] رحيل الشاعر حسن العبدالله: «راعي الضباب» الذي ارتبط اسمه بالجنوب اللبناني - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
الجمعة 24 حزيران (يونيو) 2022

رحيل الشاعر حسن العبدالله: «راعي الضباب» الذي ارتبط اسمه بالجنوب اللبناني

الجمعة 24 حزيران (يونيو) 2022

عن عمر ناهز 78 عاما، وبعد صراع مرير مع المرض، ترجل عن دنيانا الشاعر اللبناني حسن العبد الله، وسيوارى الثرى اليوم الأربعاء في الخيام مسقط رأسه.

جمع بين شعر المقاومة وأدب الطفل

ولد الراحل في الخيام ـ جنوب لبنان عام 1943، ونشأ في عائلة مولعة بالأدب الشعبي، ما ولد لديه حب القصص والأساطير. بدأ يكتب الشعر في سنوات مبكرة، وحصل على إجازة في الأدب العربي، وامتهن التدريس لفترة طويلة. يُحسب على جيل السبعينيات في الشعر اللبناني، صدر له في هذه الحقبة ديوانه الأول: «أذكر أنني أحببت» (دار الفارابي ـ 1972)، و»الدردارة» (دار الفارابي ـ 1981)، وانقطع عن كتابة الشعر نحو 18 عاما قبل أن يصدر مجموعته الشعرية الثالثة «راعي الضباب» (دار رياض الريس للكتب والنشر ـ 1999)، التي شكلت تطورا نوعيا في مسيرته الشعرية، وأثارت بواقعيتها الحادة ولغتها اليومية المباشرة وأبعادها التعبيرية اهتمام النقاد والباحثين. ثم صدر له «ظل الوردة» (دار الساقي- 2012). وقد عرف الراحل أكثر بوصفه أحد شعراء الجنوب اللبناني الأساسيين إبان فترة الاحتلال الإسرائيلي، واشتهر بقصيدة «أجمل الأمهات» التي غناها مارسيل خليفة وترددت على نطاق واسع في البلاد العربية، وغنى له كذلك «من أين أدخل في الوطن». كما قدم إنتاجا متميزا وهائلا في أدب الطفل بين شعر ونثر، ومنح في هذا الحقل جائزة وزارة الثقافة المصرية عام 2002، وفي عام 2012 جائزة الإبداع الأدبي من مؤسسة الفكر العربي، وجائزة الشيخ زايد لأدب الأطفال في دورتها الحادية عشرة عن كتابه «صديق النجوم» عام 2016.
وقد ترجم مختارات من شعره إلى الفرنسية والإنكليزية والألمانية والإسبانية والروسية.

رثاء وتذكارات

وقد نعاه اتحاد الكتاب اللبنانيين وجاء في بيان صادر عنه، أنه ترك للأجيال «إرثا غنيا من الجمال الشعري الذي جسّد ربيع الطبيعة بسندسها الأخضر ورقرقة جداولها ودردارتها الرمز، وصوتا هادئا رقيقا يصدح حبا لأجمل الأمهات، تزف شهيدا يدفع المحتل عن أرضه، ولوحة طبيعية غنية بألوان الحياة والعشق والتمرد».
واحتشدت مواقع التواصل الاجتماعي بصوره الشخصية وكلماته، وكتب أصدقاؤه من الشعراء والأدباء الذين جايلوا واقتسموا لحظات من وجوده في القصيدة والحياة، شهادات ناصعة ومؤثرة. كتب الشاعر عباس بيضون: البارحة وأنا أقرأ من قصيدة صور لم أكن أعرف أن شقيقتها صيدا تودع. القصيدتان كتبتا في الوقت نفسه وكانتا تحملان اللحظة ذاتها والتطلب ذاته. لم يكن هذا هو اللقاء الوحيد بيننا. قاسمت حسن عبدالله بيته وقتا بعد أن صار الاحتلال على أبواب مدينتي. أحببنا صديقتين كنا نلاقيهما في البيت نفسه، ولم أستغرب أن يخلط واحد بيننا. لم نكن في يوم الشخص نفسه لكني بعد أن وصلني خبر حسن في ساعة من الليل أحسست به خبرا عن نفسي. سأعيش بالطبع، ففي الآونة الأخيرة كنا قلما نلتقي، لكن لا أعرف، مع ذلك، كيف أكون دون حسن عبدالله، كيف يكون العالم دونه».
وكتب الشاعر شوقي بزيع: «الماء يأتي راكبا تينا وصفصافا/ يقيمُ دقيقتين على سفوح العين/ ثم يعود في «سرفيس بيروت – الخيامْ». بهذه الكلمات المؤثرة استهل حسن عبدالله قصيدته «الدردارة» قبل نيّف وأربعين عاما. والآن قرر الشاعر الذي أهدى إلى الماء أعذب ما جادت به قرائح الشعراء من قصائد، أن يعود برفقته إلى الجذوع العميقة للينابيع الأم، حيث لا تملك الدموع أن تحاكي طهارة قلبه الطفولي، ولا تجد السهول ما يكفي من الانكسار الحنون، لكي تنقل صوته إلى سنابل القمح. وداعا يا أنبل الشعراء، وأغزرهم موهبة، وأكثرهم تواضعا ونزاهة، وتعلقا بالظلال. وداعا حسن عبدالله».
وكتب الشاعر جودت فخر الدين: «أكثر من أربعين سنة ونحن نتسامر ونتجادل ونتفق ونختلف، والصداقة بيننا تزداد تعمقا وتوسعا وتنوعا. وكنا نذهب إلى الآخرين فيملأ المكان الذي نحلهُ ظرفا ورشاقة وخفة دم. كان حضوره أينما حلّ يشيع الغبطة والحماسة والأنس. وكم كانت مشاكساته تضفي على مجالسنا حيوية لم نكن نحظى بها من دونه. أما شعره فكان الصورة الصادقة لِما اتصفت به شخصيته من حيوية ورشاقة. لم أره منذ بدايات كورونا، ولكنني كنت أشعر بأننا معا دائما. سوف يبقى حسن عبدالله بالنسبة إليّ ذلك الصديق الذي لا تذهب خصاله ومآثره مع الأيام».
وقال الروائي المغربي أحمد المديني: «حسن العبدالله أجمل الشعراء، وشاعر الطفولة، أولا. الصموت المستغرق في ذاته حتى بز السكوت، فإن تكلم أصغى له الأنام، ورفرف سرب يمام. أرق من تبقى من عندليب وهمس ورقة الشعر والإنسان في لبنان؛ كأنه نعي جماعي لنا إذ ترجل؛ أدباء العربية، أجلوا مباهجكم قليلا حزنا عليه وحدادا، فهو الليلةَ ضيف الملكوت، وإلى لقاء أيها الحبيب».
ورثاه الشاعر شربل داغر:
لو تقفلْ النافذة، يا نوح!
(إلى حسن العبد الله)
سماؤكَ دفترٌ ممحو؛
وَسَخٌ في رماده.
غيمٌ يمحو غيما من دون ممحاة؛
غيمٌ مبسوطٌ لسجادةٍ من دون عابرِين؛
غيمٌ لقافيةٍ بليدةٍ في رواحها ومجيئها من دون دليل :
دعْ الغيم للغيم، والمطرَ للأقدام الغائصة في وَحْلها.
ما ترى، ليس ما ترى.
ما تتلمسُ حول إطار النافذة، رذاذُ بقايا الممتدِ في طوفانه.
هل بقيَ ما لكَ أن تتفقدَه بشوقٍ الحريص، أو أن تعودَ إليه بطمأنينةِ الساكنِ في حلمه قبل بيته؟
هل بقيَ الأمل في الرواح إلى حيث كانت قدماك تتجهان من دون أن تصلا؟
هل بقيَ نارٌ في الموقدة الساهرة من دون ساهرِين؟
هل بقيَ ما يبقى ليوم عودتك، يا نوح؟
كما رثاه الشاعر الفلسطيني غسان زقطان:
وداعا حسن العبدالله
الشاعر الذي منح الظلال نورا:
«حفروا في الأرضْ… وجدوا ملكا ينفضُ عن خنجره الدمْ
حفروا في الأرضْ وجدوا فخَّارا أفكارا
لحنا جوفيا منسربا من أعماق البحرْ
حفروا في الأرضْ وجدوا رجلا يحفر في الأرضْ»


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 21 / 2342879

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع ثقافة وفنون   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

8 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 8

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28