] نظام أوسلو .. والمقاومة الفلسطينية - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
الخميس 27 تموز (يوليو) 2023

نظام أوسلو .. والمقاومة الفلسطينية

الخميس 27 تموز (يوليو) 2023 par خالد بركات

صَنَع العدوّ الصهيوني سُلطة فلسطينية هجينة أطلق عليها إسم “سلطة الحكم الإدراي الذاتي المحدود” بعد أن تعاقدت معه قيادة منظمة التحرير وطبقة الرأسمال التابعة قبل 30 عاماً، ورضيت بدور الوكيل الأمني والإقتصادي في “المناطق”، وحملت هراوة أمريكية مختومة بشعار المنظمة والنجمة السداسية. نظام أوسلو/ السلطة/ يعمل بتوجيه ودعم مباشر من قوى الإستعمار وضباط “الإدارة المدنية”، تديره طبقة من السماسرة، ويُسنده جمع مستلب الوعي والإرادة، ويبرر وجوده مثقف سلطوي على شاكلته. ولذلك اختارت الأجيال الفلسطينية الشابة من الطبقات الفقيرة في المخيمات والريف والتي ولدت بعد توقيع إتفاق أوسلو عام 1993 أن تقف على الضفة الأخرى النقيض..تمردت وذهبت إلى الوعي والسلاح.

وإذا كانت الطائفيّة السياسيّة في لبنان، مُستنقع الوَحل والدم والفقر الذي صَنَعهُ المُستعمِر الفرنسي، فإن نظام المناطقية الذي صنعه المستعمر الصهيوني صار متاهة الفلسطينيين ومأزقهم الوجودي أيضاَ، والآلية الفعّالة لمشروع التصفية ومطحنة التدمير الذّاتي التي تضمَن للعدوّ الصهيوني شَطب حقوقهم وتذويبهم دونما قتال. فما جرى خلال العقود الأخيرة كان هندسة استعمارية لنظام يخدم مصالح الإمبريالية الأمريكية والكيان الصهيوني والنظام العربي الرسمي، ويحمي إمتيازات طبقة فلسطينية مهزومة عَثرَت على كيانها المَسخ في سُلطة الحكم الذّاتي الهزيل.

لقد حَذّر القائد الشهيد د. فتحي الشقاقي، في عشرات المقالات والخطابات الموثقة بين (1991- 1994) من المخاطر الكبرى التي سيحملها مسار مدريد – أوسلو على قضية وحقوق الشعب الفلسطيني. واعتبر رفض بعض الفصائل الفلسطينية للإتفاق لأنه يعطي 22% من الأرض مقابل التنازل عن 78% من فلسطين موقفاً يحتاج إلى المراجعة. فالعدو الصهيوني، بحسب الشقاقي، يريد أن يبني نظام العبودية ويذبح القضية، ويأخذ كل فلسطين من النهر إلى البحر، بل وكل الوطن العربي ولن يعطي ياسر عرفات أيّ شيء

نظام المناطقيّة وتقسيماته بدأ مبكراً. له أسماء وأرقام (1948) و (1967) ومعازل لها أحرف إنجليزية وعبرية. وهذه بدأت تتحول مع الوقت إلى لغة وثقافة ورموز، إنها وصفة استعمارية جاهزة لتذويب هوية الفلسطينيين وتدميرهم من الداخل. فبعد سرقة الأرض وسلب الحقوق تواصلت حروب الإبادة الجماعية المُعلنة والصامتة، ودفعت الجماهير إلى عالم الإغتراب والإستلاب، والتعايش مع نظام العبودية باعتباره “الواقع” وستبدو أنت غريباً لو عارضت مثلاً مهزلة “انتخابات المناطق في يهودا والسامرة” أو رفضت المشاركة في “انتخابات الكنيست”!

تكريس نظام أوسلو ومؤسَّساته الأمنية والإقتصادية فتح شهية الجنرالات الصهاينة في السنوات الأخيرة إلى تقديم “أفكار جديدة” مثل تأسيس“الإمارات الفلسطينية” كإمارة الخليل، إمارة جنين، إمارة نابلس، الخ، ومعازل مُفككة ومحاصرة تُشكل من منظور العدو الصهيوني البديل الممكن للعلاقة مع “سكان المناطق” عبر منظومة قائمة على المصلحة، تقودها دوائر المال وشيوخ العشائر ومافيات التنسيق الأمنيّ، هذا المشروع التصفوي لن يسقط إلا بالمقاومة النقيض والتي تحمل اليوم أسماء جديدة مثل “كتيبة جنين” و “كتيبة نابلس” و “كتبة طولكرم” الخ . لأن المقاومة الشاملة هي الصمغ الوحيد الذي يجمع الشعب الفلسطيني ويلم شتاته ويفتح الطريق من جديد نحو مسار العودة والتحرير

يستولد نظام المناطق سُلطات صغيرة محلية أكثر بؤساً على صورته في القرية والمخيم والمدينة والجامعة والنقابة والحزب والمدرسة، يستجلبها وفق فرمانات تأتي جاهزة وأكثر مسخاً وتخلفاً وانحطاطاً، تنتج “شخصيات” لها حظوة قبلية متصالحة مع الاستعمار. فنظام المناطق الهش تسهُل السيطرة عليه وتطويعه. خاصة في ظل تفسًّخ وضعف الحركة النقابية والنسوية والطلابية، وغياب العمل الجبهوي الثوري، ولا غرابة أن تَلجأ الجماهير في هذه الحالة إلى القبيلة والوظيفة كتعويض عن الشعب - الوطن.

حاول المُستعمِر الصهيوني إبتداع أنظمة لا مجال لحصرها. لم يأت بها من المريخ، بل من داخل البنية الاجتماعية والثقافية للسّكان الأصليّين. فالهدف هو تفتيت مجتمعاتهم وتجريفها من الداخل. لقد جرّب ذلك مع كل الشعوب التي إستوطن أرضها. يدرك الصهاينة، مثل غيرهم من المستعمرين، قوة هذه الوصفة “السحرية” التي استخدمها المستعمر الأبيض في أمريكا الشمالية ونيوزيلندا واستراليا وغيرها.

سُلطة المناطق الفلسطينية تُدير شؤون بعض السكان في “يهودا والسامرة” وتعتاش على نظام ريعي يَرتكز على “الأمن” و “العشيرة” و“البنك”. وهذه أضلاع مثلث التحالف الطبقي للسلطة التابعة، فكل ضلع يتكأ وبعتاش على الأخر. والعلاقة بينها يحددها ضباط “الإدارة المدنية” و “الشاباك”. ويُمكن لمثلث السلطة الوكيلة أن يرتدي كل الأقنعة في “المناسبات الوطنية” يمكنه أن يتذمر، أن يشتم الاحتلال لو أراد، وعلى الفضائيات، فهذه “حرتقات” و “زعبرات” لا تخيف العدوّ الصهيوني ولا يحسب لها أيّ حساب

كتَبَ الشهيد غسّان كنفاني عن علاقة الفلسطينيين بأنفسهم، وعن علاقتهم بالآخرين، وحذّر من مخاطر هذا الواقع قبل 60 سنة واعتبرها أسئلة وجودية وليّست أسئلة للترف الفكريّ والعلاك المصدي. واعتبر كنفاني أن جريمة خلع الفلسطيني عن أرضه تساوي خلعه عن قضيته. لم يتصور الكاتب الثوري في أسوأ كوابيسه أننا سنصل إلى “شعب غزة” و“شعب الضفة” و“شعب الداخل” ونظام المعازل والحصار والارتهان للدول “المانحة”. وكيف صار “الحزب الثوري” والعشيرة شيئاً واحداً، بل تحولت الشركات والأجهزة الأمنية والمؤسَّسات المُمَولة من المستعمِر إلى ملاذ أخير لتوفير الحماية الذّاتية ورغيف الخبز

كان غسّان كنفاني، مثل فتحي الشقاقي، يرى أن الثورة هي الأرض الباقية للفلسطينيين وعليها يمكن بناء “هوية الشعب المُقاتل” واعتبرها بمثابة الحل الذي يوفر عنصر التماسك لشعب ممزق، فالوحدة في الحالة الفلسطينية لا تصنعها إلا الثقافة الوطنية والعنف الثوري والنقد الصريح ووحدة السلاح، فلا هوية فلسطينية خارج الثورة ولا هوية فلسطينية معزولة عن عُمقها الشعبي العربيّ..

وعلى النقيض من كنفاني، عَمَد السياسي الفلسطيني التقليدي بعد العام 1974 على استبدال الثورة بالمؤسَّسة (منظّمة التحرير الفلسطينية) فاعتبرها “الكيان المعنوي” و“الممثل الشرعي الوحيد” وفرّغها من جوهرها الشعبي واكتفى بالرمز واليافطة .. ألقى بالجوهر والحقوق في سَلة المُهملات واحتفظ في الشكل والكوفية والعلم والنشيد

وبرغم الدور الوطني الذي قامت به م ت ف في سنوات الثورة ( 1967 – 1973 ) وشعارها “وحدة وطنية، تعبئة قومية، تحرير” إلا أنها تحولت في بازار التنازلات والتطبيع وعبادة صنم “الدولة” إلى شكلاً هُلامياً يشبه القائمين عليها، لا علاقة لها بالوحدة الوطنية ولا بالتعبئة القومية، فضلًا عن التحرير ! بل صارت مزرعة لتدجين وتفريخ المهزومين من “أبناء الأجهزة” و“التنسيق الأمني” وأزلام مضافة الحاج أبو مازن الذي يسميه البعض بـ “السيد الرئيس”! هذه التسمية لم تأت من فراغ هي الأخرى. فاللغة التي يحاول البعض توظيفها لستر عوراتهم هي ذاتها التي تفضح منطقهم

من يعتقد أن الخروج من النظام الأوسلوي المَسخ يمكن أن يكون عبر “إجراءات تنظيميّة” أو “إعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير” و“تشكيل مجلس وطني جديد” أو عن طريق “المصالحة” ننصحه بقراءة مواقف (الحكيم) الدكتور جورج حبش وخطابات القائد فتحي الشقاقي والدكتور عبد العزيز الرنتيسي ومراجعة تجربة عمرها 100 سنة، فالخلاص من براثن نظام أوسلو يشترط دفن وهزيمة مشروع الحكم الذاتي التصفوي أولاً، هذا هو الشرط اللازم للخروج من زمن “سلطة المناطق” إلى زمن الثورة – الشعب- الوطن، وحينذاك يسقط الغيتو والوهم معاً . يتساوى الجميع على أرض الثورة من حيفا إلى رام الله إلى البقعة واليرموك وشاتيلا وصولاً إلى المخيمات الجديدة في برلين وبروكسل ومالمو

إنّ الأكثرية الشعبية الفلسطينية المطحونة في الوطن والشتات والتي تعيش في بطن التيه والفقر والمرض والمعازل، لا مصلحة لها في مشاريع السلطة الزائلة. وستظل مصلحتها كامنة في دعم واسناد المقاومة وحماية مشروعها التاريخي الوحيد: العودة والتحرير. فالشعوب المناضلة تُقاتل من أجل تحرير أوطانها واسترداد حقوقها المسلوبة ولا تبذل الروح والدم من أجل سلطة وكيلة وتابعة لا تخدم إلا الاستعمار وأدواته


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 12 / 2342879

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

33 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 33

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28