«القدس العربي»: شيء ما وكبير ينتظر القدس والمقدسيين والمسجد الأقصى مع الحكومة الإسرائيلية الجديدة، ولا يمكن الفصل بين المكونات الثلاثة، فهي تكمل بعضها البعض. ذلك الشيء تحديدا هو الذي دفع الناشط المقدسي محمد أبو الحمص لكتابة رسائل من على مكتبه البسيط في حي الشيخ جراح ليُسلمها للقنصليات والبعثات الدولية في القدس المحتلة.
«أكد بن غفير على نيته العمل للتخلص من السلطة الفلسطينية، وسحق «الإرهابيين» في كل فلسطين التاريخية وضرورة أن يكون الوضع داخل الأقصى في إطار المساواة بين المسلمين واليهود.»
وحسب أبو الحمص الذي يتحرك على عكازتين فإن الرسائل تضمنت توضيحا للخطورة التي تنتظر مدينة القدس، وكذلك التهديدات التي تعرض لها شخصيا، وكذلك برنامج الحكومة اليمينية السياسي والميداني تجاه المقدسيين.
الرسائل الكثيرة التي بدت فوق منضدة مكتبه توجه بها للمجتمع الدولي من أجل وضعهم في صورة ما سيجري للقدس بشكل خاص مع وجود حكومة يمينية متطرفة تهدد قبل أن تستلم مهامها الرسمية.
وأضاف في حديث صحافي: «بن غفير هددني شخصيا عندما كان عضوا في الكنيست، وقبل أن يكون مسؤولا رسميا وصاحب قرار في وزارة الأمن القومي، وبالتالي من المتوقع أنه سيأخذ ضدي قرارا وضد كل أهالي حي الشيخ جراح والقدس عموما، فالتوقعات أن يتم الاعتداء علي بشكل شخصي، والعمل على تقليص الوجود الفلسطيني ووجود النشطاء في الأقصى».
وحسب الباحث المقدسي زياد ابحيص فإن هناك علاقة بين الانتخابات الصهيونية والمسجد الأقصى، وكي يكشف الباحث عن هذه العلاقة يعود للوراء قليلا، ففي شهر ايلول/سبتمبر 2019 ثم في اذار/مارس 2020 لم يتمكن إيتمار بن غفير من عبور العتبة الانتخابية؛ ثم حصل على مقعد واحد في انتخابات اذار/مارس 2021 ضمن ائتلاف مع ثلاثة أحزاب كان حزبه أضعفها وآخرها في القائمة.
ويتابع أنه منذ ذلك الحين واظب بن غفير على محاولات إقامة مكتبه في حي الشيخ جراح وعلى اقتحام المسجد الأقصى في كل المناسبات فحصل في الانتخابات الأخيرة على 6 مقاعد في الكنيست لحزبه.
ويشدد أنه من الواضح أن المزاج الصهيوني يرى فيمن يعتدي على الأقصى طليعته المتقدمة التي تستحق ثقته؛ فهو يرى في الأقصى رمز وجود الفلسطيني الذي يجب محوه ويسير خلف كل من يمضي به إلى هذا الطريق؛ ويكون السؤال حسب ابحيص: «هل آن لنا أن نمضي في معركة الأقصى باعتبارها العنوان الشامل للدفاع عن وجودنا وفي استعادة حقنا؟!».
ويرى ابحيض أن عدد النواب الصهاينة الفائزين المنتمين إلى «كتلة المعبد» المتطرفة بلغ 29 عضواً، سبق لهم أن أعلنوا دعمهم لتغيير هوية المسجد الأقصى أو شاركوا مباشرة في اقتحامه، وبذلك باتوا يسيطرون على 24 في المئة من مقاعد الكنيست، وهو أعلى رقم تصله هذه الكتلة في تاريخ الكيان، بعد أن كانت 25 عضواً بعد إعلان نتائج انتخابات شهر اذار/مارس 2021.
ويشرح تقسيمة أعضاء «كتلة المعبد» مشيرا إلى أنها تتوزع على ثلاثة أحزاب هي: الليكود 12 عضواً، الصهيونية الدينية كامل الكتلة 14 عضواً، و«المعسكر الوطني» 3 أعضاء، أي أن عددهم في الائتلاف اليميني الفائز هو 26 عضواً من أصل 64؛ ما يجعلهم يحتلون 40 في المئة من مقاعد الائتلاف الحاكم. وهو ما يجعل من المؤكد أن يكون تهويد المسجد الأقصى بكل السبل موضوعاً أكثر أولوية وأشد سخونة من أي وقتٍ مضى؛ وبالذات بفرض الطقوس التوراتية فيه.
وتتكون «كتلة المعبد» في الكنيست من مجموعة من السياسيين الذين يؤيدون علناً تغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى المبارك، وتعتبر تغيير هويته موضوعاً سياسياً مركزياً توظف مقدراتها لفرضه.
ويرى ابحيص أنه في ظل التحولات في المجتمع الإسرائيلي وطبيعة تحالف الصهيونية الدينية، فإن الخيار الوحيد لخوض هذا الصراع على أصوله هو المواجهة الشاملة على أساس التحرير الكامل، فهو الحل الوحيد الممكن والعادل، فالعدوان على الأقصى متصاعد وماضٍ إلى سقوف غير مسبوقة، باحتضانٍ وتبنٍّ رسمي صهيوني غير مسبوق.
وفي آخر ظهور لإيتمار بن غفير في مقابلة تلفزيونية تحدث فيها بشكل واضح عن خططه وبرامجه حيث أكد على نيته العمل للتخلص من السلطة الفلسطينية بشكل نهائي، وأنه يؤمن بالتهجير القسري، وسحق الإرهابيين في كل فلسطين التاريخية وبضرورة أن يكون الوضع داخل الأقصى في إطار المساواة بين المسلمين واليهود.
ووصف الباحث المقدسي عبد الله معروف الظهور الأخير وما تحدث عنه في غاية الخطورة، فهو يكشف حقيقة ما يريد تحقيقه في فلسطين، وفي المسجد الأقصى.
ويضيف: «إنه يتكلم بكل وقاحة، وما زال بعض المسؤولين يظنون أنه مجرد خيال، هذا المجرم لم يعد مجرد سياسي حالم.. بل سيكون خلال أيام فقط أحد أكبر مسؤولي دولة الاحتلال».
وحسب الباحث معروف فإن «عيد الحانوكاه» (الأنوار) القادم سيكون أول اختبار للمتطرف إيتمار بن غفير بصفته وزيراً للأمن الداخلي، معتبرا أن هذا يعني شيئاً واحداً: أي اقتحامات غير مسبوقة في المسجد الأقصى، وهو ما يجب الاستعداد له.
بدورها تنشط المرابطة والأستاذة هنادي حلواني على المنصات الاجتماعية، ومن ضمن ما تنشره لزيادة الوعي حول ما يحاك للقدس والأقصى إعادة نشر فيديوهات وصورة صحافية توضح حقيقة ما سيتعرض له الأقصى.
ومن ضمن الصور التي قامت بنشرها صورة ظهر فيها مجموعة من قادة اقتحامات المسجد الأقصى المبارك تجتمع مع قيادة الشرطة الإسرائيلية في القدس لتوثيق التعاون بين الطرفين وتحديدا الاحتفال الديني المقبل.
وحسب ابحيص فإن هناك تكتيكا طورته جماعات المعبد في العام الماضي يتمثل باستباق كل اقتحام مركزي باجتماعٍ مع قيادة الشرطة الصهيونية بمختلف مستوياتها للمطالبة بتوسيع مساحة عدوان المقتحمين خلال الاقتحام، وهو ما كان يثمر احتضاناً أكبر من شرطة الاحتلال لهم، وغضاً للطرف عن اعتداءات تعلن رسمياً أنها ترفضها إلا أنها تتعاون ضمنياً في تمريرها.
يذكر أنه بتاريخ 30 تشرين الثاني/نوفمبر من العام الجاري قادت زوجة بن غفير الاجتماع التحضيري لاحتفال «الأنوار العبري» مع شرطة الاحتلال، أي قبل 18 يوماً من الاحتفال.
ونشرت الأستاذة والمرابطة الحلواني التي صدر قرار بإبعادها عن المسجد الأقصى الفيديو الذي يظهر فيه بن غفير ويقول فيه: «من صباح الغد يا حبذا لو نبدأ ببناء الهيكل».
وفي ذات الفيديو قال بن غفير: «لماذا يسمح لليهود بالتواجد 3 ساعات في اليوم في الأقصى فيما بقية اليوم يكون للمسلمين؟» ويقدم ما سيعمل عليه أي المساواة بين اليهود وغيرهم في الأقصى.
وحسب موقع «الهدهد» المتخصص في الشأن الإسرائيلي فإن صحيفة «يديعوت أحرونوت» كانت قد كشفت أن القانون الذي وافق على تغييره رئيس الوزراء الإسرائيلي المكلف بنيامين نتنياهو ضمن الاتفاق الائتلافي مع رئيس حزب «عوتسما يهودوت» بن غفير بتبعية الشرطة له لا يقتصر على التبعية الإدارية فقط، بل سيكون لبن غفير صلاحيات كبيرة أخطرها تشريع اقتحام الأقصى وعدم اعتبار إقامة الطقوس التلمودية فيه تجاوزا للقانون.
ووفق مشروع القانون، سيكون المفوض خاضعًا للحكومة ولوزير الأمن القومي الذي سيكون مكلفا بالشرطة نيابة عن الحكومة. وينص الاقتراح على أن الوزير لن تكون لديه السلطة فقط على ما يتعلق بمسائل التحقيق وفتح القضايا وإدارتها وإغلاقها، ولكنه سيحتفظ بالحق في إملاء السياسة في مجالات التحقيقات ومعالجة القضايا والادعاء العام
سعيد أبو معلا
