] أدب المقاومة بين نكسة حزيران وانتصار أيار - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
الأربعاء 14 حزيران (يونيو) 2023

أدب المقاومة بين نكسة حزيران وانتصار أيار

الأربعاء 14 حزيران (يونيو) 2023

- حسن نعيم

هزّت هزيمة حزيران ١٩٦٧ كيان المجتمع العربي وجعلته يستفيق على أنظمة سياسية متخاذلة مرتبطة بشكل أو بآخر بالمستعمر فانعكس هذا الواقع المحبط في أعمال أدبية اتسمت بنزعة احتجاجية على الواقع الراهن الذي آلت إليه الأمور، وانتشرت في الأوساط النقدية العربية ظاهرة سميت “أدب النكسة” كان من أبرز ملامحها العبثية والبكائية التي تشبه إلى حد بعيد الأدب الذي ساد أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية.

توقعات أدبية بالهزيمة

في ظاهرة لا تعتبر غريبة في الأدب العالمي، ظهرت في كتابات كافكا وهيمنجواي وفوكلر والكتاب الروس مثل تشيكوف وديستوفيسكي وبوجول تنبأت الكثير من الأعمال الأدبية العربية بحصول نكسة حزيران ١٩٦٧ قبل حصولها ورأى الكثير من الأدباء والشعراء العرب أن هزيمة حزيران لم تكن سببا بل كانت نتيجة لممارسة أنظمة عسكرية استبدادية أعقبت مباشرة فترة الاستعمار المباشر للدول العربية. ظلت على مدى سنوات طويلة تحكم شعوبها بالحديد والنارو تحتل أوطانها احتلالا داخليا قبل أن يأتي الاحتلال الخارجي فاغتنم المحتل الكولونيالي هذه المنطقة الرخوة وأقام احتلاله المباشر لفلسطين وأتم استعماره غير المباشر للدول العربية الأخرى.

لقد قرأت أعمالًا أدبية كثيرة كـ“تلك الرائحة” لصنع الله إبراهيم و“البكاء بين يدي زرقاء اليمامة” لأمل دنقل و“النهر يلبس الأقنعة” لمحمد عفيفي مطر الواقع السياسي القمعي والاعتقالات السياسية وسياسة كم الأفواه المعارضة ونبهت إلى خطورة ما سيحدث للدولة البوليسية اذا ما استمرت في تغييب الدولة المدنية تحت شعار دولة القائد الملهم الخالد الذي تجمعت على صدره كل نياشين الأرض فيما كان السوس يعمل على نخر كرسيه الموهوم.

وانضم يوسف ادريس في قصصه ونجيب محفوظ في الشحاذ وثرثرة فوق النيل إلى فريق القارئين في سطور الفساد كارثة قادمة لا محالة.

تداعيات النكسة أدبيًا

ترافقت نكسة حزيران ١٩٦٧ مع انهيار اقتصادي وزيادة معدلات البطالة أشعلا رغبة المواطن العربي في الهجرة والبحث عن وطن بديل، وطن منتصر يعيش فيه معنى المواطنة بحرية وعزة وكرامة. وسرعان ما انعكس هذا الجو الإحباطي في أعمال أدبية جاءت بمعظمها لتمثل صرخة احتجاج على الواقع العربي المحبط على اثر الهزيمة ورحنا نقرأ شخصيات روائية غارقة في الملذات كما في روايتي “ميرامار” و“ثرثرة فوق النيل” لنجيب محفوظ.

أنتجت النكسة أدبًا عبثيًا بكائيًا يجتر الأحزان ويوزع الاتهامات والسباب والشتائم وينكفئ متباكيًا على مجد ضائع سحقته الانهزامات منذ غادر أبو عبد الله الأحمر الأندلس وتهاوت مدائن العرب والمسلمين تحت سنابك خيول المغول والحملات الصليبية مروراً بانخداع الشريف حسين وموته منفيًا في قبرص وعلى جنبه خنجر لم يقبل به السفير البريطاني رهنًا لقرض بسيط من بريطانيا العظمى ليكفي به حاجاته اليومية ويفي بديونه الشخصية.

ظلت هذه الظلال السوداوية تلاحق النتاج الأدبي العربي حتى في إصداراته المتأخرة عن النكسة كما في “عمارة يعقوبيان” و“شيكاغو” لعلاء الاسواني.

إلى جانب هذه الأعمال ظهرت أعمال أدبية أخرى رفضت الهزيمة ودعت إلى عدم قبولها واحتفت بصورة البطل المقاوم كما في رواية “المخدوعون” للفلسطيني غسان كنفاني وأعمال يوسف القعيد واحسان عبد القدوس ويوسف السباعي، هذا التباين في وجهات النظر وفي قراءة أصداء النكسة قد يكون واقعيًا بل مطلوبًا كي تكتمل قراءة المشهد من زواياه المختلفة، فهنا انكسار نفسي وهنا صرخة احتجاجية رافضة للواقع المأساوي ورغبة الانتقام كما في أعمال “حكايات الغريب” ورواية “الزيني بركات” لجمال الغيطاني التي استحضرت الرمز التاريخي واستبطنت دعوة لاستلهامه في مواجهة الواقع المنكسر.

بين نكسة حزيران وانتصار أيار

بعد انتصار عام ٢٠٠٠ تبرعمت في لبنان كتابات أدبية جسدت شخصية البطل المقاوم وأرخت لملامح البطولة وجسارة الإنسان العربي المفعم بمعنويات إسلامية وافرة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي كما في “قالها محمود” لعبد القدوس الأمين و“وموسم الهجرة لمقام العنقاء” و“دار سكنة” لسديف حمادة و“وما تشاؤون” و“الريح تأتي من الشرق” و“أبواب قادش” لكاتب هذه السطور وعشرات الاصدارات من هذا القبيل وهي كتابات مرتبطة بالحالة النفسية التي تنفي الهزيمة ولا تعترف بها وتنكر واقعًا زائفًا وتستبدله بآخر يستند الى انتصارات عسكرية كبيرة. صحيح أن هذه الكتابات لا ترقى فنيًا إلى المستوى الإبداعي لأدباء عرب كبار كنجيب محفوظ واحسان عبد القدوس وجمال الغيطاني ويوسف القعيد إلا أنها امتازت عنهم باستنادها الى منجم ثري من المعلومات افتقرت إليه كتابات الستينيات التي غلبت عليها الإنشائية والابتعاد عن حقيقة ما جرى من أحداث.

لقد استنبتت المقاومة الإسلامية في لبنان أقلامًا واعدة من بيئتها تحكي تجربتها لكنها ما زالت بحاجة ماسة إلى مساهمات المبدعين العرب الكبار كي يقدموا اسهاماتهم في تأريخ انجازات هذه المقاومة التي أخرجت الواقع العربي من أسر الهزيمة والإحباط لا سيما أن عددًا كبيرًا من هؤلاء المبدعين العرب ما زال على قيد الحياة وما زالوا قادرين على الكتابة. أطال الله بأعمالهم ورفد المكتبة العربية بطعم الانتصار في حبر أقلامهم القديرة.


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 46 / 2342879

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع ثقافة وفنون   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

35 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 27

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28