] رواية «الحفيدة الأولى» للمصرية فاطمة الصعيدي: الكتابة كمجاز لحياة أخرى أحق بأن تُعاش - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
الأربعاء 16 شباط (فبراير) 2022

رواية «الحفيدة الأولى» للمصرية فاطمة الصعيدي: الكتابة كمجاز لحياة أخرى أحق بأن تُعاش

الأربعاء 16 شباط (فبراير) 2022

«… وكعادتي كنت أنا حقل التجارب الذي يرى فيه أهل البيت كل جديد، فأنا البنت الكبرى التي تمتلك كل البدايات». (الرواية)
«الحفيدة الأولى» هي العمل الروائي الأول للأكاديمية والكاتبة المصرية فاطمة الصعيدي، بعد مجموعة قصصية بعنوان «تاء التأنيث الساكنة» عام 2016. تحاول الكاتبة من خلالها الاحتفاظ بذكريات لم تغادرها، ويبدو أنها تحياها حتى الآن، وربما يأتي فعل الكتابة بغرض الاستشفاء منها، أو محاولة لتجاوزها، لكن الحكاية وطريقة سردها يُبدد فكرة التجاوز هذه، لتصبح حياة حقيقية، ومتناً تقابله لحظة آنية طويلة تأخذ دائماً صفة الهامش.
«هي رحلة استشفاء من الفقد، وتأريخ لهؤلاء البشر الذين لا ذكرى لهم، وفق الكتابة عن الأبطال المعهودين، الذين لا أحتفي بهم. وما استحضار الأرواح التي فارقتني إلا مجاز لحياة أخرى أعيشها بالفعل، رغم اعترافي في الفصل الأخير بأنه.. لا فائدة». هكذا تقول الكاتبة في الندوة التي عُقدت مؤخراً لمناقشة روايتها في مكتبة (البلد) في القاهرة، التي أدارها الشاعر والناقد شعبان يوسف.

حكاية التراث أنثوياً

يرى الناقد شعبان يوسف بداية، أن العمل يقع في المنطقة ما بين السيرة الذاتية وإعادة إنتاج هذه السيرة في شكل أدبي. فصورة الغلاف على سبيل المثال هي صورة حقيقية للكاتبة وجدتها تعود إلى عام 1966، كشكل من أشكال التوثيق لهذه الحالة أو الحدث، وصولاً إلى حالة دائمة من المزج بين السيرذاتي والمتخيل. فالفاصل الأول أشبه بالبكاء على طلل، لكل ما كان جميلاً وانتهى. «مكتوب ع الصورة.. أُخذت هذه الصورة لنجلتي بصحبة السيدة والدتي أثناء زيارتنا لأخي في سبتمبر/أيلول 66، في استديو عفت بحدائق القبة.. للذكرى». (الرواية).
ويضيف يوسف بأن الكاتبة تنتهج صوتاً مغايراً للسائد الآن في كتابة الرواية، فلا توجد سياسة أو جنس أو دين، لكن هناك بُعداً حسيّاً لا يُنكر، وهناك بعض اللقطات في الرواية تكشف ذلك. كذلك يتم التوثيق لفكرة الجدة الديكتاتورية في الريف صاحبة الكلمة العليا، بخلاف الجدة في المدينة، باهتة الدور، القاصر وجودها كحكاءة فقط. وما سرد تفاصيل القرية وشخوصها وعلاقاتهم وطقوسها، إلا شكل من أشكال حكي التراث الشعبي، ونقله أنثوياً عن طريق الحفيدة. هذه المرأة التي تمثلتها الحفيدة تماماً، وأصبحت أكثر حرصاً على ترتيل الكثير من سلوكها وأفعالها بعد ذلك.. «كل مرة أزور فيها بيتنا، لا أجلس إلا بعد مضي أكثر من ساعة من حضوري للمنزل، قضيت هذه الساعة أتفقد البيت، كأنني أريد الاطمئنان على كل شيء.. هل هذا تقليد لجدتي عندما كانت تعود من أي مشوار؟ لا أعلم، ربما، لماذا بت أعيد ما كنت أكرهه في تصرفات الآخرين».

محفزات السرد

ويرى يوسف أن الحكاية لا تتمثل كبنية سردية في حد ذاتها، بل الأكثر منه أنه حدث درامي توثيقي، وذا دلالة على المناخ العام الذي عاشته الشخصية، حتى أن الجدة ترتبط بكائنات أخرى أكثر من البشر، كما الفاصلة المعنونة بـ (كلب) وهو شكل من أشكال أنسنة الحيوان في القرية المصرية.
هناك صراعات وعلاقات شائكة، بداية من صورة الرجال الباهتة، حتى الجد، رغم قوته إلا أن وجوده يظل كخلفية من أجل اكتمال صورة بطلة الرواية (الجدة) وهو أيضاً ما يؤكده الدور الباهت لـ(الأم) فلا اتصال أو تواصل، أو حتى مواجهة إلا بين الحفيدة وجدتها ـ جدتها لأبيها ـ التي تفرض على حفيدتها بأن تنادى أمها باسمها مجرداً دون ألقاب، وكأن هذه الحفيدة ملكية خاصة وموروثة للجدة، التي في الوقت ذاته تطلب وتحب مناداتها بـ (أم بابا). فتهديها الكاتبة روايتها.. «إلى أم بابا كما كان يحلو لها أن أناديها».

ظل الجدة الدائم

وترى الكاتبة أماني الشرقاوي أن ثمّة تشابها واضحا بين هذه الرواية والمجموعة القصصية السابقة للكاتبة، من حيث أجواء البيئة الريفية العميقة، وإن تميزت «الحفيدة الأولى» بتفعيل وتوضيح الصراع النفسي لدى الحفيدة، في مرحلة انتقالية مهمة في حياتها، وهي المرحلة التي تعني نهاية الطفولة وبداية مرحلة المراهقة.
ونتعرّف على الجدة فى أحد فصول الرواية تحت عنوان (فاطمة زايد) التي تبدو قوية ومتعالية على أقرانها بشكل بطريركي واضح، فهى ابنة شيخ، وزوجة مدير المدرسة، ووالدة الأستاذ، مزايا تاريخية واجتماعية تتمتع بها دون الآخريات من النساء. «هل إحساسها بأنها مختلفة يجعلها أكثر حدة من الآخرين؟ هل إحساسها بأنها غيرهم يدعوها كي يكون بينها وبينهم هذا الجدار العالي، الذي يرتفع كل يوم درجة، مهما حاولت أن تزيل الجدار، فأفعالهم التي لا تروق لها تزيد الحواجز بينها وبين كل مَن تعامل».. وعندما تتعرض هذه الأسرة للانقسام والتشتت المفاجئ، إذ ينتقل الوالد للعمل في مكان آخر، ومن ثم أخذ معه زوجته والبنات الثلاث، تاركين الحفيدة الأولى فى رعاية جدتها القوية، تنفيذاً لوصية الجدة الدائمة، (البيت لازم يفضل مفتوح). هنا تصبح الحفيدة في مواجهة جدتها بمفردها، وتحمّل المسؤولية في هذه السن الصغيرة، وهو ما يتضح في الرسائل التي تكتبها لأبيها، والتي ينتهي بها الحال بالاحتفاظ بها وعدم إرسالها..
«أبي.. تيتا تطلب مني الذهاب إلى التُرب بعد غدٍ الخميس لإبلاغ جدي أخبارنا، أنا لا أستطيع الذهاب، وتريد أن أسقي الصبّارات أيضاً… هل من الممكن أن أخبر جدي أخبارنا من البيت، فالكلام يطير ويصل إليه، والصبّار يمكن أن يصبر حتى تشفى جدتي. أبي إني خائفة».


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 42 / 2342879

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع ثقافة وفنون   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

25 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 29

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28