبت هنيدة غانم على نهاد أبو غوش بالقول إن هذه الجملة المذكورة في تعقيبه (أعلاه) ملغومة، وفيها غمز ولمز: “إنّ المواجهات الرياضية مع رياضيين إسرائيليين يمثّلون دولة الاحتلال (كما في الأولمبياد وكثير من البطولات الدولية) تعد شكلاً من أشكال التطبيع”.

هنيدة غانم: بقينا في وطننا رغماً عن أنف الجميع، وهناك جهات ما زالت تعتبرنا خونة، لأنه، حسب رأيهم، كان لزاماً علينا أن نترك الجمل بما حمل ونصبح لاجئين!

عن ذلك تقول غانم إن “هذا يعني بسهولة أن تعقيبك ينطبق على مؤنس بسهولة، حتى لو أنه غادر منتخب إسرائيل، وعانى الكثير من العنصرية فيه”.

وانضم الناشط السياسي هشام روحانا، من عسفيا في الكرمل، داخل أراضي 48، للنقاش، وقد ردّ على تعقيب هنيدة غانم الثاني بالقول: “لا. هذه ليست جملة ملغومة، وهي واضحة تماماً: لاعب يمثل دولة الاحتلال. دبور هو جزء من فريق، وعندما يمثّل هذا الفريق دولةَ الاحتلال فالمقاطعة هي ضد كل الفريق، وليس هذا الشخص أو ذاك”.
قرار بيد الحكومة الأردنية

في المقابل، قال جهاد حاج يحيى، من مدينة الطيبة داخل أراضي 48: «إن “الوحدات” لا يستطيع توجيه الانتقادات للنظام الحاكم في الأردن، والذي يعتبر صديقاً مقرباً لإسرائيل، وعندها يستسهل مهاجمة مؤنس دبور بدلاً من ذلك».

من جهتها عقبت هنيدة غانم، مدافعة عن مجمل فلسطينيي الداخل بالقول: “لقد بقينا في وطننا رغماً عن أنف الجميع، وهناك جهات ما زالت تفكر، بعد 74 سنة، وتعتبرنا خونة، لأنه، حسب رأيهم، كان لزاماً علينا أن نترك الجمل بما حمل ونصبح لاجئين بدلاً من البقاء في الوطن. هذا تفكير سطحي وغبي”.

في المقابل؛ قال الناشط في “التجمع الوطني الديمقراطي” غسان منيّر، من الرملة، إن مؤنس دبور انتقل من أوروبا إلى اللعب في فريق إماراتي، والفريق تم إدراجه للّعب ضد فريق “الوحدات” الأردني، وأعضاء من هذا الفريق، وبعض اللاعبين بدهم يقاطعون اللعبة كون مؤنس “إسرائيلياً” مثلي ومثلك، ولأنه لعب ضمن منتخب إسرائيل، بما يعني ضد حملة مكافحة التطبيع”.

وقال خالد حجازي من عكا: “هي القصة كلها مسرحية نوعاً ما. نادي الوحدات رمز لمخيم الوحدات، ولكنه ليس كمخيم عين الحلوة، أو مخيم اليرموك، لا استقلالية في قراره، وخصوصاً عندما يكون الموضوع عن فلسطين، هذا الأمر محسوم بيد الحكومة الأردنية. جمهور الوحدات الفلسطيني لا يحب تصرف الإمارات، بخصوص علاقاتها مع الكيان، ولو كان في إيده، كان يحب أن لا يلعب هذه اللعبة معه”.
الرقص في عرسين

بصرف النظر عن حقيقة استقالة أعضاء إدارة “الوحدات” ودوافعها، وإن كانت ترتبط بالفريق الإماراتي، وبالإمارات، وتطبيعهما، أم باللاعب الفلسطيني مؤنس دبور، لا بدّ من السؤال؛ هل هناك حدود واضحة لحملة المقاطعة بما بتعلق بنا، ولانخراط فلسطينيي الداخل في مجمل الحياة داخل إسرائيل، التي يتداخلون فيها في ظل واقع مركّب موروث؟ أم أنه عدا المؤسسة الأمنية كل المناصب والوظائف والأدوار شرعية، وتنسجم مع مطلب المواطنة المتساوية؟

أم لا بد من ترسيم حدود هذا الاندماج، وتحاشي دخول بعض العوالم والمناصب والأدوار، رغم أننا مواطنون في إسرائيل، ونطالب، وبحق، بمواطنة متساوية في ظل صراع ما زال مفتوحاً على الوطن؟ على سبيل المثال يمكن فهم مشاركة فرقنا الرياضية العربية في دوري إسرائيل لكرة القدم (بدلاً من دوري مستقل كالدوري الإسلامي)، ولكن هل يشارك لاعبونا في منتخبها، علماً أن المباريات الدولية تنطوي على بعد سياسي يتجسّد في تمثيل الدولة وهي تمارس القمع والاضطهاد والاحتلال والتمييز العنصري؟

كذلك في الكنيست؛ إذا كان لا بد من المشاركة في برلمان إسرائيل بحثاً عن التمثيل السياسي، والتأثير، ورفع صوت الاحتجاج، وفضح العنصرية الإسرائيلية، وغيرها من المزاعم والمبررات، هل يبرر هذا إشغال نواب عرب منصبَ نائب رئيس الكنيست، وهي وظيفة رسمية رمزية فيها بعد هوياتي رمزي إسرائيلي بارز؟

هل نيابة رئيس الكنيست حيوية (للتأثير على أجندة الكنيست، ونيل مزيد من الوقت للخطاب والحديث) لدرجة تستحق دفع ثمن الانخراط في هذه الرمزية الإسرائيلية (ربما الصهيونية)؟ أم هي منفعة فقط للنواب العرب المتنافسين على الوعي، وعينا، وعلى الحضور والصورة؟

هل فعلاً لا فرق بين أن يكون أحمد الطيبي أو منصور عباس، وغيرهما، نائباً لرئيس الكنيست، وبين طبيب عربي يمثل “رمبام” في مؤتمر دولي.. أو بين لاعب عربي في منتخب إسرائيل؟ ما قيمة الرمزية الكامنة في المنصب ومفاعيلها على وعينا ووعيهم؟ وعي الإسرائيليين والعرب.

مثل هذه الأسئلة لم تطرح، حتى الآن، بشكل صريح من قبل معظم فلسطينيي الداخل، وهم يميلون عادة للاكتفاء بالقول إننا باقون في وطننا، وإننا وجدْنا أنفسنا تاريخياً في حالة مركبة، فنعفي أنفسنا من المسؤولية تحت عنوان “خصوصية وضعنا الجيوسياسي”.

الحقيقة أن اللجوء الفوري للاتكاء على ادعاء “الخصوصية” هذه يبدو نوعاً من الهروب من مواجهة الحقيقة، بأن هذه الحالة الخاصة لا تتسع دائماً للموازنة بين الوطن والمواطنة، ولا تبيح دائماً الرقص في عرسين، وعلينا الاختيار بين واحد من العرسين.. اختيار ينطلق من ضرورة الحفاظ على الموازنة بين كفّة الوطن وكفة المواطنة، بدلاً من ترجيح الأخيرة على الأولى بحجة “الخصوصية”.

نتناقش ونقرر بعقل، أم ندع إسرائيل هي التي تقرر ملامح العلاقة بين الوطن والمواطنة، وهي تطمع طبعاً بأن تبلغ بالأسرلة معنا حدّاً مأساوياً بوشمٍ على جباهنا يقول: made in israel ؟

ربما تشكل قصة مؤنس دبور (قصة تكررت بشكل مشابه مع فنانين) فرصة لخوض هذا الجدل بهدوء ومسؤولية، خاصة أنها ترتبط بنظرة وتعامل العالم العربي لنا، وبإنتاج واستمرار أفكار مسبقة ظالمة نشارك في صنعها أحياناً!

بعد سبعة عقود، لا بد من خريطة طريق تستحضر مثل هذه الأسئلة الغائبة/المغيبة، في محور ثنائية الوطن والمواطنة، وحدود مساحة كل منهما.


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 14 / 2342227

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات وقضايا   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

36 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 37

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28