] سمارة وبشارة: وجهان لعملة واحدة - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
الأحد 31 تموز (يوليو) 2022

سمارة وبشارة: وجهان لعملة واحدة

الأحد 31 تموز (يوليو) 2022 par خالد بركات

يكتُب عادل سمارة مَقالاً رديئاً في «الأخبار» يرد على مقالنا «عزمي بشارة وقفاه... في زمن السقوط الشامل» (جريدة «الأخبار») ويُدافع الرجل عن علاقته القديمة مع «فتى الموساد». فلا يزال سمارة يُهلك عقله ويقنع أناه المتضخمة أنه «اليساري الوحيد» و«القومي الوحيد» و«الثائر الأممي الوحيد» غير أن التجربة تقول لنا عكس ذلك. فلا علاقة للرجل باليسار ولا بالعروبة والأمميّة. عادل سمارة نموذج صارخ لمثقف رديء وفاشل، وبلطجي عجيب.

ولأنه لم يجد من يرد عليه، تفرعن وتغوّل على كرامات الناس، واستسهل التشبيح الثقافي، تطاول على الجميع. ولم يسلم من لسانه أحد؛ هاجم قامات فكرية ونضالية وأدبية كبيرة، من الحكيم د. جورج حبش إلى إدوارد سعيد والرفيق الشهيد أبو علي مصطفى، والشاعر والروائي إبراهيم نصرالله، ومحمود درويش وسميح القاسم والقائد الوطني المناضل أحمد سعدات وصولاً إلى الكاتب الراحل الرفيق سماح إدريس... القائمة طويلة لا تنتهي.

صديقه القديم «فتى الموساد»
ساهم عادل سمارة في تسويق صديقه القديم عزمي بشارة الذي سيطلق عليه لاحقاً لقب «فتى الموساد»، فقام بتلميعه كما فعلت أقطاب وقنوات محور المقاومة التي كانت تستضيف بشارة في السابق، وكما تفعل اليوم قنواتُ قطر التي أمسى بشارة ضيفها الدائم بعد أن ركب موجة الانتفاضات العربية التي أحالتها قوى الإمبريالية والرجعية و«داعش» و«الإخوان المسلمين» إلى ربيع كارثيّ من ركام. قام سمارة بتسويق صاحبه مرّتين على الأقل.
في المرة الأولى حين أصدرا معاً جريدة «فصل المقال» ولم يكن في وسع أحد توجيه ولو ملاحظة عابرة أو نقد «المفكر الكبير» لأنّ حاجبه، عادل سمارة، كان يشحذ قلمه ويقف بالمرصاد دفاعاً عن «نبيّ الفكر الجديد»، يخوّن من ينتقد شريكه.
أمّا المرة الثانية، فكانت حين وقع الخلاف والتنافس بينهما، ثم العداء من جهة سمارة. إن الهوس الذي تملّك سمارة إلى درجة المرض، جعله ينعت صديقه بـ«فتى الموساد» وبالغ في تضخيم ظاهرة بشارة فاعتبره المسؤول عن خراب مالطا! هذا تسويق معكوس وغبي في آن، المبالغة فيه تصور بشارة مثل سوبرمان خارق، في وسعه أن يشتري كل المثقفين إلا صاحبه القديم طبعاً.
يعلم الاحتلال أن سمارة أسطوانة مشروخة لا تشكل خطراً ولا علاقة له بالعمل الثقافي والنضالي. يقول العدو في سرِّه: دَعه يسُب «الجبهة الشعبية» ويشتم «حماس». يهجم على المثقفين العرب. اتركوه يهاجم أعداء إسرائيل.

لم يترك سمارة قائداً وطنياً، ولا أديباً مُحترماً، إلا واعتبره خائناً أو مرتزقاً. يتهم الروائي والشاعر إبراهيم نصر الله بالتطبيع، في وقت قلب نصرالله الطاولة على دعاة التطبيع أكثر من مرة. وهاجم سمارة «الجبهة الشعبية» حين قرر الانتقال إلى صفوف «الديموقراطية» أيام الانشقاق في الداخل، فعلها مرتين، وذلك قبل أن يقفز مرة أخرى إلى حضن «الشيوعي» ثم يغادره ويلعنه.

محاكمة سمارة بتهمة مُحاربة التطبيع: كذبة كبيرة
يَدّعي سمارة أنّ السلطة الفلسطينية تُلاحقه بتهمة مناهضة التطبيع. هذه كذبة كبيرة. السلطة، أداة الاحتلال في فلسطين، تُشكّل رأس جسر التطبيع في المنطقة، وغارقة في الوحل حتى أذنيها، استنقعت في التطبيع، لكن ما حقيقة «المحاكمة» في رام الله؟ إليكم القصة: امرأة فلسطينية ناشطة ومعروفة، اسمها أمل وهدان، مُقرّبة من النظام السوري ومحور المقاومة، هي -لا أحد غيرها- رفعتْ دعوى قضائية ضد عادل سمارة بتهمة التشهير والتخوين. نعم، من يحاكم عادل سمارة في رام الله ليست «السلطة» بل أنصار سوريا. وقوله إنه «انتصر في المحكمة» كذبة أكبر. إنها قصة عجيبة، لا؟ والسبب؟ السبب أيّها القارئ العزيز أن سمارة اتهم السيدة وهدان بالخيانة وأنها تريد «دولة مع المستوطنين»! نعم، هكذا، لأنها قامت، مع الأستاذ يحيي غدار وآخرين، بالدعوة إلى دولة ديموقراطية واحدة اعتبرها سمارة خائنة تستحق الرجم والتكفير بل وجرّها من شعرها إلى بيت الطاعة، فكيف تدعو وهدان إلى «دولة مع المستوطنين»؟ والحقيقة أن وهدان لم تفعل ذلك. لكن سمارة يكرهها كما صار يكره صديقه القديم عزمي بشارة، وبعده سلامة كيلة، فصار يعتبرها غريمته التي تُنافسه على تمثيل «الخط السوري في البلد» ويرى نفسه أحق منها بكسب رعاية «المحور» كما يتصور عقله المريض.

وهدان لم تلتقِ مع جريدة «هآرتس» الصهيونية كما فعل سمارة، حين راح يشكو لصحفية صهيونية كيف جرى منعه من السفر. هذه قصة موثقة أيضاً. وأمل وهدان تريد «تأديب» سمارة فقط، وقد فعلت كما تتصور. وكشفت أوراقه مع قوى «المحور». لو كنت مكانها لما رفعت دعوى قضائية ضده في محاكم السلطة التابعة للاحتلال. كنت سأكتب مقالاً أكشف فيه زيفه، هذا شخص يحترف تمثيل دور الضحية.
السلطة الفلسطينية مثل إسرائيل، تفُضّل وجود شخصيات مصابة بالهوس مثل سمارة تهاجم من لديهم مواقف وطنية محترمة تزعج معسكر التطبيع ونظام أوسلو. هاجم عادل سمارة مجلة «الآداب» البيروتية والرفيق الراحل سماح إدريس، المعروف بمواقفه وتاريخه، كما هاجم «حملة مقاطعة داعمي إسرائيل في لبنان»، واتهم «الآداب» أنها تتلقى أموالاً من عزمي بشارة، وهو يعلم نظافة هذه المجلة. ولا أحد يصدّق السخافات والأكاذيب التي تسوّقها جوقة «السحيجة» حوله. إن غضبه من «الآداب» سببه أنها لا تدعوه للكتابة على صفحاتها. كان الرفيق سماح إدريس يقول لنا: أحرقها ولا يكتب فيها هذا الـ(...).
وفي زمن مضى، كان سمارة يطالعنا بمقالات أسبوعية يهاجم فيها إدوارد سعيد، ويعتبره «الشيطان الأكبر» و«الضابط في الاستخبارات الأميركية»، لماذا يختار شتم من يغيظوا الحركة الصهيونية؟ لا نعرف. ولماذا يقفز فوراً إلى التخوين وأجهزة الاستخبارات؟ لا نعرف هذه أيضاً. أسهل شيء أن تشتم وتتهم.

هذا شخص مُتمرّس في الهذر والتخبيص في أي قضية تشاء. يريد أن يتحدث وفقط. مثل صاحبه القديم بشارة، تصوروا أنه كان المتحدث الوحيد في «ندوة» عنوانها «نحو تشكيل لجان نسائية عربية لمقاومة التطبيع»! أليست هذه كارثة؟ هل عجزت نساء فلسطين والأمّة العربية عن تقديم أصوات نسائية لمقاومة التطبيع؟ هل ينتظرن «الدَكَر» سمارة يُعلمهن كيف يشكلن لجاناً نسائيّة ضد التطبيع؟ هذه فضيحة. والفضيحة الأكبر الذين وجهوا له الدعوة، وأطلقوا عليها: ندوة ثقافيّة!
إذا كان عادل سمارة من «أنصار حقوق المرأة»، فلماذا هاجم إذاً المناضلة خالدة جرّار؟ وقيادات نسوية مناضلة في الأرض المحتلة لمجرد خلاف في الرأي. لماذا لم تسلم من لسانه البذيء أمل وهدان؟ ومناضلات في فلسطين ألقى عليهن بأقذر الاتهامات والأوصاف؟ ثم إذا كان من أنصار المقاومة حقاً فلماذا لا تستقبله قنوات المقاومة على شاشاتها وفي مواقعها وصحفها؟ ويشتم معظم قوى المقاومة لأنها ستشارك في الانتخابات التشريعية في الضفة وغزة، عِلماً أن سمارة دَعا علناً إلى المشاركة في الانتخابات والتصويت لصالح صديقه حسن خريشة. وكاد يكون أحد المرشحين على قائمته. أولم يسمع الحكمة في المثل المصري الشعبي: أسمَع كلامك أصدقك.. أشوف أمورك أستعجب؟

على خُطى غانتس وحسين الشيخ
في اليوم الذي قام فيه العدو الصهيوني ووزير حربه بيني غانتس بإدراج «شبكة صامدون» على قوائم الإرهاب الصهيونية، بدأ عادل سمارة وجوقته بمهاجمة هذه المنظمة الناشطة التي تزعج الصهاينة وأدواتهم في أوروبا وأميركا الشمالية. قاموا بذلك باسم «محور المقاومة» ولا علاقة لهؤلاء بالمقاومة وأهلها، هل هكذا تنتصر سوريا؟ بالهوس وقلة الأدب وتوجيهات المدعو حسين الشيخ، وضباط السفارات الصهيونية في الخارج؟

ويهاجم سمارة حركة «المسار الثوري البديل»، وهي مبادرة فلسطينية عربية أممية تنتمي إلى معسكر المقاومة ولا تنتمي إلى أنظمة ومحاور. هذا موقف معلن ومعروف، وجعلها أكثر حركة شعبية خارج فلسطين المحتلة تتعرّض للهجوم اليومي من اليمين الفاشي في ألمانيا وكندا وفرنسا وإسبانيا وغيرها، وتُزعج الكيان الصهيوني والسلطة وجماعة الأنظمة، وباعتراف أركان معسكر العدو نفسه. فالشواهد التي أمامنا لا حصر لها. أعتى مراكز الحركة الصهيونية وصحفها ومنابرها، وعدد من سفارات العدو الصهيوني مجندة في بعض الدول الغربية للهجوم على «المسار الثوري البديل»، تماماً مثل سمارة وجوقته من الهَمَل.
ولم يُصدر عن حركتنا أيّ موقف ضد سوريا. بل نحن ندافع عن وحدة الشعب السوري في مواجهة كل تدخل أجنبي واستعماري وصهيوني يستهدف هذا الوطن العزيز، وندعو لحقن دماء السوريين، مع ذلك، لن نخرس ولن نبلع ألستنا أمام كل ممارسة خاطئة أو جريمة يُقدم عليهما أي نظام عربي، سواء جاءت من النظام السوري أو المصري أو السعودي... إلخ. ولن نلتحق بالقطيع، أيّ قطيع. وسنظل مرفوعي الرأس.
نحن نرفض الاحتفاء الجاري في دمشق بجماعة الإمارات والتطبيع وجوقة أبي مازن، ونرفض استقبال النظام لجبريل الرجوب، وسنقف ضد كل ما من شأنه أن يضعف الشعب السوري أو يمنعه من تحقيق وحدته وسلامة وطنه وأراضيه. وسنظل نطالب بالإفراج الفوري عن المعتقلين الأبرياء في كل السجون العربية وبخاصة الذين لم يرتكبوا جرائم بحق شعبهم. وهؤلاء كثر في السجون العربية من المحيط إلى الخليج. هذه مسؤوليتنا وواجبنا. من يريد أن يكون بوقاً لنظام ليفعل من دون أن يُلقي علينا قمامته.

خلاصة
ما يقوم به سمارة منذ عقود محاولة مشبوهة لضرب موقع ومكانة «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» ودورها الوطني والقومي، وضرب حركة المقاطعة للكيان الصهيوني، واستهداف منابر ثقافية وشخصيات محترمة، ودق أسافين بين المقاومة وأنصارها وأصدقائها والتشهير بالأصوات الوطنية والعروبية التي تُشكّل تياراً رئيساً ثورياً حتى لو بدت بينها خلافات ثانوية وطبيعية. أعلم أن البعض سيقول: فلسطين أهم من هدر الوقت في سجالات لا طائل منها. وهؤلاء معهم حق. غير أن الصمت والخواء والدجل سقوط وفشل أيضاً.
كل ما نطلبه هو أن يحترم سمارة نفسه ويكف لسانه وأذاه عن الشرفاء. فلا يتطاول على البشر ولا يستهدف سمعتهم ودورهم الوطني بالأكاذيب واختلاق القصص لأنه سيجد من يردّ عليه هذه المرة. نحن لم نهاجمه ولم نعتد عليه، اللهم كتبنا مقالاً ولم نرتكب جريمة، وكل ما في الأمر أننا انتقدنا صديقه القديم، فانتفض...
يقول الشاعر أبو الأسود الدؤلي: «لا تنهَ عن خلُقٍ وتأتيَ مِثلَهِ/ عارٌ عليكَ إذا فعلت عظيمُ/ ابدأ بنفسك فانهَها عن غَيِّها/ فإذا انتهت عنه فأنتَ حكيمُ».

* كاتب فلسطيني، شارك مع الراحل سماح إدريس وعدد من رفاقهما في تأسيس حركة «المسار الفلسطيني الثوري البديل»

عن عزمي بشارة وقَفاه... في زمن السقوط الشامل

[إلى الرفيق سماح إدريس، بالطبع]

في مقابلة مع تلفزيون «العربي»، يُقدّم لنا الدكتور عزمي بشارة بضاعته الجديدة وطبعته الأخيرة في معنى الديموقراطية، إذ يجتهد المثقف النفطي، من الدوحة، في تسويق الليبرالية الغربية باعتبارها «المرحلة الانتقالية المطلوبة» التي يحتاج إليها العرب في تاريخهم المعاصر. فما زال الرجل على حاله، يتقَمّص ملامح الجِد ويرتدي قناع المفكر الديموقراطي الحكيم، يريد إفهامنا أن أوروبا وأميركا، لا بل النظام «الإسرائيلي البرلماني» هو الحل لكل مشاكلنا وقضايانا. أمّا الصين وروسيا وإيران وكل دول ومجتمعات جنوب الكرة الأرضيّة، بالنسبة إلى بشارة، فإنها تعاني من الاستبداد والتخلف والرجعية والفشل... إلاّ قطر، طبعاً، قطر التي تُرحب بالصهاينة في إعلامها وعلى أرضها وتُموّل منذ عقد ونيّف عصابات الإجرام والقتل من المحيط إلى الخليج.

فلاش باك: كان إخواننا ورفاقنا في أقطاب محور المقاومة يستقبلون «عضو الكنيست العربي عزمي بشارة» كمَن يستقبل جمال عبد الناصر وقد خرج للتوّ من قبره. بل إنّ قادة الفصائل الفلسطينيّة واللبنانيّة كانوا يحتفون بالرجل ويهلّلون له في دمشق وبيروت كما لم يُحتف بمثقف عربي من قبله. قالوا لنا وقتئذٍ «كلمة عزمي بشارة ما بتصير كلمتين عند أطراف معسكرنا» وكنا نحن «الخشبيين» أقليّة هامشيّة مُشاغبة (وما زلنا) تُعلن رفضها لاستقبال مثقف السلطة وتقف على نقيض سياساته ومواقفه في السر والعلن، ونعتبر تسويقه في أوساطنا الشعبيّة خطراً كامناً يستهدف تمييع وتليين المواقف السياسيّة والفكريّة لقوى المقاومة. لم يُصدّقنا إلّا بعض “الغلابا”، خاصة بعد أن مَنَحهُ سلاطين التّمَلُّق واللغو من أبناء معسكرنا لقب «المُفكر العربي الاستثنائي»!
بعد أقل من عقد واحد، انتقل عزمي بشارة إلى الدوحة وصار يشتم إيران وسوريا والمقاومة ومحورها (ما عدا «حماس» حتى الآن والحمد لله) وظل يبيع الناس من كيس الأوهام ذاته، فالمثقف السلطوي، الحاوي، والمُرَشح السابق لحكومة العدوّ، يميلُ إلى جهة الريح، ويتلوّن مع كل الأزمنة، ويختار مصلحته الشخصية -أوّلاً- لإشباع أناه التي كبُرت وتضخّمت حتى بَلعته. هكذا ظل يذهب «المفكر الجهبذ» مع مَن يدفع له أكثر. ويطلب «العلم» و«الثورة» ولو في بلاط أمير النفط والغاز!
ومنذ نحو سنتين، تقريباً، يشنّ البعض هُجوماً علينا، ولا نعرف لماذا يتهمنا هؤلاء أننا نحن «جماعة عزمي بشارة»؟ ولماذا يلقون زبالتهم علينا الآن؟ بشارة هذا شريككم السابق... هذه بضاعتكم.
ليس القصد من وراء هذا الكلام التشفي ولا القول «حَكينا بس ما سمعتوا»، لكن أكثر مُنتقدي بشارة، اليوم، بلا مصداقيّة، فلا بُدَّ من اتساق بين الرّسالة والرّسول. كانوا شركاءه وأصدقاءه وأحبابه، بالأمس القريب فقط، وبعضهم كان يسافر من الولايات المتحدة للقائه في بيروت ودمشق وعمّان و«يمسح جوخ» ويتملّق الرجل.

وإذا كان بشارة خدعكم في السابق، فحريٌّ بكم أن تتحلوا بقليل من الشجاعة وحفنة من الصدق وأن تعترفوا بالخديعة، هذا لا يُضيركم، ويسمى ممارسة ثورية للنقد الذاتي، وهي سلاح ثوري فعّال ودواء نافع للفكر وجسرٌ للإصلاح والتغيير، بدل أن تتهمونا نحن أننا «جماعة عزمي بشارة» فهذه الكذبة لن تنطلي على عاقل/ة. والأنكى من كل ذلك ترمون سهامكم على الجهة الغلط وتحاربون في الموقع الغلط. دواعش «قومية» و«يسارية».

أكثر من ذلك: أنتم وبشارة وجهان لعملة واحدة. لا، أنتم في الواقع قَفا بشارة، ولو تسترتم خلف عباءة السيد حسن نصرالله وحاولتم التلطي خلف «محور المقاومة». فلا علاقة تربطكم بالمقاومة ولا مُعسكرها أصلاً، لا من قريب ولا من بعيد. حارتنا صغيرة ونعرفكم بالاسم.

أحدُهم يُهاجم عزمي بشارة وكان يسير معه مثل ظله في رام الله، إنهم يفعلون ذلك الآن لإيهام الناس أن مواقفهم كانت دائماً «ثورية» على هذا النحو. الحقيقة عكس ذلك تماماً. الدلائل والبراهين كثيرة وموثّقة، تقول بوضوح كيف كان «الرفيق عزمي» معلمهم وقائدهم حتى حين كان عضواً في برلمان العدوّ. أحدهم كان شريكه في «مشروع ثقافي» ثم صار الفنّاص ينعته بـ«فتى الموساد»!
ويستنفر «يساري قومي» صَنعته شاشة فضائية. كان يكتب مقالات أسبوعيّة في موقع «الجزيرة»، وفجأة بدأ يشتم بشارة حينما لم تسلُك أمور توظيفه في مركز الدوحة بعد ثلاث محاولات يائسة، صار يقول: بشارة هذا وسخ جداً. ثم يهتف لمحور سوريا. صار اليوم من «رموز الممانعة الثقافية».
هؤلاء لا يدافعون عن سوريا ولا عن فلسطين ومعسكر المقاومة، يَعلكون الكلام «ضد بشارة» لتسويق ذواتهم الصغيرة، فيما تتواصل حملة صهيونيّة مسعورة ومتزامنة ضدنا (منذ سنتين أيضاً) وتتهمنا بأننا أدوات إيرانيّة وسورية تعمل لمصلحة حزب الله والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وأننا بوق الإعلام الخميني. وفي الوقت الذي تشحن فيه الحركة الصهيونية مُنظّماتها ضدنا يستنفر هؤلاء أيضاً... وباسم «محور المقاومة»!
على المقلب ذاته يُشبه عزمي بشارة حال رجُل الأمن الفاشل محمد دحلان. الأوّل يُقدّم خدماته «الفكرية» لقطر، وهي إمارة تُنتج النفط والموت، وشاركت في جريمة قتل كبرى راح ضحيتها آلاف العرب وغير العرب في أفغانستان والعراق وسوريا ومصر وليبيا ولبنان وغيرها. أمّا الثاني، فيقبع في الإمارات ويقدّم خدماته الأمنيّة لنظام رجعي مجرم يتحالف مع الكيان الصهيوني ويقصف أطفال اليمن ويرتكب المجازر للسيطرة على ميناء بحري يهديه إلى شركات أجنبيّة استعمارية.

عزمي بشارة ومحمد دحلان يبدوان من خارج المشهد كأنهما يقفان على طَرَفي نقيض. غير أن هذه «التفنيصة» لن تمُر عليك عزيزي القارئ وأنت العارف اليقظ. ففي الجوهر هُما مشروع فاسد مصدره واحد. إنهما مجرد أداتين تعملان في خدمة مصالح النظام العربي الرسمي، وستجد مثلهما «مثايل» في كل دولة وناحية عربية، يذهبان مع من يؤمّن لهما امتيازات وسلطة ودولارات ومواليَ، تماماً مثل بعض أبواق «محور المقاومة» الذين أجروا عقولهم وجيوبهم ومؤخراتهم لـ«التنظيم» و«الجهاز» و«الفضائية» و«الحكومة» وهؤلاء أكثر من يُسيء إلى المقاومة وموقفها ومعسكرها. فهذا زمن السقوط الشامل وليس زمن أنيس صايغ وغسّان كنفاني وناجي العلي ومهدي عامل وأمل دنقل ونجيب سرور.
ولأنه «عربي ديموقراطي» و«موسوعي» و«فقيه دستوري» و«روائي» و«مفكر طبعاً»، يُصدر بشارة الفتاوى في السياسة والدين والتاريخ وكل شيء، أكثر من المودودي وشيخ الأزهر وكارل ماركس، فالرجل يفهم في كل شي، ويحفظ مواد الدستور التونسي عن ظهر قلب، ويعرف مجاهل الصومال، ومُتبحّر في تاريخ قبائل الجزائر، وفي وسعه أن يفكك الحالة الكردية والأمازيغية ويعرف أحوال الصين والهند والسند. وإذ ينغلق علينا نحن البسطاء فهم عالم الاقتصاد والمشهد الرّاهن في ليبيا مثلاً، فهذا لا يطاول بشارة، أعوذ بالله. ليبيا هذه مسألة بسيطة، اسألوا عزمي بشارة، يُحَلِّل ويُحرّم كل الواقع الليبي لو أردت... في خمس دقائق.
وفي زمن مضى، كان بشارة يزور الراحل الكبير جورج حبش في بيته بعمان، ويزور «سوريا الصمود» و«سوريا الثورة» ويحلّ ضَيفاً كبيراً على القصر وجامعة دمشق، وتجِد الطلبة افترشوا الأرض فلا مكان شاغر في القاعة، والأمر ذاته تكرر في جامعات عربيّة كثيرة، من بيروت إلى عمّان إلى القاهرة وصولاً إلى تونس، فهل يستطيع بشارة أن يُحاضر اليوم في هذه الجامعات العربيّة؟ الجواب لا، لا كبيرة قاطعة. لسببين: أوّلاً، لأن في وسعه بث سُمومه عبر شاشة من الدوحة. لا حاجة إلى الحوار طالما أن المطلوب من «المثقف الكبير» أن يقول ويرمي الكلام ويصدر أحكامه وفتاواه، من عليائه، حيث لا يسمع أو يحاور «العامّة». وثانياً، لأنه أصبح في موقع الخصم لمعسكر المقاومة في المنطقة وقد يقذفه الطلبة بالبيض الفاسد والشتائم... وعلى الطريقة اللبنانيّة.

أكثر مَن يدفع الثمن في هذه المطحنة الخربانة من الجدل الفارغ هو الحوار المنتج والثقافة الوطنيّة. وعلى المثقف العربي الثوري ألا يرتعش من مواجهة مثقف الأنظمة وكهنة إعلام المحاور والتطبيع. وألا يخاف من نقد معسكر المقاومة أيضاً، فهذا مُعسكرنا، ونقدنا سيكون من داخله وعلى قاعدة تطوير وحماية المقاومة أوّلاً. كما يجب أن تظل مدرسة ناجي العلي ونهج غسّان كنفاني هادياً لنا وبوصلة فلا نضل الطريق.
إنّ ما يجري في مشهدنا العربي الثقافي والسياسي الراهن، وبخاصة الفلسطيني، هو غياب مُريب للحوار الحقيقي بين المثقفين المحترمين. وهؤلاء أكثرية صامتة وليسوا هوامش. كما لا يجوز أن نحصر مشهدنا بين بشارة وقفاه من «الثورجيين» ولا أن نسمح لهم بمصادرة الحوار وتحويله إلى جولات شتائم ومضيعة للجهد والوقت. ونحن اليوم في حاجة ماسّة إلى حوار جاد يخدم مشروع التحرر الوطنيّ ومصالح وحقوق الطبقات الشعبية على قاعدة مواجهة القوى المعادية التي تستهدف حاضر ومستقبل الأمّة وشعوبها.
كان غسّان كنفاني مُحقاً حين قال: «ليس أسهل من القبول المُطلق إلا الرّفض المُطلق» ولا فائدة من جدال شخص يتّخذ من الحوار وسيلة للهجوم عليك. فكل ما يريده هو أن يشتمك فقط. فالحوار الحقيقي محاولة صادقة للفهم وليس للإقناع والتلقين. ومن يرغب في الحوار والفهم يركض إليه حُباً وطوعاً ولا يذهب للبلطجة الفارغة والكذب والزعرنة... هذا سلوك عاجز يفضح صاحبه أكثر مما يستر عوراته.


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 64 / 2342879

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

10 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 10

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28