] هل يمكن لروسيا أن تقود مصالحة بين إيران وأذربيجان؟ - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
السبت 15 نيسان (أبريل) 2023

هل يمكن لروسيا أن تقود مصالحة بين إيران وأذربيجان؟

السبت 15 نيسان (أبريل) 2023 par هدى رزق

تقع أذربيجان على مفترق طرق التجارة والطاقة الرئيسية بين الشرق والغرب، وتشكل طريق ارتباط المصالح الإيرانية بصورة مباشرة بمنطقة جنوب القوقاز. ويشكَّل القوقاز في الوقت ذاته نقطة محورية في إكمال طريق الحرير، إضافة الى أهميته في مسار الترانزيت بين الشمال والجنوب.

حصل التعاون بين إيران وأذربيجان في مختلف المجالات، بما في ذلك النقل، وخاصة مشروع السكك الحديدية الذي يربط إيران وأذربيجان وروسيا، ومشاريع الطاقة والكهرباء والسدود والجمارك. تعاونت كل من إيران وأذربيجان وعقدتا اتفاقات تجارية، وكانت طهران الشريك التجاري الأول لباكو، لكن بفعل الضغط الأميركي والعقوبات المفروضة على طهران، جرى استبعادها من مشروع القرن النفطي، وهو ما أوجد حالة من انعدام الثقة بين الجانبين.

حاولت أذربيجان في ظل مجاورتها لدول قوية ذات تاريخ إمبراطوري كروسيا وتركيا وإيران؛ رسم دور جيوسياسي لها، الأمر الذي دفعها إلى محاولة خلق توازن في المصالح، فهي في الوقت نفسه عضو في منظمات أوروبية، وعضو في منظمة التعاون الإسلامي ورابطة الدول المستقلة، فضلاً عن وجود علاقات قوية مع “الناتو” و“إسرائيل”.

سرّع وصول إلهام علييف إلى السلطة خطى أذربيجان في التوجه أكثر إلى المصالح مع الغرب، ومع إخراج إيران من خط أنابيب (باكو-تفليس-جيحان)، بإرادة أميركية بدأ الاهتمام ينصبُّ على أذربيجان كدولة مزوِّدة للطاقة، وهو ما جعل منطقة القوقاز الجنوبي ميداناً للتنافس الإقليمي والدولي.

في العام 2000، زار إيهود باراك باكو، وتقدَّم بطلب لقاعدة عسكرية إسرائيلية، وفي العام 2003 كانت “إسرائيل” تبني ثاني قاعدة استخبارية جنوب أذربيجان، نصبت من خلالها أجهزة للتجسس على إيران، وقد أثَّر ذلك سلباً في العلاقات بين البلدين، ومنذ عام 2006، بدأت كل من تركيا وأذربيجان وجورجيا بمناورات وتدريبات عسكرية تحت مظلة “الناتو”.

وأسست أذربيجان وتركيا منذ العام 2013 وحدات عسكرية مشتركة لحماية المشروعات والمنشآت الحيوية وخطوط الغاز والنفط، وزيادة المناورات العسكرية المشتركة.
أزمة كاراباخ ومحاولة تغيير الخريطة في القوقاز

تصدرت ضرورة استعادة إقليم ناغورنو كاراباخ أولويات السياسة الخارجية الأذربيجانية، وكان الإقليم مدار صراع بين أذربيجان وأرمينيا. سعت إيران للعب دور الوسيط بينهما كلاعب إقليمي عامي 1992 و2005، ورفضت اتهامها من قبل متطرفين أذربيجانيين بدعم أرمينيا في هذا الصراع، ربما كان لها مصالح مع أرمينيا، لكنها كانت داعمة لفكرة “وجود حلٍّ عادل وسلمي للصراع”.

عام 2020، جرت عبر عملية عسكرية أذربيجانية-تركية-إسرائيلية، استعادة المناطق المتنازع عليها، وبنتيجتها أصبحت تركيا أحد الفاعلين الرئيسيين في المنطقة. تغيّر ميزان القوى الإقليمي لصالح أنقرة، وعززت الأوضاع الجديدة وجوداً عسكرياً تركياً قوياً، ورسّخت دور “إسرائيل”، ورغم إعلان إيران دعمها السياسي لاستعادة أذربيجان مناطقها المحتلة، رفضت رفضاً قاطعاً أي محاولةٍ لإغلاق الطريق بينها وبين جمهورية ناختشيفان.

سادت التوترات عندما حاولت باكو تنفيذ البند السادس من اتفاق وقف إطلاق النار الذي أبرم عام 2021 بقيادة روسية، وكانت هذه المادة قد دعت إلى بناء طريق عبر “ممر لاشين” بحلول عام 2023. حاولت أذربيجان فتح الطريق قبل الموعد المقرر، وقبل بناء تفاهمات، وأوضحت أرمينيا أن فتح الطريق حاد عن المرسوم، وهو يقع خارج الممر. وكانت المادة التاسعة من الاتفاق قد دعت إلى رفع الحظر عن جميع الروابط الاقتصادية، وروابط النقل في جميع أنحاء المنطقة بين أذربيجان وجمهورية ناختشيفان المتمتعة بالحكم الذاتي عبر “ممر زانجيزور” وهو ممر يمتد على طول الحدود الإيرانية -الأرمينية، وهي نقطة الوصل البرية الوحيدة التي تصل إيران بأرمينيا ومنها إلى أوروبا، لكن الممر يصل أذربيجان بتركيا مباشرة مع الدول الناطقة بالتركية في آسيا الوسطى وفيه مصلحة لتركيا لكنها تتضارب مع مصلحة إيران. مستشار المرشد الإيراني في الشؤون الدولية، علي أكبر ولايتي عبّر عن مخاوف بلاده تجاه التطورات في القوقاز، وعدم السماح بتغيير الحدود.

وكان الرئيس التركي رجب طيب إردوغان قال إنهم مستعدون لإنشاء منصة إقليمية من 6 دول تضم تركيا وروسيا وإيران وأذربيجان وأرمينيا وجورجيا في جنوب القوقاز؛ كمبادرة مربحة لجميع الأطراف الإقليمية، وهو يعتقد أنه يمكن تحقيق السلام الدائم والاستقرار السياسي على أفضل وجه من خلال التعاون الأمني المتبادل بين جميع دول المنطقة.

لكن الخبراء في الشأن الأذربيجاني يرون أن العلاقات السيادية بين تركيا وأذربيجان التي أصبحت وثيقة للغاية لا يمكنها أن تكون فاعلة، فهم يرون “أن أذربيجان أكثر تأثراً بإسرائيل والغرب ومراكز القومية التركية من تركيا، ولهذا السبب، لا يمكن أن يؤمّل كثيراً في أن يكون لتركيا تأثير كبير في تحسين العلاقات بين باكو وطهران”.
تصاعد التوترات بين إيران وأذربيجان

تصاعدت التوترات بين البلدين بعد ما فرضت حكومة باكو تعريفات مشدّدة على الشاحنات التي تنقل الوقود الإيراني إلى مدينة ستيباناكيرت، عاصمة جمهورية ناغورنو كاراباخ، والمدعومة من جانب أرمينيا.

عدّت السلطات الإيرانية ذلك تصرفاً استفزازياً من قبل باكو ما دفع بها إلى إجراء أكبر مناورات عسكرية على حدود أذربيجان في تشرين الأول/أكتوبر عام 2021. وبالرغم من أن المناورات الإيرانية أدت إلى تراجع أذربيجان عن إجراءاتها لكنه كان إجراء مؤقتاً.

كذلك أدّت أحداث عسكرية وأمنية مختلفة إلى تأجيج التوترات بين البلدين، إذ عدّت أذربيجان أن إيران انتهكت مجالها الجوي بعد أن قامت بتدريبات عسكرية بالقرب من حدودها. وعلى إثر قيام تركيا وباكستان وأذربيجان بتدريبات عسكرية خلال الأسبوع الثاني من شهر أيلول/ سبتمبر، قامت طهران بنشر قواتها ومعداتها بالقرب من الحدود بعد وقت قصير من إجراء تدريبات باكو.

وفي فترة لاحقة من شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2022 اعتقلت السلطات في باكو 19 شخصاً قالت بعد التحقيق معهم إنهم تلقوا تدريباً في إيران، واتهموا بحيازة منشورات دينية بشكل غير قانوني عند عودتهم إلى بلادهم، مع العلم أن الشعب الأذربيجاني ينتمي إلى المذهب الشيعي لكنّ الدولة شديدة العلمانية.

وفي شهر كانون الثاني/ يناير، اقتحم مسلح السفارة الأذربيجانية في إيران فقتل المسؤول الأمني وجرح اثنين، فاتّهم الرئيس الأذري إلهام علييف المؤسسة الأمنية الإيرانية، رغم نفي طهران الأمر، واعتبارها الحادث مسألة شخصية بين المقتحم وأشخاص في السفارة.

وكانت إيران قد اتهمت باكو بالعمل على تحريض الداخل الإيراني أثناء الاحتجاجات، ودعمها لانفصاليين آذريين. ورأت أن التعاون المتزايد بين حكومة أذربيجان و“إسرائيل”، خلال السنوات الأخيرة، انعكس سلباً على الأمن الإيراني، إذ ارتبطت أسماء الجهتين بأكثر من ملف أمني في إيران، بدءاً من اغتيال العلماء النوويين وصولاً إلى نشر الأسلحة الإسرائيلية منها المسيّرات بالقرب من الحدود الإيرانية.

فالعلاقة بين باكو والكيان الإسرائيلي متطورة في مجال التسليح، والتبادل بينهما على قاعدة السلاح مقابل النفط، وقد تم توقيع اتفاقيات عسكرية وأمنية أثناء زيارة بيني غانتس إلى باكو في شهر تشرين الأول /أكتوبر.
التحولات في القوقاز بعد الحرب الروسية-الأوكرانية

بعد اندلاع الحرب الروسية-الأوكرانية، لم تتأخر باكو في انتهاج سياسة عدائية تجاه أرمينيا. ففي آذار/مارس 2022، استهدفت أذربيجان أرتساخ بطائرات من دون طيار، واستولت على مرتفعات فاروخ المهمة استراتيجياً، كما قطعت إمدادات الغاز عن أرتساخ لأول مرة.

من الواضح أن باكو لم تحصل على غايتها الاستراتيجية الرئيسية من حرب 2020 ألا وهي ضمان ممر نقل بين أراضيها الرئيسية وناختشيفان، الذي تفصله عن بقية أذربيجان الأراضي الأرمينية. أما تركيا، فهي تحتاج إلى إنشاء هذا الممر للنقل تحت سيطرتها لوصلها بآسيا الوسطى الغنية بالطاقة، وهو التوجه الحالي الرئيسي لتركيا.

استفز الجانب الأذربيجاني قوات حفظ السلام الروسية التي أُنشئت إثر المعارك في إقليم ناغورنو كاراباخ، ونفذت قواته هجمات على نقاط التفتيش الأرمينية في المنطقة، بمساعدة بعض منظمات البيئة من جماعة المجتمع المدني الذين يطالبون بضبط الحدود والتفتيش عن “الذهب المسروق من قبل الأرمن”.

لم تستطع روسيا احتواء أذربيجان بالوسائل السياسية، واستئناف الأعمال القتالية من قبل باكو يضع روسيا في مواجهتها، أو قد يؤدي إلى انسحاب قواتها ما سيخلق أزمة سياسية بين أرمينيا وروسيا، فالرئيس الأرميني باشينيان سيوجّه اتهامات جديدة ضدها، وأنها تحابي أذربيجان في الوقت الذي ينسق هو مع الأوروبيين والولايات المتحدة، لكنه لا ينال رضى كل الداخل الأرميني، وربما يتخذ ذلك ذريعة للانسحاب من منظمة معاهدة الأمن الجماعي، والقضاء على الوجود العسكري الروسي في أرمينيا للاستعانة بقوات دولية كما يريد الغرب وطرد روسيا.

لكن هذا لن يحسن الوضع الأرميني؛ لأن ضمان وجود أرمينيا وحدودها مرتبط بالوجود الروسي، وإن كان الغرب يشجع باشينيان على التخلص من روسيا لكنه لن يحميها؛ لأنه مهتم فقط بالحرب مع روسيا لاستغلال القوقاز، ولن يدافع عن أرمينيا التي سيجري تهجير أهلها إلى المناطق الروسية.

أما العلاقة التركية-الروسية فهي مفيدة للطرفين، لا سيما مع الحرب في أوكرانيا، لكن عينها على القوقاز الذي سيوصلها إلى آسيا الوسطى. أما التهديد الكبير فهو لإيران التي صرحت مراراً بأن تغيير حدود القوقاز غير مقبول بالنسبة إليها، وإلهام علييف تورط وصرح أن أذربيجان علمانية حتى خارج حدودها، أي داخل الحدود الإيرانية. وبعد توحيد ناخيتشيفان مع المنطقة الرئيسية، قد تمتد طموحات باكو إلى أذربيجان الإيرانية.

إيران ستقاوم بكل قوتها التوسع الإقليمي، ومن الواضح أن الغرب يريد زعزعة الاستقرار الداخلي لإيران وتفتيتها. لذا، لن تعتمد إيران على الحرب، رغم الاستفزازات، بل على الدبلوماسية. وفي لجّة التدخل الغربي الذي يريد حرباً في كاراباخ في ظل الحرب الروسية –الأوكرانية، ستبقى المنطقة بحاجة إلى تفعيل الدبلوماسية وليس الحرب والى تفاهمات، فهل يمكن لموسكو التي تتمتع بعلاقات وثيقة مع إيران، والنفوذ والعلاقة التاريخية مع أذربيجان والقوقاز، ومع كل من “إسرائيل” وتركيا، الدخول في وساطة بين إيران وأذربيجان ولعب دور كما فعلت الصين بين إيران والسعودية.


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 39 / 2342879

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

37 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 37

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28