] أبو شاور: ماذا عن طُلاّب الجامعات في الدول العربيّة؟! - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
الخميس 2 أيار (مايو) 2024

أبو شاور: ماذا عن طُلاّب الجامعات في الدول العربيّة؟!

الخميس 2 أيار (مايو) 2024

وأنا أتابع ما يحدث في أعرق الجامعات الأميركية، والبريطانية، والفرنسية، وطلاّبها وطالباتها وهم يعتصمون في جامعاتهم، ويرفعون شعاراتهم المنحازة إلى فلسطين: فلسطين حُرّة.. حُرّة، ويطالبون بإيقاف الحرب على قطاع غزّة، ويعلنون رفض دعم “إسرائيل” بالمال والسلاح، وآخر دعم مالي للكيان الصهيوني يبلغ 26 بليون دولار، ناهيك بصفقات السلاح!

أوجعتني أسئلة دقّت في رأسي بقسوة: أين طلاب جامعات الدول العربيّة وطالباتها، وماذا تعني لهم فلسطين؟!

ألا يتساءلون، وهم يتابعون أخبار الجامعات العريقة في الغرب، وطلبتها وطالباتها، في أغلبيتهم، ينتمون إلى أسر عريقة، ولديهم المقدرة المالية على الدراسة فيها والتخرّج منها، وهم مرشحون بعد التخرّج لشغل مناصب رفيعة في دول بلادهم، حتى منصب الرئيس، لكنهم مع ذلك يقيمون المخيمات في أفنية الجامعات ويعتصمون فيها، ويواجهون قمع البوليس والاعتقال ولا يتراجعون، وسلطات القمع في جامعة كولومبيا العريقة تغلق الحمامات من أجل دفعهم إلى الخروج من المخيمات، والتوقف عن الاعتصامات، لكن هذه الإجراءات غير الديمقراطية، وحملات التشويه التي تبلغ حدّ اتهامهم بأنهم “لاساميون” ومدفوعون من مخربين، وهي تهم يمارسها الكيان الصهيوني وهو يقصف مدن قطاع غزّة وقراه ومخيماته، مبرِّراً مجازره التي تُنفّذ بالأسلحة الأميركية التي لا يتوقف تدفقها بحجة “الدفاع عن النفس”!

تصوروا: في تلك الاعتصامات، والتظاهرات، عشرات الطلبة والطالبات اليهود الرافضين جرائم “جيش” الكيان الصهيوني، لأنهم يشعرون بأن هذه الوحشية البشعة واللاإنسانية تُلحق الخسارة بكل يهود العالم، الذين ما عادوا يقدرون على تحمّل نتنياهو والمتدينين المتحالفين معه.

ما يحدث في الغرب تحقق بالدم والتضحية والبطولة التي تفجّرت يوم الـ 7 من تشرين الأوّل/أكتوبر، منهيةً زمن التواكل والتخاذل والركون العاجز لشفقة أميركا الوسيط غير النزيه، أو وسطاء الخداع، كما وصفهم في كتابه عن مفاوضات واشنطن، البروفسور رشيد الخالدي.

انتهى زمن المسخرة، والضحك على اللحى، والوعود الوهمية الخُلّبيّة. وما أنهاه هو انتشار الاستيطان ووضعه اليد والرِجل على مزيد من الأرض التي كانت في حوزة الفلسطينيين قبل التوقيع في واشنطن على “سلام الشجعان”، بتاريخ 13 أيلول/سبتمبر 1993. ولم يكن في أيدي من وقعوا حيلة سوى مزيد من توزيع المناصب والمنافع والهبات، لكسب مؤيدين لهم على رغم كل ما يحدث من خراب وتدمير وحصار وإذلال، يومياً، من جانب قوات الاحتلال!

إرادتنا، كشعب فلسطيني، هويتنا العربية الفلسطينية، تراثنا المقاوم منذ احتلت بريطانيا فلسطين، وسمّت احتلالها انتداباً، متسلحة بوعد بلفور، وعيّنت أول حاكم على فلسطين يهودياً صهيونياً، هو هربرت صاموئيل، على امتداد خمسة أعوام امتدت من عام 1920 حتى آخر عام 1925، فعاث فساداً وتخريباً في الزراعة والاقتصاد برعاية السلطات البريطانية المحتلة لفلسطين.

من هناك، بدأت مقاومة عرب فلسطين، ومعهم عرب أحرار تدفقوا للقتال معهم لإنقاذ أرض فلسطين المقدسة. يعني منذ أكثر من مئة عام وفلسطين وطن الثورات، والمقاومة، والاستشهاد.

هل الطُلاّب والطالبات في أميركا وبريطانيا وفرنسا ودول أوربية كثيرة هم الذين عليهم واجب معرفة تاريخ فلسطين المقاوم؟ ومن القوى العالمية التي دعمت الأطماع الصهيونية ومكنتها من احتلال فلسطين عام 1948 وعام1967؟! طبعاً، ناهيك باحتلال سيناء، وهضبة الجولان التي ما زالت محتلة حتى يومنا، وإلى أن تُحرّر بقوّة السلاح؟ أم طلاب بلاد العرب وطالباتها، والذين تُوّهوا عن قضايا أمتهم، وأقدسها فلسطين؟!

بعد مسيرة التطبيع، منذ السادات، ومن ساروا على نهجه وطبّعوا على حساب فلسطين، ووجود الأمة العربية، لجأت دول عربية كثيرة إلى التخلّي عن تدريس تاريخ فلسطين المقاوم للمشروع الصهيوني، وبادرت إلى استقبال الصهاينة زوّاراً وضيوفاً مكرَّمين، حتى إن وزير خارجية دولة أبناء زايد دعا وجهاء (الجالية) الفلسطينيّة بعد بدء تطبيع دولتهم مع “دولة” نتنياهو، وأبلغهم بعنجهيّة: مَن يُرِد البقاء في دولة الإمارات يبقَ وينشغلْ بعمله كما هو، ومن يُرِدْ أن يشاغب رافضاً تطبيعنا، وهو قرار سيادي، نطردْه كما دخل. يعني لن يُخرج شيئاً معه. يعني يغادر في ملابسه الشخصيّة كما دخل!

طلاّب “دويلات” التطبيع وُلدوا ونشأوا في بلاد تحتلها القواعد الأميركية، واعتادوا على رؤيتها عندما دمّرت العراق، وهي تحتل شمالي شرقي سوريا، ونشأوا على انحيازها التام إلى الكيان الصهيوني وقتله اليومي شعب فلسطين بالتزامن مع التطبيع الذي سارت فيه دولهم وحكامها!

كثير من الطلاب الفلسطينيين استُشهد في المعارك، في الجنوب اللبناني، في بيروت، في قلعة الشقيف، في عمق فلسطين، لكن “أوسلو” نشر الياس، والسلوك والممارسات غير اللائقة بشعب فلسطين المقاوم.

غابت مصر عن دورها القائد، وغاب بطل الأمة جمال عبد الناصر، ودُمّرت ليبيا والعراق، وحوصرت سوريا، وطُمست الدعوات إلى الوحدة العربية، والنهوض العربي. وبقي ثابتاً مع فلسطين صوت حزب الله المقاوم وفعله. وتسيّدت “الدويلات” الإقليمية على ما يسمى “جامعة الدول العربية”، التي من أبرز إنجازاتها “تعليق” عضوية الجمهورية العربية السورية، أي طردها من تلك الجامعة، انحيازاً إلى “دويلات” أرادت تدمير سوريا، آخر معاقل الثقافة العربية والانتماء العربي. لكن سوريا ثبتت، على رغم العدوان التركي العثماني وحشده المرتزقة في إدلب وأريافها، والاحتلال الأميركي شمالي شرقي سوريا، والذي ينهب الثروات السورية النفطية والحبوب، ويجوّع شعب سوريا العربي العريق بتواطؤ ممن حشدوا ألوف القتلة المرتزقة لتدميرها، صمدت وستبقى!

كانت دول عربية بالاسم هرولت إلى التطبيع، وأكبرها السعودية، التي كانت على وشك أن تطبّع لولا أن فاجأها “طوفان الأقصى” فدفعها إلى التوقف في انتظار خاتمة الحرب! والحرب طالت عليها كما طالت على “دولة” الكيان الصهيوني، التي فقدت هيبتها وسمعتها وانهارت ادعاءاتها وانكشفت فضيحة إعلامها وتزويرها أمام بطولات المقاومين الفلسطينيين والشعب الفلسطيني الملتف حول المقاومة، والذي يعيش في العراء وسط الدمار. وباتت “دولة” الصهاينة مفضوحة في جرائمها ووحشيتها وعجزها، وانتهت أسطورة جيشها الذي قهرته مقاومة فلسطينية في قطاع غزة، وأبطالها القساميون وسرايا القدس ومعهم بعض المخلصين بما يتوافر لهم من إمكانات، كـ“أبي علي مصطفى” وكتائب الأقصى وكتائب المجاهدين.

الخراب، أو بالأحرى التخريب، تم في بلاد العرب التي هي “دويلات” تمت فبركتها مع تدفق النفط والغاز، انبتت عن العروبة المكلفة مواجهتها وتحملها مسؤولية تحرير فلسطين، ومشاركة العرب لها في الثروات التي تدفقت تحت أقفية حكامها المحميين بالقواعد الأميركية، والذين اختصروا الطريق فطبعوا مع وكيل أميركا الكيان الصهيوني!

في جامعات أميركا يفكّر الطلاّب والطالبات، وفي بريطانيا وفرنسا ودول أوروبية كثيرة، في مستقبل بلادهم، سواء الإمبراطورية الأميركية، أو الإمبراطوريتين الآفلتين: بريطانيا وفرنسا. وينتفضون على التخريب الصهيوني في بلادهم، وفي العالم، ويرون أن هذه الحرب الوحشية على قطاع غزة تلطخهم، وتشوّه مستقبل بلادهم، وتحكّم فيهم مستبدين متوحشين معادين للبشرية كلها. لهذا، ارتفعت شعاراتهم: فلسطين حرّة. لا لتوظيف أموال جامعاتنا في المؤسسات الإسرائيلية التي تنتج السلاح وتتاجر فيه، ويصمدون في وجه الاعتقالات، والتشويه في حملات من إعلام مسعور يتهمهم بمعاداة السامية، علما بأن طلبة يهودا يشاركون في الحراك الطلابي في أعرق جامعات أميركا، وفي مقدمتها جامعة كولومبيا العريقة.

ماذا تخرّج الجامعات العربية؟ ما الثقافة التي تلقنها للطلاب والطالبات؟ ما الثقافة التي تغرسها في نفوسهم، عربياً وإنسانياً؟!

هي أسئلة تشغل تفكيري كما تشغل كثيرين في الوطن العربي. وأحسب أن أسئلة كثيرة لا بد من أن تُطرح، وستُطرح. فمعركة قطاع غزة، والضفة الفلسطينية، وتضحيات عرب فلسطين، التي تهّز العالم وتوقظه على وحشية الكيان الصهيوني والدعم الأميركي له بالسلاح والمال، ستفعل فعلها في حكّام التطبيع، كبيرهم وصغيرهم، وكلّهم صغار!

سيستيقظ طلاّب البلاد العربية وطالباتها على أن بلادهم محتلة بالقواعد الأميركية، وبالتطبيع، وأن حكامهم لا يمثلون انتماءهم وطموحاتهم، وعلى أن قضية فلسطين هي قضيتهم، فهم ليسوا أقل من الطلاب الأميركيين والإنكليز والفرنسيين واليابانيين والكنديين والأستراليين. أمّا فلسطين فستبقى “الدينامو” الذي يولّد الوعي، قومياً وإنسانياً، وأبداً لن تُطفَأ نارها المقدسة.


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 61 / 2349075

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات وقضايا   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

23 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 20

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28