] السينما في الجزائر: فيلم يبحث عن مُتفرج - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
السبت 8 نيسان (أبريل) 2023

السينما في الجزائر: فيلم يبحث عن مُتفرج

السبت 8 نيسان (أبريل) 2023

- سعيد خطيبي*

تبدأ أزمة السينما في الجزائر وتنتهي من غياب صالات العروض. مشاريع كتبت على الورق ووعود تطايرت، منذ سنين، لكن في الواقع لا يزال الخواء معششاً. ننتج أفلاماً كي لا يُشاهدها أحد. تعرض مرة أو مرتين في بضع صالات متاحة في عدد قليل من المدن، ثم تذهب إلى الأدراج. تصير من الأرشيف ولا يلبث أن يعلوها الغبار.
هذه الحالة تجعلنا نتساءل عن جدوى السينما، هل يجب أن نستمر في إنتاج أفلام، أم ننسحب إلى راحة لسنا نعلم كم ستطول. واقع متأزم حتّم تبايناً في الآراء. بين من لا يزال يناضل من أجل صناعة الأفلام، رغم صعوبة وصولها إلى الجمهور، ومن يفكر في الاعتزال. التكوين أيضاً لا يزال حلقة الضعف في العملية، وما هو متوافر من الخبرات فإنهم في الغالب من أجيال سابقة. يندر أن نعثر على تقنيين أو مصورين محترفين من جيل الشباب. من أين يمكنهم أن يتأتوا؟ فقد جرت العادة أن تنحاز الوصاية إلى تمويل أفلام، لكن لم يسبق أن سمعنا عن تمويل للتكوين.
تحضرنا تجربة سينمائية كان بالإمكان استلهام دروس منها. نقصد منها: نوليوود، أو التجربة السينمائية في نيجيريا، التي اكتسحت القارة الافريقية. الأفلام النيجيرية باتت في كل مكان. يشاهدها الأفارقة من شمال القارة إلى جنوبها، بل وصلت أيضاً إلى أوروبا وأمريكا. هذه «المعجزة» النيجرية وُلدت من فكرة أساسية: مجانية تكوين السينمائيين، لا مجانية دعم صناعة الأفلام. توفر الخبرات ترتب عنه توافر الأفلام، بل بكثرة، ما ساعد على الترويج لها داخل البلاد وخارجها. وهذا بغض النظر عن نوعية تلك الأفلام. فالنوعية تأتي كمحصلة طبيعية للتراكم. في الجزائر لم نصنع تراكماً بل نفكر ـ قبل كل شيء ـ في النوعية. نفكر في صناعة أفلام تشارك في كبريات المهرجانات، من جدة إلى كان، ونغفل في الوقت عينه عن أن تلك المعادلة لن تتحقق من مجرد نوايا حسنة، بل ستتأتى كمرادف للتراكم، ثم لا تزال الجزائر تفكر في شمالها أو جوارها. نريد أفلاما تذهب إلى المهرجانات الكبرى، ولا نفكر في أفلام تقنع المتفرج المحلي. نعيش حالة من الشيزوفرينيا. يهمنا أن يرضى عنا الآخر وليس الجمهور الطبيعي الذي يعيش في الداخل. نريد سينما خمسة نجوم، من غير أن نصنع جمهوراً لها في الداخل.

من قانون السينما إلى صناعة السينما

في الجزائر، انتقلنا من صياغة ما يُسمى «قانون السينما» إلى صياغة «قانون الصناعة السينمائية» وكلمة صناعة تفترض وجود بضاعة (تتمثل في الأفلام) مع سوق. والشرط الثاني غير متاح. مع أن الزبائن متوفرون، وينتظرون حظهم من مخرجات السينما. منذ الاستقلال (1962) ونحن نفكر في ابتكار صورة للجزائر، في تصويرها في حالاتها الأصلية، بعيداً عن النظرة الإيكزوتيكية التي روج لها الاستعمار. وددنا احتكار الصورة، أن تعكس واقع البلاد، لا أن تستجيب لنزوات المتلقي الأجنبي. هكذا ساد التفكير في البداية، لكن مع السنوات حصلت انتكاسة، صرنا نروج لصورة يرغب فيها المتلقي الأجنبي. يرغب المخرجون والمنتجون في إرضاء لجان تحكيمية أجنبية، بات التفكير منصباً كيف نصل إلى صالات أجنبية، بعدما عجزنا عن كسب الرهان في الداخل. ولم يعد مصطلح (صناعة سينمائية) سوى واجهة. فلا أحد من العاملين في السينما بوسعه أن يفكر في منصب شغل دائم في هذا المجال، بحكم أن إنتاج الأفلام صار عملية موسمية، لذلك نشاهد، كل عام، هجرة صناع السينما إلى التلفزيون. ممثلون سينمائيون يصيرون ممثلين في مسلسلات هزلية في رمضان، آخرون يميلون إلى الدراما، فالمهم كسب القوت. لم يعد هناك فرق بين السينما والتلفزيون في ذهن الناس. يعلمون أن تلك الأسماء والوجوه التي تتداول الشاشة الكبيرة، ولا يمكن مشاهدتها في ظل غياب الصالات، سيتنازلون كل شهر رمضان عن مهنتهم ويتاحون في الشاشة الصغيرة. فالممثل مثل المخرج السينمائي يعلم أن هناك نهرا شاسعا يفصل بينه وبين المتفرج، ولا تصالح معه سوى بالنزول إلى مسلسلات رمضان، على الرغم من كونها مسلسلات متسرعة في الغالب، يطغى عليها الوجه التجاري على الوجه الفني. كما يعلم الجميع أيضاً أن التلفزيون، سواء كان عمومياً أو التلفزيونات الخاصة، في خصام مع السينما. التلفزيون لا يشتري حقوق فيلم ولا يبث أفلاماً، بالتالي نخسر سوقاً ويصير مصطلح (صناعة سينمائية) مصطلحاً معلقاً إلى حين، على الرغم من النوايا الحسنة التي تبذلها الوصاية من أجل إخراج السينما من عزلتها.

ابتكار نوادي السينما

في زمن «نتفليكس» كان بالإمكان تجاوز أزمة صالات العروض إلى منصات رقمية، فتصير الأفلام السينمائية متاحة للمشاهد في الداخل، لكن يبدو أننا في عداوة مع التكنولوجيا، ولا نزال نفكر في الإسمنت والحديد، من غير أن نفتح أعيننا عما تتيحه لنا التكنولوجيا الحديثة من بدائل، وتظل الجزائر خالية من أي مبادرة من أجل منصة رقمية جامعة للأفلام، كما أن هناك بديلا آخر نادراً ما نفكر فيه. ففي كل واحدة من ولايات البلاد توجد مؤسسة ثقافية يطلق عليها: «دار ثقافة». وهي منشأة تتوافر على قاعة عروض، لكنها غير مستغلة. ماذا يمنع أن ننشئ نادي سينما في كل ولاية؟ بوسعنا أن نتوافر على ما لا يقل عن خمسين نادي سينما في أربع وعشرين ساعة، ونسمح للأفلام بالانتقال إلى الناس في الجزائر العميقة، في المدن البعيدة عن المركز العاصمي. من الظاهر أننا نمتلك ما يجب قصد التفكير في صناعة سينمائية، لكن تلك الإمكانات مغيبة، ولا يزال الفن السابع حكراً على مدن الشمال الكبرى، بينما المواطن في الداخل يسمع عن الأفلام، عن ممثلين، عن مخرجين، دون أن يراهم. نصنع سينما من أجل ألا يراها أحد عدا لجان التحكيم في مهرجانات خارجية، ونفشل في التصالح مع جمهورها الحقيقي في الداخل.

روائي جزائري


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 8 / 2342227

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع ثقافة وفنون   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

35 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 35

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28